للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هل بدأ العد التنازلي لهدم المسجد الأقصى]

ليقام مكانه هيكل سليمان المزعوم؟

د. محمد مورو

هدْمُ الأقصى وإقامةُ هيكل سليمان المزعوم عقيدة صهيونية ونصرانية بروتستانتية في إحدى تفسيراتها التي تسمى (النصرانية الصهيونية) ، وهي تقوم على خرافة معينة ترى أن إقامة (إسرائيل الكبرى!) وهدم المسجد الأقصى، وإقامة هيكل سليمان المزعوم هو مقدمة ضرورية لظهور السيد المسيح ـ عليه السلام ـ ليبدأ ما يسمى لديهم بـ (الألفية السعيدة) ؛ فيخوض معركة (هرمجدون) ضد الأشرار، ويقضي على المسلمين واليهود (نعم! اليهود أيضاًً) ؛ ومن ثم فإن دعم إقامة ما يسمى بـ (إسرائيل) والتمكين لها هو جزء من إرادة الرب لدى هؤلاء. وقد استفادت الدولة الصهيونية كثيراً من تلك الأسطورة الخرافية، واستغلتها تماماً في الحصول على الدعم النصراني البروتستانتي، وخاصة أن التابعين لتلك الأسطورة لديهم نفوذ كبير، ومنهم كثير ممن يُسمَّون بالمحافظين الجدد، ولهم تأثير على الرؤساء الأمريكيين والكونجرس، كما أن لهم وسائل إعلام قوية ونفوذاً سياسياً واقتصادياً كبيراً جداً داخل الولايات المتحدة. وهكذا يجب أخذ الموضوع بجدية، خاصة أن هذه ليست المحاولة الأولى للمتطرفين اليهود لمحاولة الإعداد لهدم المسجد الأقصى؛ فقد تمت من قبل حفريات تحت أساسات المسجد بهدف خلخلته. وآخر ما يمكن رصده في هذا الصدد؛ هو قيام الجرافات الصهيونية بهدم سور خشبي وغرفتين قرب حائط البراق، وذلك بعد أيام من الكشف عن نفق جديد يجري حفره أسفل ساحة الأقصى. وقد تراوحت ردود الفعل العربية والإسلامية والفلسطينية بين ضعيف ومتوسط، وصدرت بيانات استنكار، دون أن يكون هناك موقف عربي إسلامي واضح وقوي لوقف هذه العملية الخطيرة، ولا يمكن بداهةً الاعتمادُ في هذا الصدد على جهود الشعب الفلسطيني، الذي يهبُّ دائماً لنصرة الأقصى ومنع المخطط الصهيوني رغم أنه أعزل من السلاح والإمكانيات. وكانت العديد من الانتفاضات الفلسطينية قد اندلعت بسبب موضوع المسجد الأقصى وحائط البراق؛ بدءاً من عام ١٩٢٩م (هبَّة حائط البراق) ، وانتهاءً بالانتفاضة الأخيرة. وفي الحقيقة إن موضوع هدم المسجد الأقصى وإقامة هيكل سليمان (المزعوم) يحتوي على الكثير من التفاصيل والأحداث، والفعل وردود الفعل التي تستحق الرصد والاهتمام.

\ هدم الأقصى عقيدة صهيونية نصرانية:

التخطيط لهدم المسجد الأقصى ليس وليد هذه اللّحظة؛ بل هو عمليّة قديمة جديدة تتكرّر وسوف تتكرّر؛ لأنّها جزءٌ لا يتجزّأ من العقيدة الصّهيونيّة، وهي عقيدة لا تخصّ اليهود الصّهاينة وحدهم؛ بل تخصّ قطاعاً كبيراً من المسيحيّة البروتستانتية (النصرانية الصّهيونيّة) ؛ ذلك أنّ تلك العقيدة المزعومة يؤمن أتباعها أنّ من شروط عودة المسيح ووقوع معركة (هرمجدون) للقضاء على الأشرار (المسلمين تحديداً، واليهود أيضاً) ، وبداية ما يسمّى الألفية السعيدة..، إنّ من شروط ذلك هدم المسجد الأقصى، وإقامة هيكل سليمان في مكانه؛ حيث يعتقد هؤلاء أنّ أساسات هيكل سليمان تقع تحت المسجد الأقصى. وهكذا فنحن أمام قوى يهوديّة صهيونيّة، ونصرانية بروتستانتيّة متصهينة، والأخيرة لها أتباع كثيرون في الدول البروتستانتية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكيّة، وبريطانيا، وأستراليا. وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ فإنّ هناك داخل الولايات المتحدة نفوذاً قويّاً لتلك العقيدة، وهناك كنائس تنصير بذلك، وتدعو إليه، وتجمع من رعاياها المال اللازم لتمويل عمليّة هدم المسجد الأقصى، وبناء الهيكل، ودعم دولة العدو الصهيوني سياسيّاً وإعلاميّاً كجزءٍ من تحقيق شروط عودة المسيح المزعومة؛ كما تتمتع هذه الجماعة بنفوذٍ قويّ داخل الحزب الجمهوريّ في الولايات المتحدة، ويتعاطف معها بصورة ضخمة رموز اليمين الأمريكي المحافظ من (ديك تشيني) إلى (دونالد رامسفيلد) إلى الرئيس (بوش) ذاته، وكان الرئيس الأمريكي الأسبق (رونالد ريجان) يؤمن مباشرة بتلك العقيدة المزعومة. كما تمتلك تلك الجماعة قنوات تلفزيونيّة وإذاعيّة وصحفاً، ويتبعها عددٌ كبير من القساوسة أمثال: (باث روبرتسون) والمدعو الأب (جراهام) وغيرهما.

وهكذا فنحن أمام تهديد جديٍّ مهما كان غريباً ومتطرّفاً لهدم المسجد الأقصى، الأمر الذي يستدعي تحرّكاً شعبيّاً وحكوميّاً، عربيّاً وإسلاميّاً.

محاولات هدم المسجد الأقصى بدأت منذ عام ١٩٦٩م، أي بعد عامين فقط من الاحتلال الصهيوني لمدينة القدس؛ مما يؤكّد مدى تغلغل هذه الفكرة في العقل الصهيونيّ النصراني واليهوديّ على حدٍّ سواء، وقد كانت المحاولة الأولى لحرق المسجد الأقصى عن طريق البروتستانتي الأسترالي (مايكل روهان) في ٢١/٨/١٩٦٩م، ونلاحظ هنا أنّ ذلك الشخص ليس يهوديّاً ولا صهيونياً؛ بل كان نصرانياً بروتستانتيّاً أسترالياً، وقد تمّ القبض عليه واعترف بالجريمة إلا أنّ المحكمة الصهيونية أصدرت أمراً بإطلاق سراحه بدعوى أنّه مصابٌ بنوعٍ من الجنون المتقطع، وأنّه أثناء المحاولة كان واقعاً تحت سطوة إحدى نوبات الجنون هذه. وقد تكرّرت المؤامرات لحرق أو هدم المسجد الأقصى بعد ذلك مرات كثيرة، وعلى سبيل المثال لا الحصر: تآمر عدد من أتباع (عُصبة الدّفاع اليهوديّة) عام ١٩٨٠م بقيادة (مائير كاهانا) و (باروخ جرين) وخطّطوا لنسف المسجد الأقصى، وفي عام ١٩٨٢م خطّطت جماعة سريّة صهيونيّة مكوّنة من (٢٧) شخصاً بقيادة (يهودا عتسيون) لنسف المسجد الأقصى، وعددٍ آخرَ من المساجد في القدس المحتلة، وقد أُلقي القبض على هؤلاء وسرعان ما تمّ إطلاق سراحهم. ولا يزال (يهودا عتسيون) حتى اليوم يحرّض علناً على نسف المسجد الأقصى. وفي عام ١٩٨٩م قامت مجموعة من جماعة (غوش أمونيم) باقتحام المسجد الأقصى. وهذه المحاولات (محاولات اقتحام المسجد الأقصى) تتمّ سنويّاً، وخاصة في الذكرى السنويّة لهدم هيكل سليمان المزعوم. كما قام في الإطار ذاته (أرييل شارون) قبل أنْ يصبح رئيساً للوزراء، بدخول المسجد الأقصى عام ٢٠٠٠م، وقد قامت الحكومة الصهيونية وقتها بحراسته بِـ (٣٠٠) جندي صهيوني، وقد كانت هذه المحاولة سبباً في اندلاع انتفاضة الأقصى الفلسطينيّة المباركة.

ونلاحظ هنا أنّ المؤسّسة الرسميّة الصهيونية، والتي لم تطلق بعدُ إشارة البدء في هدم المسجد الأقصى؛ على أساس أنّ الظروف لم يتمّ إعدادها بعد في إطار حسابات معيّنة؛ إلا أنّ تلك المؤسّسة تطرح حالياً فتح المسجد الأقصى لزيارة اليهود والصلاة فيه لليهود، على غرار ما يحدث في الحرم الإبراهيمي بالخليل، الذي فُرض عليه التقسيم الوظيفي؛ فتحول إلى جامع وكنيس معاً، أي تجرى فيه الصلاة للمسلمين واليهود على حدٍّ سواء. كما أنّ المؤسّسة الرسميّة الصّهيونيّة تقوم من وقت لآخر بعمل ضربات وأنفاق ومشروعات مشبوهة حول المسجد الأقصى وتحته؛ بهدف زعزعة أساساته؛ تمهيداً لهدمه أو سقوطه من تلقاء نفسه، كما أنّ تلك المؤسّسة الرسميّة قد قامت بضمّ القدس رسميّاً بكاملها إلى دولة (العدو الصهيوني) عقب احتلالها مباشرة. كما كثّفت عمليّات الاستيطان الصهيوني فيها وحولها لإنشاءِ مستعمراتٍ، وهدم بيوت الفلسطينيّين فيها، ومضايقتهم، ودفعهم إلى ترك القدس، وتغيير الطبيعة السكانيّة للمدينة، وطمس المعالم الإسلاميّة والنصرانية فيها بهدف تحويلها إلى الطابع اليهودي، وهذا كله في إطار هدم المسجد كمحصِّلة ونتيجة، ومن ثم بناء الهيكل المزعوم!

ويعترف الصهيوني (شاحر زليغر) أنّه يوجد حاليّاً عدد من المنظّمات الصهيونية متفقة فيما بينها على تدمير كل مساجد القدس بما فيها المسجد الأقصى، وذلك بهدف تدمير المساجد، وقتل أكبر عدد من المصلّين في الوقت نفسه.

وفي الإطار ذاته تأسّست ما يسمى بِـ (جماعة أبناء الهيكل) عام ١٩٨٨م، وحصلت على ترخيص رسميّ صهيوني بممارسة نشاطها تحت مسمى (مؤسّسة العلوم والأبحاث وبناء الهيكل) ، وكان مؤسّسها هو (يسرائيل أرييل) . ويقوم أعضاء هذه الجماعة المشبوهة حالياً بجمع وإعداد المواد اللازمة الخاصّة ببناء الهيكل، وقد أعدّت الجماعة رسماً تخطيطيّاً للهيكل المزمع إقامته مكان المسجد الأقصى. ويرى هؤلاء ضرورة هدم المسجد الأقصى عاجلاً أو آجلاً؛ لأنّ هيكل سليمان ـ حسب زعمهم ـ يقع تحته مباشرة، ويقول زعيم تلك الجماعة الحاخام (مناحم مكوبر) : «إنّه في كل الأحوال وتحت أي ظروف سوف يتمّ بناء الهيكل، وسوف يتمّ هدم المسجد الأقصى. وإنّه في الوقت الذي سنحصل فيه على الضّوء الأخضر سيتمّ بناء الهيكل خلال بضعة أشهر فقط باستخدام أحدث الوسائل التقنية، وأنّ المساجد الموجودة في تلك المنطقة ـ بما فيها المسجد الأقصى، وقُبّة الصخرة ـ هي مجرّد مجموعة من الأحجار يجب إزالتها» !