قتل الشيخ عبد الله عزام ...
خطوة نحو أفغنة الجهاد الأفغاني
أحمد زيدان
فقد الجهاد الأفغاني يوم ٢٤/١١/١٩٨٩ أحد أشد مناصريه المسلمين وهو
الشيخ الدكتور عبد الله عزام الذي لقي ربه إثر انفجار لغم في مدينة بيشاور
الباكستانية وهو متجه مع اثنين من أولاده إلى مسجد (سبع الليل) الذي اعتاد الشيخ
رحمه الله أن يصلي فيه، وعند تقاطع الشارع الرئيسي مع الزقاق المتجه إلى
المسجد انفجرت عبوة ناسفة قدرها خبراء المتفجرات ب ٢٠ كلغ من مادة ال ت.
ن. ت شديدة الانفجار، الأمر الذي أدى لانشطار السيارة ثلاثة أقسام.
الشيخ عبد الله عزام أمير مكتب خدمات المجاهدين الذي يعتبر أكبر وكالة
إسلامية تدعم المجاهدين والمهاجرين الأفغان أسس خمسة مستشفيات في داخل
أفغانستان وعدداً من المستشفيات في باكستان لخدمة المهاجرين والمجروحين الذين
أخلوا من الجبهات إلى باكستان، كما أقام عدداً من المدارس داخل أفغانستان وفي
باكستان للمهاجرين.
الجهات المتورطة بالاغتيال:
لا شك أن هناك مؤامرة عالمية حاك خيوطها أطراف وجهات متعددة للقضاء
على أحد رموز هذا الجهاد. والذي أعتقده في هذا الحدث بأن هناك مخططين
وهناك منفذين، ويمكن أن نعد من الجهات المتورطة أو المستفيدة من الحدث:
١ - القوى الكبرى (أمريكا، وروسيا) .
٢ - نظام كابل وشيوعو باكستان.
٣ - دولة باكستان.
٤ - الشيعة.
سنحاول في هذا المقال أن نذكر الأدلة والقرائن على كل طرف من هذه
الأطراف.
١ - القوى الكبرى (روسيا - وأمريكا) :
يقول المتابعون لأحداث هذا الجهاد بأن سياسة الانفراج الدولي التي يتجه إليها
العملاقان تنافي السماح لأي تجمع إسلامي بالجهاد والإعداد له، ولا شك أن الشباب
العربي الذين تجمعوا حول الجهاد الأفغاني ليس شيئاً قليلاً، ونحن هنا لا نكشف
سراً-مما يقلق هذه الدول ويهدد مصالحها في مناطق نفوذها من العالم.
ومن العجيب أن تشهد باكستان زيارة نائب رئيس الاستخبارات الأمريكية قبل
أيام من عملية الاغتيال حيث إن مثل هذه الشخصيات قلما تزور باكستان وكان آخر
زيارة لمسئول استخباراتي أمريكي هو (وليم كاسي) رئيس الاستخبارات الأمريكية
أيام الرئيس ضياء الحق.
وقد حرص القنصل الأمريكي في بيشاور قبل شهر من الاغتيال الالتقاء
بالشيخ عبد الله رحمه الله إلا أن الأخير رفض اللقاء.
كما يدرك ويعرف من له أدنى اهتمام بالقضية الأفغانية أن الشباب العرب في
ساحة الجهاد وعلى رأسهم الشيخ عبد الله عزام يعتبرون عقبة كبيرة في وجه الحلول
التصفوية والسلمية المجحفة بحق المجاهدين الأفغان، إضافة إلى أن الشيخ عبد الله
لعب دوراً محورياً في التوفيق بين قادة الجهاد الأفغاني، أو على الأقل تقريب
وجهات النظر بين الأطراف المتعارضة، يقول الأستاذ برهان الدين رباني: (وقد
قضى الشيخ عبد الله ليلة الجمعة أي ليلة الاغتيال كل يومه في محاولة الاصلاح
بيني وبين حكمتيار حتى طرق علي الباب في الساعة الثانية عشرة ليلاً يطالبني
بالتوقيع على وثيقة الصلح ووقعت وقال لي: إن موعدنا في إسلام آباد غداً) وكان
الشيخ عبد الله رحمه الله سيغادر بيشاور إلى إسلام آباد بعد أدائه صلاة الجمعة في
مسجد العرب.
٢-نظام كابل وشيوعيو باكستان:
يستبعد المهتمون بالأحداث مقدرة نظام كابل على تنفيذ مثل هذه المحاولة حيث
إنه مشغول في كابل، ولا يستطيع تنفيذ مثل هذه المحاولة في وضح النهار في
شارع مزدحم من بيشاور، خاصة وأن ترتيبات العملية تحتاج لأربعة أيام على
الأقل.
وقد علق حكمتيار أمير الحزب الإسلامي على تورط نظام كابل بالعملية: (لا
يمكن لهذا النظام الذي يعاني الأمَرّين في داخل كابل أن يقدر على تنفيذ مثل هذا
المخطط) ويستبعد أيضاً أن يقدر الشيوعيون في باكستان تنفيذ مثل هذا المخطط،
إذ أنهم لم يسبق لهم أن فجروا أو قتلوا أو اغتالوا في مثل هذا المكان المكشوف أمام
الجميع. وأما المجاهدون الأفغان فيستبعدون تورط الشيوعيين في ذلك ويرجحون
جهات أخرى سيأتي الحديث عنها.
٣ - باكستان:
يتفق الأغلبية إن لم نقل الجميع على تورط باكستان في العملية إذ أنه لا يعقل
أن يعمل هذه العملية أشخاص وتستغرق منهم أربعة أيام كترتيب للاغتيال وفي
شارع مزدحم دون معرفة واطلاع المخابرات الباكستانية أو البوليس الباكستاني،
الذي اعتاد أن يجوب الشارع في كل اليوم. حتى أنهم بدءوا يضعون جنود على
فتحة الزقاق المتجه للمسجد بعد المحاولة الأولى وهي زرع متفجرة تزن ٢ كغ تحت
منبر الشيخ عبد الله وكانت مؤقتة أن تنفجر أثناء خطبة الشيخ ولكن الله سلم حيث
إنها ستقتل وتجرح كثيراً من المصلين العرب الذي اعتادوا أن يؤموا المسجد.
الشيخ قاضي حسين أحمد زعيم الجماعة الإسلامية في باكستان اتهم الحكومة
بالتورط في الاغتيال وهدد إذا لم تكشف الحكومة عن الجهة المنفذة فتقوم الجماعة
الإسلامية بتسيير المظاهرات، ولكن لم يحصل شيء من هذا حتى الآن.
٤-الشيعة:
الأكثرية من المراقبين يشيرون إلى تورط الشيعة في الاغتيال، ففي يوم
محاولة اغتيال الشيخ الأولى في مسجد سبع الليل قام الشيعة في بيشاور بتوزيع
بيانات وباللغة العربية الركيكة عن الوهابية وشتمها وأن هؤلاء العرب الذين قدموا
لمساندة الجهاد الأفغاني وهابيون.
أحد الشباب قال لي بأنه التقى مع الشيخ عبد الله رحمه الله قبل اغتياله بأيام
ونصحه باتخاذ احتياطات أمنية، فرد عليه الشيخ بأنه يتوقع أن يقوم الشيعة بمثل
هذه المحاولات.
ومنذ أربع سنين حدثني أحد الشباب العرب المساندين للجهاد الأفغاني بأنه
اعتقل في إيران لعلاقاته مع الأحزاب السنية هناك ودعمه لها فالتقى به رفسنجاني
رئيس الدولة حالياً وطلب منه إملاء وتعبئة ملف كامل عن نشاطات الشيخ عبد الله
عزام ودوره في الجهاد الأفغاني، لكن الأخ رفض وبقي في السجن فترة طويلة إلى
أن تدخل بعض قادة الجهاد وأفرجوا عنه.
الأستاذ نور الله عماد نائب أمير الجمعية الإسلامية قال في حفل تأبيني للشيخ
بأنه عندما كان في رحلة إلى دولة حدودية ليحضر مؤتمراً دولياً عن القضية
الأفغانية، كان المسئولون هناك مهتمين جداً بمعرفة أدق التفاصيل عن الشيخ
ويسألون عنه وعن نشاطاته فأدركت منذ ذلك الوقت بالمؤامرة، واتصلت بالإخوة
في باكستان ليحذروا الشيخ من ذلك، وينصحوه بأن يأخذ احتياطاته.
أحد مسئولي (الحزب الإسلامي - حكمتيار) ذكر من جملة الأطراف المتورطة
في اغتيال الشيخ الشيعة ودلل على ذلك بقوله: (إن الشيخ عبد الله في نشاطاته
بداخل أفغانستان ودعمه لتجمعات السنة أحبط محاولات الشيعة في استغلال الوضع
ورأوه عقبة كئود في تمرير مخططاتهم) .
الاغتيال حلقة في التخلص من مؤيدي الجهاد:
الجميع يتفق على أن الاغتيال ما هو إلا حلقة متصلة في القضاء على
مناصري هذا الجهاد من العالم الإسلامي، وقد بدأ المخطط منذ حادثة طائرة ضياء
الحق.
وقد لاحظنا في السنوات الأخيرة استهداف زعماء أهل السنة، وتحولت آلة
الاغتيال من تصفية القادة السياسيين إلى القضاء على علماء أهل السنة فهل يفكر
المعنيون بحماية لهم أو ترتيب إجراءات أمنية لهم.
ولا شك أن مستقبل الوجود العربي في القضية الأفغانية يكتنفه الكثير من
الغموض حيث أشار الأستاذ سياف إلى توقع سلسلة انفجارات واغتيالات للشباب
العربي لإجبارهم على الرحيل.
المهندس حكمتيار طالب العرب بالبقاء وألا يتركوا الأفغان في منتصف
الطريق. أما البروفيسور رباني فذهب بعيداً إلى دروس التاريخ خاصة في حوادث
المسلمين في آسيا الوسطى عندما حولوها قومية وحصروها وعندما صفي المسلمون
هناك لم يأبه لهم أحد أو يكترث بهم، وكذلك فقد تعرضت القضية الفلسطينية لأعظم
خطر عندما تحولت من إسلامية إلى قومية، وهانحن أيها الإخوة (يخاطب العرب
الحضور) في هذه اللحظات الحاسمة نقول لكم إن أرضنا أرضكم وأخوتنا ما تزال
وستستمر إن شاء الله ونحن كما قال تعالى: [إنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وأَنَا رَبُّكُمْ
فَاعْبُدُونِ] .
تفريغ الساحة من العرب لمصلحة مَنْ؟
الخيوط جميعها تشير إلى أن أطرافاً متعددة تنوي تفريغ الساحة من العرب
ونشير هنا إلى عدة أمور سترافق هذا التفريغ لو حدث - لا سمح الله-
١ - استفراد المنظمات الصليبية الطوعية والحكومية بإعمار أفغانستان
والتعامل مع المجاهدين الأفغان وبالتالي لا يستبعد أن يرضخ المجاهدون لبعض
سياسات هذه المنظمات، حيث إن المنظمات الإسلامية تلعب دوراً رائداً في الحفاظ
على إسلامية الأفغان بل والترقي بها ورفع مستواهم.
وإن حدث هذا - لا سمح الله - فسيواجه الأفغان أنفسهم وحدهم بالساحة،
ويشعرون بأن إخوانهم المسلمين تركوهم في منتصف الطريق ولا يستبعد قبولهم
بالحلول الجزئية والترقيعية، إضافة إلى أن الصليبيين سيكون لهم موطئ قدم في
هذه الديار، وكذلك فإن بعض الشباب العربي المضطهد في بلاده وجد باكستان ملاذاً
وملجأ له. وبهذا يبقون الشباب في حالة من التهجير والشتات.
٢ -إن تفريغ الساحة من العرب سيعمل على إضعاف هذا الجهاد، حيث إن
الشباب العرب كان لهم دور فعال في هذا الجهاد ومافتئت إذاعة كابل تشير إلى
خطر تواجد العرب في أفغانستان، وهذا يدركه كل من عايش القضية الأفغانية،
وبالتالي سيشعر الشعب الأفغاني بأنه وحيد في الساحة.
٣ -لقد خشي أعداء هذا الجهاد من وحدة المسلمين التي تجسدت في هذا
الجهاد واختلط الدم العربي والأفغاني، وشارك المسلمون من شتى الجنسيات في هذا
الجهاد، وهذا يعطل أكبر برنامج ومخطط تسير عليه الدول الكبرى في وحدة الأمة
الإسلامية، ولا يروق لها أن ترى المسلمين أمة واحدة، وقد أشار إلى هذا المفهوم
المهندس حكمتيار - حفظه الله-.
وأخيراً:
فهذه هي نتيجة من يسير على هذا الدرب، ونسأله سبحانه وتعالى أن يتغمد
الشيخ عبد الله عزام بواسع رحمته وأن ينزله منازل الشهداء والصالحين، كما نسأله
ألا يحرمنا أجره وألا يفتنا بعده وأن يغفر لنا وله ويصبر أهله وذويه وأصدقاءه
وأتباعه إنه قريب مجيب والحمد لله رب العالمين.