للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

الإجراءات (الإسرائيلية) لتهويد المدينة المقدسة

المشاريع المطروحة حول المدينة

مركز العودة الفلسطيني - بريطانيا

نعتقد أنه ما من مسلم إلا ويعلم تمام العلم منزلة المسجد الأقصى في عقيدته،

من حيث هو أُولى القبلتين ومسرى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه ثاني

مسجد يبنى بعد البيت الحرام بأربعين سنة كما ورد ذلك في الحديث الشريف.

ولسنا هنا بصدد الحديث عن مزايا المسجد الأقصى ومنزلته في عقيدة المسلم ودينه،

ولكننا سنسلط الضوء على الإجراءات (الإسرائيلية) لتهويد القدس، وما يتهدد

المسجد الأقصى من خطر، وكذلك المشاريع المطروحة لإنهاء هذه القضية.

جهودهم لتهويد المدينة المقدسة:

ما فتئ الصهاينة منذ اليوم الأول لاحتلال القدس يعلنون أن القدس عاصمة

موحدة وأبدية لدولتهم، وقد عمدوا إلى كل الوسائل والأساليب لتهويد المدينة المقدسة

وتهجير أهلها الفسلطينيين منها. وتمثلت هذه الأساليب بأشكال عدة نورد منها ما

يلي:

١ - سن التشريعات والقوانين التعجيزية الخاصة بأهالي القدس: فمنذ اليوم

الأول لاحتلال المدينة أُعلن عن توسيع حدود بلدية القدس لتمتد حتى رام الله شمالاً

وبيت لحم جنوباً؛ وذلك لضم أكبر مساحة ممكنة من الأرض بأقل عدد من السكان

العرب، وكذلك لتشمل المستوطنات والمناطق اليهودية المأهولة. فأصبح

الفلسطينيون للمرة الأولى في تاريخ المدينة أقلية تبلغ نسبتهم ٣٠% من مجموع

السكان!

- ثم توالت الإجراءات التعسفية بحل مجلس أمانة القدس العربية، ونقل

جميع أملاكها، ووضع جميع موظفيها تحت تصرف بلدية القدس اليهودية.

- وفي شهر يوليو ١٩٦٧م صدر قرار بضم القدس العربية إلى القدس الغربية

المحتلة منذ عام ١٩٤٨م، وبعد هذا القرار سارعت السلطات الصهيونية إلى تطبيق

قانون «أملاك الغائبين» ، والغائب: هو كل مقدسي لم يشمله الإحصاء الرسمي

(الإسرائيلي) الذي جرى في يوليو ١٩٦٧م، وبهذا القانون وضعت الحكومة

(الإسرائيلية) يدها على عقارات المقدسيين «الغائبين» وطبقت الحجز على

أموالهم المنقولة وأسهم الشركات التي تخصهم.

- ثم عمدوا بعد ذلك إلى إلغاء القوانين الأردنية السارية واستبدالها بتشريعات

(إسرائيلية) مما أدى إلى إغلاق البنوك والدوائر الحكومية الأردنية، وأسفر ذلك

عن تشريد الموظفين وعائلاتهم ومن ثَمَّ التأثير على التركيبة السكانية.

- تم إخضاع التعليم العربي (للمناهج الإسرائيلية) ولإشراف وزارة التعليم

الإسرائيلية. ثم بعد المعارك الشرسة التي خاضها المقدسيون ضد سلطات الاحتلال

اضطرت إلى التراجع عن تدريس المناهج الإسرائيلية في المدارس العربية.

- إزالة أجزاء كبيرة من الأحياء العربية القائمة تدريجياً، وإجلاء المزيد من

أهلها كما حدث في حي المغاربة، وحارة الشرف، وحي المصرارة، ومنطقة باب

الخليل.

- تطبيق قوانين الدفاع البريطانية لعام ١٩٤٥م ضد سكان القدس العرب؛

وتشمل: العقوبات الجماعية، وهدم المنازل، ومنع التجول، والاعتقال بدون

محاكمة.

٢ - مصادرة الأراضي والعقارات واستملاكها: فقد صادرت سلطات

الاحتلال الصهيوني أكثر من ٣٠ ألف دونم [١] من أراضي القدس العربية من عام

١٩٦٧م إلى يومنا هذا. وكانت أول عملية هدم واستملاك لأراضي فلسطينية في

القدس قد جرت بعد ثلاثة أيام من احتلال المدينة عام ١٩٦٧م عندما أرسلت سلطات

الاحتلال جرافاتها إلى حارة المغاربة في البلدة القديمة الملاصقة لحائط البراق؛

حيث أعطت السكان إنذاراً مدته نصف ساعة قبل أن تهدم ١٣٥ منزلاً وبعض

المساجد والمدارس والمتاجر؛ مما أدى إلى تشريد ٤٣٥ عائلة مقدسية. ثم توالت

عمليات الهدم والمصادرة تمهيداً لبناء المستوطنات داخل المدينة وخارجها حتى

وصل عددها إلى ٢٩ مستوطنة سرطانية في القدس وما حولها. كما تم الاستيلاء

على الكثير من البيوت العربية داخل البلدة القديمة وإسكان اليهود المتطرفين فيها

واعتبارها بؤراً استيطانية؛ وذلك بحجج شتى منها تطبيق قانون الغائب أو عن

طريق التزوير والادعاء بملكية الأرض والبيت المقام عليها، وما إلى ذلك.

٣ - سياسة مصادرة هويات الإقامة: خلال حكم نتنياهو فقط تم سحب

٢٠٨٣ بطاقة إقامة من فلسطينيين مقيمين في القدس وهو ما يعني طرد أكثر من ٨

آلاف مقدسي آخذين بعين الاعتبار أفراد عائلاتهم الملحقين بهم. وهناك أكثر من

٧٠ - ١٠٠ ألف مقدسي مهددون بفقدان هويتهم وحق الإقامة في مدينتهم لأوهن

الأسباب.

ثم عمدت هذه السلطات الصهيونية إلى تطبيق قانون رقم ١١ لسنة ١٩٧٤م

والذي ينص على إلغاء الإقامة في حالات عدة منها:

- إذا قيَّد وزير الداخلية الإسرائيلي حق الإقامة بأي شرط، وكان هذا الشرط

لا ينطبق على طالب الإقامة المقدسي.

- إذا وقع تغيير على وثيقة السفر التي منح بموجبها حق الإقامة في القدس.

- في حالة التخلي عن الإقامة في (إسرائيل) والعيش في دولة أخرى سواء

حصل على جنسية من هذا البلد أم لا، بل يكفي تقديم طلب جنسية من بلد آخر

حتى يسقط حقه في الإقامة في القدس. وينطبق هذا الشرط على جميع أهل القدس

الذين يقيمون لسبب أو لآخر خارج حدود القدس البلدية بما فيها ضواحي القدس!

وقد وضعت سلطات الاحتلال شروطاً إضافية حتى لا يتمكن المقدسيون من

الاحتفاظ بهوياتهم تشمل: تقديم إثباتات معينة مثل فواتير الأرنونا (ضرائب

الممتلكات) والماء والكهرباء، وشهادات تطعيم الأولاد، وأخرى تثبت دراستهم في

القدس. ومن لم يستطع تقديم أي من هذه الشهادات تسحب هويته، وليس من حقه

أن يسكن في المدينة، وإذا سكن فيها بعد ذلك ولو يوماً فإنه يعتقل فوراً!

أما بالنسبة لتصاريح البناء فإنها تشبه المستحيل لكثرة التعقيدات والإجراءات

التي يتطلبها ذلك، إضافة إلى الرسوم العالية جداً التي تدفع مقابل الحصول على

حق إضافة غرفة لبيته؛ حيث تبلغ قيمة هذه الرسوم ٢٥ ألف دولار أمريكي! مما

أدى إلى وضع المقدسيين في وضع حرج للغاية؛ فكل من أراد الزواج إما أن يسكن

مع أهله في بيتهم الصغير أو يغامر وينتقل للسكن في إحدى الضواحي، مما

يعرضه لخطر سحب هويته وإقامته المقدسية.

٤ - فرض الضرائب الباهظة: فرضت السلطات الصهيونية سلسلة من

القوانين والأنظمة الضرائبية على سكان مدينة القدس بغرض ضرب البنية التحتية

للقطاع التجاري في المدينة؛ حيث ثبت بدراسات ميدانية أن أكبر نسبة ضرائب في

العالم هي المفروضة على سكان مدينة القدس؛ رغم أن هذه الضرائب غير قانونية

دولياً بموجب معاهدة جنيف ولاهاي التي تُحرِّم فرض ضرائب على المحتل.

ومن هذه الضرائب: ضريبة الدخل، وتجبى بنسبة ٣٥% من أرباح الأفراد

وما نسبته ٥٥% على الشركات، وضريبة القيمة المضافة، وتجبى بنسبة ١٧%

من قيمة المبيعات. وهناك ضريبة الأملاك، وهي ضريبة على الأراضي بنسبة ٥,٣% من قيمة الأرض حسب تخمين موظفي الضريبة (اليهود) . وضريبة

البلدية (الأرنونا) وتجبى على أساس مساحة الشقق والمحلات التجارية، بقيمة

تتراوح بين ٦٠ - ٧٠ دولاراً على المتر الواحد من المحلات التجارية سنوياً، ومن

٢٠ - ٤٠ دولاراً على المنازل. وهناك رسوم التأمين الوطني، وتجبى من السكان

العرب ومن أصحاب العمل بنسبة ١٠% من الدخل. ورسوم إعلام، وهي رسوم

تجبى على كل جهاز تلفزيون موجود في المنزل. وضريبة أمن الجليل وهي

ضريبة فرضت على السكان العرب إثر تعرض منطقة الجليل الأعلى للهجمات

الفدائية؛ وبناءاً على ذلك فإن سكان القدس العربية مجبرون على دفع ضريبة

عن هذه الهجمات لتعويض اليهود عن خسائرهم.

علماً بأن جميع هذه الضرائب مرتبطة بجدول غلاء المعيشة، ويتم تحصيلها

في حالة الامتناع عن الدفع بحجز الأملاك والمصادرة والسجن، ولزيادة الإمعان في

خنق الاقتصاد العربي وشل الحركة التجارية في المدينة فرضت سلطات الاحتلال

الإسرائيلي طوقاً وحصاراً أمنياً على مداخل القدس العربية منذ ١/٤/١٩٩٣م مما

أثر سلباً على المدينة وشل الحركة التجارية والاقتصادية فيها بعد أن فصلت القدس

عن الضفة الغربية والقطاع ومنعت البضائع الوطنية من دخولها، مما أدى إلى

خسائر كبيرة في القطاع التجاري. هذا إلى جانب البطالة؛ حيث أثر الطوق الأمني

على زيادة نسبة البطالة، مما أدى إلى ارتفاعها إلى ما نسبته ٥٥% في مدينة

القدس.

٥ - والخطر الأعظم الذي يشكله اليهود: هو الخطر الذي يتهدد المسجد

الأقصى بالسعي لهدمه وإقامة الهيكل المزعوم الذي يعدونه قبلتهم المفقودة منذ ألفي

عام. وهذا ما عبر عنه أول رئيس وزراء في إسرائيل وهو بن غوريون عندما قال:

«لا قيمة لإسرائيل بدون القدس، ولا قيمة للقدس بدون الهيكل» ويقول: «إن

شعبي الذي يقف اليوم على أعتاب الهيكل الثالث لا يستطيع أن يتحلى بالصبر على

النحو الذي كان يتحلى أجداده به» . كما عبر عن ذلك الممثل الحكومي لوزارة

نتنياهو، موشى بيلد في كلمة أمام مؤتمر في ١٧/٩/١٩٩٨م وحضره نحو سبعة

آلاف من المتشددين اليهود؛ حيث قال: «إننا جيل الهيكل الذي هو قلب الشعب

اليهودي وروحه» . والهيكل ليس له مكان آخر في اعتقاد اليهود غير الأرض التي

يقوم عليها المسجد الأقصى ومسجد الصخرة، ولا يتم بناء الهيكل إلا بهدم هذين

المسجدين.

وهناك الآن نحو ١٢٠ جماعة دينية متعصبة من ضمنها ما لا يقل عن

٢٥ جماعة وتنظيماً يتخصص أعضاؤها في أمر واحد: هو التخطيط والترتيب لهدم

المقدسات الإسلامية مع التخطيط والترتيب لبناء المعبد اليهودي مكانها. وقد شكلت

في الآونة الأخيرة تحالفات فيما بينها للعمل المنظم بهذا الصدد، ومن أبرز هذه

التحالفات ما يسمى بـ «رابطة القدس» وهي تضم أكبر عشر منظمات.

وقد قامت هذه المنظمات بأكثر من خمسة وأربعين عملاً عدائياً ضد مسجدي

الأقصى والصخرة؛ بدءاً بمحاولة إحراق الأقصى وإشعال النار فيه إلى إطلاق النار

على المصلين إلى محاولة تفجيره وفتح الأنفاق والطرق السفلية لتهديد أساساته

وتفريغ التربة من تحته ليكون عرضة للانهيار عند أي عارض طبيعي أو صناعي

من الاهتزازات العنيفة، وذلك ما قاله خبير الآثار الإسرائيلي جوزيف سيرج في

١٨/٨/١٩٩٠م: «سنقوم بإعادة بناء الهيكل الثالث على أرض المسجد الأقصى

الذي تستطيع إسرائيل تصديعه باستخدام الوسائل الحديثة» ! وقبل بضعة أيام

شكلت الحاخامية الكبرى في إسرائيل لجنة من الحاخامات لاتخاذ قرار ببناء الهيكل،

وجابت مسيرة ضخمة البلدة القديمة وحاولوا دخول الأقصى مطالبين باتخاذ القرار

ببناء الهيكل وهدم المسجد الأقصى.

مشاريع الحلول المطروحة حول المدينة:

المشاريع التي طرحت لحل قضة القدس خلال سني الاحتلال كثيرة جداً، إلا

أن أياً منها لا يحقق العدالة واسترجاع الأقصى إلى حوزة المسلمين؛ فكلها تراوحت

بين الحكم الذاتي لبعض الأحياء العربية، أو سيادة محدودة عليها مع السماح برفع

العلم الفلسطيني فوق المسجد الأقصى؛ كما عرض ذلك إيهود باراك رئيس الوزراء

الإسرائيلي على رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات خلال قمة كامب ديفيد

الأخيرة؛ فقد عرضت إسرائيل على الفلسطينيين تطبيق مبدأ السيادة الوظيفية على

بعض الأحياء العربية؛ بحيث تكون بعض هذه الأحياء تحت السيادة الفلسطينية

ذات الطابع الخدماتي، مثل المسؤولية عن خدمات الكهرباء والمواصلات والتعليم

والصحة والضرائب وجمع القمامة وما إلى ذلك. أما بالنسبة إلى المسجد الأقصى

فقد سمح للفلسطينيين برفع العلم الفلسطيني فوق الأقصى دون أن تكون لهم سيادة

فعلية عليه، مع تأمين ممر آمن للفلسطينيين يصلهم بالمسجد الأقصى بحيث لا يرى

الزائر العربي أي جندي إسرائيلي في هذا الممر، (كما قال باراك لعرفات) .

وهناك بعض الاقتراحات لتكوين مجلس بلدي واحد لإدارة القدس الشرقية يتم

انتخابه لإدارة الشؤون المدنية لها. كما أن هناك اقتراحاً بسيادة مطلقة لبعض

الأحياء والقرى العربية المحيطة بالقدس بعد ضمها إلى «القدس الكبرى» وبذلك

يحقق الفلسطينيون عاصمتهم بإقامتها في هذه القرى التي تعد جزءاً من القدس

الشرقية، ويرفع الحرج عن القيادة الفلسطينية؛ حيث إنها أعلنت دولة عاصمتها

القدس الشرقية!

وأخيراً نقول: إن الوضع جد خطير؛ فالمفاوضات ما زالت جارية،

والمؤشرات تشير إلى احتمال عقد قمة كامب ديفيد ثالثة تكون للتوقيع فقط وليس

للتفاوض. ومع الأخذ بعين الاعتبار الفارق الرهيب في ميزان القوى بين

«الفلسطينيين» و «إسرائيل» المدعومة أمريكياً بكل أسباب القوة، وكذلك

التراخي العربي والإسلامي في نصرة قضية القدس؛ فإن مستقبل القدس الشريف

في خطر شديد، وقد يتم التنازل عنها بحجج الواقعية، والضعف المستشري في أوصال الأمة، ونقص الدعم العربي والإسلامي أو بأي حجة أخرى.

نقول: إن واجب المسلمين عظيم هذه الأيام في الحفاظ على أغلى مقدساتهم

ومسرى نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، وهي أمانة عظيمة سوف يُسأل عنها

المسلمون أمام الله، ولا ندري ماذا ينتظر المسلمون حتى يتحركوا لنصرة أقصاهم

المبارك؟ هل ينتظرون أن يُحوَّل إلى معبد يهودي؟ أم يُحوَّل إلى إسطبلات للخيل

كما حصل في زمن الصليبيين؟ !


(١) الدونم: تبلغ مساحته ١٢٠٠ متر مربع تقريباً.