للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منتدى القراء

[من هموم الدعوة]

محمد عبد الله العتيق

تمثل إعادة الأمة إلى الصياغة الربانية المتمثلة في القرون الثلاثة الفاضلة

ملخصاً جامعاً لمهمة الدعوة التي يحملها الدعاة في عالمنا الحاضر. وتبدو أولى

خطوات هذه العملية الفاعلة على أنها بث روح المسئولية في مجموع الأمة، فرداً

فرداً وانتزاع روح الاتكالية وعدم المبالاة في نفسية أفرادها. بعد أن يتم النجاح في

تلك الخطوة، تبدأ مرحلة العمل المباشر لتنفيذ ذلك المشروع الذي نجح الدعاة في

زرعه في نفوس الأفراد وإنزاله إلى خير العمل الواقعي المحسوس، حتى يتحول

الفكر إلى عمل والأمنية إلى واقع ملموس.

وإن أهل الباطل لن يقابلوا ذلك المشروع بالسكون والركون لأنها بالنسبة إلى

الفريقين معركة وجود أو عدم سيادة أو تبعية، ومن هنا، زرعت الأشواك في

الطريق، وهذه سنة الله في خلقه ما بقي الحق والباطل يتصارعان.

على أن مؤيد هذه الدعوة وناصرها الله - عز وجل- لم يترك أحباءه ودعاته

مجردي السلاح في وجه تلك العوائق، فدلهم على ما يتقوون به في معركتهم وبين

لهم أسباب النصر في حربهم مع الباطل، وذلك ما يمكن أن نسميه زاد الداعية. إنه

زاد يماثل الزاد المادي الذي يتزود به الإنسان ومتى ما توقف عنه مات، وكذلك

الزاد المعنوي للداعية، إن تركه فسيموت حتماً، وموت الداعية إنما هو انتكاسة أو

فشل مشروع دعوته. ولسوف أقصر الكلام هنا عن زاد واحد فقط ذلك الزاد،

وأعنى به الصبر.

إن هذا الزاد لازمة من لوازم مسيرة الدعوة في جميع مراحلها فهو أولاً:

صبر عن شهوات النفس ورغباتها، ضعفها ونقصها ثم عجلتها ومللها.

وهو ثانياً صبر على شهوات الناس وشبهاتهم وضعفهم وجهلهم وغرورهم

وانحراف طبائعهم والتوائهم.

وهو صبر على انتفاش الباطل، ووقاحة الطغيان وخذلان أهل الحق للحق.

وهو صبر على قلة الناصر وضعف المعين ومحنة الغربة وطول الطريق.

وهو صبر على مرارة الجهاد وانفعالات الألم والضيق والحنق واليأس

والقنوط.

وأخيراً، هو صبر على ضبط النفس ساعة النصر وإبقاء الصلة مع الله،

ورد الأمر إليه في خشوع وخضوع.

ولئن هال الداعية هذا الحشد العريض من المشاق التي تستوجب الصبر، فإن

مما يعزيه ويشد على قلبه علمه بأن الله معه فهو تعالى مع الصابرين: يعينهم

ويؤيدهم، ويذيقهم من لذة الإيمان والاتصال به، ما يغسل هم الدعوة وآلامها من

القلب.

وإذا كان أهل الباطل يصبرون على باطلهم والدعوة إليه، بل الموت في

سبيله، فأهل الحق ودعاته أجدر وأحق بهذا الأمر [وتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ] .