للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

[تركيا الكمالية تشترك مع الصهاينة في العداء للإسلام]

د. إسماعيل المنصور

يمر الإسلام والمسلمون في تركيا الكمالية في هذه الأعوام الأخيرة ومنذ تسلم

فيها أربكان الحكم في سنة ١٩٩٦م لمدة قصيرة لا تزيد على أحد عشر شهراً؛

بأزمات ومصاعب تقشعرُّ منها الجلود، وتشمئز منها النفوس، ويعانون من

الحكومة التركية العلمانية ضغوطاً ومطاردات وملاحقات وتشريدات وتعذيبات لم

يشهدها التاريخ أبداً لا في أيام هولاكو ولا في أيام أتاتورك وعصمت إينونو اللذين

كُلِّفا في معاهدة (لوزان) من طرف سادتهما الغربيين بالقضاء على الإسلام قضاء

باتاً.

إن الجمهورية التركية العلمانية البالغة من العمر ثمانية وسبعين عاماً عرفت

عبر عمرها الإسلام بمضمونه السياسي عدواً لدوداً وخصماً عنيداً لها، وربَّت

الجمهورية العلمانية جميع أبنائها المخلصين لها من الليبراليين العلمانيين

الديمقراطيين، وكذا ربت جميع حراسها من الضباط العسكريين كما يزعمون هم

أنفسهم أنهم حراس لنظام الجمهورية العلمانية الكمالية على دعوى أن أكبر الأخطار

الداخلية على النظام الجمهوري العلماني هو الإسلام والإسلاميون؛ فمن هنا ترى أن

جميع من في الجمهورية التركية من اليهود والنصارى واليزيديين والرافضة

والملاحدة والفسقة الفجرة حتى اللوطيين والزناة واللصوص والمرتشين يتمتعون

بحريات كاملة في الإعراب عن آرائهم، والإبانة عن وجهة نظرهم، والإفصاح

عن معتقداتهم، وتطبيق طقوسهم وعباداتهم، ولا يتعرض لهم أحد بشيء؛ حتى إن

اللوطيين رتبوا في أواسط التسعينيات مظاهرة اشترك فيها جميعهم في أكبر شوارع

إستانبول، ولم يتعرض لهم أحد بكلمة سوى أن شرطة الحكومة حرستهم من أن

يتعرض لهم أحد بسوء، وكذا لبعض الأقليات الدينية مدارس يصرف عليها ميزانية

ضخمة تؤمن من الداخل، وتستورد من الخارج مثل مدارس السريانيين في دير

الزعفران، ودير عمر في ماردين، ولا يحاسب أحد هؤلاء عن مصدر تلك

الموارد الضخمة، وكيف تصرف؟ ولكن إذا ساعدت إحدى الجماعات الخيرية من

الخارج هيئة إسلامية في داخل تركيا وعلمت بها سلطات الأمن التركي ترى كيف

تثور عنجهيتهم العلمانية الخرقاء، وتقوم قيامتهم، ويرون أن العلمانية وقعت في

خطر بالغ بذلك الدعم الإسلامي. ويعرب عن مدى حذر العلمانيين من المسلمين في

تركيا وعن بالغ قلقهم على مصير العلمنة ما قاله (حسام الدين جندورك) حينما كان

رئيس حزب الصراط المستقيم في أواسط الثمانينيات: «إننا لو أفسحنا المجال

للمسلمين وأعطيناهم الحرية الدينية لخرجوا أيام الجمعة من المساجد يرفعون

المصاحف طلباً للشريعة» .

فرغماً عن أن المسلمين في تركيا يشكلون ٩٨% من عدد السكان لكن لا تجد

لهم أي وزن لا في كفة السياسة، ولا في كفة الجيش، ولا في كفة الاقتصاد الذي

تقبله الجهات الرسمية، كما لا يعطى لهم أية حرية دينية سوى كونهم يصلون

ويصومون صلاة بلا روح وصياماً بلا وعي؛ حيث انتزع منهما فاعليتهما

الاجتماعية، وصارتا مجرد حركات تقليدية لا يفعلها كثير من الناس إلا لتقليد الآباء

والأمهات فقط. ترى المساجد تكتظ بالآلاف المؤلفة من الناس ولكنهم غثاء كغثاء

السيل لا خير في حشودهم ولا نفع في وجودهم، ولا يسمن ولا يغني من جوع إلا

ما شاء الله.

أول المحاولات للقضاء على الإسلام:

إن الجمهورية التركية أسست أول ما أسست على عداوة وخصومة شديدة

للإسلام، وكسيت تلك العداوة بلباس أعجوبة نظامية جعلت الأيديولوجية الوحيدة

للدولة الفتية ضد الإسلام والمسلمين ألا وهي العلمنة، فجعلت أيديولوجية العلمنة

الترس الوحيد الذي يحتمي خلفه جميع من له غرض على الإسلام والمسلمين من

الشيوعية والرافضة والدونمة اليهود والصليبيين الحاقدين أو من له غرض سيئ في

ثروات الدولة من اللصوص والناهبين الذين يتحينون الفرص في سلب أموال الدولة

وثرواتها. ورُبِّيَ على روح هذه العداوة الوقحة للإسلام حشد بالغ من المثقفين

والضباط والصحفيين وغيرهم من الليبراليين الذين يدعون أنهم ديمقراطيون؛ فهذا

الجيل الحاقد على الإسلام لا يشفي غيظ صدورهم إلا الهجوم الوقح على الإسلام،

وانتهاك قداسته وتشويه سمعته وتلويث كرامته في أية فرصة سانحة لهم كما سنذكر

ذلك.

أول الخطوات المشؤومة لهذه الدولة الأيديولوجية التي أسست بروح العداوة

البحتة للإسلام على أنقاض الإمبراطورية العثمانية كي تقر أعين الصليبيين الحاقدين

كان إلغاء الخلافة الإسلامية وشريعتها تماماً، وتبني العلمنة المادية التي هي أشبه

بالإلحاد العاتي في تطبيقاتها وسلوكياتها الموجودة في تركيا، وتثبيتاً لجذورها في

أعماق المجتمع حقق القائمون على الثورة الجمهورية وعلى رأسهم أتاتورك ثم بعده

عصمت إينونو ثورات غريبة الأصل والشكل هي فريدة في بابها ونسيج وحدها:

منها ثورة الأحرف أي الثورة على الأحرف العربية والعثمانية حتى لا تبقى للمجتمع

أية صلة بماضيه الإسلامي فيتولد منه وعي إسلامي؛ ومنها الثورة على التدريس

الإسلامي بتوحيد الدراسة وإغلاق جميع المدارس الشرعية والمؤسسات الإسلامية

وحذف المواد الإسلامية من المدارس الإسلامية. ومنها الثورة على الزي الإسلامي

في الملابس والثياب، فحظروا جميع الملابس الرجالية التي لها صلة بالإسلام من

العمامة والعباءة والجبة والثوب العربي، ومن الملابس النسائية حظروا الجلباب

وسائر ما تستر به المرأة بدنها الستر الكامل، وأوجبوا كشف الرأس على الرجل

والمرأة إذا كانت عاملة في الوظائف الحكومية، وكثروا ويسروا جميع الوسائل

لاختلاط النساء بالرجال في جميع الأماكن والمناسبات، وهذا بدوره أتى بفساد

عجيب وانهيار خلقي وانحلال أخلاقي عظيم؛ فكان ضربة قاسية أصابت مقتل

الأمة. ومنها الثورة على الأخلاق والأعراف والتقاليد الإسلامية كاملة؛ فكانت أول

خطوة في هذا المجال تأسيس معاهد تسمى بـ (معاهد القرى) ، وأسسوا بجنب

تلك المعاهد سكناً للطلاب أجبروا فيها الطلاب والطالبات على الإقامة والمبيت معاً

في الغرف نفسها حتى لا يبقى في نفوس الجيل الجديد أي وازع ديني أو رادع

خُلُقي من الحياء والحشمة والعفاف. ومنها منع بعض الشعائر الإسلامية مثل الأذان

العربي؛ فقد تمت ترجمته إلى التركية، وإغلاق الكثير من المساجد، وحول مسجد

آيا صوفيا إلى (متحف) و ... و ... و ...

وتنفيذاً لأهداف العلمنة وترسيخاً لجذور هذه الثورات التي تعد اللبنات الأولى

للجمهورية الكمالية العلمانية شنق فيما بين العشرينيات والأربعينيات جم غفير يعد

بالألوف من الصلحاء والعلماء وأرباب الهمم من المسلمين الذين رفضوا العلمنة

وإلغاء الخلافة والشريعة الإسلامية؛ وهاجر إلى خارج البلاد عدد آخر منهم فراراً

بدينهم من أمثال (مصطفى صبري) شيخ الإسلام للدولة العثمانية وغيره كثير.

الخطة الرهيبة التي تطبق في القضاء على الإسلام:

نعم! إن تلاميذ مدرسة أتاتورك وعصمت المعاصرين أنكى وأضر وأشد على

الإسلام منهما بكثير؛ لأن هؤلاء يأخذون مخططاتهم ومشاريعهم التي ينفذونها في

سبيل القضاء على الإسلام من مراكز استراتيجية عالمية درس فيها الصهاينة

والصليبيون الحاقدون ولا يزالون يدرسون جميع ما هو أنكى وأضر وأعظم مفعولاً

في استئصال شأفة الإسلام من مجتمعاته، وازداد وعي هذا المركز وخبرة الدارسين

فيه خاصة بعدما شوهد هنا وهناك على الصعيد العالمي تقدم الصحوة الإسلامية يوماً

فيوماً ونجاحها الواسع في شتى الميادين وخصيصاً ما وقع في إيران وأفغانستان

على رأس الثمانينيات، وتأسيس حركة حماس في فلسطين، والتقدم الهائل الذي

أحدثه الإسلاميون في كل من تونس وتركيا وسوريا والجزائر فيما بعد الثمانينيات

إلى أواسط التسعينيات، كل هذه التطورات على صعيد الصحوة الإسلامية أرّقت

الصهاينة وأنصارهم من الصليبيين الحاقدين؛ فمن هنا درسوا ويدرسون جميع ما

يمكن أن يقضوا به على الإسلام الذي يدعو الناس أن يرفضوا ويقضوا على

الاستعمار الغربي في ربوع العالم الإسلامي.

فترى اليوم أن الصهاينة وأنصارهم من الصليبيين يطبقون في شتى البلاد

الإسلامية بمكر ودهاء لا مثيل له على أيدي حفنة من المارقين الذين ضللت أدمغتهم

ورؤوسهم وصاروا أسرى التقليد للغرب يطبقون مخططاتهم في القضاء على الإسلام

واقتلاع جميع جذوره من جميع المجتمعات الإسلامية، وضمن هذا المخطط

المشؤوم يحاربون كل ما هو إسلامي من غير رفق ولا هوادة، وخير أنموذج لما

يطبق فيه ذلك المخطط الرهيب هو تونس وتركيا وأندونيسيا. ولكن نترك تلك

الدول جانباً ونتناول بشيء من التفصيل ما يجري اليوم على الساحة التركية من تلك

الخطة الرهيبة في القضاء على الإسلام وجميع شعائره كي نرى عن كثب ما يدبره

اليهود والصليبيون خلف الأبواب المسدودة ضد الإسلام، ويطبقه على رؤوس

الأشهاد أذنابهم المرذولون في المجتمعات الإسلامية.

ويمكن تلخيص هذه الخطة الرهيبة في كلمة واحدة وهي: تجفيف جميع

المنابع الإسلامية التي تستقي منها الشعوب الوعي الإسلامي.

إن الجيش التركي أسس من أول يوم ليكون حرباً على الدين وحراسة للعلمنة،

فترى أن الدستور الأساسي لتركيا ينص على ذلك من خلال المادة ١٣٦؛

فانطلاقاً من هذا صار الجيش التركي سيفاً مصلتا على الشعب التركي يمنعه من

جميع نشاطاته الإسلامية منذ أن أسس الجيش على يد أتاتورك إلى يومنا هذا.

العلمنة هي الأيديولوجية الوحيدة للجيش التركي كما أسلفنا ولكن ليست

بالصورة المطبقة في الغرب بحيث تعطي الحريات الدينية للناس حتى يطبقوا أوامر

دينهم كما يأمرهم به، بل هي علمنة شيوعية إلحادية تحارب الدين أكثر من محاربة

الشيوعية لها.

تقدم حزب الرفاه والكيد به:

إن من شدة عداوة الجيش التركي للإسلام أنه حينما أحس بتقدم حزب الرفاه

وفوزه في انتخابات ١٩٩٥م بدأ يستعين سراً بالرافضة الموجودين في تركيا الذين

هم قلة قليلة فجعلوهم في المناصب العليا، وسلموا لهم مناصب مهمة، وحقد هؤلاء

على المسلمين لا يقل عن حقد الصهاينة والصليبيين بل ربما أشد بكثير، فصارت

فرقة الرافضة يقيئون جميع سمومهم على المسلمين.

وإلى جنب هذا الاتفاق اللئيم السري بين الجيش والرافضة ضد المسلمين وقع

اتفاق آخر هو أشد من الأول وهو تحالف ضمني وقع بين القوى الثلاث في البلاد

التركية وهم: الوطنيون الطورانيون، والديمقراطيون الليبراليون، واليساريون

الشيوعيون الماركسيون. فتلك القوى الثلاث بما أنها تتجمع على بساط العلمنة

تحالفت وتآزرت أيضاً في الكفاح ضد المسلمين فكان ضرر هؤلاء أكبر على

المسلمين؛ لأن جميع القرارات التي كانت تحتاج إلى مسوِّغ قانوني من إغلاق

مدارس تحفيظ القرآن الكريم وإغلاق ثانوية (الأئمة والخطباء) وغيره إنما أخذت

وقننت على أيدي هؤلاء؛ فكان الجيش يوجه وهؤلاء كانوا يطبقون؛ فمنذ عام

١٩٩٥م والشغل الشاغل لجميع الكوادر الحكومية العليا في تركيا هو الكفاح ضد

الإسلام، وتجفيف منابع العمل الإسلامي في جميع المجالات، فمن هنا ترى أنهم

منعوا قانونياً تعليم القرآن الكريم لمن هم دون اثني عشر عاماً من العمر.

تجفيف المنابع:

إن ما يرتكبه اليوم الحاكمون بأمرهم في تركيا ضد الإسلام والمسلمين من

طرد وتشريد ذريع وتعذيب فظيع بحيث تقشعر منه الجلود وتشخص منه الأبصار

يفوق الوصف، ويمكننا أن نلمسه في المظاهر الآتية:

١ - تشويه سمعة الإسلام والمسلمين بكل ما أمكن من شتى الوسائل الإعلامية

وبخاصة على شاشات التلفاز كما رأينا ذلك بأم أعيننا في قصة تزويج المخابرات

التركية إحدى نسوانها (فاطمة شاهين) بواحد من رؤساء إحدى الجماعات

الإسلامية (مسلم كوندز) وفضح أمره على رؤوس الأشهاد بحيث تكلم به وكتب

عنه الناس أياماً عديدة.

٢ - اغتيال المسلمين وخصيصاً من رأوا فيه دراية وبصيرة ونشاطاً وحكمة

من أمثال عز الدين يلدريم رئيس وقف الزهراء الإسلامي وجماعة النورسيين

الزهراويين، وزكريا آي، وإسماعيل أوز يورت، وغيرهم من الكثير الكثير

حتى أخبرني من أثق به من ذوي المناصب العليا في الحكومة التركية أن جهات

المخابرات والأمن أعدت فيما بينها قائمة بأسماء المسلمين الذين يريدون أن يغتالوهم

تحتوي على أسماء ثمانية آلاف أو أحد عشر ألف مسلم، وقالت تلك الجهات: إننا

إذا قتلنا من هؤلاء الرجعيين هذا العدد فإننا نخلص البلد من الرجعية (الإسلام)

على حسب تعبيرهم ولا تزال الجهات الأمنية تتبع الطريق نفسه عند من يريدون

قتله؛ والكيد الذي يطبق الآن في اغتيال المسلمين في تركيا هو المخطط نفسه الذي

كان الفرنسيون يطبقونه ضد الجزائريين سنوات كفاحهم لتحرير بلادهم من

الاستعمار.

٣ - إغلاق جميع المؤسسات التي كان يجري فيها التعليم الإسلامي من

مدارس تحفيظ القرآن الكريم وثانوية (الأئمة والخطباء) والمدارس الإسلامية

الأخرى، أغلق أكثر من أربعة آلاف مدرسة من مدارس تحفيظ القرآن الكريم،

والآن يعملون لإغلاق كليات الإلهيات أيضاً التي ما يدرس فيها من العلوم الإسلامية

إلا القليل.

٤ - الحد من نشاطات جميع الأوقاف والجمعيات الخيرية والهيئات

الإسلامية؛ فمنعت كلها من جميع نشاطاتها الكثيرة العظيمة؛ فأغلقت هي نفسها،

لأنها لا تستطيع أن تستمر في نشاطاتها من كثرة متابعة الجهات الأمنية الكثيرة

وملاحقتها لها.

٥ - الحرب السافرة مع جميع أنواع الحجاب الإسلامي للمرأة، فأولاً فصلت

النساء المسلمات المتحجبات من العمل في الدوائر الرسمية، ثم في خطوة ثانية

فصلت الطالبات المتحجبات من الجامعات وجميع المدارس حتى الأهلية منها أيضاً،

ثم في خطوة شيطانية ثالثة منعت جميع نساء من يسكن في السكن الحكومي من

الاحتجاب؛ فمن لم يطبق ولم تسفر امرأته أخرجوه من السكن قسراً مع ما يرون

من العقوبة.

٦ - إخلاء الجيش بكامله من العناصر التي لها أدنى صلة بالإسلام، وفي

هذا السبيل ينتهجون نهجاً شيطانياً، وهو أن من وجدوا عليه أو على أسرته حتى

أبويه أدنى أمارة دينية عدُّوها له جريمة ولاحقوه وتابعوه وفي آخر الأمر فصلوه؛

فمثلاً لبس العسكري لخاتم الفضة دون الذهب أو تغطية امرأته لرأسها أو حمله أو

أحد من أبويه علماً إسلامياً أو حتى تغطية أمه لرأسها أو صلاة والده ولو في بيته أو

عدم شربه للخمر أو عدم ارتياده لبيوت الزنا والخلاعة أو عدم اشتراكه مع زوجته

حاسرة الرأس وعارية الجسد في الحفلات العسكرية أو غيرها من الحفلات الرسمية

كل هذه الأمور تعد للضابط الموظف في الجيش التركي جريمة لا تغفر، يكفي

بعض هذه الأمور أن تكون جريمة مسوِّغة لفصله عن الجيش.

وبعد عام ١٩٩٦م عدت جميع تلك الأمور جريمة للموظفين المدنيين الكبار في

المناصب الحكومية الهامة الأخرى من أمثال الوالي أو القائمقام أو المدير العام أو

المستشار في الوزارات، فيكفيهم جرماً عدم اشتراك نسائهم سافرات عاريات في

الاحتفالات، وعدم رقصهن مع الرجال الأجانب أو عدم احتسائهن للخمور،

وقس ...

٧ - إغلاق حزب الرفاه الذي كان يُرى ممثلاً للمسلمين على الساحة السياسية

في تركيا والحظر السياسي مدى العمر على زعيمه أربكان، وعلى رئيس بلدية

إسطنبول من حزب الرفاه رجب طيب أردوغان الذي فاز باستقبال شعبي هائل أرّق

العلمانيين في لياليهم الحمراء بما كانوا يجدون فيه خيراً وأملاً للمسلمين، وكان

حينذاك يعد هو الجماعة الإسلامية في تركيا بخير كثير ومتابعة جميع أعمال حزب

الفضيلة الذي أسس فيما بعد، وتجمع تحت سقفه كثير من مندوبي البرلمان التركي

المتدينين وجعل ذلك تحت المجهر.

٨ - مطاردة جميع الأثرياء والأغنياء الذين كانت الحكومة التركية العلمانية

تجد فيهم خيراً للإسلام والمسلمين، فكانت تسميهم أصحاب رأس المال الأخضر،

وكانت تزعجهم بجميع ما أمكن من وسائل العنف والإزعاج؛ بحيث اضطر الكثير

منهم إلى الهجرة من تركيا برأس ماله الأخضر إلى الخارج، والآن تحاول الحكومة

وأذنابها وتجدُّ وتسهر على مناورات شيطانية ينهار بها أرباب الرأس المال الأخضر.

٩ - ألغت مؤسسة التعليم العالي جميع الشهادات التي حصل عليه أربابها من

الجامعات الإسلامية في الخارج من أمثال جامعة الأزهر بمصر، وجامعات المملكة

العربية السعودية وغيرها، ففصلت عن الوظائف الحكومية أرباب تلك الشهادات

وإن حصلوا على مراتب عليا أو عناوين كبيرة، ومن الجانب الآخر لا تعترف

الحكومة التركية بأية معادلة لتلك الشهادات وإن وقع الاتفاق الثقافي بينها وبين البلد

المأخوذ منها الشهادة.

١٠ - تنظيف الجامعات (على حد تعبيرهم) من جميع كوادر أعضاء هيئة

التدريس المسلمين؛ فتراهم يفصلون من الجامعات من هم على رتبة الأستاذ الدكتور

بدون أية جريمة قانونية سوى أنهم يؤمنون بالله وكتابه ورسوله [وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ

إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ] (البروج: ٨) .

١١ - الملاحقة والمراقبة المزعجة من طرف رجال الأمن السري

والمخابرات السرية لجميع النشاطات الإسلامية بحيث يتبرم العاملون في الحقل

الإسلامي من الحياة، فترى أن كثيراً من المسلمين اضطروا إلى التنازلات البالغة

في كثير من أمور ديانتهم ومناهج حياتهم؛ فلهذا التجأ كثير منهم إلى حلق اللحى

والشوارب جميعاً إخفاء لشأنهم عن جبابرة العلمانيين.

١٢ - للتضعيف والتقليل من تأثير الشعائر الإسلامية وضع الحد عليها؛ فمن

هنا ترى أن العلمانيين الديمقراطيين الذين يتبجحون بأنهم لا يمسون حقوق الناس

وكراماتهم! ! منعوا المواعظ الإسلامية في المساجد والجوامع إلا في مسجد واحد

فقط يبث منه عن طريق الراديو إلى الجوامع والمساجد الأخرى، فيا ترى كيف

يكون مدى تأثير الخطاب الذي لا يرى السامعون الخطيب حتى يتأثروا بملامح

وجهه ونبرات صوته وأسارير جبينه، ومن هذه الجملة تحاول الآن تلك الحكومة

العلمانية أن تمنع الآذان أيضاً إلا من مركز واحد يبث منه إلى المساجد الأخرى.

١٣ - ومما يزيد الطين بلة والمرض علة هو ما ابتلي به مسلمو تركيا من أن

الحكومة العلمانية تسمح لبعض المغرضين الكارهين للإسلام من الأساتذة الجامعيين

أو شبههم ك (ياشار نوري أوز ترك) عميد كلية الإلهيات في إسطنبول،

و (زكريا بياض) عميد كلية الإلهية في جامعة مرمرا، تسمح لهم بإبداء وجهات

نظرهم بنشر بعض المسائل الإسلامية الفقهية والاعتقادية وغيرها عبر القنوات

التلفازية الكبرى حسبما تمليه عليهم أنفسهم وتميل إليه أهواؤهم، فيقيئون مرة بعد

أخرى عبر القنوات التلفازية جميع سمومهم الناقعة على الإسلام، يحرفون الكلم عن

مواضعه، يعتدون على علماء الأمة ومصادرها الرئيسة فيخالفون إجماع الأمة

ويشاقون الله ورسوله.

ألعوبة حزب الله وقتل آلاف الأبرياء من شباب المسلمين:

لمَّا رأى أعداء الإسلام في الداخل والخارج تقدم المسلمين يوماً فيوماً ونمو

وعيهم نحو ما يجري حولهم في العالم الإسلامي، وشاهدوا أنه تربى وترعرع كثير

من المسلمين في شتى الاختصاصات الفنية فتبوؤوا المراتب العليا ووصلوا إلى

المناصب المرموقة، فرأوا أن هؤلاء الفضلاء سيمنعونهم من نهبهم وسلبهم لخيرات

البلاد فبدؤوا يأخذون حذرهم بتدبير شتى المناورات ووضع مختلف الألاعيب

السياسية وبثها بواسطة عملائهم بين المسلمين من حيث لا يشعرون، ومن ذلك ما

دبروه في تركيا من أمر ما سمي بـ (حزب الله) الذي قتل تحت اسمه آلاف

شباب المسلمين الأكراد وقلة من الأتراك، وقصته هي أن الحكومة التركية لمَّا

عييت من حزب العمال الكردي، وكان الثوار الأكراد يلحقون بها الهزيمة تلو

الأخرى فرأت التدبير الناجع في أن تسلط على الأكراد عدواً من أنفسهم، فاستغلت

حماسة الشباب الأكراد الإسلامية ونفورهم من النظام العلماني والعصبية فأخذت

تحرضهم على التجمع تحت تنظيم سري سمي فيما بعد بـ (حزب الله) ، وطفقت

عناصر المخابرات التركية تحرض أولئك الشباب المتحمسين لدينهم على القتال ضد

حزب العمال حتى يخلص الشعب الكردي المسلم منهم ولا يستشري أمرهم أكثر

فأكثر، فلم يلبثوا إلا وقد نشبت الحرب بين الطرفين من غير رضى عناصر كثيرة

من الجانبين، فسنحت الفرصة الذهبية للقوات التركية فأوقعت بكلا الجانبين خسائر

فادحة في الدماء والأموال من غير علم منهما، وبدأت القوات الحكومية تلتقط

الرؤوس الفاهمة العاقلة من كلا الطرفين، وفي ذلك الوسط المكتظ بالدماء ذاع في

البلاد وبين العباد ما كان يسمى بـ «جنايات فاعلها مجهول» ، وتحت ذلك الاسم

قتل آلاف الشباب المسلمين الأكراد حتى اعترف وزير الداخلية السابق (محمد آغار)

أنه أجرى في منطقة الأكراد ألف عملية عسكرية دموية، فقتل في تلك الجنايات

المجهول فاعلها حسب الإحصاءات الرسمية أكثر من ثلاثة عشر ألف إنسان.

وللحكومة التركية هدف أهم من كل هذا وهو تشويه سمعة الحركات الإسلامية

الواعية التي تحاول أن تخلص الشعب المسلم من ظلم العلمانيين ومن تحت نير

العلمنة عند الشعب الكردي بما رآه الشعب ظاهراً في جماعة (حزب الله) ، ولم

تلبث القوات الحكومية أن كرت على (حزب الله) تفعل به الأفاعيل بين قتل،

وسجن، ولم تستطع جماعة حزب الله أن تقاومها بنقير ولا قطمير حيث كانت

القوات الحكومية تعرف أمرها جميعه، فأوقعت القوات الحكومية بها ما لم تكن

جماعة (حزب الله) تحسب له حسابًا قط، ولم ترقب الحكومة فيها إلاًّ ولا ذمة،

فأصابت الحكومة التركية من خلال تأسيس جماعة حزب الله أهدافاً ثلاثة هامة:

١ - استنفاد طاقات خيرة شباب المسلمين الأكراد الذين كان فيهم الأمل القوي

في مقاومة ما بدأ العلمانيون يفعلونه فيما بعد ويعيثون في الأرض فساداً.

٢ - تشويه سمعة الحركات الإسلامية في مناطق الأكراد الذين كانت

العواطف الدينية فيهم ملتهبة والمشاعر الإسلامية فيهم متقدة؛ لأن الأكراد بما كانوا

يجدونه على أيدي ظلمة رجال الحكومة العلمانيين من الظلم والجور والفساد لم

يميلوا يوماً إلى الحكومة التركية، ولم يثقوا بها، بل كانوا يطيعونها على كراهية

نفس لا عن طواعية؛ فلما ظهر (حزب العمال) وجد الكثير منهم في الحزب

وخصوصاً الذين ما كانوا يعرفون حقيقة (حزب العمال) ومبادئه الفكرية ومنطلقاته

الأساسية متنفساً لهم وبارقة أمل؛ فلما ظهر (حزب الله) في صورة كأنها ممالئة

للقوات الحكومية كرهها عامة الأكراد ونفروا من سائر الحركات الإسلامية باحتمال

أنها أيضاً ممالئة للحكومة.

٣ - وجدت القوات الحكومية فرصة ضرب الأسد في عرينه حين استكشفت

جميع مداخل ومخارج (حزب الله) .

هل من مغيث أو من مجيب؟ !

إن مسلمي تركيا يمرون اليوم بيوم عصيب ودهر رهيب أتلف الكثير من

دمائهم وأموالهم وانتهك الكثير من أعراضهم وكراماتهم، وضيع الكثير الكثير من

حقوقهم وحرياتهم؛ فاليوم يُمنعون على مرأى ومسمع من العالم الإسلامي من أبسط

حقوقهم وهو حق الحجاب الشرعي، وحق التعلم فلا يسمح لهم أن تدرس بناتهم

المتحجبات في المدارس والجامعات، ويمنع أغنياؤهم من أن يثروا ويكونوا

أصحاب أموال طائلة، ويمنعون من أن يدرِّس أبناءهم الصغار القرآن الكريم،

ويفصل الموظفون منهم عن الوظائف الحكومية بمجرد أن يصلي أحدهم أو تكون

زوجته متحجبة؛ هذا فضلاً عما يتعرضون له من ملاحقة ومطاردة وتشريد وتعذيب

وقتل ونفي وسجن وما إلى ذلك؛ فكل هذا يجري على الساحة التركية وإخوانهم

خارج تركيا لا تنبس شفاههم ولو بكلمة.. ألم يكن من واجب إخوانهم أن يبعثوا

بعض المراقبين إلى تركيا حتى يروا ما يجري عن كثب ويعلنوه على رؤوس

الأشهاد فيفضحوا أمره على الأقل بأن يكتبوا ذلك في مختلف الجرائد والصحف

العالمية، ويعربوا عن ذلك في كثير من القنوات التلفازية، ويذيعوا ذلك عبر كثير

من القنوات الإعلامية، ثم يبتهلوا إلى ربهم خلوة وجلوة سراً وعلانية لعل الله يفرج

عن إخوانهم؟ !

عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب