حوار
الشيخ رائد صلاح
رئيس الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة عام ٤٨
للبيان (قبل اعتقاله)
نائل نخلة [*]
الشيخ رائد للبيان:
هناك إجماع بين الأحزاب الصهيونية
على هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم.
الشيخ رائد صلاح، من أبرز رموز العمل الإسلامي في الأراضي الفلسطينية
المحتلة عام ١٩٤٨م، وهي الأراضي التي تبلغ نسبة سكانها نحو ٢٠% من
إجمالي عدد السكان في أراضي ٤٨ البالغ عددهم ٦.٧ مليون نسمة، ويطلق على
الفلسطينيين الباقين في تلك الأراضي اسم (عرب إسرائيل) لأنهم أكرهوا على
حمل الجنسية الإسرائيلية كشرط لبقائهم في أرضهم وأرض أجدادهم، بخلاف
الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة والقطاع وفي بقية الأراضي المحتلة التي
احتلت عام ١٩٦٧م، فإنهم لا يحملون الجنسية الإسرائيلية.
وقد حاورته البيان قبل أن تقدم السلطات الإسرائيلية على اعتقاله مؤخراً، مع
نفر من إخوانه المجاهدين في فلسطين، وقد رحبت به مجلة البيان، وكان لها معه
الحوار التالي:
البيان: نرحب بضيفينا الكريم، ونعبر عن سعادتنا للقائكم.
- الشيخ رائد صلاح: مرحباً بكم وأهلاً.
البيان: شيخ رائد: إذا أمكن أن تعطينا لمحة سريعة عن الحركة الإسلامية،
تاريخ نشأتها وتطورها خلال العقود الأخيرة؟
- نشأت الحركة الإسلامية منذ أواخر السبعينيات ببدايات متواضعة سعت من
خلالها إلى إحياء الدين في حياة أهلنا وبناء المساجد ومحاربة المنكرات، ثم بارك
الله تعالى بتلك الجهود وازدادت الحركة الإسلامية عدداً وعدة ومؤسسات، وبدأت
تترجم مفهوم الإسلام الشامل إلى واقع عملي من خلال أعمالها وخطابها الإعلامي
وأدبياتها وفعالياتها الكبيرة التي شملت من ضمن ما شملت إقامة مهرجانات إسلامية
كبيرة تهدف إلى إحياء الأحداث التاريخية الكبرى في حياة المسلمين، وشملت إقامة
مهرجان الفن الإسلامي بهدف تنمية مواهب الشعر والمسرح والرسم والزخرفة
والنشيد وفق المنهج الإسلامي، وشملت إقامة لجان الزكاة والإصلاح والعيادات
والروضات والمكتبات ومعسكرات العمل الإسلامي بهدف إحياء روح التكافل
الاجتماعي في السراء والضراء، وشملت إقامة دوري كرة القدم الإسلامي
والأعراس الإسلامية والصحف الإسلامية وعلى رأسها صحيفة (صوت الحق
والحرية) بهدف الإحاطة بجيل الشباب وهمومه وطموحه، وشملت فيما بعد
المشاركة بالمنافسة الانتخابية في مجال البلديات والمجالس القروية، ثم كان وما
زال للحركة الإسلامية دورها الطيب بعد الانتفاضة الأولى وبعد انتفاضة الأقصى
من خلال دورها الإغاثي والإعلامي والشعبي، ثم تألقت الحركة الإسلامية بدورها
البارز في مشروع إعمار وإحياء المسجد الأقصى المبارك ومناصرة القدس الشريف،
ثم خطت الحركة الإسلامية بعد ذلك خطوات مباركة من خلال إقامة كلية الدعوة
والعلوم الإسلامية التي حصلت على تمثيل لها في رابطة الجامعات الإسلامية واتحاد
الجامعات العربية، وكذلك من خلال إقامة هيئة الدعوة والإغاثة العليا التي حصلت
على تمثيل لها في المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة؛ حيث ترعى هذه
الهيئة أكثر من عشرين جمعية ومؤسسة قطرية مثل مؤسسة (الأقصى لإعمار
المقدسات الإسلامية) التي ترعى شؤون أوقافنا ومقدساتنا عامة، وشؤون المسجد
الأقصى المبارك خاصة، وجمعية (اقرأ) التي ترعى شؤون الطلاب الجامعيين،
وجمعية (سند) التي ترعى شؤون الأمومة والطفولة، ومؤسسة (مسلمات من
أجل الأقصى) التي ترعى دور المرأة المسلمة تجاه المسجد الأقصى المبارك،
ومؤسسة (حراء) التي ترعى الأجيال الصغيرة والكبيرة بهدف حفظ القرآن الكريم،
ومؤسسة (النقب للأرض والإنسان) التي ترعى هموم أهلنا في النقب، ومؤسسة
(عكا وقراها) ومؤسسة (حيفا زهرة الكرمل) ومؤسسة (يافا) ومؤسسة (اللد
والرملة) هذه المؤسسات التي تعني بهموم أهلنا في هذه المدن الساحلية التاريخية
(عكا وحيفا ويافا واللد والرملة) ومؤسسة (لجنة الإغاثة الإنسانية للعون) التي
ترعى كفالة الأيتام في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتقديم العون المتواصل لهم
ولأهلنا هناك، ومؤسسة (الفجر) التي ترعى شؤون الأدب والشعر والنشيد
الإسلامي، وجمعية (البلاغ) التي ترعى شؤون الإعلام الإسلامي، ثم إن الحركة
الإسلامية تعكف في هذه الأيام على تنفيذ مشروعها الواعد الذي أطلقت عليه اسم
(المجتمع العصامي) الذي تهدف من خلاله إلى بناء الذات بكل ما تحتاج من إقامة
مدارس أهلية، ومستشفيات أهلية، واقتصاد أهلي، وغير ذلك.
البيان: كيف ترى الحركة الإسلامية نفسها داخل القانون الإسرائيلي؟ وكيف
ترى علاقتها بدولة الكيان؟
- الحركة الإسلامية هي جزء من هذا المجتمع الفلسطيني الصابر في المثلث
والجليل والنقب والمدن الساحلية (عكا، وحيفا، ويافا، واللد، والرملة) وهي
تعاني كما يعاني هذا المجتمع من مظاهر الظلم التاريخي والتمييز القومي
والاضطهاد الديني الذي ما زالت تفرضه المؤسسة الإسرائيلية علينا حتى الآن،
والذي بسببه ما زلنا نعاني من سياسة مصادرة أرضنا ومقدساتنا وأوقافنا وهدم بيوتنا
ومصادرة حقوقنا ومطاردتنا بكثير من قوانين الطوارئ سيئة الصيت، ولكن مع
ذلك فإن الحركة الإسلامية تسعى للقيام بواجبها في أوسع مساحة متاحة، وتسعى
لاستثمار كل وسيلة مشروعة لتعميق دورها الإسلامي وفق الآليات والأهداف التي
حددتها لنفسها.
البيان: ما هي الصعوبات التي تواجه الحركة في التأقلم والتعايش مع
القانون ودولة الكيان الإسرائيلي؟
- هي الصعوبات التي يعاني منها كل مجتمعنا الفلسطيني في الداخل ويتقدمها
إصرار المؤسسة الإسرائيلية على إبقاء ظلمها التاريخي رابضاً على صدورنا ومن
خلال إصرار هذه المؤسسة على تهميش وجودنا وشرعنة التمييز ضدنا إما بواسطة
قانون الطوارئ، أو استحداث قوانين جديدة مثل قانون (منع التحريض) الذي
يسعى إلى تكميم أفواهنا.
ومن الجدير بالذكر أن الحركة الإسلامية لا تزال تعاني بشكل خاص من
تواصل مطاردة بعض الأذرع الإسرائيلية لها؛ فقد قامت المؤسسة الإسرائيلية
بإغلاق عدة جمعيات للحركة الإسلامية مثل جمعية الإغاثة الإسلامية وجمعية
رعاية السجين واليتيم وجمعية الإغاثة الإنسانية، وقامت المؤسسة الإسرائيلية
بإغلاق صحيفة الحركة الإسلامية (صوت الحق والحرية) مرتين، وها هي هذه
المؤسسة الإسرائيلية تتوعد بإغلاق هذه الصحيفة لمرة ثالثة في مدة عامين، وقامت
المؤسسة الإسرائيلية بفرض إقامات جبرية في الماضي على كثير من قيادات
الحركة الإسلامية، أما اليوم فقد أصدرت المؤسسة الإسرائيلية أمراً بمنعي من
السفر ثلاث مرات متتالية؛ وها هي تهدد بإخراج الحركة الإسلامية عن القانون.
البيان: إلى أي مدى تحُول هذه الصعوبات دون تقدم وتطور العمل
الإسلامي في الداخل؟
- لا شك أنها تقلل من نسبة نجاح بعض مشاريعنا، وتحرم قطاعات كبيرة
من أهلنا من هذه الخدمات؛ فإغلاق جمعية الإغاثة الإسلامية وجمعية الإغاثة
الإنسانية وجمعية رعاية السجين واليتيم قد حرم قطاعاً واسعاً من شعبنا من خدمات
هذه المؤسسات، وكذلك قيام المؤسسة الإسرائيلية بالتضييق المتواصل على كلية
الدعوة والعلوم الإسلامية قد قلل من نسبة نجاح هذه الكلية على الرغم أنها ما زالت
قائمة ومستمرة، وكذلك فرض الإقامات الجبرية أو منعنا من السفر يؤدي إلى
تعطيل مشاريع كثيرة للحركة الإسلامية.
البيان: هل تعتقد أن القانون الإسرائيلي يتيح حريات معقولة، بحسب
دعوى (إسرائيل) أنها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط؟
- القانون الإسرائيلي شرع مصادرة أرضنا ومقدساتنا، وشرع هدم بيوتنا،
وشرع معاملتنا وفق قوانين الطوارئ سيئة الصيت.
البيان: ماذا تقول بشأن منعك من السفر من قِبَل السلطات الصهيونية للمرة
الثالثة على التوالي؟
- هذا مظهر ظالم من شرعنة القانون الإسرائيلي لمواصلة فرض
الظلم التاريخي علينا، وهو مظهر من مظاهر التضييق على الحركة الإسلامية.
البيان: كيف تنظرون إلى واقع فلسطينيي ٤٨، وماذا تتوقعون أن يكون
التعامل الاستراتيجي الصهيوني معهم؟
- واقعنا واقع بائس جداً، وما زلنا نتجرع مرارة التمييز القومي والاضطهاد
الديني الذي ما زالت تفرضه علينا المؤسسة الإسرائيلية، وحاضرنا محاصر،
ومستقبلنا غامض، خصوصاً إذا ما علمنا أن بعض الأصوات الرسمية الإسرائيلية
تطالب بترحيلنا.
البيان: هل تعتقد أن هناك شرخاً ما طرأ على العلاقة بين دولة الكيان
وفلسطينيي ٤٨؟
- الشرخ كان قائماً منذ نكبة فلسطين عام ١٩٤٨م، ولكن هذا الشرخ تعمق
في هذه الأيام، وأدى إلى ظهور حالة من شعورنا بالمطاردة اليومية من قِبَل
المؤسسة الإسرائيلية، والذي عمق هذا الشرخ إقدام بعض القوات الإسرائيلية على
قتل أكثر من عشرين من أهلنا بداية من انتفاضة الأقصى حتى الآن؛ ناهيك عن
وجود عشرات المعتقلين منا في السجون، ثم قيام المؤسسة الإسرائيلية بنزع هوية
البعض منا وتهديد بعض رموزها بترحيلنا.
البيان: برأيك إن كان هناك شرخ فإلى أين يمكن أن يصل؟
- كما قلت خلال الأجوبة السابقة لا حدود لنتائج هذا الشرخ، خصوصاً أن
بعض الأصوات الرسمية الإسرائيلية تطالب بترحيلنا.
البيان: كيف ترى علاقتكم مع فلسطينيي الضفة والقطاع؟
- نحن جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، ونرى من الواجب أن نقوم
بدورنا الإغاثي والإعلامي والشعبي تجاه أهلنا في الضفة الغربية وقطاع غزة،
ونرى من الواجب أن نقوم بدورنا في مشروع إعمار وإحياء المسجد الأقصى
المبارك ومناصرة القدس الشريف.
البيان: ما هي أوجه وقنوات تلك العلاقة؟
- نحن نملك مؤسسات الإغاثة التي تقوم بدورها تجاه أهلنا، ونملك صحيفة
(صوت الحق والحرية) التي تقوم بالدور الإعلامي، ونملك (مؤسسة الأقصى
لإعمار المقدسات الإسلامية) التي تقوم بمناصرة الأقصى المبارك والقدس الشريف،
ثم لنا دورنا الشعبي من خلال (لجنة المتابعة العليا) للجماهير العربية الفلسطينية
في الداخل.
البيان: من المعلوم أن رأيكم كان سلبياً ومعارضاً للتسوية السياسية التي
بدأت في مدريد عام ٩١، في ظل الظروف التي يعيشها الشعب الفلسطيني الآن،
إلى أي مدى ترى أن رأيكم كان في مكانه؟
- واضح لكل عاقل أن هناك إجماعاً بين الأحزاب الإسرائيلية كلها بدون
استثناء يقوم على أساس رفض حق عودة اللاجئين من أهلنا ورفض قيام دولة
فلسطينية ذات سيادة كاملة، ورفض انسحاب كلي من المستوطنات في الضفة
الغربية وقطاع غزة، ورفض التفاوض على القدس الشريف، ثم هناك إجماع بين
هذه الأحزاب الإسرائيلية للعمل على بناء الهيكل على حساب المسجد الأقصى
المبارك؛ ولذلك فإن كل تسوية تقوم على هذه الثوابت الإسرائيلية هي مرفوضة في
نظرنا سواء كانت (أوسلو) أو غيرها، ولن تزيد إلا من ويلات شعبنا الفلسطيني.
البيان: ما هو رأيكم بالأصوات المنادية بضرورة العودة لطاولة المفاوضات
واستئناف العملية السياسية؟
- الأصوات المنادية كثيرة؛ ولذلك يبقى السؤال: ما هو هدف هذه الأصوات؟
وما هو سقف طاولات المفاوضات التي تدعو لها؟! ولذلك نختصر الأمر ونقول:
إن كل تحرك يهدف إلى ترسيخ الثوابت الإسرائيلية التي ذكرتها هو تحرك مشبوه
ومرفوض كائناً من كان صاحبه، ولو كان باسم العودة لطاولة المفاوضات
واستئناف العملية السياسية.
البيان: كيف تقيِّم علاقتكم مع العالم العربي؟
- بداية نحن نؤكد أننا جزء لا يتجزأ من الأمة الإسلامية والعالم العربي
والشعب الفلسطيني، ونحن نطمح بتقوية تواصلنا الواضح والصريح مع عالمنا
العربي؛ لذلك نجحنا كما قلت بتحصيل عضوية كلية الدعوة في اتحاد الجامعات
العربية وحصلت مؤسستنا (هيئة الدعوة والإغاثة العليا) على تمثيل في (المجلس
الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة) ونبقى على أمل أن يقوى هذا التواصل كرافد
مهم لحفاظنا على وجودنا وهويتنا.
البيان: كيف تنظرون إلى الانتفاضة؟
- الانتفاضة الأولى وانتفاضة الأقصى هي تعبير فلسطيني شجاع عن رفض
الاحتلال الإسرائيلي؛ ولذلك فإن استمرار الانتفاضة أو قابلية تجددها سيبقى قائماً ما
دام هناك احتلال إسرائيلي وتنكُّر لمشروع شعبنا الفلسطيني الساعي إلى إقامة الدولة
الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
البيان: ما هو تقييمكم لحال الانتفاضة اليوم؟
- كنا نتمنى أن يكون لها مساندة إسلامية عربية أكبر من المساندة التي تمثلت
بالدعم الإغاثي والإعلامي فقط، ولذلك بقيت الانتفاضة محمولة على أكتاف شعبنا
الفلسطيني فقط مع التقدير الكبير لكل صاحب دعم إغاثي وإعلامي، والذي ما زلنا
نتمناه أن تتحرك الشعوب المسلمة والعربية لتشكيل ظاهرة شعبية قوية ودائمة
لرفض الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك ما زلنا نتمنى على الحكومات تشكيل (قوات
حفظ سلام إسلامية عربية) لحقن دماء المسلمين والعرب بما في ذلك شعبنا
الفلسطيني، ولا سيما أن قضية فلسطين هي إسلامية عربية.
البيان: كيف ترون مستقبلها، خاصة في ظل المتغيرات الدولة الحالية
المنادية بضرورة محاربة ما يسمى بالإرهاب؟
- يخطئ من يظن أن بإمكانه كسر إرادة الشعب الفلسطيني مقابل إملاءات
إسرائيلية؛ لذلك أنا على يقين أن المتغيرات الدولية الحالية والقادمة لن تستطيع
إلغاء قابلية استمرار الانتفاضة عند شعبنا الفلسطيني ما لم يَزُل الاحتلال الإسرائيلي.
البيان: في ظل الهجمة الصليبية الأمريكية وحلفائها على الإسلام والحركات
الإسلامية بدعوى محاربة الإرهاب، ما هو توقعكم لمستقبل هذه الحركات؟
- هذه المواجهة بين الإسلام وأعدائه ليست الأولى من نوعها؛ فكان قبل ذلك
المواجهة بين الإسلام وظاهرة الردة، وكذلك بين الإسلام والفِرَق الباطنية، وبين
الإسلام والمغول، وبين الإسلام والحملات الصليبية، وبين الإسلام والاستعمار
الأوروبي؛ فماذا حدث؟ لقد انتصر الإسلام واندثرت كل تلك الظواهر المتغطرسة؛
وهذا ما سيكون بإذن الله تعالى اليوم؛ حيث سينتصر الإسلام، وتندثر كل
الظواهر المتغطرسة التي تقودها أمريكا.
البيان: هل تعتقد أن هناك استراتيجية ما على الحركات الإسلامية اتباعها
لتجنب الضربات الأمريكية؟
- لا بد من التواصل الجماهيري بين الحركات الإسلامية والجماهير في العالم
الإسلامي والعربي، ولا بد من إحياء الدين بين هذه الجماهير، وتحديداً مفهوم
(الولاء والبراء) في هذه الأيام، ولا بد من التحلي بالموقف الحكيم والكلمة
الشجاعة، ولا بد من السعي لإجراء مصالحة صادقة تعود على شعوبنا بالخير بين
الحركات الإسلامية والأنظمة لعلها تقود إلى ترشيد سياسة الحكومات ودور الشعوب،
ثم لا بد قبل ذلك من التحلي بالصبر واليقين والتوكل على الله تعالى وكثرة الدعاء.
البيان: إلى أي مدى تتفق مع الرأي القائل إن أمريكا تبغي من وراء هذا
المبدأ (محاربة الإرهاب) إلى السيطرة على العالم العربي وثرواته الهائلة؟
- أمريكا تسعى إلى الهيمنة على العالم الإسلامي والعربي بداية من ضرب
العراق بهدف تهيئة كل الظروف لتطبيق مشروع (إسرائيل الكبرى) الذي ما زالت
تحلم به الكثير من القيادات الصهيونية، وبهدف إعادة رسم العالم الإسلامي والعربي
من جديد وفرض (سايكس - بيكو) جديدة، وبهدف الإذعان لقوى الضغط
(البروتستانتية - الصهيونية) أو (الكاثوليكية - الصهيونية) التي تعمل لتقريب
وقوع معركة (هارمجدُّون) ثم بهدف تصفية الثقافة الإسلامية ومحاربة الإسلام في
نفوس المسلمين لأمركة هذا العالم الإسلامي والعربي.
البيان: هل تخشون أن تستغل السلطات الصهيونية هذا الواقع (محاربة
الإرهاب والتطرف) وتقوم بإخراج الحركة عن القانون؟
- هذا وارد جداً؛ فما زال هناك تلويح بإخراج الحركة الإسلامية عن شكلها
القانوني.
البيان: هل أنتم مستعدون لذلك؟ وهل وضعتم استراتيجية ما لمجابهة هذه
الخطوة المحتملة؟
- استراتيجيتنا واضحة، ومفادها أننا سنبقى نعمل للإسلام ثم لخدمة أهلنا من
خلال انتمائنا للإسلام إن لم يكن من خلال الحركة الإسلامية.
البيان: ماذا عن ميثاق الحركة الإسلامية؟ وهل هناك ميثاق للحركة؟ ثم ما
هي أبرز نقاطه؟
- هناك قانون داخلي للحركة الإسلامية يؤكد أن الحركة الإسلامية تستمد
دورها من فهمها الصحيح المستمد من القرآن الكريم والسنة؛ ثم تسعى الحركة
الإسلامية للقيام بدورها من خلال أوسع مساحة ممكنة يتيحها الهامش الديمقراطي.
البيان: كيف تقيِّمون العلاقة مع الشق الآخر من الحركة الإسلامية؟
- لا شك أن هناك اختلافاً في قضايا هامة ومصيرية فيما بيننا، ولكن مع ذلك
نحافظ على حصر أسباب هذا الاختلاف في أضيق مساحة ممكنة على أمل أن
نتجاوزه، وأن نواصل مسيرتنا الإسلامية.
البيان: نحن نعلم أن هناك جهوداً حثيثة تسعى لرأب الصدع في الحركة
الإسلامية، فإلى أين وصلت هذه الجهود؟
- مرة أخرى أقول: نحن نأمل بتجاوز أسباب الخلاف على أمل مواصلة
مسيرتنا الإسلامية.
البيان: لماذا تعارضون دخول الكنيست؟
- لأننا من خلال دراستنا المتأنية والعميقة للكنيست وجدنا أنها ليست إلا
مؤسسة عملت ولا زالت تعمل على إجهاض كل جهود أعضاء الكنيست من العرب،
وستبقى بهذه الصفة؛ لأنها وُجِدَت لتحقيق أهداف المجتمع الإسرائيلي وإجهاض
كل محاولة للحصول على حقوقنا؛ لذلك فإن الاهتمام بها هو مضيعة للوقت
والجهود، وتبديد للطموح.
البيان: ماذا تقرأ في نتائج الانتخابات الأخيرة لدى فلسطينيي ٤٨؟
- ارتفاع نسبة المقاطعة في وسطنا الفلسطيني؛ حيث وصلت إلى أكثر من
٤٠%؛ وهذا يعني أن جماهيرنا تبحث عن بديل عن الكنيست التي قادتهم إلى وهم
وسراب ليس إلا. ثم من الواضح في الطرف الإسرائيلي ارتفاع نسبة تمثيل اليمين؛
لأن الشارع الاسرائيلي يسير في اتجاه يميني شديد جداً أكثر مما كان عليه سابقاً.
البيان: ألا تعتقد أن على الحركة الإسلامية أن تجد استراتيجية ما لهذا
«الحزب» (حزب المعارضين) وإلى أين يمكن أن يقود؟
- هذا صحيح. على الحركة الإسلامية أن تعطي الحل العملي البديل عن
الكنيست للمعارضين، بل حتى للمشاركين في الكنيست؛ لأنه مضى على وجود
أعضاء كنيست عرب في الكنيست قرابة الخمسين عاماً، وما زلنا نعاني من الظلم
التاريخي، والتمييز القومي والاضطهاد الديني، ومصادرة الأرض والأوقاف
والمقدسات وهدم البيوت؛ لذلك فإن عنوان البديل الذي تطرحه الحركة الإسلامية
هو إقامة مشروع (المجتمع العِصامي) الذي يسعى إلى بناء الذات بكل ما تحتاج
إليه من إقامة مدارس أهلية، ومستشفيات أهلية، واقتصاد أهلي وغير ذلك، وهذا
يعيننا على إزالة الظلم التاريخي الذي ما زال يجثم على صدورنا، ودفع أذى
التمييز القومي والاضطهاد الديني الذي نعاني منه.
البيان: ما هي المشاريع التي تقومون بها لأجل الأقصى الشريف؟
- منذ عام ١٩٩٦م نجحنا بفضل الله تعالى من خلال (مؤسسة الأقصى
لإعمار المقدسات الإسلامية) بالاشتراك مع (لجنة التراث - بيت المقدس)
وبالتعاون مع هيئة الأوقاف بإعمار المصلى المرواني، ثم إعمار الأقصى القديم،
ثم إقامة وحدات مراحيض ووضوء عند باب الأسباط وحطة وفيصل، ثم فتح
بوابات المصلى المرواني العملاقة وتبليط الساحات الممتدة أمامها، ثم مشروع
(مسيرة البيارق) الذي نُسَيِّر من خلاله مئات الحافلات من المثلث والجليل والنقب
والمدن الساحلية (عكا وحيفا ويافا واللد والرملة) إلى الأقصى المبارك كل شهر،
وإقامة مشروع (صندوق طفل الأقصى) ، وكذلك إحياء دروس مصاطب المسجد
الأقصى وتفريغ الدعاة، وإقامة مؤسسة (مسلمات من أجل الأقصى) ، وإعداد
الكتب والخرائط والأفلام الوثائقية عن المسجد الأقصى، وإقامة المهرجان السنوي
الكبير الذي بدأناه منذ عام ١٩٩٦م بعنوان (الأقصى في خطر) والذي يحضره كل
عام أكثر من سبعين ألف مسلم ومسلمة.
البيان: هل هناك صعوبات تقف حائلاً أمام إتمام وإكمال هذه المشاريع؟
- هناك صعوبات كثيرة جداً؛ فمنذ بداية انتفاضة الأقصى منعت المؤسسة
الإسرائيلية إدخال أية مواد إعمار إلى الأقصى المبارك ولو كانت بحجم (دلو رمل) ،
ثم قامت المؤسسة الإسرائيلية بالإعلان عن (لجنة التراث - بيت المقدس) أنها
منظمة إرهابية لا لسبب إلا لأننا كنا نقوم بالاشتراك معها بتنفيذ كل تلك المشاريع؛
لذلك قاموا بمصادرة أموالها واعتقال أعضائها وإغلاق مكاتبها.
البيان: ما هو دور الصهاينة في اختلاق وابتداع هذه العقبات والصعوبات؟
- هي صعوبات تقوم بها المؤسسة الإسرائيلية بهدف فرض هيمنتها الاحتلالية
على المسجد الأقصى، ومنعنا من مواصلة مشاريع إعمارنا في المسجد الأقصى،
وبهدف أن تتحكم المؤسسة الإسرائيلية بكل أبواب المسجد الأقصى، فتسمح لمن
تشاء بالدخول إلى الأقصى، وتمنع من تشاء!! لذلك من المحزن أن نقول إنها
منعت دخول مجموعة من أهلنا إلى المسجد الأقصى المبارك بأوامر احتلالية ظالمة،
وقامت قبل أسابيع بتركيب آلة تصوير عند باب الأسباط لمراقبة تحركات كل
المسلمين لدى دخولهم وخروجهم من الأقصى المبارك.
البيان: ما هي الإجراءات التي تتخذونها لحل مثل تلك الصعوبات؟
- بداية نحن لا نيأس ولا نستسلم؛ لذلك لما منعتنا المؤسسة الإسرائيلية من
مواصلة (مشروع إعمار) الأقصى المبارك انتقلنا إلى (مشروع إحياء) الأقصى
المبارك من خلال مسيرة البيارق وإحياء مصاطب العلم وتفريغ الدعاة وإقامة
الإفطارات الجماعية طوال أيام رمضان، وإقامة صندوق طفل الأقصى، ومؤسسة
(مسلمات من أجل الأقصى) وإعداد الكتب والخرائط والأفلام الوثائقية عن
الأقصى.
البيان: ماذا عن العمل بباقي المقدسات الإسلامية؟
- لنا مشاريع كثيرة في هذا المضمار تقوم على إعمار وصيانة المساجد
والمصليات والمقابر، والتصدي لكل محاولات الاعتداء الإسرائيلية على أوقافنا
ومقدساتنا، وقد وفقنا الله تعالى وأنجزنا مشروع مسح هندسي لكل المقدسات الواقعة
بين قيساريا والخالصة، والذي شمل قضاء حيفا وعكا والناصرة وطبريا
وبيسان وصفد ونحن مصرون على مواصلة هذا المسح حتى النهاية، وكذلك لدينا
معرض رسم ثابت عن الأوقاف والمقدسات، وبدأنا نعد سلسلة أفلام وثائقية عن كل
الأوقاف والمقدسات، وننظم صلوات جمعة في المساجد المهجورة منذ نكبة فلسطين
عام ١٩٤٨م، كل ذلك بمبادرة مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية.
البيان: شكراً للشيخ الكريم ونسأل الله أن يمدكم بعونه ونصره.
(*) مراسل مجلة البيان في فلسطين.