منتدى القراء
من مآسي تاريخنا المعاصر
صالح محمد العصيمي
وقفت ذات يوم ممعناً النظر في خريطة العالم الإسلامي، وكلما نظرت إلى
بقعة في تلك الخريطة أغمضت عيني، ثم صرفتهما بسرعة إلى بقعة أخرى ثم
بدأت أبحث عن مكان يكسوه اللون الأخضر، ولكن للأسف كانت تلك الخريطة تكاد
أن تكون حمراء اللون والدماء الزكية تسيل في شعاب العالم الإسلامي وأوديته
وتتجمع أنهاراً مع أنهار الدموع لتكون بحر المأساة الكبرى، أما الرؤية في بحر
المأساة فإنها معدومة فشمس الإسلام قد حجبت بغبار الذنوب والخطايا.
ففي البوسنة والهرسك يقتل المسلمون، ودول الغرب تحيك المؤامرات.
والمسلمون يبلغون المليار، يعيش أكثرهم بلا هدف، ولا هم مشترك وذلك يجعلهم
مجرد هامش في صفحة التاريخ.
كان اليهود والنصارى وأمم الأرض جميعاً يهابوننا عندما كنا نهاب الله
ويخشوننا عندما كنا نخشى الله، ويأبهون بنا عندما كنا نهتم بإخواننا في كل مكان،
أما وقد تركنا ذلك كله فكان لزاماً أن تمضي سنة الله فينا [إن الله لا يغير ما بقوم
حتى يغيروا ما بأنفسهم] [الرعد: ١١] .
إن نداءات المسلمين من يوغسلافيا أو من الفلبين أو من الحبشة والهند موجهة
أساساً إليك أنت! .. نعم أنت يا من تقرأ هذه السطور وتقلب هذه الصفحات، هل
تعتقد أن المخاطب غيرك أو أن المسؤول سواك؟ كلا وإن كنت تحسب ذلك فاعلم
أن هذه هي المشكلة وأن هذا هو الخلل.
عندما صاحت تلك المسلمة وامعتصماه، كان هناك رجل مسلم لم يتجاهل
الأمر، كذلك فإنه لم يقل: هل سأقاتل الروم وحدي! ! ولكنه فعل ما يستطيع
فركب البحر ثم جد في السير حتى بلغ المعتصم فبلغه الصرخة، ولو أن كل واحد
منا عرف تقصيره فعمل لإكماله لكان الأمر هيناً، ولكن للأسف كل من سمع
بالمصائب اعتقد أن المخاطب هو كل مسلم يعيش على هذه البسيطة سواه.
اعلم يا أخي أنك بإيمانك وبغيرتك على أمتك تمثل أمة واحدة ودولة كاملة،
فيك جهاز للدفاع عن الأمة، وفيك جهاز للإعلام بواقع الأمة، وفيك بيت للمال
يدعم الأمة، فلا تحتقر من أمرك شيئاً، ذلك الرجل الذي بلّغ المعتصم صيحة
المرأة المسلمة انتقم للإسلام ببضع كلمات، فهلا نصرت الإسلام وأنت على أحد
ثغوره؟ !
يجب على كل منا أن يساهم في العلاج، وإليك بعضاً مما تستطيع تقديمه:
١- اجعل لهموم الأمة موقعاً هاماً في خريطة قلبك: فالمسلم الحق يتأمل حال
أمته ثم يتألم له، فإذا حضر الطعام تذكر إخوانه الجياع، وإذا جلس مع أفراد
أسرته تذكر أفراد أسرة أخيه المنكوب، فصلاح الدين لم يولد فارساً، ومحمد بن
القاسم لم يولد قائداً، بل كانوا أفراداً مثلنا ولكن نفوسهم سمت فسموا، وهممهم
ارتفعت فارتقوا.
٢- الدعاء: ومن منا يشك في أن الدعاء أمضى سلاح وهو على العدو أشد
من القنابل والصواريخ، وهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا يرد
القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر) .
٣- الدعم المالي: وليس المقصود بذلك دفع مبلغ زهيد نشعر بعده بأننا أدينا
ما علينا، ولكن لنقدم إلى من حرم حق العيش والحياة من ضروريات الحياة ما
أمكن، فضلاً عن كمالياتها.