شؤون العالم الإسلامي ومشكلاته
[باكستان وتحكيم الشريعة الإسلامية]
إذا كانت الدعوة إلى تحكيم الشريعة قد أصبحت مطلباً ملحاً عند شعوبنا فى
جميع بلدان العالم الإسلامي؛ لا تستطيع وسائل الإعلام العالمية تجاهلها أو التقليل
من أهميتها ... فلهذه القضية شأن آخر في باكستان المسلمة، التي خاضت صراعاً
دامياً مع الهندوس، وقدمت قوافل الشهداء دفاعاً عن دين أمتنا وعقيدتها، وتوج هذا
الصراع المرير باستقلال معظم المسلمين في وطن لهم سمي (باكستان) أي:
الأرض الطيبة أو الطاهرة.
وكان جميع سكان باكستان من المسلمين، باستثناء أقلية ضئيلة جداً من
الهندوس والسيخ، وبينهم نسبة كبيرة من (المهاجرين) وهم الذين هاجروا من الهند
إلى باكستان فراراً بدينهم وبدهي في ظل الأوضاع الجديدة أن تطبق أحكام الشريعة
الإسلامية، وهذا الذي ينشده الشعب بأسره، ومن أجل ذلك استعذب الموت في
سبيل الله. غير أن الذي حدث في باكستان بعد إنشائها مستغرب أشد الاستغراب،
ومستنكر أبشع الاستنكار، فالمخضرمون من السياسيين - الذين صنعهم الاستعمار
الإنكليزي خلال احتلاله للهند من أمثال آغا خان، وجناح وغيرهما من أفراخ
القرامطة - سلكوا سبيل المراوغة والمكر والتضليل، وأخذوا يعدون ولا يوفون،
يكذبون ولا يخجلون، ووجدوا من يحسن الظن بهم، ويصفق لهم. وزعموا أن
خلافاتهم مع العلماء والجماعات الإسلامية سياسية شخصية، وهي هي النغمة التي
يرددها العلمانيون الظلمة هنا وهناك.
واستنفر الإنكليز وعملاؤهم داخل باكستان، وراحوا يعملون من أجل تربية
أجيال لا تؤمن بالإسلام. وفى ظل هذه الأجواء الموبوءة الملوثة وجد القاديانيون
الباب مفتوحاً أمامهم على مصراعيه، وتشكلت الأحزاب العلمانية القومية، وورث
معظم قادتها زعامة أقوامهم وقبائلهم كابراً عن كابر، وكانوا غاية في الخبث والدهاء
، فلا يصدرون تصريحات معادية للإسلام ولا يدعون إلى الإسلام، ويصرفون
جهدهم كله إلى تجنيد أهل إقليمهم في الحزب الذي يخطط من أجل الانفصال عن
باكستان، وهذا الذي فعله مجيب الرحمن في حزبه الذي لم يكن له وجود يُذكر في
باكستان الغربية، وهذا الذي لا يزال يخطَّط له عشرات السياسيين في أقاليم مختلفة
من باكستان.
وعندما عجز العلمانيون الديمقراطيون عن ضبط الأمور، وشعر أسيادهم
الإنكليز بأن المد الإسلامي يمتد ويقوى، وفى أجواء الحرية ينهزم دعاة الباطل مهما
أنفقوا من أموال، ومهما ملكوا من وسائل الإعلام، وينتصر دعاة الحق وإن كانت
إمكاناتهم ووسائلهم متواضعة. وكان لابد من خطوة أخرى فأصدر الاستعمار الإنكلو
أمريكي أوامر للعسكريين فتحركوا وكان أول انقلاب عسكري يقوده الجنرال أيوب
خان، وفترة الخمسينيات كانت غنية بمثل هذه الانقلابات في مصر والشام والعراق
والعقلية واحدة، والأهداف واحدة، وكما قلنا في المقال السابق - باكستان أمام
التحديات، الذي نُشر في العدد الرابع من مجلتنا (البيان) - فإن السفير الأمريكى (
كافري) عندما أنهى دوره مع عبد الناصر في مصر انتقل إلى باكستان ليبدأ دوره
مع أيوب خان ضد الدعاة والجماعات الإسلامية، وبعد أيوب جاء يحيى، وكلاهما
خان قضية أمته، وطبع الشعب الباكستاني أنه ينفر من الحكومات العسكرية،
ويعشق الحرية.
وخلال عقدين من الزمن ثبت فشل العسكريين، ولهذا فقد عادت الديمقراطية ونجح حزب بوتو - حزب الشعب - وكان قد زور الانتخابات، وأقدم على تدبير
محاولة اغتيال أحد زعماء المعارضة، واستغل السلطة أسوأ استغلال، فعرته
المعارضة، وكشفت فساد نظامه، وكان الإسلاميون أبرز قادة المعارضة، وكانوا
مع العلماء وغيرهم مرشحين لاستلام السلطة وإسقاط نظام بوتو، والقضية كانت
قضية وقت، لاسيما وأن الشعب - كل الشعب -كان ينادي بالإسلام، ويتساءل
باستمرار:
- لماذا انفصلنا عن الهند، وما الفرق بين غاندي وجناح، أو بين نهرو
وأيوب، أو بين بوتو وراجيف وأمه من قبل؟ !
- أين الخلافة الإسلامية التي طالما عملنا وجاهدنا وهاجرنا لقيامها؟ !
وأخيراً قام انقلاب عسكري جديد، وأسقط نظام بوتو، وقدمه إلى المحاكمة
بتهمة اغتيال أحد رموز المعارضة، ثم نُفذ فيه حكم الإعدام، ونجح النظام الجديد
في استقطاب المعارضة - التي كان معظمها من الإسلاميين - لأنه أعدم بوتو،
ودعا إلى تحكيم الشريعة الإسلامية، وهو الشعار الذي يجد رواجاً منقطع النظير في
باكستان.
واشترك العلماء والجماعة الإسلامية في أول وزارة، وأسندت وزارة الإعلام
إلى عضو من أعضاء الجماعة الإسلامية، ووجد الوزير نفسه غريباً في الوزارة،
وكان عليه لإصلاح الوزارة أن يطرد كبار المسؤولين فيها ويلغي عدداً من أقسامها، والنظام العسكري لا يسمح بذلك؛ ولهذا فقد صدق في الوزير قول الشاعر:
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له ... إياك إياك أن تبتل بالماء!
وبدأ النظام الجديد بإقامة شيء من الحدود، لكنه تجاهل المرتدين وقُطاع
الطرق، وقادة شبكات النصب والاحتيال - وما أكثرها في باكستان! -،
وعصابات تهريب المخدرات، وقام بتعزير الصحفيين الذين ينتقدون النظام، فكان
واضحاً أنه يريد أن يطبق من الإسلام ما يخدم النظام ويساعد على استمراره.
واشتراك المعارضة في الوزارة يعني أن الغالبية العظمى من الإسلاميين أيدوا
الانقلاب الجديد، ومن قادتهم مَن جاب الأمصار داعياً إلى تأييد الزعيم العسكري،
مشيداً بمناقبه الطيبة ومآثره الحميدة، وهناك قلة قليلة نوجز موقفهم في النقاط التالية:
١- لم يكن قادة الانقلابات العسكرية من الدعاة إلى الله، وليس لهم أسبقية في
الإصلاح وعمل الخير، ولا يؤهلهم لهذه المناصب علم شرعي. وفضلاً عن ذلك
فقد تربوا في مؤسسات ومعاهد منحرفة، وعاشوا جزءاً من حياتهم في ديار الغرب
يتتلمذون على أيدي أعدى أعداء الإسلام والمسلمين، ويعاشرون المفسدين من
الجنسين. ومن يسبر غورهم يعلم أن من أخص صفاتهم النفاق والغدر، فترى
أحدهم حارساً لطاغوت من الطواغيت، ينفذ أوامره الظالمة، ويزين له الإجرام،
ويظهر له الحب والإعجاب والتقدير.. وعندما تسنح الفرصة يبطش بسيده، ويقود
انقلاباً عسكرياً ضده ثم يقدم على إعدامه أو نفيه أو سجنه مدى الحياة، والإعدام هو
الأصل، ويشن حملة على النظام القديم في أجهزة الإعلام، ويشيع بين الناس روح
الخوف والإرهاب، ويزعم أنه لا يريد الحكم، وإنما يريد الإصلاح، وتمر الأيام
ويعلم الناس أنه أشد سوءاً من سلفه ثم يتقدم أحد رفاقه ليقود انقلابًا ضده.. وهكذا.
٢ - هناك شبه كبير بين الانقلابات العسكرية والحركات الباطنية المسلحة في
تاريخنا الإسلامي، ومن أهم أوجه الشبه ما يلي:
- ليس لهم أسبقية في العمل الإسلامي ولا يعرف الناس عنهم شيئاً لا خيراً
ولا شراً.
- يتظاهرون بالورع والتقوى والرغبة في الإصلاح، حتى إذا وثق الناس
بهم بدأوا تدريجياً في تغيير شرائع الإسلام.
- سبيلهم إلى التغيير استخدام العنف والبطش والتنكيل، ويسهل عليهم إزهاق
الأرواح، وسجن الأبرياء، وإشعال نيران الفتن.
- لا يتحركون من خلال منهج، وليس عندهم ثوابت لا يخالفونها، فتارة
يبالغون في تمسكهم بالإسلام، وتارة يبالغون في الزندقة والإلحاد، ولا يقبلون أن
يحاسبهم أحد أو يسألهم: لِمَ فعلتم كذا وكذا؟ !
٣ - لا يكون الدين كله لله في الأرض ولا تحكم الشريعة الإسلامية، إلا إذا
قامت نخبة مؤمنة تدعو إلى الله - سبحانه وتعالى - وتجاهد في سبيله، وتصبر
على الأذى.
ولا يكون الدين كله لله في الأرض أيضاً إلا إذا نهض بهذه الدعوة علماء
مجاهدون آمرون بالمعروف ناهون عن المنكر، يلتف الناس حولهم، ويسمعون لهم
ويطيعون.. أما أن لا يكون للعلماء والدعاة والجماعات الإسلامية أي دور في إشادة
هذا البناء الضخم في حين يتولاه عسكريون نكرات، يعجزون عن فهم النصوص
الشرعية، بله الاجتهاد في القضايا المعاصرة التي تحتاج إلى اجتهاد، ثم يرفضون
إشراك العلماء، وإذا سألتهم قالوا: لا نعترف بقيادة غير قيادة الجيش. وفى هذه
الحال نقول لهم: عملكم هذا يخالف سنن الله في التغيير. ومع أن بعض الصفات
التي ذكرناها آنفاً متوفرة عند قادة الانقلاب الذي أطاح بنظام بوتو، ولو علم الأخير
أنهم سيغدرون به لما أبقاهم في الجيش يوماً واحداً، ومع ذلك فقد سارع الإسلاميون
إلى تأييد الانقلاب العسكري؛ لأن قائد هذا الانقلاب أعلن أنه سيحكِّم الإسلام! .
انقلاب جديد:
في ٣٠/٥/١٩٨٨ ألقى الرئيس الباكستاني خطاباً في التلفاز، تحدث فيه عن
الأوضاع الداخلية في باكستان، وأعلن عن حل " البرلمان " ومجلس الوزراء؛ لأن
رئيس الوزراء فشل في وضع حد للفساد الذي استشرى في البلاد، وفشل في وضع
حد لأعمال العنف العرقية بين المواطنين. وقال: إنه وجد نفسه أمام خيارين: إما
أن يبقى صامتاً متفرجاً أو يضع الأمور في موضعها الصحيح، فاختار الحل الثاني
، لكن ذلك لا يعنى العودة إلى الأوضاع التي كانت قائمة عام ١٩٧٧م؛ فالدستور لن
يعلق أو يلغى، ولن يعود قانون الطوارىء، ولن تفرض الأحكام العرفية، وستبقى
الأحزاب السياسية كما هي تزاول أنشطتها، ووعد بأن الانتخابات ستجرى خلال
ثلاثة أشهر - كما ينص الدستور على ذلك - وكان الحزن بادياً على وجه الرئيس
الباكستاني وهو يخطب، وقد ألغى
زيارة للصين كان من المفروض أن تتم في ٣٠/٥ وهو اليوم الذي أعلن فيه
انقلابه الجديد، ثم توالت خطبه في التلفاز:
* فمساء ٢٥/٦ خطب ودافع عن قراراته الجديدة وقال: إنه استخدم
الصلاحيات التي منحها الشعب والدستور له، واكد أن قوانين باكستان ونظامها
الاقتصادي سوف تتبدل.
* وفي ٢٥/٦ خطب خطبة مؤثرة، وكان يبكي، ويمسح وجهه وأنفه بمِنديل
أبيض كان يحمله في يده ويقول: إننى أخاف الله وأخشاه، وأعلم أنه سوف يسألني
غداً: لماذا لم تحكم الشريعة الإسلامية؟ ! ، والشعب سوف يسألني: لماذا لم تأخذ
على يد الظالم؟ ! .
وإنه لمنظر مؤثر حقاً أن يشاهد المواطنون رئيسهم على شاشة التلفاز وهو
يبكى من خشية الله ومخافة أن يحاسبه في قبره عن عدم تحكيم الشريعة وعن الظلم
والفساد - كما يقول - وقال ضياء الحق: إنه آتٍ بفجر جديد، ويناشد الناس
التمسك به، وذكر أمثلة عن لقاءات تمت بينه وبين فقراء الناس، واستمع إلى
مطالبهم، ووعد بتوفير مأوى لمن لا مأوى لهم، وتأسيس صندوق لمنح صَدَاق
للنساء الفقيرات اللواتى يرغبن في الزواج، وأنه سيصنع بالإسلام واقعاً في
باكستان لا مثيل له ... واتخذ ضياء الحق فور الإعلان عن انقلابه الجديد
الإجراءات التالية:
١- شكَّل وزارة جديدة في ٩/٦/١٩٨٨ برئاسته، والوزراء مزيج من وزراء
حكمه العرفي السابق، ووزراء كانوا أعضاءً في حكومة محمد خان جونيجو التي
قاد ضياء الحق انقلاباً أبيض ضدها.
ومن الأسماء البارزة في الحكومة الجديدة:
- صاحب زاده يعقوب خان، عيّنه في منصبه السابق نفسه، وزيراً
للخارجية، وهو من أصدقاء ضياء الحق وكان ضابطاً في الجيش، كما كان
مسؤولاً عن مفاوضات جنيف لحل المشكلة الأفغانية.
- الدكتور حبيب الحق وزير المالية والتجارة وهي الوزارة التي كان مسؤولاً
عنها إبان الحكم العرفي في عام ١٩٧٧.
- وضمت الوزارة زعيمين سابقين من زعماء حزب الشعب الذي كان
يتزعمه " بوتو "، الأول مير هزار خان بجراني والثاني مير أفضل خان كانا
عضوين في حكومة الوحدة الإسلامية التي كان يرأسها جونيجو.
وضمت الوزارة عضوين من أعضاء مجموعة معارضة مستقلة في الجمعية
الوطنية التي حُلت، أما بقية أعضاء الوزارة فهم أعضاء في الرابطة الإسلامية.
وكان قد أعلن عن تشكيل الوزارة مساء ٩/٦ بعد لقاء طويل بين ضياء
وحردان شاه الذي كان عضواً في مجلس الشيوخ وكان مستشاراً روحياً - صوفي -
لجونيجو، والشيخ حردان له نفوذ واسع في إقليم " السند "، وفسر السياسيون هذا
اللقاء بأنه عبارة عن صفقة عقدها الرجلان:
الرئيس سوف يستمر في دعم الرابطة الإسلامية، والشيخ حردان يتخلى عن
جونيجو ويقف بإمكاناته كافة مع الوضع الجديد.
٢ - ظهرت آثار الانقلاب الجديد على برامج التلفاز التي تملكه الحكومة، فقد
مُنعت الدعايات التجارية التي تتضمن صوراً للنساء في حالات مشينة مثل الرقص
والغناء، وزاد عدد البرامج الإسلامية، وتم تعيين أشخاص جدد مؤيدين للوضع
الجديد؛ مهمتهم الإشراف على التلفاز ومراقبة تطبيق ما يأمر به القادة.
٣ - كان العلماء قد صاغوا مسوَّدة تحكيم الشريعة الإسلامية - في عهد
حكومة جونيجو - وكان رئيس الوزراء السابق قد جمد تطبيق هذه المسودة، وجاء
ضياء الحق بعد ٣٠/٥/٨٨ ليعلن عن التزامه بتطبيقها، وفعلاً طبق نظام الصلاة
والزكاة، ووعد بأنه قريباً سيطبق نظام القصاص والدية، وشكَّل لجاناً كثيرة مهمتها
(أسلمة) النظام الاقتصادي والتربوي وقال: إن المهمات الأولية للحكومة الجديدة
أسلمة القوانين، وأعلن في ١٦/٦ أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأعلى
للقوانين في باكستان، وبموجب هذا القرار الجديد يجوز للمحاكم العليا إلغاء أي
قانون يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية باستثناء القوانين الدولية، والاتفاقيات
المالية الداخلية المعمول بها حالياً بالإضافة إلى سندات التأمين والصكوك.
٤ - أعاد ضياء الحق إلى سدة المناصب العليا الجنرالات المتقاعدين الذين
كانوا مسؤولين إبان فترة الأحكام العرفية ما بين عام ١٩٧٧ وعام ١٩٨٥م،
وأصبح حكام الأقاليم من الجنرالات ومن أشدهم الفريق المتقاعد رحيم الدين الذي
عينه حاكماً لإقليم السند، ومن المتوقع أن يتخذ الحاكم الجديد إجراءات صارمة ضد
القوميين من سكان السند الذين يطالبون بالانفصال عن باكستان - كما حدث في
باكستان الشرقية - ويقومون باعتداءات متتالية ضد المهاجرين الذين يقطنون في
هذا الإقليم.
وعزل ضياء الحق الدبلوماسيين الذين اشتركوا في محادثات جنيف ووقَّعوا
الاتفاقية التي بموجبها تم انسحاب السوفييت من أفغانستان، وأقال كبار المسؤولين
في السلطة الذين كانوا مؤيدين للرئيس جونيجو.
المعارضون:
١- الشيعة: أعلن رئيس حركة تنفيذ الفقه الجعفري (عارف الحسيني) أن
أتباعه لا يقبلون بالقوانين الجديدة التي وصفها بأنها غير مستكملة وغير مقبولة لدى
الشيعة. ومن الجدير بالذكر أن الشيعة في باكستان لا يعارضون ضياء الحق،
وإنما يعارضون القوانين الإسلامية السنية، وإذا كانت هذه القوانين غربية - كما
هو الحال - فلا يعارضونها، ومن جهة أخرى فقد زعم عارف - فيما نقلته عنه
صحيفة " إندبندنت " ١٦/٦/١٩٨٨ - أن عدد الشيعة عشرون مليوناً، والحقيقة أن
عددهم لا يتجاوز ثمانية ملايين نسمة، ومن عادتهم تضخيم عددهم، وعلى الأقل
يضربون العدد الصحيح بضِعفه.
٢- حزب الشعب الذي تقوده الآن (بي نظير) ابنة علي بوتو، ومع أن
الحزب ضعيف الآن - بعد فقدان رئيسه الذي أعدمه ضياء الحق، ولأن الرئيس
الباكستاني تمكن من شق الحزب واستمال عدداً من كبار زعمائه - مع ذلك فالحزب
من أقوى الأحزاب في باكستان ويعطف عليه الغربيون؛ لأنه علماني ديمقراطي
(هكذا يقولون مع أن علي بوتو كان مستبداً ويتلاعب بالديمقراطية) ، ويعطف عليه
الشيعة؛ لأن بوتو من عائلة شيعية، وهذا سبب تدخل إيران الخميني لدى باكستان
من أجل العفو عنه.
ومن المؤسف أن كثيراً من الأحزاب والشخصيات المعارضة اتصلت بالحزب
لتنسق معه ضد الإجراءات الجديدة.
٣ - استنكرت التجمعات النسوية إجراءات تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية،
ونظمت مظاهرات في كثير من المدن الباكستانية، وهذا موقف خبيث كموقف
الرافضة؛ لأنهن بهذه التصرفات يعلنَّ رفضهن للإسلام الذي أباح تعدد الزوجات
كما أباح الطلاق، ولا يسمح الإسلام للمرأة أن تكون رئيسة دولة.
٤ - الجماعة الإسلامية وجماعة العلماء رفضتا (حل البرلمان) ووصف
الدكتور خورشيد أحمد - نائب رئيس الجماعة الإسلامية - التحرك بأنه لعبة لتمييع
الانتخابات، وقال: إن قوانين الشريعة فُرضت لحظر الأحزاب السياسية (تايمز٢١
/٦/١٩٨٨) ، وذكرت بعض صحف باكستان أن أمير الجماعة الإسلامية القاضي
حسين أحمد التقى مع بي نظير بوتو مرتين لينسق الموقف معها ضد ضياء الحق،
ولكن أمير الجماعة نفى صحة هذا الخبر، وقوله عندنا هو الصحيح، ومما ينبغي
التأكيد عليه أن الجماعة الإسلامية وجماعة العلماء لا ترفضان تحكيم الشريعة،
وحاشا لله أن يفكروا بمثل هذه الأفكار، ولكنهم يرفضون أسلوب الرئيس الباكستاني
بعد أن لُدغوا من جحره مرات ومرات!
وجملة القول: لقد رفضت الأحزاب والهيئات والمنظمات كلها هذا الإجراء
اللهم إلا الجهات التالية:
١ - الصوفيون: وهؤلاء مع كل حاكم مهما كانت عقيدته والمهم أن يكون
حاكماً، وسيكونون أول من يؤيد النظام الذي يخلف ضياء الحق، وهذه حال الغالبية
العظمى منهم وليس حالهم جميعاً؛ ففيهم معتدلون زُهاد لا يبيعون دينهم بدنياهم،
ولكنهم قلة.
٢ - العسكريون: أعضاء مجلس القيادة، وكبار ضباط الجيش، وطبيعي أن
يتظاهروا بتأييد ضياء الحق ولكن من المتعذر معرفة الصادق من الكاذب، لاسيما
وأن منهم رافضة، وهؤلاء يخططون منذ القديم من أجل السيطرة على جيوش بلدان
العالم الإسلامي، وفي جيش باكستان نسبة غير قليلة منهم - كما سمعنا - فكيف
نأتمن هؤلاء وأمثالهم على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية؟ ! بل كيف يركن
الرئيس الباكستاني إلى أمثال هؤلاء ويزهد بالعلماء والدعاة والجماعات الإسلامية؟
٣ - معظم أهل الحديث - وليس جميعهم - كان لهم رأي طيب، قالوا لابد
من تأييد الإجراءات الجديدة، ولكنهم طالبوا بتشكيل مجلس من العلماء أهل الحل
والعقد في باكستان، وأن يكون هذا المجلس هو المرجع في كل ما يتعلق بتطبيق
أحكام الشريعة الإسلامية، وأصحاب هذا الرأي قلة قليلة وهذا لا يضيرهم ولا يقلل
من شأنهم.
٤ - عامة الناس الذين لا ينتسبون إلى أحزاب أو جماعات، وهؤلاء تتجاذبهم
اتجاهات مختلفة، ولكنهم يتأثرون بما تقوله أجهزة الإعلام في باكستان، لاسيما
وأن أجهزة الإعلام تتبنى الإسلام الذي يدينون به.
أما المعارضة الخارجية فهي لا تقل شراسة عن المعارضة الداخلية،
والصحف الغربية تقدم لنا مثالاً واضحاً جلياً عن هذه المعارضة الظالمة، فليس فيها
إلا الهجوم السافر، وبيان المثالب، وتأليب المواطنين، والدعوة إلى مقاطعة
باكستان اقتصادياً؛ لأنها على وشك الإفلاس، والصحافة الغربية لا يمكن أن تكون
حيادية إذا كانت تتحدث عن الإسلام، وضياء الحق يبقى صديقاً للغرب مادام يطبق
قوانينهم وأنظمتهم، ويقدمون له الدعم والمساعدة، أما عندما يتحدث عن تحكيم
الشريعة الإسلامية فسيتحول إلى رجل مستبد ظالم، يعيش بعقلية القرون الوسطى!
ولو أراد الرئيس الباكستاني استمرار صداقته وتعاونه مع الغرب؛ فالغرب لا
يقبل التعاون، وأول دولة ستعيد تقويم علاقاتها مع باكستان الولايات المتحدة
الأمريكية وإن زعمت خلاف ذلك.
والدول المجاورة لباكستان أشد خطورة عليها وأكثر عداوة من الدول الغربية،
بل هي في حالة حرب - أو قريب من ذلك - مع الهند والاتحاد السوفييتي ونظامه
العميل في أفغانستان، وإيران التي تعد من أشد دول العالم كيداً لباكستان، ولكل
دولة من هذه الدول جيوب داخل باكستان، ولا نشعر أن النظام مدرِك لخطر هذه
الجيوب، ولو كان مدركاً لكان له موقف آخر من النوادي والجامعات ودور النشر
والمعاهد والمؤسسات التي تقيمها إيران وعملاء إيران داخل باكستان.
نظرات في تجربة ضياء الحق:
نحن نوافق الرئيس الباكستاني فيما اتهم به رئيس وزرائه، ولكن من حقنا أن
نتساءل: مَن المسؤول الأول عن هذا الفشل؟ !
١ - فالرئيس الباكستاني عسكري، والمطلعون على سياسة دول العالم الثالث
يعرفون كيف تتم انتخابات المجالس التشريعية، وكيف يتم اختيار رئيس الوزراء،
ولم يكن ضياء الحق خلال هذه الفترة بعيداً عن صنع القرار، وعندما حل الجمعية
الوطنية قالها صريحة: لقد استخدمت الصلاحيات التي منحني إياها الدستور
والشعب.. فلماذا سكت ثلاث سنين عن استخدام هذه الصلاحيات، ولماذا جاء
استخدامها في هذا الوقت؟ !
إذن فالقرار الأخير بيده وليس بيد رئيس الوزراء أو بيد الجمعية الوطنية!
٢ - ومدة حكم رئيس الوزراء حوالي ثلاث سنين، أما ضياء الحق فمدة
حكمه إحدى عشرة سنة، وإذا سلمنا جدلاً أنه خلال الثلاث سنين الأخيرة لم يكن
لديه صلاحيات فماذا فعل خلال ثمانِ سنين؟ !
٣ - عندما جاء إلى الحكم، وتحدث عن تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية هلل
الناس وكبروا داخل باكستان وخارجها، وجاب عدد كبير من علماء باكستان وقادة
الجماعة الإسلامية الأمصار ليطمئنوا إخوانهم المسلمين، وصنع هؤلاء دعاية
لضياء الحق لا تصنعها أمريكا ولا غيرها، ولو أنفقت بلايين الدولارات؛ لأن
المسلمين يثقون بعلمائهم وبقادة الجماعات الإسلامية، ولا يثقون بالعسكريين، لكن
الوضع الجديد خذل الناس الذين يدعون إلى تحكيم الشريعة؛ فبعض الأحكام التي
سارع في تطبيقها سارع في التراجع عنها. والمسودة التي وضعها العلماء جُمدت،
وانتعش تهريب المخدرات، وازداد الفقر، وعمت الرشوة، وعندئذ علم الذين كانوا
يعيشون في أحلام اليقظة أن قادة النظام الجديد يستغلون الإسلام ويتلاعبون بعواطف
المسلمين من أجل الوصول إلى الحكم، وإقامة شعبية لهم، أما العلمانيون على
مختلف أسمائهم ومسمياتهم - فراحوا يستغلون مواقف النظام استغلالاً مؤسفاً،
وكانوا يوجهون سهام نقدهم إلى الإسلام، وليس إلى الذين يستغلون الإسلام.
٤ - إن موقف الجماعة الإسلامية وجماعة العلماء من الانقلاب الجديد له
أسباب مهمة؛ فرئيس الانقلاب كان بحاجة إليهم عندما أطاح بنظام بوتو، ولهذا
اشتركوا في أول وزارة، ووقفوا إلى جانبه، وكان يستقبلهم ويستمع إليهم وينفذ
معظم ما يطلبون، وبعد أن قوي نظام حكمه استغنى عن خدماتهم ولكن بقي بابه
مفتوحاً أمامهم، وكان يستمع إليهم لكن أصبح يقول لهم: لي شركاء في المجلس
العسكري، ولا أستطيع فرض المواقف والقرارات عليهم! ، وقبلت الجماعة منه
هذا الموقف على مرارته، والمرحلة الثالثة لم يعد الباب مفتوحا أمامهم، وزعم أن
الأمور بيد المجلس الوطني ومجلس الوزراء. وقنع قادة جماعة العلماء والجماعة
الإسلامية أن القضية قضية استغلال وتجارة بالإسلام، فاتخذوا موقفاً متشدداً.
٥ - كيف يجمع الرئيس العسكري المسلم بين الولاء لله وبين خضوعه
للولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة حكمه كلها، وهو يعلم أن الولايات المتحدة
عدوة للإسلام والمسلمين، ويستحيل أن تدعم نظاماً إسلامياً؟ ! ويعرف ضياء الحق
أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي صنعت (إسرائيل) في عالمنا الإسلامي،
لقد دعمته وقدمت له السلاح، كما قدمت له المساعدات المادية، ولسنا هنا في صدد
الاسترسال في ذكر الأدلة والبراهين على تسخير الولايات المتحدة لباكستان، وهذا
الموقف مسؤول عنه ضياء الحق - بكل أسف! - وليس جونيجو.
٦ - غريب أمر الرئيس العسكري، فعندما حل المجلس الوطني وأقال
الوزارة قال: إنني أستخدم الصلاحيات التي منحنى إياها الدستور، وعندما عاد إلى
الحديث عن تحكيم الشريعة الإسلامية قال: لقد التزمت بتطبيق أحكام الشريعة
الإسلامية عام ١٩٧٧ وإن الشعب قد منحني ثقته في استفتاء عام ١٩٨٤ ويعني أن
الشعب منحه صلاحية تحكيم الشريعة. فلماذا رضي طيلة أربع سنين أن يحتكم
الناس في بلده إلى قوانين جاهلية غربية؟ ! وماذا كان سيقول لربه لو توفاه الله
خلال تلك الفترة، والشعب قد أدى واجبه - كما يقول - وهو الذي لم ينفذ إرادة
الشعب؟ ! .
ولماذا كان يقول لقادة الجماعة الإسلامية وجماعة العلماء: إن لي زملاء
في القيادة ولا يجوز لي الانفراد باتخاذ القرار مع أن الشعب قد منحه وحده
الثقة؟ !
الأسباب الحقيقية للانقلاب الجديد:
إن الأسباب التي ذكرها ضياء الحق - والتي دفعته إلى حل الجمعية الوطنية
ومجلس الوزراء - ليست مقنعة، ويصعب الوصول إلى الحقيقة كلها في دول العالم
الثالث لاسيما إذا كان الحدث في مراحله الأولى، وفى باكستان قال ضياء الحق كل
ما يريد أن يقوله من خلال خطابه الذي ظهر فيه على " شاشة التلفاز " في ٣٠/٥ ?
أما جونيجو فلم يصدر عنه تصريح يدافع فيه عن موقفه، ويبين الأسباب الحقيقية
للانقلاب الجديد، والمعارضة مهتمة بالمكاسب التي تعمل على تحقيقها، وليست
مهتمة بكشف أسباب المشكلة.
ومن خلال تتبعنا للأحداث ترجح عندنا أن ضياء الحق اختار جونيجو كرئيس
للوزراء لأنه يعتقد أنه سينفذ كل قرار يقرره العسكريون، وربما كان الأمر كذلك
في البداية، ولكن الرجل بدأ يتحرر من هيمنة الجنرالات بعد الانتخابات، بل بدأ
يعمل على الإطاحة بضياء الحق وسنبين الأدلة على ذلك:
١- كانت محادثات جنيف المحطة الأولى في الصراع على السلطة بين
الرجلين، فرئيس الوزراء جونيجو كان يرى أن المجاهدين الأفغان عبء ثقيل على
باكستان، وربما أدى استمرار وجودهم إلى صراعات داخلية في باكستان، وكان
يرى أيضاً أن التفاهم مع السوفييت أهم من التعاون مع الأمريكان، وكانت
المعارضة ترى رأي جونيجو، وبعد التوقيع على معاهدة جنيف كان جونيجو
يخطط لطرد الأفغان من بيشاور وما حولها، ولم يكن ضياء الحق منتبهاً للمكيدة
التي يدبرها رئيس وزرائه، ولكن المجاهدين الأفغان والذين يؤيدونهم من كبار
علماء باكستان أقنعوا ضياء الحق أن طرد المجاهدين يعني هدم القلاع والحصون
التي تحُول بين الشيوعيين وباكستان، فغيَّر موقفه ووعدهم خيراً، ثم قام بعزل
الدبلوماسيين الذين اشتركوا في محادثات جنيف بعد إقالة وزارة جونيجو، أما
صاحب زاده يعقوب خان فلعله كان مغلوباً على أمره أو لعله اعتذر لضياء الحق
وعلى كل حال فهو صديق من أصدقائه القدامى، ولهذا أبقاه في وزارة الخارجية.
٢ - والمحطة الثانية في الصراع على السلطة: الجيش، فضياء الحق هو
القائد العام للقوات المسلحة، وجونيجو كان رئيساً للوزراء ووزيراً للدفاع، وفي كل
مرة يطلب المدنيون التحقيق في قضية عسكرية كان ضياء الحق يقف إلى جانب
الجيش، وكانت صلاحيات الوزير تتعارض مع صلاحيات القائد الأعلى للجيش.
فالجيش كان واسطة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمجاهدين الأفغان،
وعندما وصلت صواريخ " ستينغر " إلى إيران طلبت الولايات المتحدة من حكومة
جونيجو التحقيق في القضية، وأصابع الاتهام كانت تشير إلى نفر من كبار الضباط
وكان أحدهم رافضياً، فرفض القائد العام ومساعدوه الاتهامات الموجهة للجيش
وأحيلت القضية للحفظ. وأثيرت القضية مرة ثانية عندما انفجرت الصواريخ في ... (روالبندي) و (فيصل آباد) ووقعت كارثة مات بسببها مئات الأبرياء وأحيلت القضية للحفظ.
والقشة التي قصمت ظهر البعير - كما يقولون - جرت في روالبندي في
الشهر الخامس أي قبل إقالة الوزارة بأيام، حيث اعتدى نفر من العسكريين على
فتاة فزجرهم المدنيون، ووقع شجار بين الطرفين، وحاول (بشير الحسن -
عضو المجلس الوطني عن روالبندي - حل المشكلة غير أن العسكريين اعتدوا
عليه في بيته، وثارت ثائرة أعضاء المجلس الوطني، واستغل جونيجو القضية
وكانت ستطرح في أول اجتماع للمجلس الوطني، وكانوا مقتنعين بأن رئيس
الجمهورية لا يجوز أن يكون قائداً للجيش، وهذا لو تم سيكون انقلاباً مدنياً ضد
العسكريين، وأصبح من المستحيل تعايش المدنيين مع العسكريين، وتجاوز
جونيجو الحدود المرسومة له، ولهذا سارع ضياء الحق إلى الإعلان عن انقلابه
الجديد.
أما الحديث عن الفساد، فالأنظمة الديمقراطية كلها فاسدة، وجونيجو ليس
معروفاً عنه الرشوة والفساد، أما عن تحكيم الشريعة، فالرجل علماني وضد تحكيم
الشريعة وضياء الحق هو الذي اختاره، ويعرف حقيقته ولو بقي ضمن الحدود
المرسومة له لبقي من أعز أصدقاء ضياء الحق.
٣ - لا نشك أن ضياء الحق حريص على بقائه رئيساً لباكستان، فمنذ أن قام
بانقلابه الأول عام ١٩٧٧م وهو صل بطريقة ديمقراطية ذكية من أجل القضاء على
كل من يعارض حكمه، وتفنن في شق كل حزب من الأحزاب، وفى ضرب
الأحزاب ببعضها، ونجح خلال فترة حكمه في إضعاف هذه الأحزاب، ومن تركيبة
الوزارة الجديدة نعلم ماذا يريد، لقد استقطب عناصر بارزة من حزب الشعب،
ومن الرابطة الإسلامية وعناصر مستقلة مؤثرة، وقد استنفر أجهزة الأمن
والاستخبارات لتشاركه في الإعداد للانتخابات القادمة، ومدة رئاسته تنتهي في عام
١٩٩٠م، وقد صرح بأنه سيعلن عن استفتاء عام وصيغة هذا الاستفتاء الآتي:
(هل يرغب الشعب في نظام إسلامي وحكومة رئاسية مع بقاء ضياء الحق في الحكم
لمدة خمس سنين بعد انقضاء مدة رئاسته في عام ١٩٩٠ "! ، وهكذا فبقاؤه وتطبيق
النظام الإسلامي شيء واحد.
(انظر أوبزرفر ٣/٧/١٩٨٨) .
الموقف النهائي:
بعد هذا التحليل الشامل للأوضاع في باكستان نستطيع تحديد الموقف النهائي
في النقاط التالية:
١- عندما قاد ضياء الحق انقلابه الأول كان شخصية مجهولة ومع ذلك أيده
الإسلاميون، وفي عام ١٩٨٨م لم يعد مجهولاً، وعلى الرغم من سلبياته الكثيرة
فلابد أن نعترف بأنه الرئيس الوحيد في باكستان الذي لم يبطش بالإسلاميين، ومع
أن جواً من الحرية يشمل العمل السياسى بشتى نواحيه منذ قيام باكستان، لكن مع
هذا فإن الإسلاميين يتمتعون بحرية خلال حكمه لا تتمتع بها أية جماعة إسلامية في
العالم الإسلامي، وموقف ضياء الحق من المجاهدين الأفغان لا بأس به، على
الرغم من وجود سلبيات لا يُستهان بها، والبديل لضياء الحق لن يكون إسلامياً ولن
يكون في مصلحة المسلمين.
٢ - جماعة العلماء والجماعة الإسلامية تبالغان في تقديرهم لأهمية
الديمقراطية والانتخابات البرلمانية على الطريقة الغربية، وقد تحالفوا في السابق
مع أحزاب وهيئات علمانية، وهم في معارضتهم لضياء الحق عندهم أسباب
ومسوغات مهمة ولكن من هذه الأسباب أنه حل المجلس الوطني، وأنه يخطط
لإلغاء الأحزاب السياسية. ونحن نسأل ماذا يحدث لو ألغى الأحزاب والنظام
البرلماني الديمقراطي، والتزم تحكيم شرع الله؟ ! .
إن الأحزاب السياسية العلمانية الإلحادية يجب أن تلغى في ظل النظام
الإسلامي، والملحد لا حرية له - فرداً كان أو جماعة - فكم نتمنى أن يعيد إخواننا
النظر بقناعاتهم في النظام الديمقراطى، وكم أعجبنا اقتراح بعض الدعاة بضرورة
وجود مجلس لأهل الحل والعقد في جميع مناطق باكستان، وأن تتوفر في أعضاء
هذا المجلس الشروط الشرعية الواجب توفرها في أهل الحل والعقد.
٣ - لابد من نقد الأسلوب الذي يتبعه ضياء الحق، والمخططات التي يرسمها، فهو عندما يتجاهل جماعة العلماء والجماعة الإسلامية، وأهل الحديث وبقية
الجماعات والهيئات الإسلامية يرتكب خطأً فادحاً، وهؤلاء أساس هذا البنيان ... الشامخ، وعندما يجند المرتزقة الذين كانوا مع بوتو وجونيجو -يرتكب خطأً أشد فداحة من الأول، فالذين خانوا بوتو سيخونون ضياء، وكذلك الذين خانوا ... جونيجو. ليقلب ضياء الحق صفحات التاريخ قليلاً لأننا لا نريد أن نزيده إرهاقاً فليس عنده وقت للقراءة ولذلك نقول ليقلب صفحات قليلة وليسأل نفسه أين الجموع التي كانت تهتف لجمال عبد الناصر من المحيط إلى الخليج؟ ! إن أعز أصدقائه - كالتهامي وغيره - هم الذين يتحدثون عن خيانته ... وأين مسيرة المليون التي حملت سيارة النميري في الخرطوم، هذا المليون خرج متظاهراً ضد النميري! .
إن المجموعات (الإنكشارية) التي يفاخر بها ضياء الحق من المدنيين
والعسكريين ستكون أول من ينقلب عليه؛ لأنها انقلبت على من سبقه وتمتهن
الانقلابات وليس أمام ضياء الحق إن كان جاداً هذه المرة - إلا التعاون مع العلماء
والدعاة الذين كانوا دائماً مع الإسلام، وفي سبيل الله سجنوا وزلزلوا زلزالاً شديداً،
وما زادهم ذلك إلا صبراً واستقامة وثباتاً.
إن أعداء الإسلام داخل باكستان وخارجها ينبلون عن قوس واحدة، وقد
جمعوا جموعهم، وبدأوا يتظاهرون ويصدرون التصريحات، وأسيادهم خارج
باكستان يمدونهم بالمال والسلاح وأنواع الدعم كافة، فماذا يفعل ضياء الحق عندما
يفاجَأ بأن الأحزاب والباطنيين والعلمانيين والمنظمات والنقابات ضده،
فى حين أن الإسلاميين لا يثقون به؟ !
ماذا يفعل عندما يفاجأ بأن أقرب الناس إليه من العسكريين هم الذين ورطوه
وهم الذين يعملون في الخفاء مع غيره؟ ! .
ماذا يفعل إذا قُطعت عنه المساعدات التي تقدَّم له من الدول الغربية التي
يسميها صديقة؟ !
لقد وصل العجز في ميزانية باكستان إلى (٦٠ بليون روبية) ، وهو ما يعادل
١.٧ بليون جنيه إسترليني وارتفعت بعض السلع الأساسية بنسبة ٢٥%، وبدأت
الجهات الدائنة تطالب برفع الضرائب وأجور الخدمات العامة، وشعوبنا لا تصبر
على الجوع، فأين القاعدة العريضة التي تواجه هذه المشكلات الخطيرة؟ ! .
إننا في " البيان " نناشد الدعاة والعلماء والجماعات الإسلامية في باكستان أن
يتنادوا لاجتماع عاجل يناقشون فيه مصداقية الدعوة الجديدة، ويستنفروا طاقاتهم
كافة من أجل تحكيم شريعة الله، وأن لا يتحول هذا الشعار إلى تجارة ومزايدات،
ويأخذوا بعين الاعتبار الأخطار الداخلية والخارجية التي تهدد وحدة المسلمين في
باكستان، نناشدهم أن يضعوا مصلحة الإسلام واٍلمسلمين فوق كل مصلحة،
نناشدهم أن يخلصوا نياتهم، ويتجردوا لله غاية التجرد، وينطلقوا من ثوابت لا
يجوز لأحد من المجتمعين مخالفتها.
ونناشد العلماء والدعاة والجماعات في العالم الإسلامي أن يقفوا مع إخوانهم في
باكستان ويمدوا إليهم يد العون والمساعدة قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه الندم!