[شموخ الطفولة في ديوان]
(بشائر من أكناف الأقصى)
للشاعر الدكتور سعد بن عطية الغامدي
محمد شلال الحناحنة
للطفولة المسلمة في فلسطين المحتلة وقعٌ خاص، ورؤى شامخة في ديوان: (بشائر من أكناف الأقصى) للشاعر الدكتور سعد عطية الغامدي، وليس أطفالنا اليوم إلا شباب الغد القريب المفعم بالأمل والتفاؤل لانتصار الأمّة، ونهضتها مما آلت إليه من تمزّق واندحار وهزائم أمام أعدائها، ولن تنتصر الأمة إلا إذا نصرت الله، وعادت إلى مرجعيتها وعقيدتها الإسلامية.
وكما بشّرنا الله ـ سبحانه وتعالى ـ كذلك أخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالطائفة المنصورة ببيت المقدس، وأكناف بيت المقدس فقال -صلى الله عليه وسلم-: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك» قالوا: يا رسول الله! وأين هم؟ قال: «ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس» (١) .
وإن كان الأقصى الجريح يعاني اليوم من حصار عصابات اليهود ومؤامراتهم ضدّ المسلمين، وشروعهم في تشريد وقتل أهلنا هناك؛ فمن يقف أمام جبروتهم وعدوانهم وطغيانهم؟! لقد انبرى فتية آمنوا بربهم، مجاهدين عدوهم، على الحق ظاهرين بإذن الله؛ وهكذا نصغي لشاعرنا سعد الغامدي يشدو لبطولات الطفولة في فلسطين الأبية في قصيدته (بشائر من أكناف الأقصى) :
(ويرمي عن حمى الرّحمان طفلٌ
رأى الحرمات دنّسها يهودي
فيخرج حاشداً للطفلِ جيشٌ
ويدفع للحجارة بالحشود
ترى دبّابة وترى صبيّاً
ينازلها ويهزأ بالحديدِ
لأنَّ عزيمة الإيمان أمضى
وأقوى في البلاغ وفي الوعيدِ)
هذا هو الطفل الفلسطيني المسلم بكلّ شموخه، طفل يواجه حشوداً من المحتلّين المدجّجين، طفلٌ شجاعٌ ينازل بحجارته وعزيمته الإيمانية الصادقة دبابات اليهود، بل يهزأ بجيشهم وعتادهم، ترى أليست هذه المواقف المجيدة الفريدة من عظمة هذا الدين، وعظمة مبادئه وقيمه التي لا تضاهيها قوة مادية؟ وقد وفّق شاعرنا الغامدي في استخدام الأفعال المضارعة (يرمي، يخرج، يدفع، ينازل، يهزأ) لاستحضار الهمّة الفاعلة لهذا الطفل الذي لقّن الدروس للأعداء في الإقدام والدّفاع عن وطنه وترابه المقدّس الطهور:
(فما أغنت قذائف عن نبالٍ
وما حمت المدافع من أسودِ
فقد ساقوا رجال الجيش سوقاً
وأسقوهم من البأس الشديدِ
وقد جعلوا حجارتهم سلاحاً
يثير الرعب في الجيش العتيدِ
ويلبسه بذلتهم لباساً
على ذلّ تلبّسهم تليدِ
فجاء قرارهم باللوم، يلقى
على جيل التلاوة والسجودِ)
إنَّ ما يميّز اليهود على مرّ التاريخ هو جبنهم في القتال، ورعبهم وخوفهم من أهل الدين والإيمان، رغم ما لديهم من قوّة وأسلحة حديثة، وهذا واقعهم في فلسطين أمام أشبال الإسلام، بل إنَّ أعظم ما يرعب اليهود ويرهبهم جيل المساجد من أطفال فلسطين، ولا شك أن الشاعر الدكتور سعد الغامدي ينهل من معين القرآن الكريم في رؤيته لأطفال المسلمين، وإبرازه لصفات اليهود في الجبن والذلّ والمسكنة فنقرأ قوله:
(ويلبسهم بذلتهم لباساً
على ذلّ تلبّسهم تليد)
وسنجد غير ذلك من إضاءات تقبس من الخطاب القرآني.
ففي قصيدة (اذهب وربّك قاتلا) يقول:
(هم يجبنون فلا يقاتل جيشهم
إلاّ تحصّنَ، أو أغار وأدبرا
أمّا منازلة الرّجال فإنها
تأبى عليهم أن تكون وتذكرا
اذهب وربك قاتلا إنّا هنا
سيظلّ سطراً في الجباه مسطّرا
وما لهم يتفرعنون، كأنهم
ليسوا اليهود مهانة وتقذّرا
ما بالهم يتطاولون، كأنهم
ليسوا الأشدّ تشتتاً وتبعثرا
طفلٌ ينازل جيشهم بحجارة
وجيوش يَعْرُبَ للعروض وللقِرى
يتسابق الأطفال إثر جنودهم
في مشهد يُذكي القلوب تأثرا
وإذا يموت الكلب منهم ولْوَلوا
باللطم.. بالأفواه تلتهم الثرى
وإذا يموت الشبل منّا أقبلت
أمّ الشهيد تزفّ شبلاً آخرا
لم تعرف الدنيا وفاء رجالنا
باعوا النفوس لربّهم وقد اشترى)
تقوم هذه القصيدة على مفارقات معبّرة موجعة في ألفاظها ومعانيها وصورها مفارقات بين اليهود وأطفال فلسطين، ومفارقات في صفات اليهود أنفسهم، ومفارقات بيننا وبين الأشبال المجاهدين، كما أنّها تحمل شذى القرآن الكريم في مضامينه المشرقة، فمن التضاد في الألفاظ نجد: (أغار، أدبر، باع، اشترى، يتطاول، يتبعثر) ومن المعاني والصور:
(ما بالهم يتفرعنون، كأنهم
ليسوا اليهود مهانة وتقذرا)
وكذلك المفارقة المعبّرة بين موت اليهودي، وموت الشبل الفلسطيني في أثرها على أهله ومجتمعه، وهي مفارقة لا تخرج عن الرؤية الإسلامية للحياة والموت.
كما يتكئ الشاعر في كثير مقاطعه الشعرية على التكرار الذي يمنح قصائده تأكيداً وأثراً عظيماً في النفوس المتشوّقة للجهاد في فلسطين، وتحرير الأرض المباركة من رجس اليهود.
أمّا في قصيدة (هم قتلوك يا سارة) فهي تتوجه إلى طفلة فلسطينية ذات الثمانية عشر شهراً التي اختارها السفاحون هدفاً فقتلوها شهوة لسفك الدماء؛ لأنهم يتقنون صناعة الموت. يقول شاعرنا الغامدي متألماً حزيناً:
(مساء الموت يا ساره
مساء القتل
يسري في الجموع يظلّ يشعلها
ويذكي من لهيب الحشد تياره
مساء دم زكيّ القطرات..
يا ساره
مساء براءة الأطفال
مثل سحابة في الفجر مدرارهْ
مساء مسيرة....
لله ...
للأقصى
إذا ما دنّسَ الخنزير حرمته
وروّع فيه عُمّارَهْ
مساء الحزن
منتشراً..
مساء الحقّ..
مستعراً..
مساء الأرض..
بالأطفال..
بالأبطال..
بالتكبير مَوّارهْ..)
هذا الشعر المتدفق تفاؤلاً وحماسة رغم الآلام والأحزان يوازن بين إيقاعاته الشفيفة ومضامينه العميقة القابضة على الجمر في ظل استلاب هوية الأمة، يوازن بين الشجى والأفراح أمام هجمة حاقدة شرسة ضد وجود الأمة، وضد تراثها وكيانها وعقيدتها السامية الصافية. وإن كان شاعرنا الدكتور سعد الغامدي يؤرخ بمداده وأنفاسه الحرّى، وأحاسيسه المرهفة لبراءة أطفالنا وبطولاتهم في الوقت نفسه؛ فإنه يؤرخ لبشارات المستقبل الإسلامي، وفجره القادم رغم كيد الأعداء الحاقدين الماكرين.
(١) رواه الإمام أحمد.