للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

تعاون إسرائيلي أمريكي في الحرب ضد العراق

ودور (إسرائيل) في الحرب العراقية

يوسف رشاد

في اجتماع عُقد مؤخراً بين بوش ورئيس وزراء (إسرائيل) ربت الأول

على كتف الثاني وزوده بـ «خريطة طرق» للتقدم نحو إقامة دولة فلسطينية، إلا

أن التوجيه العملي حسب هذه الخريطة لن يبدأ إلا بعد انتهاء المعركة العسكرية التي

يشنها بوش على العراق، وعلى صعيد آخر؛ فإن الملاحظات التي أبداها في نهاية

محادثته مع شارون تُفسَّر على أنها تشجيع لـ (إسرائيل) لاستخدام حقها في الرد

العسكري على هجوم عراقي، وذلك بعدما قدّم شارون اقتراحاً بإشراك (إسرائيل)

في هجوم مبكر على غرب العراق لمنع إطلاق صواريخ على (إسرائيل) ، ونقلت

صحيفة (واشنطن بوست) عن مسؤول أمني أمريكي كبير قوله: «إن قوات

خاصة تابعة للجيش الإسرائيلي عملت أثناء صيف ٢٠٠٢م في غرب العراق،

وقامت برصد مواقع إطلاق الصواريخ» ، وقال المسؤول الأمريكي إن المهمة

الإسرائيلية السرية كانت تهدف إلى التأكد من قدرة العراق على إطلاق طائرات

صغيرة بدون طيار، بالإضافة إلى إطلاق صواريخ سكود من قواعد في غرب

العراق.

وفي الاحتفالات التي كانت تجري في البيت الأبيض بمناسبة أعياد الميلاد؛

جرى الاحتفال في مكتب الرئيس بوش بعيداً عن الأضواء، والصحافة، وكان من

بين ما قاله بوش لجمهور الحاضرين: «سادتي، إننا نعتزم البحث عنهم فرداً فرداً،

إرهابياً إرهابياً، والقضاء عليهم قضاءً مبرماً» ، وكانت صحيفة يديعوت

أحرنوت اليهودية قد ذكرت أثناء زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي شاؤول موفاز

لواشنطن في الأول من يناير من عام ٢٠٠٣م تقول: «إن الناظر الخارجي

لواشنطن سيلحظ سريعاً جو الحرب، حيث أكملت القيادة المركزية حسب تقدير

الخبراء ثلثي الاستعدادات للحرب. ولم يعد السؤال الذي يتردد هو هل ستنشب

الحرب؟ إنما متى ستنشب هذه الحرب؟» .

كان للأمريكيين كل الأسباب الوجيهة وغير الوجيهة لتأجيل زيارة موفاز،

فأمريكا عشية الحرب ضد دولة عربية في غنى عن إبراز متانة علاقاتها

بـ (إسرائيل) في هذا المناخ وفي هذا التوقيت، إلا أن موفاز يُعَدّ بالنسبة

للأمريكيين شخصية رئيسية، فربما تعذر عليه مساعدة الأمريكيين، لكنه يمكنه

بالقطع عدم إفساد الجو عليهم أو تعطيلهم، فهم يبذلون أقصى ما في وسعهم

لإزالة العقبات المحتملة التي قد تعترض طريقهم.

إن الحرب التي ينظمها اليوم جورج بوش الابن أكثر حداثة وذكاء، وأكثر

تنظيماً وترتيباً، وأكثر تخطيطاً واستعداداً من الحرب التي نظمها «بوش» الأب

في عام ١٩٩١م.

وكانت بعض الخلافات قد تفجرت تحت السطح بين (إسرائيل) وأمريكا

على خلفية فجوات الآمال والتوقعات بين الطرفين حول الدور الذي سيقوم به كل

طرف منهما في الحرب مع العراق، ف (إسرائيل) لم تكن مستعدة لتكرار ما

حدث للدور البائس والسلبي الذي قامت به في عام ١٩٩١م؛ حيث لم تكن

(إسرائيل) شريكاً في المعلومات، ولم يُسمح لها بالرد إذا ما أضيرت؛ أي أن

(إسرائيل) تحسب أنها خُدعت.

وموفاز سواء بوصفه رئيس الأركان أو وزير الدفاع لم يُخف رأيه بأنه كان

من الخطأ أن تبدي (إسرائيل) تمالكاً إزاء الصواريخ التي أُطلقت عليها، إن آخر

شيء يحتاج له الأمريكيون هو ضلوع (إسرائيل) غير المنسق في حرب الخليج

طراز ٢٠٠٣م، ففي سيناريوهات الحرب التي أعدها الأمريكيون يرد احتمال

تعرض (إسرائيل) في هذه الحرب لضربها بالصواريخ أو مهاجمتها بالطائرات

بنسبة كبيرة جداً؛ لذا يحاول الأمريكيون سلفاً، ومن الآن، الحيلولة دون رد

(إسرائيلي) غير منسق، وغير محسوب من حيث الحجم؛ يُلحق خسائر حتمية

وأضراراً بالمصالح الأمريكية، وعليه فكانت زيارة وزير الدفاع لواشنطن بعد

شهرين من زيارة شارون أمراً حتمياً للتنسيق حول ما سيتم عمله مع العراق.

وأحد الخلافات التي نشبت إن لم يكن هو الخلاف الرئيس بين أمريكا

و (إسرائيل) ينصبُّ حول رد الفعل الإسرائيلي على ضربها بأسلحة غير تقليدية،

ولم يكن الأمريكيون مستعدين للتعهد بمعاقبة العراق بضربها بأسلحة غير تقليدية

على ضربة قد توجهها لـ (إسرائيل) بأسلحة مماثلة، ويرجع سبب ذلك إلى

أن الولايات المتحدة لا تريد التسبب في عمليات قتل جماعي، وإلحاق أضرار

يتعذر إصلاحها بالبنيات التحتية في العراق؛ لأنها تعتزم محاولة إعادة الحياة إلى

حالتها الطبيعية بأسرع ما يمكن بعد الإطاحة بصدام حسين.

في حين تريد (إسرائيل) الرد بـ (تدمير هائل) إذا تعرضت لاعتداء؛

لردع دول أخرى عن استخدام أسلحة مشابهة ضدها مستقبلاً.

وهذا التناقض لن تنجح (إسرائيل) وأمريكا في تسويته والتوصل إلى حل

بشأنه، وكان الشيء الذي نجح فيه الأمريكان هو غرس الثقة في الإسرائيليين بأن

الإدارة الأمريكية تبذل جهوداً حقيقية لاقتلاع التهديد العراقي.

وفي عام ١٩٩١م صنع الأمريكيون في (إسرائيل) معروفاً، فبالإضافة إلى

التحذير من تعرضها لهجوم بالصواريخ قبل انطلاقها ببضع دقائق، فقد قدَّموا لها

صوراً بالقمر الصناعي، لكن الصور جاءت متأخرة عن موعدها ببضعة أيام.

إن (إسرائيل) غير مستعدة لقبول هذا الموقف وتكرار السيناريو مرة أخرى،

ففي اجتماع استراتيجي عُقد بين الإسرائيليين والأمريكان قال الإسرائيليون: لا

تبلغونا بكل خطط الحرب، ولكن قولوا لنا كيف تعتزمون منع انطلاق الصواريخ

من غرب العراق؟ أعطونا الفرصة للفت انتباهكم، ولتقديم المشورة لكم،

أقيموا أجهزة اتصال معنا على المستوى العملياتي والحربي، لا على المستوى

الاستراتيجي.

وعندما عيّن الأمريكيون «الأدميرال متسجار» (قائد القيادات المشتركة)

ضابط اتصال؛ لم يُهدئ ذلك من روع (إسرائيل) ولم يُطمئنها، وكان تعليق

(إسرائيل) على هذا الإجراء: أن ذلك الإجراء على المستوى السياسي الأمني،

بينما نحن في حاجة إلى تنسيق على مستوى العمليات، وكانت الرسالة واضحة

ومؤداها: «ما دام أننا لن نتلقى ردوداً وإجابات شافية، ومعقولة؛ فإن (إسرائيل)

مصرَّة على الرد» .

وكان الأمريكيون لا يزالون يرفضون حتى قبل بضعة أيام من زيارة موفاز

للولايات المتحدة إشراك (إسرائيل) وإطلاعها على معلومات «وديَّة جداً» ؛

سواء لأسباب تتعلق بالأمن الميداني، أو لكي لا تثير مجرد الإحساس باشتراك

(إسرائيل) في الحرب، إلا أن البذور التي بُذرت في ذلك اللقاء الاستراتيجي

بواشنطن قد آتت ثمارها، فعندما حضر مساعد وزير الدفاع الأمريكي «داج فايت»

إلى (إسرائيل) قبيل زيارة موفاز لواشنطن ببضعة أيام تم الاتفاق بين الطرفين

على مبدأ تشكيل أطقم عمل مشتركة؛ ليس على مستوى الجنرالات، لكن من

الكولونيلات الذين سيقرؤون معاً خطط العمليات الحربية وخرائطها، ومن هنا

جاءت زيارة موفاز للتأكد من تطبيق هذا القرار، وعندما تكون الأمور ومواضيع

الزيارة متفقاً عليها «مسبقاً» تكون الزيارة لمجرد التهنئة وتبادل الابتسامات.

لقد عامل وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد «موفاز» الذي لم

يكن يعرفه من قبل بودٍّ شديد وواضح في وجبة الغداء المشتركة؛ تجاوز

حدود البروتوكول كما لو كانا صديقين قديمين.

وهذا لا يعني أن الإدارة الأمريكية قد كفَّت عن محاولات إرسال «جينيفر

كوبرا» ، وكوبرا هذه ليست نجمة سينمائية ولا عملية سرية، وإنما هي مناورة

دورية بالأسلحة المضادة للطائرات في قطاع النقب بـ (إسرائيل) ، وفي

المناورات السابقة أحضر الأمريكيون إلى (إسرائيل) بطارية صواريخ باتريوت،

وقاموا بالمناورة مع (إسرائيل) لمدة أسبوع أو أسبوعين، ثم انصرفوا عائدين إلى

أوروبا أو الخليج، أما في هذه المرة فإن «جنيفر» أكبر وأغلى ثمناً، فبدلاً من

بطارية واحدة هناك لواء بطاريات صواريخ مضادة للطائرات، وحوالي ألف رجل

بعتادهم؛ وهي صواريخ أحدث من باتريوت الموجودة لدى سلاح الجو الإسرائيلي،

وهي الصواريخ المسماة بـ «فاك جيم» ، وأنظمة الإنذار واكتشاف مواقع

الصواريخ المحمولة على سفن، واستثمر الأمريكان في هذه المناورة حوالي

٢٠ مليون دولار، وسوف تبقى بطاريات الصواريخ في (إسرائيل) لتهدئة

الإسرائيليين، وللوفاء بالتعهد الذي قطعوه لرئيس الحكومة «شارون» ووزير

الدفاع.

خطط الأمريكان لإنشاء قيادة خاصة مشتركة بغرب العراق، وخصص لهذه

القيادة قوات ثابتة ودائمة خاصة بها، وبعيدة ومنفصلة عن باقي الجبهات، وأرسل

الأمريكان إلى (إسرائيل) عشية الحرب كبار ضباط هيئة الأركان من القيادة

المركزية الأمريكية في الميدان الجوي والعمليات الخاصة، ويقيم هؤلاء الضباط مع

نظرائهم من الإسرائيليين، وتقوم هذه المجموعة بإعداد كل شيء؛ لكي يكون

الخطاب بلغة واحدة، فالأكواد والشفرات في الخرائط على سبيل المثال واحدة

ومتطابقة لدى كلا الجانبين.

والجهات التي تقود الموضوع في (إسرائيل) هي السلاح الجوي الإسرائيلي

وشعبة التخطيط بهيئة الأركان، ويقوم هذان بتشكيل هيئة أركان دائمة بالتعاون مع

الأمريكان أثناء الحرب، وتضطلع هذه الهيئة بثلاثة مواضيع هي:

- تلقي الصور الجوية في توقيت التقاط الصور نفسه حول ما يحدث في

غرب العراق.

- وتتلقى تحذيرات وإنذارات جارية ومتوالية من انطلاق الصواريخ العراقية،

كما تتولى مهمة الدفاع الجوي الإسرائيلي الأمريكي المشترك عن سماء (إسرائيل) .

- وتنقل الردود والمقترحات الإسرائيلية أثناء الحرب بأسرع ما يمكن إلى

البنتاجون وإلى القيادة المركزية الأمريكية.

* الاستعدادات لحرب العراق:

- نشر شبكة جمع معلومات استخبارية؛ متمثلة في الأقمار الصناعية،

وطائرات التجسس والإنذار، وأجهزة تنصت، وطائرات بدون طيار.. وغيرها.

- وإعداد التشكيل الجوي، وهذا التشكيل عبارة عن قوة جوية تتضمن قاذفات

استراتيجية، تتمركز في قواعد جوية بتركيا والكويت وقطر، وعلى حاملات

الطائرات، وهذا التشكيل يقوم بضرب مراكز القوة بالعراق، ومنع إطلاق

صواريخ أرض أرض وغيرها من الصواريخ.

- تشكيل القوة البرية التي تتكون بصفة خاصة من القوات الخاصة المحمولة،

وتقوم هذه القوة بشن غارات ومداهمات عميقة بالعراق، والاستيلاء على مراكز

التأثير والقوة وتدميرها.

- المساعدة اللوجستية، وخاصة ما يتعلق بالنشاط الذي يزاول في غرب

العراق، فإن (إسرائيل) قاعدة للقوات الأمريكية في المجالات والميادين الطبية،

والوقود، وسائر المكونات والعناصر الأخرى، إن الأمريكيين لم يطلبوا المساعدة

من (إسرائيل) ، إلا أن هناك اتفاقات بين الدولتين تتعلق بالتعاون في أوقات

الأزمات.

لقد ودَّع وزير الدفاع الإسرائيلي موفاز واشنطن وهي واثقة جداً من نفسها؛

أنها ستنتصر في حرب الخليج بسرعة، حيث يرى الأمريكيون أن حرباً تستمر

لشهرين تُعَدُّ إخفاقاً، وكانت استطلاعات الرأي والتحليلات السيكولوجية التي أعدها

رجال المخابرات أظهرت أن ضربة قوية تُوجه إلى الأهداف والنقاط الصحيحة؛

سوف تكشف مدى هشاشة نظام صدام حسين وهلاميته، وسوف تكشف أيضاً أنه لا

يتمتع بتأييد شعبي حقيقي، وبالتالي سوف يكون انهياره سريعاً، ويرى الأمريكيون

أن مثل هذه الخطوة أي الضربة السريعة من شأنها أن تؤدي إلى استئناف ضخ

النفط العراقي للعالم، وإلى انخفاض كبير في أسعار الطاقة، وإلى حدوث طفرة

بالاقتصاد الأمريكي والعالمي، وإلى ضمان انتخاب بوش لفترة ولاية ثانية في عام

٢٠٠٤م، وإذا لم يحدث كل ذلك؛ فإنهم يرون أنهم سوف يعانون جميعاً الأزمات

والضائقات. والسيناريوهات الأمريكية تُظهر أن نجاحاً جزئياً في هذه الحرب

سوف يكون معناه ازدياد قوة القوى المتطرفة بالعالم الإسلامي، وعندئذ سوف تدفع

(إسرائيل) أيضاً الثمن.

فهل تعي القيادات والحكومات العربية هذا المخطط؛ فتعمل على إحباطه؟

وهل ستكون الشعوب العربية والإسلامية على مستوى المسؤولية وتهب لنجدة

إخوانهم في العراق؟ أو أن موقفنا جميعاً سيكون موقف المتفرج الذي ينتظر أن

يأتي عليه الدور!!

إن التاريخ الإسلامي يزخر بصفحات مضيئة من تلاحم الشعوب ضد قوى

البغي والظلم والعدوان، وقد مرت على الأمة الإسلامية خطوب ومحن وابتلاءات

كانت تخرج منها أكثر صلابة وتلاحماً من ذي قبل، وما كان يتم لهم ذلك إلا بعد

إحياء ما أماتوه من قوة العقيدة، وقوة الأخوة والتلاحم والإخاء، ثم قوة الساعد

والسلاح، ولن يتم دحر أعداء الله عز وجل من الأمريكان واليهود إلا بإحياء هذه

الروح في الأمة بأسرها، فلا بد من الإيمان الصادق الذي لا نفاق فيه، ولا بد من

الأخوة الصادقة التي لا عداء ولا خصام فيها، ثم لا بد من إعداد القوة ما استطعنا

إلى ذلك سبيلاً، عند ذلك إذا توجهنا إلى ملك الملوك سبحانه وتعالى بقلوب خاشعة

أوَّاهة مُنيبة، وبدعاء خالص بالنصر؛ فسيمدنا الله بجنود من عنده سبحانه وتعالى،

وسينصرنا على أعدائنا؛ لأنه عز وجل لا يُخلف الميعاد، وقوله حق، وقد قال:

[إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ] (محمد: ٧) ، وقال تعالى: [وَلَن

يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلاً] (النساء: ١٤١) .


(*) كاتب وباحث مصري.