نص شعري
[بكت الجزيرة]
عبد الله بن محمد العسكر
من أين أبتدئُ القصيدَ وأنظمُ؟ ... وسلام ربي يا فقيدُ عليكمُ
وبأيّ قافية أُنَهْنهُ عبرتي ... ومشاعر الحزن العميق تَضرّمُ
قالوا: (ابن باز قد توفي) ! ويحهم ... والحزن في قلبي يزيد ويعظمُ
قد ودّع الدنيا وحطّ رحالَهُ ... يا هول ما قالوا وما نطق الفمُ!
قد هالني ما قد سمعت وراعني ... في حضرة الرحمن حيث المنعمُ
لما رأيتُ النعش فوق أكفّهم ... أهي الحقيقة أم أنا متوهّمُ؟
وأجلتُ طرفي في الوجوه فلم أجدْ ... أحسستُ أن مذاق ريقي علقمُ
فعلمتُ أن الشيخ لهفي قد مضى ... إلا حزيناً باكياً يترحّمُ
ومضى ابن باز والعيون مليئةٌ ... فاسودّت الدنيا وقام الماًتَمُ
حُملَتْ جنازتُهُ بجمعٍ حاشدٍ ... بالدمع دفّاقاً فليس يُكتّمُ
إيهٍ أبي ودّعتنا وتركتنا ... يقفُ الزمانُ يُجلّهُ ويُعظّمُ
وحملتَ أمتعة الفراق مسافراً ... فالصبحُ بعدك كالحٌ مُتجهّمُ
ورحلتَ تبكيك الملايينُ التي ... ومضيت؛ فالدنيا ظلامٌ أدهمُ
هذي هي الدنيا وهذا دربُنا ... قد طالما أنِستْ بقربك منهمُ
يا ويحنا نلهو بدار زخارفٍ ... وقضاءُ ذي الملكوت حتمٌ مُلزِمُ
والموت يختطفُ العبادَ جميعَهم ... والموعدُ القبر البهيمُ المظلمُ
كم من عُتاةٍ قد بغوا وتجبّروا ... ذو المالِ يمضي للرّدى والمُعْدِمُ
وبنوا؛ وما علموا بأنّ بناءهم ... ملأوا الفسيحةَ بالفسادِ وأجرموا
(مات ابن بازٍ) إنها لعبارةٌ ... يفنى، ويبقى ذو الجلالِ الأعظمُ
لطفاً بنا اللهمّ إن مصابنا ... تفري كبود المؤمنين وتَحطِمُ
مات الذي للدينِ حصنٌ مانعٌ ... بالشيخِ جرحٌ في الحشايا مؤلمُ
الحلمُ شيمتهُ ولكن حينما ... فتياهُ في حلك البلاءِ البلسمُ
سمحٌ عطوفٌ ذو وقارٍ مؤمنٌ ... يُعصىَ الإلهُ فإنما هو ضيغمُ
بكت الجزيرةُ بعد فقدك يا أبي ... عَفّ تقيّ زاهد وغَطمْطَمُ
ورَثتك حلْقات المساجد حسرةً ... بطحاؤها ووهادها والأنجمُ
ونعاك أهل العلم؛ أنت إمامهم ... أنّتْ وأضحتْ بالنشيج تُغمغِمُ
وأرى الفقير ينوح حين تركتَه ... أنت الفقيهُ وفي الحديث مقدّمُ
والأرض كل الأرض قد فُجعتْ بمن ... وكذا الثكالى قد بكت واليُتّمُ
إن غاب صوتك في الحياة فإنما ... هو للهدى والمكرمات المَعْلَمُ