للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شؤون العالم الإسلامي ومشكلاته

رأي في أحداث الجزائر

هذا أول عدد من أعداد مجلتنا (البيان) يصدر بعد الأحداث الدامية التي

شهدتها الجزائر في ٨/١٠/١٩٨٨، وما كنا لندع هذا الحدث الأليم يمر دون أن

نقول رأينا فيه، لأن الشعب الجزائري المؤمن عزيزٌ علينا، ما يؤلمه يؤلمنا وما

يسره يسرنا، ولن ينسى المسلمون في كل مكان جزائر المليون شهيد الذين بذلوا

الغالي والنفيس من أجل أن يعود بلدهم إسلامياً عربياً لا أثر فيه للصليبية ولا للكفر

والإلحاد.

وقد حاول العلمانيون بعد الاستقلال نشر الشيوعية والإلحاد، ولكن الله أخذهم

أخذ عزيزٍ مقتدر، وجعلهم عبرة لمن يعتبر، وبقيت كتائب ابن باديس والإبراهيمي

والتبسي ترفع راية: (لا إله إلا الله. محمد رسول الله) خفاقة عالية، يرفعونها في

المساجد والجامعات والمدن والأرياف والثكنات وفي كل مكان.

إذن: ليس غريباً أن نعيش مع إخواننا في محنتهم ... بل كنا نراقب فساد

نظام الحزب الواحد، وما يجره على الجزائر من دمار وويلات، ولسنا وحدنا الذين

نقول هذا القول، لقد قاله المسؤول الأول في الجزائر -رئيس الجمهورية-، ففي

١٩ سبتمبر الماضي ألقى خطاباً أمام أعضاء لجان التنسيق في الولايات تحدث فيه

عن المشكلات الاقتصادية المستعصية، وقال بالحرف الواحد: " إن هناك بعض

العناصر في النظام تثار حولها الشبهات، ولن نقبل أبداً بأن يستمر هؤلاء الأفراد

في السلطة ... وقال بأن بعض هؤلاء المسؤولين في القمة ويعملون داخل مؤسسات

تابعة للحزب وللحكومة وفي أجهزة أخرى، وهاجم المؤسسات الاقتصادية الوطنية

لأنها لا تؤدي دورها المطلوب ".

ولم تكن هذه الفضائح سراً من الأسرار، لقد كان يتحدث عنها المواطن

العادي، وتنشرها الصحف داخل الجزائر وخارجها، ومن الأمثلة على ذلك: قضية

اختلاس البنك المركزي، ولم يكن المختلسون نكرات في السلطة ...

ومما ينبغي أن يعرفه كل عاقل منصف: أن المسؤول الذي لا يعمل في سبيل

الله، ولا يعرف الخوف من الله طريقاً إلى قلبه؛ سوف يسرق ويظلم ويفسد،

وينهب ويدمر البلاد والعباد.. وهو يزعم أنه مصلح وعادل وزاهد وفقير لا يملك

من حطام الدنيا شيئاً ... والجزائريون وغيرهم وغيرهم يعرفون أمثلة كثيرة تؤكد

صحة ما نقول.

ونتيجة لذلك: فقد سبقت الأحداث أزمة اقتصادية خانقة، فكثير من المواد

الضرورية: كالزيت، والدقيق، والخضروات، واللحوم اختفت من الأسواق،

وكثر العاطلون عن العمل الذين يقرعون أبواب الوزارات والمؤسسات بحثاً عن

وظيفة ولا يجدون من يجيبهم ويسد حاجتهم، ونسبة البطالة ١٧% من السكان

القادرين على العمل.

والأدهى من ذلك والأمر قضية السكن: فالجزائر ثاني دولة إفريقية من حيث

المساحة، ومع ذلك ففيها أزمة سكن، مع أن مساحتها تتسع لخمسة أمثال عدد

سكانها، والمشكلة كل المشكلة في الإجراءات الاشتراكية التي فرضها " بومدين "،

وسلفه " بن بلا " ولا يزال النظام غير قادر على التخلص منها ... فالذين وجدوا

سكناً يعيشون في غرف لا يحسدون عليها، فالأسرة التي يبلغ عدد أفرادها عشرة

يعيشون في حجرتين صغيرتين ... وبكل أسف هناك الكثير الكثير من يتمنى مثل

هذا السكن.

وهذه المآسي لا تبرر المذبحة التي وقعت بين المتظاهرين والجيش، فمن حق

المواطنين أن يطالبوا بحقوقهم، ويعبروا عن مشاعرهم، وينددوا بالظلم والظالمين ولكن ليس من حقهم أن يعتدوا على المؤسسات والمرافق العامة، ويلحقوا بها

أضراراً فادحة، وقد بلغت كمية الخسائر ١٧٠ مليون دولار ... والذين أتلفوا هذه

الأمور لا يدركون أبعاد القاعدة الإسلامية التي سنها رسول الله -صلى الله عليه

وسلم-: " لا ضرر ولا ضرار ".

ومن حق رجال الأمن والجيش أن يحافظوا على الأمن، ولكن ليس من حقهم

حصد أرواح المتظاهرين، وقد بلغ عدد القتلى عدة مئات، ومن بين القتلى أطفال

ونساء كانوا في شرفات منازلهم ... فالجيش من الشعب، ووظيفته أن يقاتل أعداء

المسلمين، وليست وظيفته مقاتلة الشعب ... وكم نتمنى أن يتحقق الوعي عند

الجندي المسلم بحيث لو أصدر قائده الأمر إليه ليطلق النار على رواد المساجد أو

الأبرياء من المواطنين لرفض ذلك وقال: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)

لن أقتل أخي المسلم، فاقتلوني إن شئتم، لن أقتله ... لو تحقق هذا الوعي لما كنا

في مثل هذا الذل والهوان، ولما كانت الفجوة واسعة جداً بين الحاكم والمحكوم،

ولما نظر المواطن إلى العسكري نظرة يشوبها الحقد والكراهية أو الحذر والخوف.

والذين كانوا يتابعون الأحداث يعلمون أن وكالات الأنباء والصحف العالمية

والعربية أجمعت على شيء واحد ... وكان هذا الذي أجمعت عليه عارياً عن

الصحة ملفقاً ليس فيه عدل ولا حق ... أجمعوا على اتهام (الأصوليين) بالأحداث.

وهم يخترعون أسماء ويلصقونها بالإسلاميين كقولهم (أصولي.. متشدد) وما

إلى ذلك من أسماء كاذبة. والأنكى من ذلك: أن صحفاً ومجلات عربية تتبع نظاماً

عربياً " عفلقياً " شنت حملة ظالمة على الداعية الشيخ علي بلحاج، وزعمت أنه

يتردد على إيران، وأن له علاقات وثيقة مع السفير الإيراني في الجزائر ... وأن

إيران كانت وراء هذه الأحداث من خلال الشيخ (علي بلحاج) .

يا هؤلاء: أنتم تظنون بغيركم كما تظنون بأنفسكم، فأنتم تتقاضون أموالاً من

النظام العفلقي، وتنشرون المعلومات التي تأمر بها أجهزة مخابرات هذا النظام الذي

لم يتعظ ولم يرعو ... ونحن على صفحات مجلتنا نخاطب أسيادكم فنقول لهم:

الشيخ على بلحاج - ولا نزكي على الله أحداً والحي لا تؤمن فتنته - ليس

نكرة، ولستم أهلاً للحديث عنه ... إنه داعية من دعاة أهل السنة والجماعة عقيدة

وسلوكاً ونظام حياة، وهو يعرف إيران الخميني كغيره من علماء أهل السنة

المتأسين بسلف هذه الأمة من رجال خير القرون، ومن كان هذا مسلكه ومنهجه

يرفض إقامة علاقة مع سفير إيران، كما يرفض زيارة إيران.

يا هؤلاء: ليس خلافنا مع إيران على أمتار أو كيلومترات -من الأراضي أو

الماء، ولا نتبع نظاماً من الأنظمة فإذا سوَّى هذا النظام خلافاته مع إيران تبعناه في

السلم والحرب كما تفعل الصحف المأجورة ... إن خلافنا معهم عميق الجذور ...

ونحن الذين ندرسكم عن أخطار الشعوبيين وموقفهم الخبيث من رسول الله

وأصحابه -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-.. بل نتوقع أن يأتي يوم

تتفقون معهم، ويجمع بينكم وبينهم عداوة أهل السنة كما فعل ويفعل ابن حزبكم

الباطني! !

ولذلك نقول لكم بلغة جازمة: إن الشيخ علي بلحاج لم يزر إيران، وليس له أي علاقة بسفير إيران أو بأحد الزعماء الجزائريين المتعاونين مع إيران. ...

وليس له علاقة بالأحداث الدموية، كان يرى أن يقوم بمظاهرة سلمية، غير

أن حكيم علماء الجزائر الشيخ سحنون -حفظه الله- أقنعه أن لا يفعل؛ فاستجاب له، وما كان موجوداً في مسجد (بلكور) في يوم المظاهرة، والإسلاميون لا يملكون

سلطة ليمنعوا المظاهرة.

فهل تجدون في أنفسكم شجاعة لتصحيح الخطأ الذي أخطأتموه؟ !

نجزم بأنكم لن تفعلوا؛ لأن احتمال حسن النية غير وارد عندكم، ولأن إحدى

مجلاتكم المأجورة مختصة بالكذب على الإسلاميين، وقبل هجومها على دعاة

الإسلام في الجزائر كانت تهاجم الإسلاميين في بلاد الشام، الذين ظنوا أن في

التحالف معكم يحققون خيراً لبلدهم، فكانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار.

إن خير حلٍ نراه: أن يتفق الإسلاميون على مقاطعة صحفكم وتحذير الأمة

من أكاذيبها.

أما محاولاتكم لتأليب النظام الجزائري ضد الإسلاميين، فيكفينا في الرد عليكم

قوله تعالى: [الَذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَاناً

وقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ] .

يا دعاة الإسلام في الجزائر: إن الإجماع الإعلامي العالمي الكاذب يعبر عن

خوف الدوائر الاستعمارية وعملائها من وعي الإسلاميين ونشاطهم في الجزائر،

فكونوا على يقظة وحذر ووحدوا صفوفكم وحذار من الخلاف والفرقة، أما منهج

هذه الوحدة فهو الذي أنزله الله وبلغنا إياه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنه

منهج أهل السنة والجماعة، وليس قول هذا ولا شعار ذاك، واعلموا أن أية وحدة

أو تقارب محكوم عليه بالفشل إذا تجاهل دعاتها المنهج.

واستفيدوا يا إخواننا من أخطاء الماضي القريب، ولتكن معرفتكم بواقعكم

المعاصر دقيقة ... والدعاة الذين يجهلون السياسة أو الذين يفصلون بين السياسة

والمنهج يخسرون خسراناً عظيماً.

وحذار حذار من أهل الغلو؛ فلقد كانوا سبباً في كوارث عديدة أربكت العمل

الإسلامي وأعاقت تقدمه، وويل لجماعة يقودها شباب أغرار يجهلون أصول دينهم، ويجهلون مشكلات عصرهم، ولا يقبلون النصح، ولا يتعظون من أخطائهم أو

أخطاء غيرهم.

وأخيراً: اعلموا أننا وحدنا - أعني: دعاة الإسلام - الذين نعبر بصدق

وأمانة عن آلام هذا الشعب وبؤسه؛ فالأسرة الكبيرة التي تسكن في غرفة أو

غرفتين من أسرنا، والعاطل عن العمل أخونا أو ابننا، أما غيرنا فيتاجر بالفقراء

والعمال من أجل أن يصل ثانية! إلى كرسي الحكم، وإذا وصل فسوف ينهب

ويفسد ويسفر عن وجهه الأول الكالح، ويتنكر لكلماته الطيبة التي كان يقولها عن

الإسلام أحياناً.

فاقطعوا الطريق عليه وعلى غيره، ولا تقبلوا قيادة غير رجالكم الذين لا

يعصون لله أمراً.

نسأل الله أن يجمع بين قلوبنا، ويشتت صفوف عدونا، ويجعل لنا من بعد

عسر يسراً، إنه سميع مجيب.