[ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه]
عثمان جمعة ضميرية
إن جميع ما في الأرض من مختلف الديانات، إنما سميت بأسمائها: إما نسبة
إلى اسم رجل خاص، أو أمة خاصة، ظهرت الديانة وترعرعت بين ظهرانيها،
أو باسم بلد نشأت فيه.
فاليهودية: سميت بهذا الاسم نسبة إلى أرض اليهودية، أو لأنها ظهرت بين
ظهراني قبيلة تعرف (بيهودا) ويسمى أيضاً أتباعها (الموسويين) نسبة إلى موسى
(عليه السلام) .
والنصرانية: سميت بهذا الاسم نسبة إلى بلد الناصرة، بلد المسيح (عليه
السلام) ، وتسمى أيضاً: المسيحية، نسبة إلى المسيح (عليه السلام) ، ويسمى
أتباعها (المسيحيين) ، نسبة إلى المسيح أيضاً.
وهكذا اشتهرت البوذية - مثلاً - بهذا الاسم نسبة إلى (بوذا) ، باني هذه
النِّحلة، وكذلك: الزرادشتية أخذت اسمها من حامل لوائها، وهو: زرادشت ...
إلخ.
أما الإسلام - الدعوة العالمية الإنسانية، الذي ختم الله (تعالى) به الرسالات
السماوية السابقة كلها - فإنه لا ينتمي إلى أمة بعينها، ولا إلى بلد ظهر فيه، بل
ولا إلى النبي الذي أنزله الله عليه. وإنما يدل اسمه على صفة خاصة، يتضمنها
معنى كلمة (الإسلام) .
ومما يظهر من هذا الاسم: أنه ما عني بإيجاد هذا الدين وتأسيسه رجل من
البشر، وليس خاصاً بأمة بعينها، دون سائر الأمم، وإنما غايته أن يحلي أهل
الأرض جميعاً بصفة الإسلام.
وكما اختص الله - تعالى - هذا الدين باسم (الإسلام) اختص أيضاً هذه الأمة
باسم (الأمة المسلمة) وباسم (المسلمين) ولعلنا نلمح من خلال هذا الاختصاص
جملة معانٍ بارزة كانت وراء الاختصاص بهذا الاسم، نشير هنا إلى أهمها:
ففي ذلك تكريم وتشريف لهذه الأمة على غيرها، حيث اختصها الله - تعالى
- باسم أطلقه على أنبياء الأمم السابقة، فكانوا هم المسلمين، وهذه الأمة هي الأمة
المسلمة، وبذلك تتأكد وشائج الصلة بين هذه الأمة وبين مَن سبقها، فهى ليست
مقطوعة النسب، وليست بدعاً بين الأمم، وفي هذا تشريف لها أي تشريف! .
وفي هذه التسمية والاختصاص بها استجابة لدعاء إبراهيم - عليه السلام - إذ
قال: [رَبَّنَا واجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ ومِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ] [البقرة: ١٢٨] ،
فالذرية المسلمة والأمة المسلمة من نسل إبراهيم - عليه السلام - وهو الذي سماها
أيضاً بهذا الاسم: [هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً
عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ] [الحج: ٧٨] .
واشتملت شريعة الإسلام على فواضل العبادات والتشريعات، مما انفردت به
بين جميع الرسالات؛ من الجهاد، والحج، والوضوء، والغسل من الجنابة، ونحو
ذلك مما اختصت به الأمة المسلمة، ولم يكتب على غيرها من الأمم، وإنما كُتب
على الأنبياء فقط.
وفي هذه الأمة تحقق معنى الإسلام، الذي هو الاستسلام والانقياد والإذعان
لرب العالمين، ولم تذعن أمة لنبيها وتتابعه كما أذعنت هذه الأمة، وقبلت ما جاء
به من عند الله، وانقادت له بلا اعتراض، فاستحقت بسبب تلك المعاني كلها:
الاختصاص باسم الأمة المسلمة، واختصت بالخيرية بين الأمم، فقال الله-سبحانه
وتعالى-: [كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ
وتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ] [آل عمران: ١١٠]
وإذن فقد أصبحت كلمة (الإسلام) مختصة - عرفاً وشرعاً - بمدلول معين
هو: مجموعة الشرائع والأحكام التي أنزلها الله - تعالى - على محمد -صلى الله
عليه وسلم-، أو التى استُنبِطت مما جاء به.
وهذه الرسالة التى أنزلها الله - تعالى - على محمد -صلى الله عليه وسلم-
بلغت ذروة الكمال، وجاءت دعوة إنسانية عالمية خاتمة، رضيها الله - تعالى -
للناس ديناً، فأعظم بها المنة، وأكمل بها الدين وأتم النعمة: [اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ
دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً] [المائدة: ٣] .
وبعد أن كان كل رسول من الرسل يرفع راية التوحيد ويهتف بقومه: يا قوم
اعبدوا الله مالكم من إله غيره. أو: [قَالَ يَا قَوْمِ إنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ] [نوح: ٢] ، جاء خاتم النبيين -صلى الله عليه وسلم-، وجمع كلمة المرسلين، فجمع الرايات
كلها تحت راية واحدة وجعل ينادي: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ
وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُم لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] [البقرة: ٢١] . [هَذَا بَلاغٌ لِّلنَّاسِ ولِيُنذَرُوا بِهِ] [إبراهيم: ٥٢] .
ولقد فصَّل الله - تعالى - في القرآن الكريم سمات هذه الدعوة العالمية العامة، وعرضها على أعين الناس في كثير من آياته، فقال - تعالى -: [قُلْ يَا أَيُّهَا
النَّاسُ إنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكُمْ جَمِيعاً الَذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ] [الأعراف:
١٥٨] ، [تَبَارَكَ الَذِي نَزَّلَ الفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً]
[الفرقان:١] .
وأشار الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- إلى عموم بعثته وعالمية دعوته
فقال: «أُعطيت خمساً لم يُعطَهن أحد قبلي: نُصرت بالرعب مسيرة شهر،
وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ،
وأحلت لي المغانم، ولم تحل لأحد قبلي، وأُعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى
قومه خاصة، وبُعثت إلى الناس عامة» متفق عليه.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: «فُضِّلت على الأنبياء بست: أُوتيت جوامع
الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأُرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون» متفق عليه.
ومن ثم كان محمد -صلى الله عليه وسلم- خاتم الأنبياء والمرسلين، وكانت
رسالته خاتمة الرسالات جميعا، قال الله - تعالى -: [مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن
رِّجَالِكُمْ ولَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وخَاتَمَ النَّبِيِّينَ] [الأحزاب: ٤٠] .
ويصور النبي -صلى الله عليه وسلم- ختم رسالته للرسالات السابقة، وكيف
أنه أتم البناء الذي تعاقبت عليه رسل الله الكرام، فيقول: «مثلي ومثل الأنبياء من
قبلي كمثل رجل بنى بيتاً، فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه،
فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: هلاّ وُضعت هذه اللبنة؟ فأنا
اللبنة، وأنا خاتم النبيين» متفق عليه.
وإذا كان محمد -صلى الله عليه وسلم- قد أُرسل من عند الله - تعالى - بدين
قد بلغ ذروة الكمال الذي لا كمال بعده، وتوجه الخطاب فيه للعالمين جميعاً، وختم
الله - تعالى - به الرسالات، فإن النتيجة المنطقية اللازمة لذلك كله: أن تنقطع
صلة الإنسانية عن سائر الرسالات والنبوات السابقة في الطاعة والاتباع، مع
الإيمان بأصولها المنزلة من عند الله - تعالى - لا بما آلت إليه بعد التحريف على
يد الأتباع، مما جعلها لا تتصل بأصل الوحي المنزل من عند الله (تعالى) .
فكل ما جاء به الأنبياء السابقون قد نسخ برسالة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وارتبطت عندئذ الإنسانية كلها برسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- وتعليمه
وأسوته الحسنة؛ إذ إن المبدأ الصحيح يقتضي:
١ - أن لا تعود الإنسانية بحاجة إلى الناقص بعد أن جاءها الكامل.
٢- أنه قد لعبت يد التحريف والإهمال بتعاليم وسيرة الأنبياء السابقين، مما
لم يعد من الممكن - لأجل هذا - أن تتبعهم الإنسانية فعلاً.
ومن هنا فإن الله - تعالى - عندما يأمر باتباع الرسول وطاعته يأتي بهذه
الكلمة معرفة بالألف واللام؛ لتكون خاصة بمحمد -صلى الله عليه وسلم-:
[وأَطِيعُوا اللَّهَ والرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ] [آل عمران: ١٣٢] .
وبعد.. فهذه هي الرسالة وهذا هو الدين الذي لا يقبل الله - تعالى - من
البشرية غيره، ويجب على البشرية كلها أن تفيء إليه: [ومَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ
دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ] [آل عمران: ٨٥]