(٢) ولعلنا نجد شبهاً بين هذه المعاملة وما يسميه علماؤنا بـ (صورة عكس العينة) ، وذلك عندما نضع العقد أي ذلك المشروع الذي يستثمر فيه البنك في الاعتبار، و (عكس العينة) : أن يبيع رجل شيئاً بثمن حال، ثم يشتريه المشتري بثمن أعلى مؤجلاً، فهنا المستثمر اشترى العقد من البنك بثمن ولنقل ١٠٠٠ دولار، وباعه للبنك مؤجلاً بـ ١٢٠٠ دولار، وهي صورة قريبة جداً مما نراه في تلك العقود إلا أن صورة الصرف بل وحقيقته أقرب؛ لأننا في (عكس العينة) نجد سلعة معلومة، وهنا لا سلعة أصلاً فليس لدينا سوى أوراق ثبوتية، فصورة الصرف أقرب، فلا ريب في سلوك العقد هنا مسلك الصرف. (٣) وقد استقر أن العملة تأخذ أحكام النقدين (الذهب والفضة) ؛ بحيث تعامل العملة باعتبارها صنفاً واحداً، والأخرى صنف آخر، وبذلك صدرت فتاوى كثير من المجامع الفقهية. (٤) أخرج مسلم (٣ / ١٢٠٨) وغيره، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أبصرت عيناي وسمعت أذناي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا أي تزيدوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ) . (٥) انظر: الإجماع، لابن المنذر، ص ٩٨. (٦) هناك قاعدة في الاقتصاد الإسلامي لا بد من التذكير بها ضمن هذا السياق، وتلكم القاعدة تقول: (الخراج بالضمان) ، قال السيوطي في الأشباه والنظائر، ص ١٣٥: (القاعدة الحادية عشرة: الخراج بالضمان: هو حديث صحيح أخرجه الشافعي وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان من حديث عائشة، وفي بعض الإشارة ذكر السبب، وهو أن رجلاً ابتاع عبداً فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم، ثم وجد به عيباً فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرده عليه، فقال الرجل: يا رسول الله، قد استعمل غلامي! فقال: (الخراج بالضمان) أهـ، والسيوطي هنا قد صحح الحديث، إلا أن له طرقاً لا تبلغ به درجة الصحيح، وحسبها أن تصل به إلى درجة الحسن لغيره، وهذا لا يعكر صحة تلك القاعدة؛ لأننا وجدناها تتفق مع قواعد الشريعة وعموماتها، وخاصة أنها قد ثبت من طرق أخرى معنى ما ترشد إليه تلك القاعدة، مثل ما أخرجه أحمد في مسنده (٢/ ١٧٤) وغيره من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قَالَ: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِى بَيْعَةٍ، وَعَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ، وَعَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ أي البائع، وَعَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ) ، وهو حديث لا ينزل عن درجة الحسن، والمهم هنا أن الرجل هنا ينال ربحاً وليس يضمن أي ليس يغرم عندما تقع خسارة، وهو ما توضحه قاعدة أخرى تقول: (الغنم بالغرم) انظر: التقرير والتحبير (٢/ ٢٦٩) ومفادها: ألا غنيمة لمن لا يغرم مقابل غنيمته. (٧) سبقت الإشارة إلى شرط صحة الصرف، وهو المماثلة، والحلول أو التقابض على اختلاف بين أهل العلم في ذلك؛ أي الاكتفاء بمجرد الحلول، وهو يجعل القبض على التراخي حين يتأخر صاحب الحق في قبضه، ولكن الحق مهيأ له تحت طلبه، وهو وما يعني أن القبض على التراخي لا على الفور، أو التقابض وهو مباشرة الاستلام من الطرفين لمجرد وقوع القبض لأحد العوضين، انظر: الجامع في أصول الربا، ص ٨٢. (٨) انظر: مجلة الأحكام العدلية، ص ٢٨٤، وهو ما لا خلاف فيه بين العلماء من حيث الأصل. (٩) وقد أفتى فضيلته بتحريم ذلك، فتوى رقم (١٢٥٧) ضمن مجلدات فتاوى دار الإفتاء المصرية، بشأن الأموال المودعة في البنوك وبنك فيصل الإسلامي، بتاريخ ذو القعدة ١٤٠٠ هجرية ٨/١٠/١٩٨٠م، ونصها: قال شيخ الأزهر جاد الحق علي جاد: - المبدأ: تحديد الفوائد عن الأموال المودعة بالبنوك مقدماً من قبيل القرض بفائدة، وهو محرم شرعاً،، - وعدم تحديدها مقدماً هو من قبيل المضاربة في المال، وهي جائزة شرعاً،، سئل: بالطلب المتضمن الإفادة بيان حل أو حرمة الحصول على الفائدة عن المبالغ المودعة بالبنوك التجارية، وكذلك فوائد المبالغ المودعة ببنك فيصل الإسلامي من وجهة نظر الشريعة الإسلامية،، أجاب: جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة: ٢٧٥ - ٢٧٦] ، وروى البخاري وأحمد عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء) ،، بهذه النصوص وأمثالها في القرآن الكريم والسنة الشريفة، وبإجماع المسلمين ثبت تحريم الربا، سواء كان ربا الزيادة أو ربا بالنسيئة،، لمَّا كان ذلك، وكان إيداع النقود بالبنوك التجارية بفائدة محددة مقدماً من قبيل القرض بفائدة؛ كانت هذه الفائدة من باب ربا الزيادة المحرم بتلك النصوص الشرعية، وإذا كانت الفوائد التي يؤديها بنك فيصل الإسلامي محددة مقدماً كانت من هذا القبيل المحرم شرعاً، أما إذا كان طريقها الاستثمار دون تحديد سابق للفائدة، وإنما يبقى العائد خاضعاً لواقع الربح والخسارة كل عام أو في كل صفقة كان هذا التعامل داخلاً في نطاق عقد المضاربة الشرعية، والربح واستثمار الأموال بهذه الطريقة حالاً لشدة الحاجة إليها في التعامل؛ لأن من الناس من هو صاحب مال ولا يهتدي إلى التصرف، ومنهم من هو صاحب خبرة ودراية بالتجارة وغيرها من طرق الاستثمار ولا مال له، فأجيز عقد المضاربة الشرعية لتنظيم وتبادل المنافع والمصالح،، هذا، وإن الله سائل كل مسلم ومسلمة عن ماله: من أين أكتسبه؟ وفيما أنفقه؛ والله سبحانه وتعالى أعلم «أهـ. (١٠) وهو كما عبَّر عنه الأصوليون بقولهم: (مذهب العامي مذهب مفتيه) ، ونص ابن عبد البر في جامع بيان العلم على أن العامي حين يختلف الناس في أمر يسأل عنه؛ فإنه يقلد أكثرهم علماً في نظره، وعدّ ذلك رحمه الله تعالى إجماعاً. (١١) وشركات التأمين هذه مثار سخرية في وطننا العربي، ليس نظراً للحكم الشرعي، فأنا لست ضدها، ولكن نظراً للخدمة السيئة التي تقدمها، ونظراً للتحيز الخبيث لصالح رأس المال؛ مما سلمت منه كثير من الدول الغربية، وليس هنا مكان شرح ذلك. (١٢) انظر: روضة الناظر (١/ ١٦٩) .