للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الباب المفتوح

[حروبهم وحروبنا]

د. عوض بن خزيم الأسمري

وزير الدفاع الأمريكي (رامسفيلد) يعلن على الملأ رغبته الأكيدة في قتل

طالبان والأجانب في أفغانستان، حتى لو تم استسلامهم. يا ترى ما هو السر في

استمتاع الوزير بحمامات الدماء؟ هل لأنه اكتشف أن دماء المسلمين رخيصة «ما

يحصل في فلسطين خير دليل على ذلك» ؟ أم لأن قلبه مليء بالحقد على أبناء

الأمة العربية والإسلامية «فأطفال العراق دليل آخر على ذلك» ؟ أم أنه يريد أن

يجعلهم عبرة للآخرين «كما يفعل في أرض أفغانستان الآن» ؟ أم هناك شيء آخر

لم نفهمه بعد؟ الرجل يعبر عن السياسة الأمريكية؛ إذ إنه ركن من أركانها، بل

من أهم أركانها. هل هذا قانون جديد لأسرى الحرب يندرج تحت مسمى النظام

العالمي الجديد الذي بدأ بوضع أركانه بوش «الأب» ؟ من أين أتت أمريكا بهذا

القانون، ولماذا؟ هل نسيت أمريكا أنه كما تدين تُدان، أم نسيت أن الحرب دول:

مرة لك ومرة عليك؟ أم نسيت أن قوتها العظمى الحالية لن تدوم؟ أم نسيت أمراً

مهماً في القوانين الدولية التي هي أيضاً ركن من أركانه والمسيرة له في معظم

الأحيان وهو أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته عن طريق المحاكمة العادلة؟ أمريكا

لم تستطع إلى هذه اللحظة إعطاء إثباتات مقنعة للرأي العام «المحايد» يدين

القاعدة التي يزعمون أنها وراء أحداث ١١ سبتمبر. بل هناك في الإعلام لأمريكي

من يشكك في ذلك، ولكن التعتيم الإعلامي الذي فرضته أمريكا على وسائل

الإعلام بلد الحرية «الزجاجية التي تكسرها حذفة حجر» هو الذي يخفي الحقائق

والنقاشات المنطقية لهذا الحدث؛ فهناك آراء مخالفة في أمريكا عن الأحداث

التي تطالعنا على الإنترنت فقط؛ مما حدا بأمريكا وبريطانيا إلى النظر في كيفية

القضاء على مثل هذا الآراء المخالفة عن طريق التحكم في الإنترنت.

اسمح لي بأن أعرج قليلاً على تاريخ أمريكا مع الحروب السابقة؛ ومن ثم

مقارنته مع الحضارة العربية والإسلامية التي يسخر منها الإعلام الغربي أحياناً.

عندما انتصر المسلمون على الصليبيين في فلسطين سأل قادة الغرب في ذلك الحين

قادة المسلمين عن مصيرهم ومصير جنودهم بعدما تمكن منهم المسلمون. ماذا كان

رد القائد المسلم آنذاك «صلاح الدين الأيوبي» ؟ أخرج السيف، ثم وضع عليه

قطعة قماش قائلاً: هكذا. يعني لن نمسكم بسوء ولن نؤثر عليكم إلا كما أثر السيف

على قطعة الحرير؛ من شاء منكم أن يبقى فلا ضير، ومن شاء منكم أن يرحل فله

ذلك. رغم ما فعله الصليبيون بالعرب في فلسطين «كما يذكره مؤرخو الغرب في

كتبهم» .

هذا قانوننا يا أيها الوزير «من أكثر من خمسة عشر قرناً» ولكن قد تكون

متأثراً بحادثة أصحاب الأخدود، عندما أحرق اليهودُ النصارى جميعاً؛ لأنهم خالفوا

عقيدتهم؛ فهذا مذهب قديم يدين به اليهود تجاه من خالفهم. يا ترى لماذا أثر فيك

هذا المذهب؟ بل لماذا أصبح عقيدة واضحة للساسة الأمريكيين؟ هل لأن المذهب

اليهودي (العقيدة الشارونية حالياً) أصبحت عقيدة غالبية أصحاب القرار السياسي

في أمريكا هذه الأيام؟ سبق أن تبجح شارون في الكنيست بأن أمريكا لا تحكم

اليهود بل اليهود هم الذين يحكمون أمريكا [١] .

أم أن تجربة القنبلة الذرية (الإرهاب النووي) على دولة اليابان فتحت شهية

أمريكا إلى إخضاع مزيد من دول العالم للغطرسة الأمريكية في القرن الجديد؟ ما

هو السبب في تبني أمريكا لقوانين الثنائيات بالنسبة لمحاربة الإرهاب مثلاً «١»

أو «صفر» ، «أبيض» أو «أسود» ، «معي» أو «ضدي» ؟ ولماذا لا

ترغب مع الأسرى في أفغانستان إلا بتطبيق القانون الأحادي فقط مثل «صفر» ،

«أسود» ، «ضدي» ، «موت» ؟ أما عندما تأتي المصالح العربية أو قضية

فلسطين فيتغير المقياس العددي ليصبح مقياساً رمادياً يبدأ من «الصفر» وينتهي

إلى ما لا نهاية! وعلى العرب حك رؤوسهم لكي يجدوا الرقم المناسب لإسرائيل

أولاً ومن ثم أمريكا؛ إذ إن العرب لم ينجحوا في معرفة هذا الرقم السري منذ أكثر

من خمسين سنة، ولكن أعتقد بأن المفتاح المشفر أصبح مكشوفاً للأمة الإسلامية

والعربية وخصوصاً بعد أحداث أفغانستان المصطنعة (حسب رأيي الشخصي)

وما رافقها من أحداث مشابهة في الوقت نفسه وبنفس الشراسة في فلسطين من

دولة بني صهيون. ألا ترى يا معالي الوزير أن المفتاح المشفر أصبح واضح

المعالم لأمتي؟

اسمح لي يا أيها الوزير بأن أقول لك الحقيقة المرة والتي يجب أن تعرفها

أمريكا وهي أن معظم دول العالم يشبِّهون هذه القوة التي بأيديكم كمسدس بيد مجنون؛

ذلك لأنكم تعتقدون أن لغة القوة هي لغة التفاهم الوحيدة مع من خالفكم الرأي.

هل تذكرون ما فعلتموه بالهنود الحمر عندما كنتم تهدون لهم البطانيات

المسممة في الشتاء؟ ما أشبه ذاك بحاويات الطعام (الحديدية) التي أسقطتموها

على منازل الأفغان فتسببت في الهدم والقتل والتدمير والتشريد! «إضافة إلى نوع

الطعام ولونه وما يتعلق بها من قصص ليس هذا مجالها» .

هل تذكر أيها الوزير المعاملة العنصرية التي كنتم تعاملون بها الأمريكيين

ذوي البشرة السوداء في أمريكا بلد الحرية والسلام؟ ! وكذلك أثناء الحرب العالمية

وقصص السجون الجماعية والتعذيب لليابانيين؟ بل في هذه الأيام هل سمعت عن

عمليات الاعتقالات غير المسوغة للمسلمين في أمريكا العظمى؟ بل هل سمعت عن

المداهمات والاحتجازات والتعذيب والقتل للمسلمين وخصوصاً العرب في بلد

الحرية؟ بل بلغ الأمر بأن تغير كثير من القوانين لأجل التضييق على المسلمين

والعرب في أمريكا. لماذا هذه الحرب الموجهة ضدنا نحن المسلمين والعرب؛

بحيث لا يقتلنا إلا السلاح الأمريكي في كل مكان؟


(١) المصدر ديفيد ذي دوك (www theduck org) .