[نحن أولى بحقوق المرأة]
التحرير
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ... وبعد:
فالمطالبة بحقوق المرأة من الشعارات المستهلكة التي تتشدق بها جميع الاتجاهات العلمانية في بلادنا العربية والإسلامية، وقد ارتفع ضجيجهم بهذا الشعار في السنوات الأخيرة خصوصاً، مع موجة التغريب والعلمنة الجديدة التي اجتاحت العالم الإسلامي.
ونستطيع أن نوجز معالم الخطاب النسوي التغريبي البائس في ما يلي:
أولاً: اختزال قضايا المرأة وحقوقها في تغريبها وتحلّلها الأخلاقي؛ فقضية السفور، ونزع الحجاب، والاختلاط، وقوامة الرجل، والتخلص من المحرم.. ونحوها، هي الحقوق التي يعنونها ويدورون حولها ويعملون جاهدين لتقريرها بكل السبل المتاحة.
ثانياً: تسطيح قضايا المرأة في موضوعات جانبية، ومماحكات شكلية مصطنعة، وتضخيمها بصورة كبيرة، تشعر المجتمع بأنه مجتمع متخلِّف أو سينهار إذا لم تتحقق مطالبهم تلك، وذلك مثل دعوتهم في المجتمع الخليجي لقيادة المرأة للسيارة أو لمشاركتها في العملية الانتخابية، ونحوهما من القضايا الباردة.
ثالثاً: مجاراة المجتمعات الغربية في كل صغير ووضيع، والدعوة المحمومة لتغيير الأنظمة والقوانين الاجتماعية والأسرية المحلية لتتوافق مع مقررات هيئة الأمم المتحدة، والمنظمات النسوية العالمية التي أجمع علماء الإسلام على خطورتها ومخالفتها لمسلَّماتنا الشرعية.
رابعاً: التحلل من القيم، والتمرد على المبادئ والأخلاق؛ فالقيم ـ بزعمهم ـ ما هي إلا قيود مصطنعة تحدّ من الحريات، وتكبت الطاقات المبدعة كما قال قائلهم، بل يرى آخر ممن يصفون أنفسهم بالمثقفين الخليجيين أن من ذنوبنا: (القبول بصبغ الحياة الاجتماعية كلها بصبغة الأيديولوجيا الإسلامية، والإصرار على إقحام الدين في شؤون الدنيا لإعاقة الحداثة) .
وأصبح الأدب بفنونه المختلفة منبراً لتلك الأقلام الملوثة، وقد ظهرت في الآونة الأخيرة في منطقة الخليج مجموعة من القصص والروايات بأقلام رجالية ونسائية على حد سواء تقرأ المرأةَ قراءةً جنسية خالصة؛ فلا ترى فيها عقلاً ولا روحاً ولا خلقاً؛ فما المرأة ـ عندهم ـ إلا مجرد ألعوبة رخيصة يتسلى بها الرجال أو تتسلى بهم..! (١) .
وتطفح صحافتنا العربية ووسائل إعلامنا المختلفة بهذه الرُّؤى التغريبية الآسنة، وتستنفر الإمكانات المادية والبشرية للترويج لها وتلميعها بكل الوسائل. قال الله ـ تعالى ـ: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا} [النساء: ٢٧] .
أما القضايا والحقوق الكبرى التي تتطلع لها المرأة فهي غائبة تماماً أو مُغيَّبة، وإلا بماذا نفسِّر تغافلهم عن حقوق المرأة في العيش الكريم الذي ينتشلها من مستنقع القهر، ويرفع رأسها عزيزة بعيدة عن مواطن المهانة والمذلّة..؟!
أوَ ليس غريباً أن يتشنج بعض المستغربين ويلهثوا في دعوتهم للتعليم المختلط، في الوقت الذي تُحرم فيه كثير من النسوة من حق التعليم ابتداء فضلاً عن التعليم العالي..؟!
أوَ ليس غريباً أن تُخاطَب المرأة بالتفاهات الإعلامية الوضيعة، ويُحشى عقلها وقلبها بالكلمات الغنائية الساقطة، وبالمسلسلات السينمائية والتلفزيونية الهابطة، ويُراد لها أن تدور اهتماماتهما النسائية في دور الأزياء وموائد الطبخ، في الوقت الذي تعاني منه مجتمعاتنا من تخلف حضاري وفكري يضرب بأطنابه في أعماق أمتنا..؟!
أوَ ليس غريباً أن تخصص موازنات مالية كبيرة لمكافحة الختان في السودان ومصر وغيرهما من الدول الإسلامية، في الوقت الذي تفتقد كثير من النساء حقوق العلاج والدواء من أبسط الأمراض، فضلاً عن الأمراض الوبائية التي تفتك بالنساء والأطفال خصوصاً..؟!
أوََ ليس غريباً أن تجتهد بعض المنظمات النسوية الغربية والعالمية في الترويج لوسائل منع الحمل في الوقت الذي تتغافل فيه عن دراسة أسباب انتشار الأمراض الجنسية الفتاكة التي عبثت بالنساء والمراهقات منهن خصوصاً..؟!
والأغرب من ذلك أن تقرّ هيئة الأمم المتحدة ـ في مؤتمراتها ومواثيقها الدولية ـ الزنا والإجهاض، بل والشذوذ الجنسي، وتعدّ ذلك من الحريات التي يجب المطالبة بها والدفاع عنها، في الوقت الذي يحاربون فيه الزواج المبكر..!
أوَ ليس غريباً أن تُدفع المرأة العراقية دفعاً للمشاركة السياسية، وتصبح هذه هي القضية الرئيسة أو الوحيدة للمرأة في العراق، في الوقت الذي يُستهان بعرضها، وتنتهك حرمتها، وترمى كسيرةً مهينةً بعد أن قُتل زوجها، ويُتِّم أطفالها، وهُدم منزلها..؟!
ثم أين الدعاة والمصلحون وأهل الغيرة من أبناء الأمة رجالاً ونساءً للحديث عن تلك المشكلات والتنبيه على مخاطرها؟
لماذا تكون المطالبة بحقوق المرأة حكراً على أهل الأهواء والمفسدين..؟!
لماذا لا نتصدر نحن المطالبة بالحقوق المشروعة للمرأة ونرفع بها رأساً، ونقدم البديل الذي يُشرِّف المرأة ولا يهينها، ويحفظها ولا يبتذلها؟
الحق الذي لا شك فيه: أن المرأة في كثير من مجتمعاتنا العربية والإسلامية شرقاً وغرباً تعاني من انتهاك صارخ لكثير من حقوقها، وورثت بعض بيئاتنا ممارسات جاهلية منحرفة تئدُ قيمة المرأة، وتعتدي على حرماتها؛ ولهذا انتشر الشغار وعضل المرأة، وانتشر الظلم بصوره المختلفة في كثير من الأُسر، وظهر الاعتداء على المرأة بالضرب، وأسرف بعضهم في الاستيلاء على مالها، والتسلط على حقوقها المادية والمعنوية.. هذا فضلاً عن سلسلة طويلة من الممارسات الاجتماعية والثقافية غير المحمودة التي لا يرتضيها العقلاء، فضلاً عن أصحاب الدين والغيرة..!
أوَ ليس الدعاة هم أوْلى الناس بالانتصار للمرأة والمطالبة بتلك الحقوق المسلوبة بعيداً عن مزايدات العلمانيين وألاعيبهم الإعلامية..؟!
ألم ينتشر الطلاق والعنوسة ونحوهما من الأدواء الأسرية التي انعكست سلباً على نفسية المرأة، وأحدثت شرخاً غائراً ظهر أثره في اختلال الاستقرار الاجتماعي لكثير من المجتمعات..؟!
ألا يستطيع الدعاة ـ رجالاً ونساءً ـ أن يتصدروا لمثل هذه الحقوق، ويقدموا فيها رؤى علمية وعملية تحفظ للمرأة اطمئنانها الأسري والاجتماعي..؟!
أوَ لسنا نرى الأُمّية بصُوَرها المختلفة تمتد برواقها القاسي لتطغى على عقول كثير من نساء العالم العربي والإسلامي حتى وصلت إلى معدلات قياسية بلغت أكثر من (٧٠%) من النساء في بعض البلدان..؟!
أوَ ليس الدعاة ـ رجالاً ونساءً ـ أوْلى الناس بالدعوة إلى تعليم المرأة، وتثقيفها، وبنائها علمياً وفكرياً..؟!
ونحسب أن حقوق المرأة وقضاياها الجديرة بالمعالجة والمطالبة كثيرة وكثيرة جداً، وربما قصّر بعض الدعاة والعلماء في الذبِّ عنها والدعوة إلى تصحيحها ردحاً طويلاً من الزمن، فوجد الرويبضات وأهل الفساد ـ ممَّن يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ـ وجدوا ضالّتهم في التصدُّر لقضاياها والتحدث الماكر المملِّ على لسانها. وقد آن الأوان أن يستدرك العلماء والدعاة ـ رجالاً ونساءً ـ ما يمكن استدراكه، ويعيدوا لحقوق المرأة شرفها الأخلاقي، وموضوعيتها الإنسانية.
ما أجمل الحياء والستر الذي تتدثر به المرأة المسلمة! لكن أيصح أن يكون ذلك الحياء مانعاً لها من التصدّر للدعوة والتربية، والذبِّ عن عقيدتها وهويتها..؟!
أيسرُّها أن تتصدر النساء المسترجلات المتغربات لتشويه قيمنا وثقافتنا، وهي تتفرج ولا تملك سوى التوجع والحوقلة..؟!
نحن أحوج ما نكون ـ خاصة في هذه المرحلة من تاريخنا ـ إلى القيادات النسوية الفاعلة التي تدافع المبطلين والمبطلات، وتتصدى لأراجيفهم وتضليلهم، وتقدم الأنموذج الأمثل للمرأة العفيفة المعطاء..!
إنَّ إدراكنا لخطورة الهجمة التغريبية التي تواجه المرأة في مجتمعاتنا الإسلامية يجب أن لا يكون مجرد انفعالات غاضبة محدودة الأثر عقيمة النفع، بل ينبغي أن يتحول تفاعلنا إلى رؤى فكرية ناضجة، وبرامج عملية مثمرة؛ فنحن أوْلى من غيرنا بتبنِّي هذا الشعار، فـ: «خيركم خيركم لأهله» .
(١) من آخرها قصة: (بنات الرياض) ، التي تصور الفتيان والفتيات في مدينة الرياض على أنهم مجموعة من العابثين اللاهثين، وأن همهم الأكبر وشغلهم الشاغل هو التمرد على قيم المجتمع، انظر لتقويم موضوعي للرواية كتبتها الدكتورة: (أمل الطعيمي) نشرتها في صحيفة اليوم السعودية مؤخراً..!