(٢) لن نتطرق في هذا المقال إلى الحديث عن اختيار أصحاب القدرات القيادية وتنميتهم، أو ما يعرف بـ (فن صناعة القائد) ، فذلك مجال آخر يستحق إفراده بالكتابة، وعسى أن يكفينا بعض أهل التخصص والخبرة عن الخوض فيه. (٣) أشار إلى هذا المعنى أيضاً ابن خلدون في مقدمته، انظر المقدمة، ج ١، ص ١٥٠، ط المكتبة التجارية. (٤) البداية والنهاية، لابن كثير، ج٧، ص ٣٣٨. (٥) قد يرد على هذه الأمثلة حالات أخرى يتوهم معارضتها لما تدل عليه الأمثلة المذكورة، كما في التغيير الذي حدث بتأثير قادة عظام مثل عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه -، أو صلاح الدين الأيوبي، ولكن عند التأمل نجد أن مثل هذه النماذج تؤيد ما تشير إليه الأمثلة المذكورة عالياً ولا تعارضها، وذلك من حيث عودة الأحوال إلى سابق عهدها - أو أشد - من المظالم والتفلت أو التشرذم والتناحر بمجرد موت هذا القائد النموذج أو غيابه أو انحرافه، وتدبير هذا الأمر (بالاغتيال أو المؤامرات أو الإغراء) ليس بمستبعد من أصحاب المصلحة في ذلك كما حدث في موت عمر بن عبد العزيز مسموماً (انظر أخبار ذلك مسندةً في سير أعلام النبلاء، ٥/١٣٩ ١٤٠) والمقصود هنا أن وجود القائد الصالح لا يمثل وحده صمام أمان ضد انحراف الأمة، بعكس وعي أفراد الأمة أو مجملهم الذي يمثل صمام أمان ضد انحراف القائد أو غيابه. (٦) خبر ارتداد بعض المسلمين بعد الإسراء والمعراج جاء في أحاديث صحيحة، فمن ذلك ما أخرجه الحاكم في المستدرك (٣/٦٢ - ٦٣) وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ح/٣٠٦. (٧) هذا الملمح في سيرته صلى الله عليه وسلم هو ما دعا بعض المستشرقين للزعم بأنه صلى الله عليه وسلم أضاف إلى دعوته صفة العالمية بعدما وجد الفرصة مواتية، وكذبوا في هذا الزعم بالنص القرآني المكي المذكور، والصحيح: أن هذا السير في خطوات الدعوة والدولة هو ما تمليه طبيعة سنن التغيير والتمكين للدعوات. (٨) يقول أبو هلال العسكري: الفرق بين الجماعة والفئة: أن الجماعة هي الجماعة المتفرقة من غيرها ثم قيل لجمع كل من يمنع أحداً وينصره فئة، وقال أبو عبيدة: الفئة: الأعوان، (الفروق في اللغة) ص٢٧٣. (٩) أشار ابن خلدون إلى هذا المعنى، حيث يقول: «وهذا التغلب هو المُلك، وهو أمر زائد على الرئاسة؛ لأن الرئاسة إنما هي سؤدد وصاحبها متبوع وليس له عليهم قهر في أحكامه، وأما الملك فهو التغلب والحكم بالقهر» (المقدمة، ج ١، ص ١٤٨) ، وهذا بالضبط ما يطلق عليه القانونيون المحدثون: سلطة القهر، وهي عندهم من خصائص الدولة. (١٠) يلاحظ أن حقد رأس المنافقين عبد الله بن أبيّ بن سلول على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان أحد أسبابه أن هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة سلبت من ابن سلول المكانة والصلاحيات التي كانت تهيأ له باعتباره ملكاً على الأوس والخزرج. (١١) انظر: العواصم من القواصم، لابن العربي، تحقيق: محب الدين الخطيب، ص ١٢٩ - ١٣٤، وانظر تعليق الخطيب، ص ١٣٧. (١٢) الحديث أخرجه الإمام أحمد عن أبي أمامة الباهلي (٥/٢٥١) ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، ح/٥٧١. (١٣) رواه البيهقي في شعب الإيمان (ح/٧٣٩١) ، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير (ح/٤٢٧٥) ، وفي معناه قوله تعالى: [وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ] (الأنعام: ١٢٩) ، وانظر في إيضاح ذلك كلام محمد رشيد رضا في تفسير المنار (٨/١٠٢) ، وانظر أيضاً: كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى، ١٤/١٥٥. (١٤) أخرجه البخاري، ك/ الرقاق، ب: ما يحذر من زهرة الدنيا. (١٥) ترتيب هذه المراحل عن حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه - الذي رواه أحمد بن حنبل (٤/٢٧٣) وحسنه الألباني (سلسلة الأحاديث الصحيحة، ح/٥) ، وأوله: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون» . (١٦) غالى بعض العاملين في الحقل الإسلامي في هذا الاتجاه، فتصور أننا لا بد أن نعيد المرحلة المكية بكل ما فيها، ولا شك أن ذلك خطأ ظاهر، فهو بذلك يهدر أربعة عشر قرناً من عمر الأمة، كما أن الواقع المكي يختلف بلا شك عن واقع المحنة الذي تعيشه الأمة الآن ولكننا في الوقت نفسه نسجل ملحوظتين تجعلنا نهتم بالبحث في طبيعة هذه المرحلة وما تلاها: أولاهما: أن التشوهات العقدية والسلوكية التي أحدثتها على مدى السنين الفرق والمذاهب المنحرفة (القديمة والمعاصرة) في الأمة جعلت الدعوة إلى الإسلام النقي الشامل وكأنها دعوة جديدة؛ حيث لم يألف الناس العيش في ظل الإسلام ومن خلاله بلا دخن، فغربة الإسلام الصحيح قاسم مشترك بين المرحلتين الزمنيتين، وإن لم تكن بالدرجة نفسها ثانيهما: أن الدافع من وراء دراسة هذه المرحلة هو كشف طبيعة الحركة الصحيحة للدعوة عموماً، ثم بعد ذلك ينبغي أن نضع أنفسنا من هذه الحركة الصحيحة حسبما يقتضي الواقع، ومثل ذلك كقطار انطلق من نقطة ما، وبعد زمن أخذت مسيرته تتعثر إلى أن توقف، فمن قائل: إنه توقف لفساد قائده، وآخر يقول: لنفاد الوقود، وثالث: لعطب في أجزائه أو محركاته، ورابع: لثقل العربات التي يجرها ولكي يستأنف القطار مسيرته فلا بد أن يكون فريق الإصلاح على علم كامل بأسرار وقوانين وخصائص سير هذا القطار التي بها تمكن من الانطلاق أول مرة، ومن ثم يبحثون عن موطن الخلل الحقيقي ثم يعملون على تداركه وإصلاحه. (١٧) جزء من حديث أخرجه الطبراني في الكبير (٢٠/٩٠) والصغير (١/٢٦٤) ومسند الشاميين ١/٣٧٩ (ح/ ٦٥٨) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٥/٢٢٨ و٢٣٨) وذكر أن فيه انقطاعاً، وذكره أيضاً ابن حجر في المطالب العالية (ح/ ٤٣٤٨) ، وقال محققاه (٥/٩ ط الوطن) : «قال البوصيري (١٠/٥١٨ رقم ٨٥٢٥) : رواه إسحاق بن راهويه عن سويد بن عبد العزيز المديني، وهو ضعيف، ورواه أحمد بن منيع ورواته ثقات، ولفظهما واحد» . (١٨) في إلماحة ذكية أشار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - إلى أن مخالفة المشركين والكفار في الهدي الظاهر لا تكون إلا بعد ظهور الدين وعلوه، وأن هذا كان هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبان شيخ الإسلام - رحمه الله - أنه قد يعود الأمر في بعض الظروف ف «يستحب للرجل أو يجب عليه: أن يشاركهم أحياناً في هديهم الظاهر، إذا كان في ذلك مصلحة دينية: من دعوتهم إلى الدين، والاطلاع على باطن أمرهم» (اقتضاء الصراط المستقيم، ص١٧٦- ١٧٧، ت/ الفقي) ، وهذه الإلماحة في غاية الأهمية؛ لأن التميز بغير المبدأ الأهم في المراحل الدعوية الأولى سينشئ قضايا جانبيةً يدور حولها الاستقطاب أو الصراع بين الداعين والمدعوين، مما سيشوش على وضوح القيم والمبادئ الأساس التي يستهدفها الداعون، وهذا ما يساعد على الانحراف بمسار الدعوة إلى وجهة مخالفة لوجهتها الأصلية بأيدي الدعاة أنفسهم! . (١٩) لعل هذا كان أحد أهداف مشركي قريش من وراء حصار المسلمين في الشَّعب، ولكن هذا الهدف لم يتحقق لأسباب عديدة، من أهمها: بقاء الروابط الاجتماعية القوية بين المسلمين وقومهم رغم التمايز العقدي، ووجود بقية من الأخلاق الإنسانية الراقية عند بعض كفار قريش ذوي المكانة في قومهم. (٢٠) القصة بتمامها في: البخاري ومسلم. (٢١) انظر: العثمانيون في التاريخ والحضارة، د محمد حرب، والإسلاميون وتركيا العلمانية، هدى درويش.