[غياب ثقافة الموارد البشرية في الجهات الخيرية]
محمد يحيى مفرح
- مدخل عبر الواقع:
ليس لدى الكثير من الجهات الخيرية المتميزة إدارة خاصة بالموارد البشرية تهتم بالعنصر البشري قبْل دخوله إلى الجهة الخيرية من خلال ممارسة وظائف معينة مثل: توصيف الوظائف، وتخطيط القوى العاملة، والاختيار. كما تهتم بالعاملين أثناء وجودهم بالجهة الخيرية من خلال ممارسة عدد من الوظائف الأخرى أهمها: الأجور والحوافز والتدريب والترقية وتقويم الأداء. كما تهتم بالوظائف المتعلقة بترك العمل كالفصل أو الاستقالة أو الوفاة.
لا شك أن كافة أنشطة الجهات الخيرية وإداراتها تدار بواسطة الأفراد؛ ولذلك فهؤلاء الأفراد (موظفين ومتطوعين) لا بد أن يكونوا على مستوى مرتفع من الكفاءة حتى يمكنهم النهوض بأعباء هذه الإدارات، وممارسة أعمالهم بفاعلية. وقد أضحت كل أدبيات الإدارة المعاصرة تشير إلى أن نجاح أي منظمة إنما يبنى ـ بعد توفيق الله ـ على مورد بشري فعّال ذي مهارات ذهنية قادر على أن يواكب التطورات والتغيير السريع.
ü الأهداف الرئيسية لإدارة الموارد البشرية:
١ ـ رفع مستوى إنتاج العاملين من حيث الكمية، أو الجودة، أو كليهما.
٢ ـ العمل على زيادة درجة رضا الأفراد العاملين عن العمل، وتحسين علاقتهم بالإدارة، وتحسين علاقاتهم ببعضهم من خلال معاملة الجميع بعدالة وموضوعية؛ مما يؤدي إلى رفع الروح المعنوية.
٣ ـ تحقيق التكامل والتوازن بين الهدفين السابقين (حيث ينشأ بينهما الكثير من التعارض) .
ü اختصاصات إدارة الموارد البشرية في الجهات الخيرية:
١ - العمل على توفير الطاقات اللازمة للعمل، وتوظيفهم بما يتناسب مع قدراتهم ومؤهلاتهم، وهو الأمر الذي تحتاجه كثير من الجهات ذات المشاريع الطموحة والرائدة التي لا تجد من يشرف عليها.
٢ - العمل على تهيئة أفضل الظروف الملائمة للعمل (بيئة العمل المادية) حتى يبذل الموظفون قصارى جهدهم لزيادة الإنتاج.
٣ - تشخيص الروح المعنوية ودرجة الفاعلية للموظفين من خلال البحوث والملاحظة، واقتراح الأساليب الفعّالة والمناسبة للتعامل معهم.
٤ - الاحتفاظ بسجلات منتظمة لأفراد قوة العمل بالجهة تشمل كل معلوماتهم.
٥ - مساعدة الإدارات التنفيذية في كل ما يتعلق بشؤون العاملين (إجازات، وحل مشكلات، وتدريب..) ، وتطوير خاص لمديري الإدارات.
٦ - تقديم الرعاية اللازمة (صحية، واجتماعية..) لضمان استقرار العاملين.
٧ - نصح الإدارة العليا فيما يتعلق بالسياسات المطلوبة تجاه العاملين.
٨ - وضع نظام خاص للمتعاونين والمحتسبين بالعمل.
ü أسباب ودوافع نشوء الفكرة:
أولاً: تعاني الجهات الخيرية من فترة طويلة ـ ولا زالت ـ من كثير من المشكلات التي تعيق تحقيق انطلاقة نوعية للنهوض بمستوى الجهات الخيرية، وتحويل أهدافها الرائدة والطموحة إلى واقع ملموس. هذه المشكلات تنصب في كثير منها حول العاملين أو المورد البشري للجهة. وفيما يلي محاولة استقصاء لهذه المشكلات:
١ - مشكلة ضعف ولاء العاملين في الجهة الخيرية، ويترتب عليه عدة مشكلات منها: عدم عنايتهم بتوفير التكاليف، أو تسويق أنشطة الجهة، وإحضار الدعم لها، وانتقالهم للعمل في مكان آخر متى سنحت الفرصة.
٢ - عدم وجود نظام، أو سلّم للرواتب والبدلات بشكل عادل ومريح للإدارة التنفيذية والعاملين.
٣ - وجود الكثير من الأفكار والمشاريع وعدم وجود كفاءات ذات تأهيل مناسب لتحمل مسؤوليتها.
٤ - مشكلة اشتراطات الأنظمة الرسمية حول العاملين (مثل: توطين العمالة) .
٥ - مشكلة انعدام روح الإبداع والتجديد في الأنشطة والمشاريع.
٦ - انعدام روح المبادرة لتحمل المسؤوليات وأعباء المهام.
٧ - المشكلات المتعلقة بالمتطوعين (غير الموظفين) مثل: البحث عن الأفضل، توظيف الطاقات، ضمان الالتزام، تحديد المهام التي يمكن تكليفهم بها، متابعة إنجاز المهام، المحافظة على انتمائهم.
٨ - عدم وجود نظام عادل للحوافز (المادية والمعنوية والفردية والجماعية..) .
٩ - عدم وجود توصيف وظيفي يساعد في ضبط أمور العمل، وتقويمه، ومتابعته.
١٠ - عدم وجود نظام تقويم دقيق وعادل يساعد في تطوير العاملين، وإنجاز الأهداف بشكل جيد.
١١ - ضعف علاقات العاملين ببعضهم؛ ومن ثم ضعف عملهم بروح الفريق الواحد بشكل جماعي يكمل بعضه بعضاً.
١٢ - مشكلة عدم وجود فرق عمل متجانسة للمهام والمشاريع، وعدم وجود جهة مسؤولة عن شحذ روح الفريق في بيئة العمل بشكل إيجابي.
١٣ - عدم إمكانية وضع خطة واضحة لترقية الموظفين (خطة التطور الوظيفي) .
١٤ - عدم وجود برامج تدريب تلبي الاحتياجات الحالية والمستقبلية لتطوير الجهة.
١٥ - ضعف تخطيط القوى البشرية المطلوبة، فتجد أعداد العاملين أكثر من اللازم؛ مما يسبب هدراً وفوضى، ووجود فراغ لدى بعض العاملين في بعض الأحيان، أو أقل من اللازم؛ مما يسبب ضغطاً على الموجودين واستياءً نفسياً ينشأ عنه ضعف إنجاز واهتمام بالصغائر فقط.
١٦ - عدم وجود برامج رعاية تعتني بالموظفين في نفس الجهة مثل: برامج رعاية صحية (خصومات أو تأمين) ، وبرامج اجتماعية (تهنئة أو مواساة أو برامج للعوائل) ، وبرامج تعليمية للأبناء.
١٧ - انشغال الإدارات التنفيذية والعليا بكثير من مشاغل ومشكلات الأفراد.
١٨ - تأخر حل مشكلات العاملين التي تقع بطريق الخطأ مثل: تأخر نزول راتب أحد الموظفين.
١٩ - مشكلات الحضور والغياب ومحاسبة الموظفين على التأخر، وعدم تعويضهم عن الوقت الزائد الذي يتطلبه العمل.
٢٠ - عدم العناية بشكاوى العاملين، واقتراحاتهم، وأفكارهم، خاصة العاملين في المستويات الدنيا.
٢١ - عدم وجود برامج خاصة للتنمية الذاتية لدى العاملين مثل: مكتبة شخصية، مجلات وإصدارات دورية، بريد إلكتروني وإنترنت.. إلخ.
٢٢ - مشكلة عدم وجود بيئة عمل مادية تساعد الموظف في إنجاز ما يتطلبه عمله بفاعلية.
٢٣ - مشكلة عدم وجود صلاحيات كافية للموظف حتى ينجز أعماله ومسؤولياته.
٢٤ - مشكلة عدم وضوح الأهداف العامة للجهة الخيرية عند كل العاملين، وعدم اطلاع الموظفين على المعلومات الهامة والمستجدة.
٢٥ - مشكلة عدم وجود أنظمة واضحة للعقوبات، والخصومات، وإنهاء الخدمة.
٢٦- مشكلة صعوبة الاستغناء عن العاملين ذوي الكفاءة المتدنية لأسباب إنسانية.
٢٧ - مشكلات التحيز في التوظيف، وتحديد الرواتب، وإعطاء المميزات.
٢٨ - مشكلة عدم وجود تغذية راجعة مباشرة تساعد على تعديل السلوكيات الخاطئة، خاصة للمديرين مثل: سوء تعامل بعض الرؤساء مع المرؤوسين، وعدم التفويض بشكل سليم.
٢٩ - مشكلة غياب كثير من المعلومات الهامة عن كثير من العاملين بلا مسوِّغ.
٣٠ - مشكلة عدم اكتشاف طاقات العاملين، وتفجير مكامن الإبداع، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب وفق نظام مرن لا يخل بالعمل.
٣١ - مشكلة عدم العناية بالمتميزين، والمحافظة عليهم، وتطويرهم لخدمه الأهداف الكبيرة.
إن جميع هذه المشكلات وما يترتب عليها ترتبط في كونها جميعاً تتعلق بالعنصر البشري الذي يعمل في الجهة الخيرية. وتوجد هذه المشكلات في الجهات المختلفة بنسب مختلفة، ولنا أن نتخيل كم يتسبب وجودها في تعطيل إنجاز الأهداف الحقيقية للجهات الخيرية، وإشغال المسؤولين فيها؟
ثانياً: تفتح الجهات الخيرية أبوابها لسد احتياجات خيرية موجودة في المجتمع (دعوة أو إغاثة أو تعليم أو تربية..) ، ولا تنتبه أنها تفتح أبواباً أخرى بوجود عاملين لديها يقاسون ظروفاً غير جيدة، ولا يجدون من يساعدهم في حلها.
ثالثاً: مفهوم خاطئ:
يعتقد بعض الناس أن كل المشكلات المتعلقة بالعاملين في الجهات الخيرية إنما هي بالدرجة الأولى مشكلة مالية (انخفاض رواتب أو بدلات أو حوافز مادية..) ، ومن ثم فحلُّها الوحيد هو تجاوز هذه المشكلات، وهذا غير متاح لكثير من الجهات الخيرية نظراً لمحدودية الموارد. ولكن الدراسات والواقع يؤكدان أن جملة كبيرة من هذه المشكلات لا تتعلق بتاتاً بالجانب المادي، بل هي بالدرجة الأولى متعلقة بما فطر عليه كل إنسان من حب التقدير وإرضاء الذات بإنجاز العمل الذي يليق به، والشعور بأنه يعامل بعدالة ضمن المنظمة والأفراد الذين يعمل معهم، وهذا ما تعتني به الموارد البشرية.
رابعاً: أصبحت كثير من الجهات الخيرية ـ بفضل الله ـ تهتم بنوع من القضايا لم يكن الاهتمام به قائماً إلى فترة قريبة سابقة، من أبرز هذه القضايا ما يتعلق بتدريب الموظفين والاستفادة من المتطوعين، ولكن هذا الاهتمام وهذه الجهود قد لا تؤتي أكلها ما لم تأت متناسقة في إطارها الحقيقي الكامل، وهو إطار تكامل أعمال الموارد البشرية، وهو أمر يحتاج إلى تفرغ وتخصص.
ü الوضع الحالي في الجهات الخيرية:
هناك جهات خيرية كبيرة واسعة النشاط تملك إدارة خاصة للشؤون الإدارية تقوم بجزء من مهام الموارد البشرية، ولا تقوم بجزء كبير وهام آخر، بل هي مشغولة غالباً بالقضايا الإدارية البحتة.
وهناك جهات خيرية صغيرة يتولى العمل فيها نفس المسؤول الرئيس، أو أحد المساعدين بشكل ارتجالي، وحسب الاحتياج وفي غياب كثير من مهام الموارد البشرية.
وهناك جهات خيرية لديها إدارة خاصة للموارد البشرية، أو التدريب، أو المتطوعين يديرها أشخاص غير متخصصين ولا متفرغين، ومن ثم فهم منغمسون في الأعمال العادية، ومشغولون عن جوهر إدارة الموارد البشرية.
وإجمالاً فليس هناك جهات ستبدأ من الصفر على الغالب، لكن هناك حاجة للمزيد من الجهود المرتبة.
ü فكرة عملية لتأسيس الموارد البشرية في الجهات الخيرية:
إن إنشاء إدارة موارد بشرية بشكل منهجي وعلمي يستلزم وجود خبير وتكاليف، والمقترح هو تأسيس لجنة مركزية برئاسة شخص ذي اختصاص وخبرة إدارية في مجال الموارد البشرية، وعضوية أفراد من عدة جهات خيرية يرشح كل منهم لإدارة الموارد البشرية في الجهة التي ينتمي إليها. تقوم هذه اللجنة على مدار فترة محددة بتأهيل أفرادها، وإنشاء إدارة مثالية للموارد البشرية في كل الجهات الخيرية، مع الاستفادة من عنصر الجماعية في تخفيض كل التكاليف الممكنة ودفع أجور الخبراء.
ü أوجه استفادة الجهات الخيرية من تطبيق هذه الفكرة:
١ ـ توفير تكاليف الخبراء والمتخصصين في الموارد البشرية من خلال العمل المشترك.
٢ ـ توفير تكاليف الأعمال المشتركة للموارد البشرية مثل: برامج التدريب، واستقطاب العاملين، والمقابلات، وقواعد البيانات، والاستفادة من المتطوعين.
٣ ـ قوة التفاوض للحصول على تسهيلات وخدمات خاصة للعاملين مثل: خدمات صحية، واجتماعية، وتعليمية.
٤ ـ ضمان إنشاء إدارة موارد بشرية مثالية بشكل مستقر ومستمر لا يتأخر بسبب الأحداث الداخلية في الجهة الخيرية والانشغالات الطارئة.
٥ ـ تخفيف العبء الإداري عن الإدارة العليا في الجهات الخيرية.
غياب ثقافة الموارد البشرية
ü لماذا نريد نشر هذه الثقافة؟
أولاً: لأن الجهات الخيرية بحاجة ماسة في هذه الفترة بالذات ـ حيث الأحداث والتقلبات المتتابعة ـ إلى نوعية خاصة ومتميزة من العاملين والمتطوعين لا تشغلهم مشاكل العمل عن أهدافه، بل يعينهم العمل على إطلاق قدراتهم وإبداعهم لمواجهة الواقع ذي الإيقاع السريع.
ثانياً: لأننا نرى الكثير من الجهات الخيرية قد بدأت ـ بفضل الله ـ خطوات مباركة وكبيرة وواضحة في مجالات مهمة، ولكنها لم تأت في إطارها الصحيح المتكامل، وأبرز مثال على ذلك اهتمام بعض الجهات الخيرية بمجال التدريب في معزل تام عن أي أعمال أخرى تتعلق بنفس المتدرب، مثل: اختياره ابتداءً بشكل صحيح للعمل، ثم تقويمه وفق معايير تحدد لاحقاً فيم يجب أن يدرب؟