في كل موسم أمطار نسمع بين الفينة والأخرى أخبار الغرق الجماعي نتيجة محاولة إنقاذ غريق في مجرى مائي سريع، أو في تجمع للمياه الموحلة، وغالباً ما يكون السبب ليس جهل المنقذ بالسباحة، ولكنه طريقة تصرف الغريق الفطرية ـ عندما يكون في حالة الوعي ـ مع المنقذ مما يؤدي إلى غرق الجميع بعد محاولات يائسة من المنقذ المفترض للتخلص من تشبُّث الغريق. إنه مشهد متكرر في حياة البشر، ولكنه أيضاً يتكرر في حياة الأمم والشعوب، وكلما كانت الضحية أقوى كان إنقاذها أو التخلص منها أصعب. إنني في هذا المقام أوجِّه رسالة للأمة الإسلامية شعوباً ومنظمات وحكومات، أن لا تدخل في أي مشروع لإنقاذ الغرقى في المنطقة، ولا تسيطر علينا العواطف الإنسانية المجردة أو المصالح المتوهمة، فلنترك من سبح في المستنقع وليغرق وحده وليتشبث الغرقى ببعضهم.
إنها تمثل حالة الغريق الأصغر مع الغريق الأكبر، والمشكلة أن كل واحد منهما يحاول النجاة لوحده وإغراق الآخر، والذي يظهر لي أن حالة الاثنين ميؤوس منها، فأمريكا اضطرت لإجراء حوار علني متكافئ مع إيران لبحث موضوع واحد، هو الوضع أو الورطة في العراق، ولم تسمح إيران ببحث أي مواضيع جانبية؛ ويبدو من تصريحات السفير الإيراني ونقده لعدم جدية الاحتلال الأمريكي في تدريب وتسليح الجيش الرافضي في العراق، وعرضه القيام بهذه المهمة، ويبدو من تصريحات نجاد أن محادثات بغداد جاءت بعد طلبات أمريكية متكررة، وهذه تمثل مرحلة خروج أمريكي ودخول إيراني علني أو بصورة أخرى محاولة أمريكية للخروج من المستنقع على أكتاف الإيرانيين، مع الاستمرار في السياسة الهجومية والضربات الاستباقية، مع الاستفادة من تجارب العراق وأفغانستان وذلك بالعودة إلى الاعتماد شبه الكلي على الوكلاء، وهذا يبدو واضحاً للعيان من أحداث لبنان الحالية وتدفق المساعدات العسكرية الأمريكية غير البشرية وبروز دور الحلفاء المحليين، وهذا تطور خطير؛ لأن الصراع المستقبلي سيكون أمريكيَّ التوجيه ولكنه إقليمي التنفيذ، يجتمع فيه استهتار أمريكي بخسائر الآخرين مع تخبط وأزمة قيادية تعاني منها الإدارة الأمريكية.
حتى إن القائد السابق للقوات الأمريكية في العراق الجنرال (ريكاردو سانشيز) علّق بعد تقاعده من الجيش أنه: (يجب على الولايات المتحدة في يوم من الأيام أن تسأل نفسها ما هو الانتصار، وفي الوقت الراهن لست متأكداً من أن الولايات المتحدة تدرك فعلاً ما هو الانتصار) .
وأضاف: إنه (مقتنع تماماً بأن لدى الولايات المتحدة حالياً أزمة قيادة) . وهذا واضح؛ لأن المسؤولين ينتقدون السياسة التي كانوا يقومون بتنفيذها مباشرة بعد خروجهم أو إخراجهم من مناصبهم، وهذا يدل على غلبة المصالح الذاتية لدى الطبقة العليا؛ بدءاً من وزير الخارجية إلى مدير المخابرات المركزية، وهذا مؤشر على خطورة المراهنة على ثبات السياسة الأمريكية حتى على المدى القصير، ولذا فإنَّ كل من يقترب من هذا الغريق فلا يلومنَّ إلا نفسه، والعاقل من اتعظ بغيره.
ولا يفوتنا أن ننوه هنا أن هناك بوادر عودة للحرب الباردة بعد تصريحات الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) قبيل مشاركته في قمة مجموعة الثمانية في ألمانيا، وذلك بتوجيه تحذير قوي إلى الولايات المتحدة، مهدداً بأن الجيش الروسي سيردُّ على خطة نشر منظومة الصواريخ الدفاعية الأمريكية بالقرب من حدود بلاده، بتوجيه صواريخه على القواعد الأمريكية في أوروبا، ولذا فعلى الراغبين في الانعتاق والنجاة عدم الاقتراب من الغرقى.
(*) أستاذ مساعد في كلية الهندسة، جامعة الملك سعود، الرياض.