المسلمون والعالم
جهود المنصرين في كينيا..
أضواء على الخطط القائمة لاستئصال المسلمين
خلفان خميس إسماعيل
إن المسلمين في العالم العربي والإسلامي بعد سقوط الأندلس ضعفت قواهم
فأصبحوا كالصيد الجريح يحمل الموت والحياة معاً.
أما النصارى فلما دانت لهم بلاد المسلمين في الأندلس، لم يكتفوا بإعمال
السيوف في رقاب المسلمين يقتلونهم دون رحمة ولا شفقة فحسب، بل ازدادت
قلوبهم عطشاً لدمائهم؛ فكشروا عن أنيابهم وشرعوا يلاحقون المسلمين أينما وجدوا، فنزلت سفنهم تضرب البحار فيما سُمّيت زوراً وبهتاناً بالكشوف الجغرافية بحثاً
عن المسلمين، ومحاولة تطويق العالم الإسلامي.
فتحركوا نحو الجنوب مروراً برأس الرجاء الصالح، وكانوا لا يمرون بمدينة
إلا وأنزلوا فيها بأسهم وبطشهم ينشرون الرعب بين المواطنين قتلاً وتشريداً.
ولما وصلوا إلى (مُمباسا) المدينة الإسلامية على الساحل الكيني قتلوا أهلها
المسلمين في مذابح جماعية، ثم حرقوها خمس مرات! ، وفعلوا مثل ذلك في مدينة
(غيدي) و (لامو) وغيرها، باستثناء مدينة (ماليندي) حيث صالحهم أميرها، وقدم
لهم المساعدات ليواصلوا رحلتهم الاستكشافية! ! المزورة على التاريخ.. والذي
يثير الأسف: أنه أثناء تواجد البرتغاليين في (مُمباسا) بنوا قلعة يسوع لنشر
المسيحية، كما بنى فاسكو دي جاما منارة في مدينة (ماليندي) ، وكل ذلك مما يدل
على أن الكشوف الجغرافية عندهم تعني تعذيب المسلمين ونشر المسيحية.
هذه الرحلات كانت واضحة الأهداف والوسائل، ومثلها مثل كل الرحلات
التي يقوم بها الصليبيون في العالم الإسلامي؛ يدرسون مداخله ومخارجه، ثم
يرجعون إلى حكوماتهم ليدلوها على منافذ التسلل إلى بلاد المسلمين، وإلا.. فهل
كانت هذه البلاد المكتشفة! خالية من السكان؟ أولم يكن يعرفها أحد على
الإطلاق؟ ! .
من المعروف أن الأوربيين لما وصلوا إلى ما يسمى (بالعالم الجديد) ولم يكن
جديداً أبادوا السكان الأصليين وهم (الهنود الحمر) .
وهذا يعني: أن هذه البلاد كانت آهلة بالسكان قبل مقدم المكتشفين، وكذلك
كان الحال في إفريقيا شرقها وغربها، إذن: تسمية هذه الرحلات استكشافية افتراء
وتزوير على التاريخ، لقد كانت تلك الرحلات تنصيرية بكل معاني الكلمة، سواء
أكان ذلك من حيث الدافع أو من حيث الهدف والوسيلة.
وماذا بعد اللعبة الخبيثة؟ :
وبهذه اللعبة الخبيثة تعتبر الكاثوليكية هي الطائفة الأولى وصولاً إلى شرق
إفريقيا وذلك في الموجة الأولى تحت ستار (الكشوف الجغرافية) التي قام بها فاسكو
دي جاما وأعوانه في القرن الخامس عشر، إلا أن هذه الموجه لم تؤت أكلها لعدم
اعتناق النصرانية إلا من قِبَلِ نفر قليل، وقد تغلب العُمانيون عليهم بعد حروب
دامت قرنين من الزمن، وفي القرن التاسع عشر: هبت الموجة النصرانية الثانية
على بلاد شرق إفريقيا، وعاودت الكرّة من جديد، وكانت البروتستانتية هي الرائدة
في هذه الموجة وبأسلوب يختلف عن أسلوب الموجة الأولى، ولما جاء الاستعمار
البريطاني عام ١٨٨٤م أخذ العمل التنصيري طابعاً رسمياً؛ وذلك بوقوف الحكومة
البريطانية مع رجال التبشير، وتقديم الدعم السخي في سبيل نشر النصرانية
بمختلف الوسائل. ومما يلاحظ: أن النشاط التنصيري آنذاك كان قاصراً على
المناطق الساحلية ذات الأغلبية المسلمة في الموجة الأولى، لكن في بداية الموجة
الثانية أي: من القرن التاسع عشر إلى أوائل القرن العشرين بدأ التسلل إلى عمق
الأراضي الكينية، وبدأت الإرساليات التنصيرية الأجنبية المتمركزة في المنطقة
الساحلية تنتقل إلى الداخل، عملاً بنصيحة المؤتمرات التنصيرية بأن يسبقوا
المسلمين إلى الوثنيين.
وفعلاً أسسوا مراكزهم من: مدارس، ومستشفيات، وكنائس، وغيرها في
مختلف المناطق الداخلية الوسطى والغربية مثل: (فوي) و (ليمورو) و (كيسومو)
وغيرها.
وبعد الحرب العالمية الأولى شهدت النصرانية في هذه المناطق نمواً كبيراً
وازدادت أنشطتها؛ فترجموا الإنجيل إلى مختلف اللغات القبلية وإلى اللغة
السواحيلية، فنتج عن تلك الحركة وأنشطتها أن تنصر آلاف من الوثنيين، وفي
بداية الأربعينات انقسمت الكنيسة البروتستانتية، وأنشأ المنشقون عنها كنائس
مستقلة، وفي محاولة لرأب الصدع أنشيء (المجلس المسيحي في كينيا) ، وفي عام
١٩٥٩م عقد مؤتمر كنسي بين الكاثوليك والبروتستانت، وكانت مهمته التنسيق بين
جهود الكنيستين والقضاء على تبديد الطاقات وتضارب سبل العمل، وكوّنوا
(المجلس الوطني المسيحي في كينيا) .
وفي بداية النصف الثاني من القرن العشرين واصلت حركة التنصير عملها،
وكثفت جهودها وأنشطتها بمزيد من نشر ترجمة الأناجيل والكتب الدينية الأخرى،
وفتحت كليات اللاهوت في (نيروبي) ، وفي (ليمورو) ، وفي (مجاكوس) ، وفي
(تاناريفان) ، وأسسوا محطة إذاعية في (كيجابي) ، وكذلك شهدت هذه الفترة ما
يسمى ب (حركات الإصلاح) المختلفة وإنشاء المنظمات والجمعيات التنصيرية
المتنوعة، ولما بدأ البث التلفزيوني عام ١٩٦٢م؛ تضمن برنامجه بث النصرانية
بشكل كبير، وافتتحت أيضاً (إذاعة صوت كينيا) في عام ١٩٦٣م، ولازالت
تواصل إرسالها حتى الآن، واسمها الجديد (Kenya Broadcasting Co-
Operation K. B. C.) ، وفي عام ١٩٦٤م أصدر المجلس المسيحي في
كينيا صحيفة باسم الهدف Target/Lengo باللغتين الإنجليزية والسواحيلية،
بالإضافة إلى صحيفة الشعب باللغة الإنجليزية.
نصرانية كينيا بعد الاستقلال:
وفي عام ١٩٦٣م رحل الاستعمار عن كينيا، لتصبح مستقلة سياسياً ككثير
من الدول المستقلة آنذاك، بعد أن تأكد المستعمرون من أنهم خلّفوا جيلاً نصرانياً
عريضاً وفياً، فأسندوا إليه قيادة الجمهورية الجديدة من الكوادر المدربة المخلصة
للنصرانية والموالية للسياسة الغربية.
وأبعدوا العناصر الإسلامية التي همشها المستعمر الغربي عن المؤسسات
السياسية ومراكز التأثير، وتجاهلوا الوجود الإسلامي، وفرضوا تعتيماً إعلامياً
على الإسلام والمسلمين، واعتمدت الحكومة سياسة التهجير والتوطين، فأصبحوا
يقومون بتهجير كثير من النصارى وتوطينهم في مناطق المسلمين بحجة استصلاح
الأراضي الزراعية كما حدث في مدينة (مبكيتوني) التي تقع في المنطقة الساحلية،
كل ذلك لضمان سيطرة النصارى على مقاليد الأمور في البلاد ولضمان انتشار
الحركة التنصيرية حتى يتم تنصير كينيا كلها، ولتصبح دولة نصرانية تماماً بحلول
عام ٢٠٠٠م حسب الخطة المرسومة من قِبَل الفاتيكان.
ولما كانت نتائج حركة التنصير المكثفة الأولى مثمرة، فقد ازداد اهتمام
أمريكا بهذه الدولة الوليدة؛ ترعاها وتكفلها وتُوفد إليها المنصرين من حين لآخر.
وحقاً كانت نتائج هذه الحركة في الستينات مذهلة ورهيبة، ولذلك اُعتبرت
كينيا بمثابة الفاتيكان في إفريقيا، وهي المسؤولة عن تصدير النصرانية إلى باقي
دول إفريقيا، فحظيت كينيا بهذه الاعتبارات برعاية خاصة ومركزة من قبل العالم
النصراني، واستبشروا خيراً بهذه النتائج، وتوقعوا أن تصبح نصرانية تماماً مع
طلوع فجر عام ٢٠٠٠ م إن استمر الحال على هذا الوضع.
وفي عام ١٩٧٥م عقد المؤتمر الخامس لمجلس الكنائس العالمي في (نيروبي)
وكان من أهم الموضوعات المدرجة على جدول أعماله مشكلة الميزانية، حيث
بُحثت هذه المشكلة بغية إيجاد حل مناسب لها ليتمكن المجلس من القيام ببرامجه
الكثيرة لنشر النصرانية، وتم تحديد مصادر الدخل من (١٣) دولة أوربية وأمريكية
والتي ستساهم بـ ٩٨% من ميزانية المجلس، والباقي من الكنائس الأعضاء
والمؤسسات الكنسية الأخرى، وقد تمخض عن هذا المؤتمر انضمام معظم
الجمعيات الكنسية المحلية لعضوية المجلس في نفس العام.
وفي عام ١٩٨٩م عقد زعماء النصارى في كينيا اجتماعاً سرياً في (نيروبي) ، وقد استطاع أحد المسلمين التسلل إلى قاعة الاجتماع، فأفشى هذا الخبر، كما
نُشرت هذه الأخبار في: جريدة الرسالة (The Message) لجمعية الشبان
الأنصار في (مُمباسا) ، وفي مجلة المجتمع الكويتية، ومجلة المركز السودانية،
وعشرات من الصحف الإسلامية.
وأهم ما نوقش في هذا الاجتماع:
١- وضع السبل والوسائل الكفيلة لضمان تنصير المسلمين.
٢- وضع حد لمنع تدفق السيل النصراني نحو الإسلام، ومحاولة إرجاع من
أسلم إلى النصرانية من جديد.
٣- تبني خطوات جديدة في عملية التنصير، مثل:
أ) نشر الإنجيل داخل بيوت المسلمين.
ب) استخدام آيات من العهد القديم، واستخدم اسم عيسى بدل يسوع عند
مخاطبة المسلمين.
ج) بناءالمراكز الصحية ذات الأهداف التنصيرية في أماكن تجمع المسلمين.
٤- دراسة الإسلام ومذاهبه وفرقه للوقوف على نقاط الضعف والاختلاف
وكيفية إثارة هذه النقاط لإيجاد الخصومات بين الفرق الإسلامية! !
٥- دراسة المنظمات والجمعيات الإسلامية وأنشطتها ومصادر تمويلها
وميزانياتها.
٦- مساعدة المتنصرين الجدد مادياً وثقافياً، وذلك بتعليمهم المهن والحرف
المختلفة مع تقديم رأس مال لمن له خبرة في شؤون التجارة منهم، وتعليم أبنائهم
وإرسالهم إلى الخارج للدراسات العليا.
وقد علم في نهاية هذا الاجتماع أن إحدى المؤسسات الكنسية المتمركزة في
الولايات المتحدة قد تعهدت بتقديم ما يقارب المليارين من الشلن الكيني لاستخدامها
في المشاريع التنصيرية المختلفة، وفي الختام أوصى الاجتماع بعقد اجتماع آخر
بعد أربعة أشهر لمعرفة ثمرات جهودهم وتدقيق حساباتهم، وفي عام ١٩٩٣م جعل
الفاتيكان وكيلاً له في مدينة (هومابي) الواقعة على بحيرة فيكتوريا حيث درسوا
استراتيجية المنطقة، ورأوا أنها صالحة للقيام بنشاطاتهم، إذ يمكنهم استقبال الذين
يأتون من: تنزانيا، وأوغندا، وبوروندي، ورواندا، بسهولة.
هذه جهود القوم في أداء رسالتهم في تنصير المسلمين أو على الأقل إخراجهم
عن دينهم، وهذا ما صرحوا به في كثير من لقاءاتهم ومؤتمراتهم، فإلى متى تكون
جهود المسلمين قليلة وأعمالهم أقل؟ ! .
دعوة لأغنياء المسلمين:
إننا نذكر الموسرين وأصحاب الفكر ودعاة الحق إلى أهمية الوقوف ضد أولئك
المنصرين بمشاريع دعوية يكون عائدها دعماً للمسلمين ورفعاً من مستواهم
الاجتماعي، وليقابلوا تلك الجهود الماكرة بالعض على عقيدتهم بالنواجذ، والله من
وراء القصد.