لماذا التقاطع؟ !
حفيظ بن عجب آل حفيظ
قال الله (تعالى) : [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ
اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا
حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ] [آل عمران:
١٠٣] بينما كنت أراجع كتاب ربي متأملاً في آياته، متفكراً في معانيه السامية
العظيمة التي بلغت غاية الروعة والجمال في معناها ومبناها، استوقفتني هذه الآية
طويلاً، فما استطعت تجاوزها كما كنت أتجاوز الآيات قبلها على عجل وبقدر قليل
من التأمل والتفكر، لقد انعقد لساني عن كل شيء إلا هذه الآية العجيبة التي ملكت
علي كل أحاسيسي، ومشاعري، وخواطري، فأصبحت أكررها صباحاً ومساءً
كأني لا أرى غيرها أمامي ولا عن يميني ولا شمالي، فتعجبت أشد العجب لذلك،
فبادرت أسأل نفسي لماذا لا تقرئين غيرها؟ ولماذا لا تتأملين في سواها؟
عجبي ... كأنه لا آية إلا سناها ولا هدى إلا هداها؟ ! ! أجيبي يا نفس، فقد أثقلني حملها، وزاد على كاهلي عناها.
فقالت النفس، والهم قد عناها، والكلمات قد تعثرت خطاها: وما عساي أقول
عن حال أمة أضاعت أمجادها ومفاخرها، وسعت وراء التفاخر بأحسابها وأنسابها،
كأنها لا ترى المجد إلا في تناحرها وتفرقها؛ فأحدهم يقول: أنا فلان ابن فلان،
من ذا يعادلني في نسبي وشرفي، وآخر يقول: أنا من سأسود الناس وأسوسهم
وأسيطر عليهم.
ثم سكتت النفس برهة وتنهدت وقالت: أتريد أن أقول لك ما الذي جعلك تقف
عند هذه الآية ولا تتجاوزها؟ .. إنه حال المسلمين في تشرذمهم، وتفرقهم،
وتقاطعهم، وتدابرهم.. كأنهم ليسوا إخواناً، وكأن الإسلام ما ألف بين قلوبهم،
وكأنهم بنعمة الله ما أصبحوا إخواناً.. فلماذا التفرق وقد جمعنا الله، والتشرذم وقد
وحد الله صفوفنا؟ ! ، ولماذا لا نعود أمة واحدة كما أراد الله (تعالى) ؟ ! .
إني أقول يا متأملاً في كتاب ربه: ما تأملت حق التأمل! ، ويا ناظراً في
كتاب الله: ما نظرت حق النظر! ، فلو كنت نظرت حق النظر وتأملت حق التأمل
ما تجاوزت هذه الآية أبداً؛ لأنها تتحدث عن واقعنا وتحكي عما نحن فيه، فكأنها
أنزلت لزماننا هذا الذي انقلبت فيه المفاهيم والأفكار، فبدل أن نعتصم بحبل الله
فنجتمع: تفرقنا، وبدل أن نذكر نعمة الله علينا بتأليف قلوبنا بعد أن كنا أعداء:
تنافرت القلوب وتباعدت، فلا إلف ولا محبة، وبدل أن نكون أخواناً: كُنا أعداء،
وبدل أن نسأله الهداية: غفلنا عن سؤاله (سبحانه وتعالى) ، فما وجدنا من ذلك إلا
الهزيمة والتأخر والضعف والهوان، فكان حالنا كما قال العبد الفقر إلى الله.
وتأخرت عن درب كل فضيلة ... سفن الهداية تندب الأعرابا