للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ملفات

[ذهاب الريح، وغياب المشروع]

د. عبد الرزاق معاش [*]

[email protected]

إن الذي يجري في الجزائر ليس شيئاً واحداً بل أشياء كثيرة، يغطّي بعضها

على بعض بفعل الاحتقان على أكثر من صعيد، وبفعل التسارع في الأحداث بسبب

التسابق والتنافس وما يستلزمه كل منهما من آليات، ومن أهمها: التحزّبات

والتحالفات التي تذوب بداخلها كل الخصوصيات إلا ما يخدم ذلك الحزب أو ذاك

التحالف.

وأخطر ما غابت معالمه في هذا الخضمّ المتلاطم هو مشروعٌ للإصلاح على

منهج الكتاب والسُّنة، بالرغم من وجود إسلاميين كُثُر في مهيع الصراع الجاري،

مشروعٌ كالذي قاده في مثل ظروف الجزائر الراهنة شيخ النهضة الجزائرية الإمام

عبد الحميد بن باديس - رحمه الله -، فقد تدهورت الحالة الاجتماعية والاقتصادية

والفكرية والدينية للمجتمع الجزائري، فحلّت اللغة الفرنسية - أو تكاد - محل اللغة

العربية، وحُوصر الدين في أضيق نطاق، وما بقي منه عبث به أصحاب الأهواء؛

وما أشبه الليلة بالبارحة إلا في نهج الإصلاح ووعي الأمة بواجبها وبالأخطار

المحدقة بها!

لقد كان ردّ الإمام ابن باديس وصحبه وأمته على مقولة سكرتير حاكم الجزائر

آنذاك الجنرال «بيجو» : (إن أيام الإسلام قد دنت، وفي خلال عشرين سنة لن

يكون للجزائر إله غير المسيح) [١] ، كان ردّهم حاسماً بانتهاج نهج الإصلاح،

وتجديد الدين وإعزازه، وإشاعة العلم والثقافة بلغة القرآن، فخاب ظن الكفرة

الصليبيين، وانتصر أتباع محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ولم يعبدوا غير

الله تعالى إله الأولين والآخرين.

ولهذا فإن الواجب على العلماء والدعاة وأهل الرأي في الجزائر؛ أن يكونوا

صفاً واحداً لإصلاح البلاد والعباد، وألا يسمحوا للشيطان بالتحريش بينهم.

[وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ

مَعَ الصَّابِرِينَ] (الأنفال: ٤٦) .


(*) أكاديمي جزائري.
(١) الشيخ ابن باديس، رائد الإصلاح والتربية في الجزائر، الدكتور تركي رابح، ص ٤٤.