للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشيخ رائد صلاح للبيان]

الاعتداءات على المسجد الأقصى بدأت منذ ١٩٦٧م واستمرت حتى اليوم

الكيان هدم ١٢٠٠ مسجد في فلسطين

حوار: نائل نخلة

أكد الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة عام ١٩٤٨م في حوار مع مجلة البيان أن الكيان الصهيوني يخطط لتدمير المسجد الأقصى المبارك بعد تفريغه من الداخل.

وأضاف فضيلته وهو من يعرفه أهل فلسطين بـ «رجل الأقصى» قائلاً: إن دولة الكيان الصهيوني دمرت منذ عام ١٩٤٨م أكثر من ١٢٠٠ مسجد في فلسطين التاريخية.

ويعتبر الشيخ رائد صلاح عمليات الحفر الصهيونية المستمرة أسفل أساسات المسجد الأقصى بشكل عام والحفريات الحالية في باب المغاربة بشكل خاص تمثل حلقة من مسلسل طويل يستهدف التاريخ والعقيدة الإسلامية.

وفي حديث للشيخ رائد صلاح أمام المعتصمين والمتضامنين في وادي الجوز قال: «إننا رصدنا تحركات المؤسسة الصهيونية في منطقة باب المغاربة، لنكشف وبشهود عيان كُثر أن المؤسسة الصهيونية باتت تُدخل في بعض الليالي الجرافات الكبيرة التي تهدم وتدمّر طريق باب المغاربة في الليل ثم تنسحب قبيل ساعات الفجر، كما حدث منذ أيام حيث دخلت جرافة كبيرة وشاركت في هدم طريق باب المغاربة في ساعات الليل وانسحبت قبيل الفجر، إنهم يعملون كخفافيش الليل، ويضيفون دماراً على دمار» .

وفيما يلي الحوار الذي أجرته مجلة البيان مع الشيخ رائد صلاح حفظه الله:

^: الحفريات التي تقوم بها سلطات الاحتلال مؤخراً في باب المغاربه، ما هي خطورتها؟

الذي يحدث في طريق باب المغاربة ليس حفريات أبداً، إنما هي عملية هدم ممنهجة، في جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك يسمى الطريق الموصل إلى باب المغاربة، ويشمل هذا الاعتداء هدم غرف تاريخية حضارية تعود إلى العهود الأموية والأيوبية والمملوكية، إلى جانب هدم غرفتين من المسجد الأقصى في منطقة حائط البراق، ويخطط الاحتلال أيضاً في هذا السياق إلى تحويل مسجد البراق إلى كنيس يهودي، وكل هذه المخططات موثقة لدينا بواسطة خرائط كشفناها ووصلت إلينا.

إن ادعاء سلطات الاحتلال الصهيوني بأن ما يجري في باب المغاربة مجرد عمليات ترميم، هو قول وقح وكاذب ومضلل، وهو سياسة إعلامية دأبت عليها المؤسسة الاحتلالية للتغطية على جرائمها الطويلة؛ فبعد كل جريمة تصطنع رواية كاذبة وهو ما يتم الآن.

^: صحيفة هآرتس نشرت خبراً مفاده أن سلطات الاحتلال أزالت آثار مسجد اكتشفته اثناء الحفريات في باب المغاربة، لماذا كان ذلك برأيك؟

هذا المسجد يعود للعهد الأيوبي، وقد كان جزءاً من مدرسة إسلامية تدرِّس الشريعة تسمى «المدرسة الأفضلية» وبقيت محفوظة بسبب موقعها تحت الطريق المؤدي إلى باب المغاربة، ووجودها موثق لدى هيئة الأوقاف الإسلامية، إلا أنه لم يتم الكشف عن مكان وجودها بالتحديد إلا بعد ظهور عمليات الهدم الأخيرة.

وتأكيد سلطات الاحتلال وأحد المؤرخين الصهاينة أن هذا المصلى سيكون ضمن دائرة الهدم التي شرعت بها سلطات الاحتلال يعزز من مطلبنا بوقف جرائم الهدم المتواصلة، والتي لم نعد نعلم إلى أي مرحلة وصلت بالتحديد بسبب الحظر المفروض على المنطقة ومنعنا من الوصول إليها أو الاطلاع على ما يجري هناك.

^: ما هو السيناريو الذي يخطط له الصهاينة من وراء هذه الحفريات في منطقة المغاربة برأيك؟

تبعاً للمعلومات المتوفرة لدى مؤسسة الأقصى، فإن سلطات الاحتلال لديها مخطط يقوم على بناء جسر ضخم يسمح بمرور سيارات عسكرية وشاحنات وجرافات إلى باحات المسجد الأقصى مباشرة، كما ينفذ بناء هذا الجسر بشكل يسمح بدخول ٣٠٠ جندي صهيوني دفعة واحدة وفي آن واحد معاً إلى المسجد الأقصى.

وهذا يعني أن هناك خطة مبيتة وخطيرة للهجوم على الأقصى من الداخل، وتمكين جيش الاحتلال والمستوطنين من اقتحامه بصورة سهلة.

وأود أن أقول لك: إن الجرافات الصهيونية تقوم بهدم طريق باب المغاربة في ساعات الليل المتأخرة بعيداً عن الأعين وتنسحب قبيل الفجر خلسةً، على حين تزيد كل يوم من أعداد العاملين الذين يقومون بهدم طريق باب المغاربة بالأدوات الخفيفة، ويُخرِجون مئات أكياس الأتربة والأحجار الأثرية التي تضمّها طريق باب المغاربة، يأتي هذا الكشف في ظل مواصلة المؤسسة الصهيونية وعلى مدار ١٩ يوماً بهدم جزء من المسجد الأقصى المبارك المتمثل في هدم طريق باب المغاربة وغرفتين من المسجد الأقصى المبارك.

^: أين تنقل سلطات الاحتلال الآثار التي تستخرجها من طلعة باب المغاربة، وماذا تفعل بها؟

نقوم حالياً بالبحث في موضوع سرقة الآثار الإسلامية والأحجار التاريخية التي يتم هدمها في باب المغاربة، ونعد بالكشف عن أي محاولة من هذا النوع في حال التثبت من حدوثها، ولكننا نؤكد أننا حتى اليوم لا نعرف إلى أين يتم نقل الآثار والحجارة والأتربة المهدومة.

^: الاقتتال الفلسطيني ـ الفلسطيني في غزة وبدء الحفريات كانا بشكل متزامن؛ فهل من رابط برأيك بينهما؟

الاعتداء على المسجد الأقصى ليس جديداً؛ وهذا أمر من المهم أن يفهمه العالم، بل بدأ منذ الاحتلال الصهيوني للقدس عام ١٩٦٧م واستمر حتى اليوم ولكن بوتيرة وأساليب أشد، ولكن الفتنة الفلسطينية الداخلية بلا شك جرأت المؤسسة الاحتلالية على مضاعفة هجمتها في تهويد القدس والمقدسات فيها، وضاعفت أساليب تدمير مباني المسجد الأقصى. ونحمد الله أن الفتنة انتهت؛ كما نبارك اتفاق مكة وندعو إلى تمتينه واعتماد أسلوب الحوار على الدوام لتفويت الفرصة على الاحتلال كي يمرر مخططاته الإجرامية.

^: الرد العربي والإسلامي كان ضعيفاً على هذه الحفريات على الرغم من خطورتها، هل يقدم هذا إشارة قوية لسلطات الاحتلال للمضي قُدُماً في مخططاتها؟

إن الذي يقع في الأقصى هو كارثة بكل معنى الكلمة، وقد كنا نطمح أن يكون رد الفعل الإسلامي والعربي على مستوى هذه الكارثة التي يمر بها المسجد الأقصى، لكننا حتى اليوم لم نيأس، ولا نزال متفائلين بتحرك إسلامي عربي، وعلى كافة الصعد الرسمية والشعبية والإعلامية.

أما عن سبب ضعف التجاوب مع نداء النفير الأخير من أجل الأقصى؛ فليس سراً أن الحاضر العربي والإسلامي يعاني من حالة «وهن مؤقت» انعكس في صورة ضعف الموقف السياسي والعسكري، وأدى إلى أن حقوق العرب والمسلمين عامة، وخاصة في المسجد الأقصى باتت مهددة ومعتدى عليها ومحاصَرة.

لكن هذه الحالة الراهنة التي يمر بها العرب والمسلمون ليست سوى حالة مؤقتة، ولا بد أنها ستزول وتستبدل بالموقف العربي والإسلامي الأصيل المطلوب لنصرة القدس والمسجد الأقصى.

^: واضح أن سلطات الاحتلال تسعى إلى الحد من دوركم وتأثيركم في فضح ممارساتها بحق المسجد الأقصى سواء باعتقالكم أو إبعادكم عنه مئات الأمتار، كيف ستواجهون هذه المخاطر مستقبلاً؟

لقد أكدنا منذ بداية عمليات الهدم في ٦/٢/٢٠٠٧م، أننا لن نبرح القدس، ولن نوقف اعتصاماتنا ضد الهجمة عليها مهما حاولت سلطات الاحتلال ومهما نفذت من إبعاد أو اعتقال ضدنا حتى لو وصل الأمر إلى النفي. ولا زال أمام الحركة الإسلامية طريق طويل للتصدي لجرائم الاحتلال؛ وخاصة أننا نعلم أن الأصل في جهودنا منصبٌّ على نصرة المسجد الأقصى في كل الظروف.

ومن أوجُه هذا البرنامج سلسلة من الفعاليات المحلية من اعتصامات في المناطق الفلسطينية المحتلة عام ٤٨، والمسيرات والمؤتمرات واللقاءات لحشد أكبر حماية ممكنة للأقصى، والاستمرار في تسيير القوافل للقدس، بالإضافة إلى تنفيذ سلسلة فعاليات على مستوى إقليمي ودولي، ومن المقرر أن نبدأ قريباً بزيارة عدة حكومات إسلامية وغربية لعرض مأساة المسجد الأقصى والقدس. كما أعددنا برنامج عمل للتواصل مع عدة أحزاب ومؤسسات أهلية عالمية وعربية أيضاً.

أما على صعيد أوسع، فنحن نجري اتصالات مع مؤسسات عالمية منبثقة عن الأمم المتحدة، وبخاصة منظمة اليونيسكو، ونطالبها على الدوام بالتدخل لحماية التاريخ الإسلامي في القدس، ونحثها على الضغط باتجاه وقف الاعتداءات في هذه المنطقة.

^: هل تكشف لنا عن المضايقات التي تعرضتَ لها منذ بدء الحفريات من قِبَل الكيان الصهيوني؟

هذه الحملة ليست الأولى ضدي شخصياً أو ضد الحركة الإسلامية بعامة، وإنما تأتي ضمن سلسلة متواصلة لمحاولة كتم الأصوات المدافعة عن الأقصى والقدس؛ حيث تظن سلطات الاحتلال أن الإنسان الفلسطيني مجرد من حقه في الوقوف بوجه الظلم ونبذ سرقة تاريخه، ونحن نقول: إن هذا واجبنا بأن نُظهِر الحق ولو بكلمة، ونحن ماضون في نصرة الأقصى رغم كل التحريض الموجه ضدنا.

وبالنسبة لملاحقاتي القضائية الأخيرة، فقد صمم الاحتلال مشهداً هزلياً في محاكمة لي قررت منعي من الاقتراب أكثر من ١٥٠ متراً من أسوار البلدة القديمة في القدس لمدة ٦٠ يوماً؛ بينما لا يزال عدد كبير من قيادات وأبناء الحركة الإسلامية يتعرضون لملاحقات قانونية بسبب اعتصامهم ضد عمليات الهدم في المسجد الأقصى.

^: هل حقاً تستخدم سلطات الاحتلال مواد كيماوية في عمليات الحفر تحت أساسات المسجد الأقصى المبارك، وما هي تأثيراتها؟

لقد توافرت لدينا معلومات رسمية من منظمة اليونيسكو تفيد بأن الاحتلال يستخدم حوامض كيميائية أثناء حفره للأنفاق في منطقة المسجد الأقصى المبارك، ومؤخراً اكتشفنا أن الصخور التي يتم تدميرها في منطقة باب المغاربة تتم بالطريقة ذاتها، ويتم نقلها إلى منطقة الصوانة القريبة، وهناك يتم فحصها وتخضع لدراسات، في محاولة خاسرة لإيهام أنفسهم بأنهم قد يجدون ما يدعم روايتهم الكاذبة بوجود آثار لهم تحت المسجد الأقصى.

^: ما هي صورة الاعتداءات الصهيونية على الأوقاف والتاريخ الإسلامي في فلسطين التاريخية، بحسب ما وثَّقته مؤسستكم؟

هذه اعتداءات ليست جديدة، ومستمرة منذ نكبة فلسطين الكبرى عام ١٩٤٨م، ولا تزال المؤسسة الصهيونية تصادر منذ ذلك الحين الأوقاف الإسلامية التي تشكل نسبتها ١/١٦من مساحة فلسطين التاريخية.

ومنذ بدء العدوان عام ٤٨ هدمت سلطات الاحتلال أكثر من ١٢٠٠ مسجد في أراضي الداخل الفلسطيني فقط، وما بقي منها قامت سلطات الاحتلال بتحويلها إلى مطاعم وخمارات وحظائر لتربية المواشي، إلى جانب تجريف آلاف المقابر الإسلامية وإقامة الفنادق والشوارع والمجمعات الإسكانية لإيواء اليهود القادمين من شتى أنحاء العالم.

وفي مواجهة هذه الاعتداءات، نقوم من خلال (مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية) بإعادة بناء وتعمير عشرات المساجد التي دمرها الاحتلال، إلى جانب إنقاذ عدد كبير من المقابر وترميمها وصيانتها، بعد أن كادت تزول بفعل الاعتداءات عليها وإهمالها. كما تنفذ مؤسسة الأقصى مسحاً شاملاً لكافة المعالم الإسلامية المقدسة في فلسطين، والتعرف على ما بقي منه من النكبة، وتقوم بإصدار نشرات دورية عنها وأفلام وثائقية للتعريف بمأساتها.

وعلى الرغم من أن مجهود هذه المؤسسة ودعمها يأتي من الداخل الفلسطيني، غير أن بعض الدعم حصلت عليه في حين من الأحيان من مؤسسات عربية وإسلامية مثل البنك الإسلامي للتنمية، ولا زلنا نرحب بأي مبادرة لدعم هذا التاريخ في مواجهة الحملة الصهيونية المسعورة لطمسه.

^: ماذا يقترح الشيخ رائد صلاح لمواجهة المخططات الصهيونية ضد التاريخ الإسلامي في فلسطين بشكل عام والحفريات تحت المسجد الأقصى بشكل خاص؟

هذا أمر هام جداً، يجب اعتماد وسيلة لملاحقة وملاحظة كافة الاعتداءات التي تجري في القدس من قِبَل سلطات الاحتلال، ولذلك طالبنا نحن في الحركة الإسلامية بتشكيل فريق أو هيئة إعلامية تحت مسمى «إعلاميون من أجل القدس» تختص بمتابعة كافة المجريات في المدينة المقدسة، وكشف الممارسات الاحتلالية والاعتداءات المستمرة عليها، ونقل كل ذلك إلى العالم، ونحن في مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية وفي الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني على أتم الاستعداد لدعم هذه الهيئة بكافة السبل.