للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قراءة في كتاب

[التحليل السياسي محاولة للاقتراب]

المؤلف: روبرت أ. دال

ترجمة: د. علا أبو زيد

تلخيص: وائل عبد الغني

أصبحت السياسة في السنوات الأخيرة أهم العناصر الفاعلة والقوية التي

تحرك الواقع البشري وتتحكم في مصيره وفق مشيئة الله بصورةٍ تجعل الإنسان لا

يسعه أن ينأى بواقعه عن دائرة تأثيرها.

والداعية باعتباره عنصراً مؤثراً لم يَعُدْ يسعه ترك الإلمام ولو إجمالاً بواقعه

المعاش.. كيف يسير؟ وماذا يُراد له؟ بنظرةٍ مبنية على قواعد وأسس موضوعية.

ويسعفنا في ذلك التحليل السياسي؛ إذ أصبح كمّاً معرفياً متميزاً في ظل

قفزات التطور الهائلة في المعرفة الإنسانية خلال العقود الثلاثة الأخيرة. هذا العلم

يُكسِب المحلل والممارس مهارات ومدارك وخبرات واسعة.

وقبل أن نشرع في الاقتراب من عملية التحليل السياسي نشير إلى نقاطٍ عدة

ينبغي ألا نغفلها ونحن نطالع مثل هذه المعرفة:

١ - إن التطور الهائل في العلوم قد واكبه قدرٌ لا بأس به من التعريب، لكن

لم نشهد بعدُ جهوداً قوية في مجال الأسلمة.

٢ - قلة المحاولات التي قصدت بناء منهج إسلامي للتحليل السياسي اعتماداً

على الجهود الضخمة التي خلفها لنا علماؤنا أمثال الرازي والماوردي والجويني

وابن تيمية وابن أبي الربيع وابن خلدون، والتي كانت مادة إثراءٍ قوية انتشلت

الفكر السياسي الغربي من أسر الكهنوتية إلى سعة المنهج التجريبي والتحليلي،

والذي كان له أثره في التطور الفكري الأوروبي.

٣ - ولكن الفكر الأوروبي عموماً انفلت من أسر الكهنوتية إلى الفوضى

الفكرية والتي تشبه إلى حدٍ كبير ما يعانيه عالمنا اليوم مما ولَّد مدارس مادية تعتمد

على الوضعية والحتمية والهرطقات اليونانية الغابرة.

٤ - هذا العلم له أثره العظيم في إحياء الوعي، ورغم أنه أكاديمي إلا أنه

شهد جهوداً لتبسيطه ونقله إلى الجماهيرية في الغرب، ولكن هذا لم يحدث حتى

الآن على المستوى الإسلامي والعربي بوصفه ظاهرة علمية وثقافية؛ ولهذا كانت

هذه القراءة محاولة للاقتراب من الظاهرة السياسية على مستوى النظام السياسي

الذي تُبنى فكرته على اعتبار أن الإنسان ينزع إلى العيش في تجمعات بشرية

تضطره إلى الخضوع لأحد أشكال السلطة وإقامة علاقات مع من حوله.

والسياسة بتعبيرنا اليوم ما هي إلا نمط مستمر من العلاقات الإنسانية يتضمن

التحكم والنفوذ والقوة والسلطة، وهو ما يتتبعه المحلل السياسي؛ لأنها بمثابة البؤرة

التي تتمحور حولها العلاقات، والعمل السياسي غير متصور دون ممارسة القوة.

ويتتبع التحليل كذلك أشكال الأنظمة وكيفية بنائها وسمات التشابه والتباين،

ويحلل كذلك السلوك من حيث الدوافع والأسباب والظروف والنتائج التي تكتنف

النماذج البشرية الممارسة للسياسة مستنداً على أسسٍ ثابتة.

أسس التحليل:

تختلف الأسس التي يستند إليها التحليل طبقاً لفكر من يمارسه، والظروف

التي نشأ فيها وتأثر بها. فلو كان أمامنا خمسة تحليلات عن الوضع الأفغاني الراهن

مقدمة من خمسة محللين من باكستان وروسيا وطاجيكستان وإيران والولايات

المتحدة لظهر جلياً إلى أي حدٍّ أثَّرت النشأة والعقيدة على طريقة التحليل ونتيجته.

ويتأثر التحليل كذلك بالنظريات السياسية التي يتبناها المحلل؛ فبعض

النظريات مثلاً تقصر إطلاق مصطلح «النظام السياسي» على الأنظمة الحاكمة

التي تمتلك سلطة فعلية (الدولة الحكومة) بينما تتوسع أخرى في شمول نفس

المصطلح لأي نظام يُمارس فيه نوع من القوة: كالقبيلة، والمؤسسة، والشركة،

والمنظمة، والحزب.

حول النظام:

بالنظر إلى النظم السياسية نجد أن كل نظام يتفرع إلى أنظمة فرعية بينما هو

مندرج في نظامٍ أشمل منه، كما نجد أن الفرد قد يشكل جزءاً من أكثر من نظام؛

فأستاذ الجامعة يمثل جزءاً من النظام في جامعته، إلى جانب كونه عضواً بارزاً في

أحد الأحزاب أو يشغل منصباً حكومياً. كما نجد أنه كلما ازداد النظام تعقيداً

واستقراراً كلما أدى ذلك إلى نمو الأدوار السياسية فيه.

حوْل الحكومة:

أول ما يعني المحلل من النظام هو الحكومة؛ لا لأنها تملك القوة وحدها، بل

لأنها تدعي لنفسها الحق المطلق في تنظيم استخدام القوة. ولكن هذا الادعاء مرهون

بمدى تقبل الناس له؛ فإذا ما شك الناس في هذا الادعاء أو رفضوه فمعنى ذلك أن

الدولة تواجه خطر التحلل، وأما إذا ما قبلوه فهنا تحقق الدولة صفة الشرعية التي

تختلف عن صفةٍ أخرى هي المشروعية؛ وهي الصفة التي تكتسبها الدولة من قوتها

أو من نص الدستور.

أما شكل الحكومة فيختلف باختلاف شكل النظام وطرق اقتسام القوة فيه.

ولكن ماذا نعني بالقوة هنا؟

اصطلاحات القوة والنفوذ:

تستند العلاقات البشرية إلى عدة أسس مثل الحب، والاحترام، والولاء،

والمعتقدات المشتركة، لكن كل ذلك لا يُعنى به المحلل السياسي بالدرجة الأولى،

إنما يعنى بالقوة وأشكالها كأساس للعلاقات، وبهذا يفيدنا تحليل القوة في معرفة

عناصر التأثير وتوجهاتها.

ونعني بالقوة: (فرض مشاركة المواطن في الحياة السياسية) ، كالتحكم في

الحكومة أو التأثير فيها، وفرض تحكمه في القرارات المتعلقة بسلوكه وحياته

الشخصية.

والمواطنون متفاوتون في قوتهم بالطبع، ويعني نشاط السياسي في مجالٍ

معين أنه يمارس نوعاً من القوة الظاهرة التي يتتبعها المحللون، في حين يغفلون

نوعاً آخر يتمثل في قوته الكامنة والتي ينبني على تحليلها الاقتراب من المصداقية

بالنسبة للتوقعات المستقبلية بالذات.

وعلينا أن نفرق بين قوة الفرد بوصفه فرداً وبين قوته باعتباره جزءاً من

جماعة. وعند قياس القوة ينبغي تحديد محيطها: (أي المسألة التي تمارس فيها:

السياسة الخارجية، البرلمان) ، ومجالها: (عدد الأفراد الذين تمارس في نطاقهم)

. ولا بد كذلك من معرفة كيفية تمركز القوة أو تشتتها، وأسباب ذلك ودلالاته،

ومدى ارتباطه بالظروف الدينية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

تحليل النفوذ:

ونعني بالنفوذ: العلاقات التي تتسبب في نتائج إيجابية ومفضلة بالنسبة

للفاعل؛ أي الذي يمارس النفوذ.

ولهذا فأي وصف شامل لنظامٍ مَّا لا بد أن يتضمن إجابة عن السؤال الآتي:

من هم الفاعلون الذين يمارسون نفوذاً في المجالات الحيوية (السياسية،

والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية) ، والتي من خلالها يؤثرون بطريقة غير

مباشرة على اختيارات غيرهم وقراراتهم؟

هؤلاء الفاعلون قد يكونون جماعات أو كيانات كلية أو أحزاب أو شركات أو

شخصيات عامة.

ومع تراكم التحليلات سنجد أن النفوذ أشبه بشبكة معقدة من العلاقات المتبادلة

بين الفاعلين والتي يكون بعضها إيجابياً (يتمثل في تأييد المصالح) وبعضها سلبياً

(بعدم التأييد) ، وهذا الأخير وإن كان إدراك حجمه صعباً إلا أنه يحتاج إلى مزيد

من العناية.

ولكن كيف يمكننا قياس النفوذ؟

في الحقيقة لا يوجد معيار كمي يمكن أن نقيس من خلاله النفوذ، ولكن مع

تراكم المعلومات وبإجراء المقارنات يمكن الاعتماد على أساسٍ ترتيبي (مساوٍ،

أكبر من، أصغر من) ، كما ينبغي حساب الوزن النسبي للنفوذ باختلاف المجال

والمحيط.

ولتحديد شكل النفوذ ودرجته لا بد أن ندرك أسباب اختلافه، والتي يمكن

إرجاعها إلى ثلاثة عوامل رئيسة [١] وهي:

١ - الاختلاف في توزيع الموارد السياسية التي يستخدمها الساعي للنفوذ

ليؤثر على سلوك الآخرين، وتشمل: (المال المعلومات الطعام التهديد باستخدام

العنف الوظائف الصداقات المستوى الاجتماعي حق إصدار الضرائب أصوات

الناخبين) .

٢ - التباين في المهارات والكفاءات في استخدام هذه الموارد.

٣ - التباين في مدى استخدام الأفراد مواردهم لأغراض سياسية.

ويُضاف إلى هذه الأسباب عوامل أخرى غير مباشرة أهمها:

- قيم الأفراد وتوجهاتهم وتوقعاتهم ومعلوماتهم الحالية.

- قيمهم وتوجهاتهم ومعتقداتهم وأيديولوجياتهم وبناء شخصياتهم ونوازعهم

السابقة الأكثر تأصلاً.

- قيم الآخرين وتوجهاتهم وتوقعاتهم ومعلوماتهم ومعتقداتهم وأيديولوجياتهم

وشخصياتهم ممن ترتبط تصرفاتهم بطريقةٍ مَّا بالقرار.

- عملية الاختيار أو التجنيد أو الدخول التي وصل بها صانعو القرار إلى

مناصبهم.

- قواعد صنع القرار التي يتبعونها، والبنى السياسية والنظام الدستوري.

- مؤسسات المجتمع الأخرى (البنى الاقتصادية والاجتماعية والدينية

والثقافية والتعليمية التي تقوم بتخصيص الموارد الرئيسة) .

- الأحداث التاريخية التي تركت آثارها على الثقافة والمؤسسات والبنى.

وبنظرة كلاسيكية يمكن أن يُتصور أن يستخدم الحاصلون على النفوذ نفوذهم في

الحصول على موارد أكثر تفتح أمامهم المجال للحصول على نفوذٍ أكبر، وهكذا

دواليك.

ولكن هذا الأمر لا يحدث في الواقع؛ لأن الموارد موصوفة بالندرة.

وأصحاب النفوذ لا ينفقون مواردهم إلا إذا كان العائد من ورائها أعظم قيمة، وهو

ما ينعكس عند حدودٍ معينة؛ إذ يسعى الخاضعون للسيطرة إلى تعظيم تكاليف تلك

السيطرة. ولا ننسى كذلك الصراع الشديد على النفوذ [٢] .

طرق الحصول على النفوذ:

يمكن الحصول على النفوذ بأشكالٍ مختلفة، بعضها حسن وبعضها قبيح؛

فمنها: الإقناع الحقيقي (العقلاني) ، والتحفيز، والخداع (الإقناع الخداعي) [٣] ،

والإجبار المادي، والسيطرة.

تصنيف النظم (أوجه التباين) :

يتم التصنيف وفق المدخل الذي يستخدمه المحلل والنشاط الذي يخدمه

(جغرافي طبغرافي اقتصادي سياسي ... ) . ولهذا يصح وضع أسس متعددة كل منها

يصلح أساساً لتصنيف النظم.

التحليل السياسي للنظم:

أ - أوجه الاتفاق:

يتحدد شكل النظام وفقاً للصيغة السياسية، والتي يتحدد وفقاً لها شكل السلطة

وأسلوب السيطرة، هذه الصيغة ليست كمّاً موحداً متجانساً، ولكنها تبدأ بالمعتقدات

التي يدين بها الجميع، وتتطور في شكل أيديولوجيات سرعان ما تتأثر بالمستجدات.

ولهذا لا نجد أيديولوجية فكرية يمكن وصفها بأنها متكاملة، أو يصح أن نقول

عنها إنها صالحة للحكم إلى ما لا نهاية، لذلك فهي خاضعة للتعديلات شأنها شأن

المناهج الأرضية، هذه النقطة تتفق فيها كافة الأنظمة بالإضافة إلى اتفاقها في:

- كونها مطاطة إلى الحد الذي يمكن معه إعادة تشكيلها حسب الرغبات

المختلفة.

- أن كل النظم السياسية تسيطر عليها سلطة حاكمة تحتكر القوة.

- أن هذا الاحتكار قد يستند إلى عقيدة، أو نظرية فكرية، أو انتخاب، أو

إلى القوة المتمثلة في الجيش والشرطة.

- أن كل الحكومات تسعى لاكتساب الشرعية؛ فإذا اتشح النفوذ بالشرعية

فهذا ما يُشار إليه عادة بالسلطة.

- أن النظم لا يمكنها أن تعيش بمعزل عن العالم الخارجي.

- أن التصرفات المتاحة أمام النظام في أي دولة تتأثر بالتصرفات الماضية

والمحتملة للنظم الأخرى.

- حتمية التغيير: فأي نظام لا بد أن يشهد تغيرات هامة لكن يصعب التنبؤ

بها؛ ولهذا نجد أن عدم اليقين سمة بارزة للحياة السياسية.

ب - أوجه التباين:

وهي لا حصر لها. ولكن ما يمكن أن يُقال عنه إنه يترتب عليه نتائج هامة

يمكن إجماله في النقاط الآتية:

١ - مسار النظام إلى الوضع الراهن.

٢ - درجة التحديث (المستوى الاجتماعي والاقتصادي) .

٣ - توزيع الموارد والمهارات السياسية.

٤ - جذور التصدع والتلاحم الداخلي.

٥ - حدة الصراعات وحجمها.

٦ - مؤسسات اقتسام السلطة وممارستها.

وهذه الأخيرة هي أبرز ما يركز عليه التحليل الحديث.

الأنماط السياسية داخل المجتمع:

وفقاً للمشاركة السياسية يمكن تقسيم الناس إلى كثرة غير مهتمة بالسياسة، إلى

جانب قلة مهتمة بها؛ هذه القلة تحوي قلة ثانية تمتلك من الدوافع ما يحفزها للسعي

وراء القوة، ولكن المهارات الشخصية والموارد السياسية تحول دون وصول كثير

من هؤلاء، لنجد أن الأقوياء هم قلة ممن يسعون نحو القوة، وإن كان التحليل

يحتاج لفحص كل شريحة من هذه الشرائح الأربع إلا أن الأخيرة هي التي يمكن أن

نسلط عليها بعض الضوء قليلاً بسؤالٍ هو:

لماذا تتعدد الأنماط السياسية للأقوياء؟

هناك عدة أسباب تؤثر في ذلك:

الشخصية والخلق، التوجهات السياسية الأولية، المعتقدات ومواقف اللحظات

الحاسمة، الثقافة العامة، الثقافة السياسية التي يشترك فيها مع قطاع من قطاعات

المجتمع.

تحليل الأداء:

التحليل السياسي لا يمكن إخضاعه للمقاييس الكمية والوصفية التي تخضع لها

الكيمياء، ولكن يمكن أن يخضع للتعليل السببي للوصول إلى نتائج مرغوبة مثل

حرية أعظم أمن أكثر ... لذلك فالتحليل تكتنفه صعوبات كثيرة؛ ليس أسهلها تطوير

مقاييس الظواهر السياسية.

تحليل القرار:

كيف ترتب الأولويات في ذهن المحلل أو السياسي؟ يختلف الترتيب من

محللٍ لآخر كما سبق أن ذكرنا، ولكن إذا أراد المحلل أن يزيد من قوة التحليل فعليه

أن ينوع في توقع الأولويات كي يمكنه تفسير أكبر عدد من الخيارات، ومع هذا

فسيظل عدم اليقين يطاردنا ويحف بخياراتنا السياسية. وللتغلب على قدر من هذه

المشكلة فإن القرار السياسي وتقويمه يجب أن يخضع لاستراتيجيات تقوم على

ترتيب القيم وتوضيح الأهداف وتوقع المشكلات وتوصيف الحلول عن طريق وضع

السياسات الممكنة، ثم تبحث كافة النتائج المهمة التي سوف تترتب على تقديم بديل

على آخر.

وسعياً وراء الرشد فقد طُرحت بعض الاستراتيجيات:

استراتيجية المثالية الكاملة:

وتقوم على أساس فلسفي تخيلي للأهداف والوسائل، ولكنها أثبتت قصورها

الشديد لكثرة مخالفة الواقع للتوقعات الكاملة.

وفي ظل عدم اليقين يصبح أمام متخذ القرار إما أن يغامر ويتخذ القرار في

ظروف من عدم التأكد، أو ينتظر ليدرس الحالة جيداً ويتخذ القرار بالحل المثالي،

ولكن الانتظار في عالم السياسة غير ممكن.

استراتيجية المثالية المحدودة:

ومن خلالها نقنع بتحقيق الحلول المرضية بدلاً من الحلول المثالية، ويمكننا

أن نواجه مشكلة عدم اليقين بأحد الحلول:

١ - السعي نحو الحلول المرضية بدلاً من المثالية.

٢ - اتخاذ قرارات أولية لمعرفة ما يترتب عليها تمهيداً لاتخاذ القرار الأخير.

٣ - الاستفادة من التغذية الاسترجاعية ومن المعلومات التي ولدها القرار

الأولي ذاته، ومن خلاله يمكن تقسيم الأدوار.

٤ - وضع إجراءات للوصول إلى الأهداف المرجوة. وإذا افترضنا أن

القرارات التي تتخذ عبارة عن سلسلة من الإجراءات؛ فإنه يمكن للسياسي تصحيح

أخطائه في كل إجراء يتخذه وهو يسعى نحو الهدف، ولو افترضنا أننا نزيد في

شيء نسبة ٥% سنوياً فإنه سوف يتضاعف في ١٤ عاماً [*] .

ولكن هذه الاستراتيجية لم تنجح في حل كل المشاكل.

استراتيجية التجريب المدروس:

وهي تصلح في بعض النطاقات دون بعض لتجريب كافة الحلول ومن ثم

اختيار أفضلها.

وقطعاً فإنه لا يمكن تفضيل إحدى هذه الاستراتيجيات على الأخرى تفضيلاً

مطلقاً، ولكن على السياسي أن ينتخب من بينها ما يناسب طبيعة مشكلته، وعليه

أيضاً إطلاق خياله البحثي الذي لا يستند إلى المعرفة وحدها بل يتخطاها إلى التنبؤ

بما يمكن أن يكون عليه شكل المستقبل.

تلك أهم قضايا التحليل السياسي، والتي تعتمد على الأسئلة المنطقية: ما هو

لماذا كيف أين متى ... والتي يترتب على الإجابة عليها الإجابة على كثير من

علامات الاستفهام القلقة داخل دنيا البشر، وهي بحاجة إلى أقلام مسؤولة وعقول

متخصصة تُبْحِر بنا في تفاصيلها.


(١) يمكن تطبيق هذه العوامل بإجراء مقارنة بين نفوذ منظمات الضغط اليهودية في الولايات المتحدة وبين مثيلاتها في روسيا وفرنسا من جهة، ومن جهةٍ أخرى بينها وبين الجاليات الإسلامية الموجودة هناك.
(٢) من أبرز صور الصراع على النفوذ والتي يمكن التطبيق عليها ما حدث في العام الماضي بين رئيس وزراء باكستان المدعوم من الأغلبية البرلمانية من جهة وبين رئيس الدولة الذي أطيح به، ثم مع كبير القضاة الذي لقي المصير نفسه.
(٣) هذا النوع من أكثر الطرق شيوعاً، ومن أبرز صوره ما يمارس في الانتخابات الأمريكية.
(*) المتابع للسياسات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط بالذات سيجد أن هذا الأسلوب متبع بغزارة ومنفذٌ بجدارة.