مقالات معربة
[حرب العراق بين بوش وجنوده]
ترجمة خاصة بالبيان
المقارنة بين الرؤية التسويقية للرئيس الأمريكي جورج بوش عن الحرب
الأمريكية على العراق، وبين رؤية الجنود الأمريكيين العالقين في حرب لا تبدو لها
نهاية، تقدم فكرة واضحة عن حجم الهوة بين الطرفين، وهذه الهوة مرشحة
للاتساع في الشهور المقبلة، لتضيف معول هدم جديد في السياسة الخارجية
الأمريكية القائمة على التوسع.
وبين أيدينا مقالان مترجمان، يعرض أولهما نظرة نقدية لرؤية بوش عن تلك
الحرب، والثاني عبارة عن رسالة كتبها جندي أمريكي ونشرتها الجارديان، يكشف
فيها مشاعره، ومشاعر زملائه من حرب العراق.
* المقال الأول: كم هو كبير الفرق الذي يمكن أن تعنيه شهور قلائل!
«في نهاية شهر أبريل ٢٠٠٣م، أي قبل شهور، وقف دونالد رامسفيلد
مزهوًا في مقرّ الكولونيل تومي فرانكس في قطر، يقارن النصر الأمريكي في
العراق بسقوط جدار برلين وبتحرير باريس.
لقد كان سقوط جدار برلين بمثابة الإعلان عن نهاية الحرب الباردة وتوحيد
الشرق مع الغرب، وفي المثال الآخر قام سكان باريس فعليًا بالترحيب بقوات
التحالف كمحررين من وطأة النازيين في الحرب العالمية الثانية. ولكن في كلتا
الحالتين لم يكن ضروريًا الإبقاء على قوات أمريكية كقوات احتلال، وفي كلتا
الحالتين لم يكن هناك نفط محط أطماع حكومة الولايات المتحدة!
وبينما كان رامسفيلد معتزًا بتفوق الجيش الأمريكي جعجع متفاخرًا:» لم
يسبق أبدًا أن وجد هذا العدد الكبير من المخطئين بهذا الشكل الكبير بشأن هذا العدد
الكبير من الأمور «وكان على الأرجح يشير إلى» العدد الكبير «من المشككين
في الأساليب العسكرية الأمريكية المستخدمة في الحرب، وليس إلى أولئك الذين
يعتقدون بأن هذه الحرب غير خلقية، وغير شرعية، وغير ضرورية، وكان
قاصداً بتصريحاته إلى العالم أنه كان مصيبًا منذ البداية!
بعدها بأيام قلائل، ظهر جورج بوش منتشيًا، بزي طيّار مقاتل، بعد نقله
جوًا لمسافة ثلاثين ميلاً تقريبًا من ساحل كاليفورنيا إلى ظهر حاملة الطائرات
الأمريكية» أبراهام لينكولن «. وأعلن بوش للقوات المحتشدة على ظهرها بأن
العمليات الحربية الكبرى قد انتهت.
وصرح بوش وقتها:» بالأساليب الجديدة وباستخدام الأسلحة متناهية الدقة،
التي يمكن أن نحقق أهدافنا العسكرية بدون توجيه العنف ضد المدنيين «. ولكنه لم
يذكر أن عدد المدنيين الأبرياء الذين قضوا في حرب العراق كان تقريبًا ضعف عدد
أولئك الذين ماتوا في ١١ سبتمبر الرقم الحقيقي يتجاوز عشرة آلاف كما لم يذكر
الضحايا من أطفال العراق الذين فقدوا أذرعًا وأرجلاً ووالدين نتيجة للحرب، وما
سيترتب على ذلك من معاناتهم المستمرة طيلة حياتهم، واستمر مقلّد الطيّار المقاتل
قائلاً:» وإنه لتقدم كبير عندما يكون لدى المذنب تخوف أكثر بكثير من الحرب
مقارنة بالبريء «. وكان عليه أن يضيف أن هذا يكون حقيقةً خصوصًا عندما
يكون هو وزملاؤه، ولا أحد غيرهم، من يقرّر من هو المذنب ومن هو البريء!
ومع متابعة كاميرات التلفزيون، استمر بوش قائلاً:» إن معركة العراق تعدّ
واحدًا من الانتصارات في الحرب على الإرهاب والتي ابتدأت في ١١/٩/٢٠٠٢م،
ولا تزال مستمرة «.
وبعد مضي أربعة شهور لعل ما يعدّه نصرًا هو مسألة تثير الاستفهام، كما
يبقى مفقودًا وجود رابط فعلي بين نظام صدّام حسين وبين» إرهابيي
١١ سبتمبر «. كما كان مخطئًا أيضاً باستنتاجه أن» معركة العراق «كانت
نصرًا أو أنها قد انتهت.
وفي الوقت الذي يتم تسويق دمية لبوش بزي عسكري في عموم البلاد
[تدعيمًا لشعبيته] ، هناك شبان أمريكيون في قوات الاحتلال يُقتلون يوميًا تقريبًا،
في حرب على ما يبدو أنها حرب مستمرة للتحرر من الأمريكيين. فهناك من يقوم
بتفجير وحرق أنابيب النفط، وبتعطيل إمدادات الماء، ومهاجمة عمّال الإغاثة
التابعين للأمم المتحدة. بينما تظهر قوات الاحتلال الأمريكية غير قادرة على إيقاف
» الإرهابيين الجدد «الذين توالدوا نتيجة هذه الحرب.
وكان رئيس منتسبي الجيش السابق، الكولونيل أريك شينسكي، قد طالب
بإرسال قوات احتلال للعراق أكبر بكثير مما تمّ استخدامه، لكن رامسفيلد تجاوزه
بحكم رتبته العسكرية الأعلى موقنًا أنه لا حاجة لقوات أكثر. ويظهر الآن بأن
شينسكي كان على صواب ورامسفيلد كان على خطأ.
وأسلحة الدمار الشامل التي روجت لها إدارة بوش كي ترعب الشعب
الأمريكي وتسوِّغ شن الحرب لم يعثر عليها، على الرغم من أننا كنا قد أخبرنا
وقتها بأن ديك تشيني كان يعلم بمكانها تحديدًا!
وهكذا وبعد أربعة شهور من تفاخر رامسفيلد وتشبيهه ما حصل بتحرير
باريس، وبعد إعلان بوش انتهاء عمليات القتال الرئيسية للحرب، هناك حرب
استنزاف مميتة ومستمرة ضد القوات الأمريكية والبريطانية في العراق. وأمريكا
أبعد ما تكون عن الترحيب بها كمحرر، بل إنها خلقت لها عداوات أكثر في الشرق
الأوسط، كما يبدو أن» الإرهابيين «أضحوا أكبر عددًا وأكثر جرأة.
واستعارة لمقولة رامسفيلد، الذي كان بدوره مستعيرًا لمقولة تشرشل، يمكن
إعادة صياغتها كما يلي:» لم يسبق أبدًا أن وجد هذا العدد القليل من المخطئين
بهذا الشكل القليل بشأن هذا العدد الكبير من الأمور! «رامسفيلد، وبوش،
وتشيني وولفويتز هم زعماء القلّة من المتمردين وقليلي النظر. فلم يكن هناك نصر
في العراق، ووفقًا للظروف الحالية فليس هناك نصر محتمل.
ما نحتاجه الآن هو نقاش عام حول كيفية إخراج أنفسنا من الوضع الخطير
الذي خلقه هؤلاء الرجال قبل أن نصبح متورطين في حرب نظيرة لحرب فيتنام مع
فارق أنها حرب تقودها الأطماع في النفط.
إن نقطة البداية لإنهاء هذا الخطر هي بإيقاظ الشعب الأمريكي بتحقيق شامل
ومفتوح من قِبَل الكونجرس للنظر في تضليلات إدارة بوش فيما يتعلق بمزاعم
أسلحة الدمار الشامل للعراق واستخدامها كحجة لشن الحرب. ولذلك ينبغي على
قوات الولايات المتحدة والتحالف التحرك الفوري لتسليم سلطة إدارة العراق إلى
الأمم المتحدة، وسيسمح ذلك بتقاسم العبء الأمني في العراق والذي سيمكن بدوره
عودة أسرع لقوات الولايات المتحدة الموجودة حاليًا في العراق» .
كاتب المقال: ديفيد كريجر، من مؤسسي «مؤسسة سلام العصر النووي»
كاليفورنيا - الولايات المتحدة، ورئيسها منذ عام ١٩٨٢م. باحث ومحاضر
وله مؤلفات عدّة حول مواضيع السلام والسياسة والقانون الدولي وغيرها.
وحاصل على جوائز عالمية عديدة في هذا المجال.
* المقال الثاني: نحن نتعرض للموت في العراق بدون سبب!
رسالة من جندي أمريكي يخدم في العراق يدعو من خلالها إلى إنهاء احتلال
مبنيّ على الأكاذيب. صحيفة الجارديان البريطانية، الجمعة، ١٩/٩/٢٠٠٣م.
«مضت ستة أشهر وأنا مشارك فيما أعتقد بأنه كذبة العصر الكبيرة: عملية
حرية العراق!
بعد أحداث ١١ سبتمبر المرعبة، وأثناء المعركة في أفغانستان، كان العمل
التمهيدي لغزو العراق قيد الإعداد. و» الصدمة والرعب «كانت الكلمات التي
استخدمت لوصف استعراض القوة الذي كان العالم سيشاهده عند بدء» عملية حرية
العراق «. والذي أريد له أن يكون أقرب إلى عرض مثير للقوة العسكرية
والتكنولوجيا المتقدمة من ترسانات الجيش الأمريكي والبريطاني.
لكني وكجندي يُعَدّ للمشاركة بدور في غزو العراق، كان لكلمتَي» الصدمة
والرعب «صدىً في أعماق نفسي. ومع تهيئنا للمغادرة بدا أن هاتين القوتين
العظميين كانتا على وشك كسر نفس تلك القواعد التي يطالبون الآخرين بالتقيّد بها.
فقامت الولايات المتحدة وبريطانيا بغزو العراق بدون موافقة الأمم المتحدة،
متجاهلين لالتماسات مواطنيهم.» الصدمة والرعب «؟ نعم! هاتان الكلمتان
تصفان بصورة سليمة وقع التأثير النفسي والعاطفي عليّ عندما باشرنا بعمل ليس
من العدالة في شيء، بل هو من النفاق.
لقد استحكم النفاق منذ اللحظة التي أطلقت فيها الطلقة الأولى فيما سمي بحرب
التحرير والحرية هذه. فبعد بث الصور المسجلة لأسرى وقتلى من جنود الولايات
المتحدة من قِبَل محطات التلفزيون العربي، توعد القادة الأمريكان والبريطانيون
بالانتقام بينما كانوا يوجهون الإهانات الشفوية لشبكات البث تلك لعرضها مثل هذه
الصور المؤثرة. لكن [وعلى صعيد مماثل] قامت الحكومة الأمريكية وبعد ساعات
فقط من قتل ولدَيْ صدّام حسين بنشر صور مرعبة للأخوين الميتين كي يتفرج
عليها العالم أجمع. ومرة أخرى نجد أن السيناريو هو» افعلوا كما نأمر وليس كما
نفعل «!
نحن وكجنود يخدمون في العراق أُخبرنا بأن غرضنا هو مساعدة شعب
العراق بتجهيزهم بما يحتاجونه من مساعدة بصفتنا العسكرية وكذلك من خلال
الجهود الإنسانية. ولكن أخبرني أين هي الإنسانية في الحدث الذي كتبت عنه
صحيفة الـ (Stripes and Stars) جريدة القوات المسلحة الأمريكية، والذي
يذكر قصة طفلين هرعت بهما والدتهما إلى معسكر أمريكي لطلب العناية الطبية.
الطفلان كانا يلعبان عن جهل بذخيرة متفجرات كانا قد عثرا عليها، والذي نتج عنه
تعرضهما لحروق شديدة. المقالة في الصحيفة تذكر كيف أنه بعد انتظار دام ساعة
كاملة تم رفض تقديم المساعدة الطبية للطفلين من قِبَل طبيبين عسكريين. ووصف
أحد الجنود هذه الحادثة بأنها واحدة من» جرائم بشعة «كثيرة ارتكبها جيش
الولايات المتحدة كان قد شهدها.
ولعلّي أكون شاكرًا؛ لأني لم أكن شخصيًا شاهدًا على بشاعات ارتكبت إلاّ إذا
كنتم، بالطبع تعتبرون، كما أظن أنا نفسي، أن حرب العراق هذه هي البشاعة
بعينها!
وإني أتساءل: ما هو الغرض من وجودنا هنا؟ هل سبب هذا الغزو هو،
كما سمعنا مرارًا، أسلحة دمار شامل؟ إذا كان كذلك، فأين هي؟ هل قمنا بالغزو
للتخلص من زعيم ونظامه؛ لأنهم كانوا على علاقة وثيقة بأسامة بن لادن؟ إذا كان
الأمر كذلك، فأين الدليل؟
أم أن الأمر كان لصالح اقتصادنا نحن؟ حيث إن نفط العراق يتمتع بخاصية
كون كلفة تكريره هي الأرخص في العالم. وعليه فإن ما يبدو أن هذه حملة صليبية
عصرية، ليس من أجل تحرير شعب مضطهد، أو لتخليص العالم من دكتاتور
شيطاني مهووس في سعيه للغزو والهيمنة، بل هي حملة من أجل السيطرة على
الموارد الطبيعية لشعب آخر. النفط - على الأقل بنظري - يبدو أنه هو السبب
الحقيقي لوجودنا هاهنا.
وهناك حقيقة واحدة، وهي أن هناك أمريكيين يموتون؛ فهناك حوالي ١٠
إلى ١٤ هجوماً يوميًا على جنودنا في العراق. وبينما عدد القتلى آخذ بالازدياد،
يبدو أنه ليس هناك نهاية وشيكة في الأفق.
كنت في الماضي أعتقد أنني أخدم في الجيش من أجل مبدأ» التأييد والدفاع
عن دستور الولايات المتحدة «. أما الآن فلم يعد عندي تصديق بذلك؛ لقد فقدت
قناعتي، وكذلك إصراري. لم يعد بمقدوري تسويغ خدمتي العسكرية على أساس ما
أعتقد بأنه حقائق غير متكاملة وأكاذيب ملفقة.
مع التقدم بالسنّ تأتي الحكمة [كما هو في المثل الشعبي] ، ومع بلوغي سن
٣٦ عامًا لم يعد ممكنًا اقتيادي على نحو أعمى للتصديق بدون مساءلة. منذ وصولي،
في شهر نوفمبر، إلى [وحدتي العسكرية] في فورت كامبيل في كنتاكي، كنّا
نسمع كلامًا حول نشر القوّات للخوض في حرب، وعندما تحول الكلام إلى
تحضيرات فعلية، انتاب قلبي الهلع وازدادت شكوكي. ومنذ ذلك الحين لم تتضاءل
شكوكي؛ بل حصل ذلك لعزيمتي والتزامي!
لقد أتممت فترة خدمتي تقريبًا، وكذلك الحال مع كثير ممّن خدمت معهم. وقد
واجهنا جميعًا الموت في العراق بدون سبب ومن غير مسوِّغ. كم من جنود أكثر
يجب أن يموتوا منّا؟ كم دموع أكثر يجب أن تسيل قبل أن يصحو الأمريكيون
ويطالبوا بعودة الرجال والنساء [في الجيش الأمريكي] والذين مهمتهم حماية
الشعب الأمريكي، وليس حماية مصالح زعيمهم؟» .
كاتب المقال: تيم بريدمور، وهو جندي أمريكي في الخدمة الفعلية حاليًا،
مع الفرقة ١٠١ المحمولة جواً، والمتمركزة بالقرب من الموصل في شمال
العراق.