يرى المتأمل في الأوضاع الحالية والمنعم النظر فيها أن هناك من أبناء هذه الأمة من يردد عن قصد أو عن جهل بعض المصطلحات التي يمكن أن نطلق عليها مسمى أدق وهو مصطلحات مقولية، أتت إلينا من الغرب محمولة على أجنحة الأخبار، أو على أثير القنوات الفضائية كما هي دونما تغيير، وكأنما هي مصطلحات مقدسة، ومن هذه المصطلحات الجديدة مصطلح «قبول الآخَر» أياً كان معتقده أو سلوكه أو أفعاله؛ في إطار من التسامح والبعد عن التعصب الذي أصبح من أهم الصفات التي تطلق على المسلمين في عصرنا الحاضر. ولكن المناداة بقبول الآخر لدى مطلقيها لا تعني عند كل ذي عقل إلا الاستسلام والتخلي عن ديننا وعقيدتنا، وحتى قيمنا وأعرافنا.
وللرد على هؤلاء الذين ينادون «بقبول الآخر» على علاته ننصح بأن يطلعوا على ما كتبه الصحفي الأمريكي (نيكولاس كريستوف) في صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ ١٧/٧/٢٠٠٤م حول موجة التعصب الشديدة ضد الغير التي تجتاح أمريكا حالياً؛ إذ يقول:(ظهرت آخر رواية في أمريكا «الظهور المجيد» يعود فيها المسيح إلى الأرض فيمسك بتلابيب غير النصارى، ويضعهم على يساره، ثم يلقي بهم في النار خالدين فيها أبداً. تقول الرواية إن المسيح سوف يرفع يده عدة بوصات فقط فتنشق الأرض، وتبتلع هؤلاء جميعاً في جهنم دفعة واحدة) .
هذه عينة لأفضل الروايات مبيعاً في الولايات المتحدة التي يقرؤها البالغون، وقد بيع منها ٦٠ مليون نسخة، ومثل هذه الروايات تمثل التطرف الديني الشديد الذي لا يقبل بالآخر، ويود أن يقضي عليه دفعة واحدة، وأن هذا التطرف أدى إلى حبس آلاف المسلمين في أمريكا وفي الخارج بعد ١١/٩/٢٠٠١م، حتى إن المواطنين الأمريكيين العاديين شاركوا في تعذيب السجناء في سجن أبو غريب؛ بسبب عدم وجود أية عاطفة تربطهم بهم، ويرجع ذلك إلى استحالة وجود هذه العاطفة، ونحن نصفهم بالكفار، ونتوقع من المسيح أن يقطع ألسنتهم، ويفقأ عيونهم الآن وليس غداً.
ü يقول الكاتب:
«إنني لا أريد أن أسخر من أي معتقد ديني لأية مجموعة؛ لأن ملايين الأمريكيين يعتقدون أن «الظهور المجيد» يصف ـ ما يزعمونه ـ إرادة الله، لكني أكتب في الأمور الدينية؛ باعتبار أن الدين له جوانب إيجابية، وقد امتدحت من قبل المساعدات التي تقدمها جماعات نصرانية في السودان في الوقت الذي لم يتقدم فيه أحد لوقف مذابح الإبادة الجماعية هناك، لكني أشعر أيضاً بالمسؤولية التي تجعلني أحتج على عدم التسامح داخل الولايات المتحدة.
يقرأ الكثير من النصارى الأمريكيين في الإنجيل ـ ما يعني ـ أن الأمريكان الذين هم من أصل أفريقي هم من سلالة حام ولد نوح ـ عليه السلام ـ قد حكم الله عليهم بالعبودية في القرن التاسع عشر، تقبَّل الكثير من الأمريكيين الفكرة على أنها إرادة الله. من حق الناس أن يؤمنوا بإله عنصري، أو إله يلقي بالملايين من غير النصارى في النار، واعتقد أنه لا ينبغي علينا أن نحظر الكتب التي تقول بذلك، لكن يجب علينا أن نشعر بالارتباك عندما نجد أن أكثر الكتب مبيعاً في الولايات المتحدة هي التي تحض على عدم التسامح الديني، وتؤيد العنف ضد غير النصارى، هذه ليست أمريكا التي ندافع عنها ولا أمريكا التي يرضى عنها الله» .
وتساءل الكاتب في مقاله عن موقف الأمريكان:«ماذا كان سيحصل لو أن كاتباً مسلماً كتب قصة على غرار «الظهور المجيد» في المملكة العربية السعودية يبيد فيها الله الملايين من غير المسلمين؟ ويضيف: إن الأمريكيين ربطوا بين الأصولية الإسلامية وعدم التسامح مع الغير» .
هذا ما شهد به شاهد منهم؛ فهل نظل نردد شعارات ومفاهيم هي مصطلحات مقولية تخدر المسلمين حتى يتخلوا عن أوجب واجباتهم، حتى تتم إبادتهم جميعاً استناداً إلى روايات أو معتقدات دينية خرافية؟ سؤال نأمل الإجابة عليه ممن يجيدون ترديد الشعارات!