الافتتاحية
رسالة مفتوحة إلى أسود الفداء في العراق
إنقاذ العالم الإسلامي مهمتكم.. هل تصدقون..؟!
بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى
آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
إخوتنا أرباب البطولة والفداء في أرض الرافدَيْن، نحمد إليكم الله الذي لا إله
إلا هو، ونبتهل إليه سبحانه أن يربط على قلوب المرابطين منكم، ويؤيد بجنده
جهود المجاهدين فيكم، فقد جرت المقادير بأن تصل سلسلة الأحداث المتتابعة على
أرض العراق التي تدافعون عنها الآن، إلى سقوط تلك الأرض تحت أقدام الغزاة
الظالمين، وقد ظن الغافلون أن تلك هي نهاية المطاف على ضفاف النهرَيْن
الخالدَيْن، إلا أن إرادة الله وشرعته تأبى للأباة المجاهدين منكم تلك الدنية في الدين،
فكان أن انطلقت على أرض الخلافة وعاصمتها في بغداد وما حولها، أعمال
التصدي والتحدي لذلك العدوان الغشوم؛ لا ليكفّ الله بها بأس الذين كفروا عن
العراق فحسب؛ ولكن ليصرف شرَّهم عن بقية المنطقة العربية والإسلامية، بل
وسائر العالم، هذا في حال استمرارها على وتيرتها من الصبر والمصابرة
والمجاهدة والمرابطة، نسأل الله أن يثبتكم على الطريق، ويهدينا وإياكم سواء
السبيل.
إننا عندما نقول إن مقاومتكم المشروعة، وجهادكم الواجب، من شأنه أن
يصرف كثيراً من السوء عن العالم كله، لا عن العراق فحسب لعقود طويلة قادمة؛
فإن هذا الكلام لا ينطوي على أي قدر من المبالغة، لعدد من الحقائق الكبيرة،
نوجزها فيما يلي:
أولاً: لقد بدا بما لا يدع مجالاً للشك أن احتلال العراق لم يكن مرتبطاً بحيازة
النظام السابق لأسلحة دمار شامل، ولا ناتجاً عن أحداث سبتمبر، ولا حتى بقدرة
العراق على تهديد جيرانه، وإنما ارتبط ذلك بالمشروع الإمبراطوري الأمريكي
بالهيمنة على العالم انطلاقاً من الشرق الأوسط، كما دلت على ذلك روح ومادة
المشروع الكبير المعلن الآن باسم (الإمبراطورية الأمريكية العالمية) ، والذي تقوم
على رسم خططه وتنفيذها قوى اليمين الإنجيلي النصراني في الولايات المتحدة
الأمريكية، تلك التي ينتمي إليها بوش وفريقه المغامر، وهو المشروع الذي
يتواكب مع مشروع آخر بأجندة أخرى تحت اسم (القرن الأمريكي الجديد) ،
والذي تقوم على تخطيطه وتنفيذه عصابة المتنفذين اليهود في الإدارة الأمريكية
والمعروفين إعلامياً بـ (المحافظين الجدد) .
إن هاتين القوتين المتحالفتين اليوم على خلفية مشروع السيطرة على العالم؛
قد التقت جهودهما وتوحدت أهدافهما نحو اتخاذ العراق أرضاً للانطلاق إلى هجمة
تسلطية، تبدأ بالحلقة الأضعف والأهم، وهي العالم الإسلامي الذي يريدون
إخضاعه كله لهيمنة استعمارية ودينية صريحة، تستمد طموحاتها من إمكانية النجاح
في المحطة الأولى (العراق) .
فاستمرار الاستقرار لهؤلاء على ربوع العراق؛ سوف يتيح لهم باباً مفتوحاً
نحو المزيد من خطوات الاختراق المتسارع لمقدَّرات الأمة وثوابتها، أما إذا
تعرقلت هذه المشروعات الخطيرة في بدايتها وفي محطتها الأولى على أيديكم؛ فإن
العالم كله سيكون مديناً لجهادكم بالانعتاق من الاجتياح الأمريكي اليهودي القادم.
ثانياً: تواترت في الآونة الأخيرة الأنباء عن عزم الولايات المتحدة الأمريكية
على إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط بعد توسيع مفهومها لتشمل (إيران،
وباكستان، وأفغانستان، وتركيا) ، تحت ما يُسمَّى بـ (الشرق الأوسط الكبير) ؛
بحيث يكون لدولة اليهود (إسرائيل) دور الشراكة الأساسية للولايات المتحدة في
تسيير سياساته اقتصادياً وعسكرياً وأمنياً، ومن المعلوم أن إعادة تشكيل منطقة
الشرق الأوسط بهذا التوجه؛ لن يتسنى إلا في أجواء مشابهة لما هو حادث الآن في
العراق وأفغانستان؛ حيث الاحتلال العسكري المباشر، أو في ليبيا، وسوريا،
وإيران، والسودان، وباكستان؛ حيث الابتزاز والتهديد والتصعيد، وفي كلتا
الحالتين فإن ترك قطار التآمر يسير، باسم (إصلاح) الشرق الأوسط الكبير، لن
يزيد المنطقة المستهدفة إلا فساداً على فساد، وتخلفاً إلى تخلف، ودكتاتورية فوق
الدكتاتوريات، وذلك لسبب بسيط، وهو أن هذه هي تجربة الاستعمار العسكري
والفكري خلال مئتي عام سابقة، وهي تجربته الماثلة الآن للعيان في العراق
وأفغانستان.
إن أبجديات مشروع (الشرق الأوسط الكبير) تدل على أن العراق سيكون
محطة التجارب العملية الأولية لهذا المشروع، بالاتفاق مع الإسرائيليين، والتنسيق
مع فريق المنافقين من العراقيين. وأنتم ... أنتم فقط، أيها المقاومون المجاهدون،
القادرون بعون الله وقوته؛ أن تدفعوا هذا الشر عن الشرق الأوسط «الكبير» أو
بالأحرى (الشرق الإسلامي الأسير) .
ثالثاً: مسلسل النهب المباشر لثروات ومقدَّرات المنطقة والعالم الإسلامي،
بلغ ذروته في العراق، حيث تآمرت ثلة من سماسرة السلاح، وتجار النفط
الدوليين من المسؤولين في الإدارة الأمريكية في عملية سطو مسلح بُيَّتَ بليل، على
هذا البلد الثري الغني بكل أنواع الثروة، فالدراسات تؤكد أن أرض العراق مستودع
لأكبر مخزون نفط في العالم، تلهث لاستغلاله دول الغرب وعلى رأسها الولايات
المتحدة، في وقت تشير فيه أغلب التقديرات إلى انخفاض القدرة الإنتاجية لمنطقة
بحر الشمال؛ بما يعني أن الثروات النفطية للعرب والمسلمين، وفي مقدمتها
الثروة العراقية المستولى عليها الآن بالكامل، ستكون الخيار الأمثل للاستنزاف
الموجه لصالح مزيد من الرفاه والترف والأشر والبطر لشعوب الغرب على حساب
الشعوب الإسلامية التي يُحرم أغلبها من حد الكفاية رغم تجاوز ثرواتها الفعلية حد
الغناية لو أُحسن استغلالها، فمنطقتنا العربية والإسلامية نصيبها من الإنتاج العالمي
سيصل عام ٢٠١٥م إلى حوالي ٤٦% مقارنة بـ (١٩%) عام ١٩٩٤م، ومعنى
هذا أن مستقبل الأجيال العربية والإسلامية - إذا امتنع وسطاء السطو - مرشح
للاستقرار والازدهار، فإذا أضفنا إلى ذلك أن العراق يشكِّل حلقة وصل بين شبكات
أنابيب النفط من منطقة الخليج إلى أوروبا عبر تركيا، ومن الأردن وسوريا عبر
البحر المتوسط، ومن دول الخليج عبر البحر الأحمر؛ لوجدنا أن استمرار احتلال
العراق سيمكِّن حلف الشيطان المتربع في ربوع العراق من الهيمنة على طرق
إمدادات النفط، ومخزونه العالمي، استخراجاً وصناعة وتسويقاً، إنها إذن عملية
سرقة دولية لثروات وكنوز شعوبنا العربية والإسلامية وليس العراق فحسب، ولهذا
نقول: أيها المجاهدون في العراق: دونكم أيدي هؤلاء السُرَّاق فاقطعوها، فقد
تجاوزت سرقاتهم النصاب، تحت سمع وبصر «الشرعية الدولية» ، لا بل
شريعة الغاب.
رابعاً: الأمريكيون الذين نصبوا خيامهم العسكرية في العراق، لا يستهدفون
دنيا الناس وثرواتهم فقط، بل يستهدفون دينهم وعقيدتهم وأخلاقهم وهويتهم، ولا
أدل على ذلك من إصرار «الرئيس الأمريكي» للعراق بول بريمر، على رفض
أن يكون الإسلام هو مصدر التشريع في العراق، بل يصر على أن الإسلام هو فقط
مجرد مصدر من مصادر التشريع إلى جانب المصادر العلمانية والنصرانية وربما
اليهودية، التي كان أحد الذين يدينون بها وهو المستشار القانوني اليهودي (نوح
فيلدمان) قد كلف بأن يضع أسسه وخطوطه العريضة.
ولا يقف الأمر عند استهداف الدين بالتبديل عن طريق التشريع، بل إنه
يستهدف عقائد المسلمين بالتنصير المباشر، الذي فتحت الولايات المتحدة مصاريع
العراق أمام أفواجه، فقد نشرت جريدة (الديلي تلجراف) البريطانية مؤخراً تقريراً
يشير إلى أن العراق أصبح مرتعاً للحملات التنصيرية، وأشارت إلى أن أعضاء
الجماعات (التبشيرية) في الولايات المتحدة بدؤوا حرباً تنصيرية ضارية تحت
عنوان: (إنقاذ النفوس في العراق) ، حيث أكد قادة تلك الجماعات أن احتلال
أمريكا للعراق أوجد فرصة تاريخية «لهداية النفوس» الحائرة من الشعب
العراقي، سواء كانوا من المسلمين، أو النصارى الشرقيين (الأرثوذكس) .
إن تلك الحملات التنصيرية تأتي كالمعتاد تحت ستار المعونات الإنسانية
والإغاثية، للشعب الذي ينهبون ثرواته ثم يمنُّون عليه بفتات الغذاء والدواء، ومن
المعلوم أن تلك الحملات التنصيرية يشرف عليها مجلس التنصير العالمي، الذي
يصول الآن ويجول في البلاد العربية والإسلامية في ظل المطاردة المتزايدة،
والتضييق المستمر على الأنشطة الخيرية الإسلامية.
يقول رئيس مجلس التنصير هذا (جون برادي) المسؤول عن التنصير في
الشرق الأوسط: إن أعضاء كنيسة المعمدانية البالغ عددهم ١٦ مليون نسمة قد
طلبت منهم الكنيسة قبل الحرب، أن يواصلوا الدعاء من أجل «فتح العراق» !
وقال (جون حنا) أحد المنصرين بعد زيارة قام بها لبغداد «المسؤولية كبيرة على
المبشرين الأمريكيين، فالأبواب كلها مفتوحة، وأساليب التبشير متاحة، والدعم
العسكري موجود لإنقاذ العراقيين من القيم المعادية للمسيح والمسيحيين» .
ماذا يبقى بعد استهداف أصل التوحيد في العراق؟! وهل يظن أن يظل
العراق فقط هو الساحة المستباحة للمنصرين؟! .. إن الجواب محزن؛ لأن كل بلد
سيحل فيه الأمريكيون عسكرياً أو ثقافياً؛ ستنطلق فيه تلك الأعمال العدائية من
التكفير باسم التبشير، وهذا يضاعف من مسؤولياتكم يا من تحوطون الذمار
وتحمون الديار.
خامساً: مصيبة أخرى يريد المحتلون للعراق أن يوظفوا الاحتلال لتحقيقها،
وهي التأمين النهائي لكيان الإرهاب والاغتصاب (إسرائيل) ، فالعراق الذي
استُهدف كشعب قبل أن يُستهدف كنظام؛ كان يمثل آخر معقل محتمل لمواجهة
المشروع الصهيوني، ولهذا فإن قيادته السابقة جرى إشغالها واستغفالها في
صراعات جانبية ريثما يحين الوقت لقفل أبواب الجبهة الشرقية بإقصاء العراق،
بعدما أغلقت الجبهة الغربية بإغراء مصر، وبذلك أمَّنوا اليهود من الخارج،
ومكَّنوهم من الداخل، حيث انفردت عصابة الشر الشاروني بشعب فلسطين الأعزل
الذي مثَّل احتلال العراق بالنسبة له نكبة ثانية، لا تقل خطراً عن النكبة الأولى عام
١٩٤٨م؛ لأن احتلال العراق له ما بعده في الحسابات الإسرائيلية، حيث يجري
التآمر على قدم وساق.. بل أقدام وسوق، لإسدال الستار على حفل (الحل النهائي)
لقضية فلسطين، أو ما تبقى من قضية فلسطين؛ بابتلاع القدس، واقتلاع
الأقصى، والسطو على المياه، والتحكم في الحدود، وإلغاء أي حل لقضية الأربعة
ملايين من اللاجئين، لا بل إلحاق آخرين بهم إلى بلدان مجاورة، من ضمنها
العراق! في سياق عمليات التهجير والترانسفير.
لكن عامل أمل جديد يمكن أن يلوح للفسطينيين من أراضيكم، أيها المجاهدون
في العراق، وذلك بأن تفشلوا مخطط الحلف الأمريكي الإسرائيلي على أرضكم،
فبانكسار هيبة أمريكا على أرض العراق؛ ستنكسر إرادة اليهود على أرض فلسطين،
وسيختل توازنهم، وتختلف أوراقهم؛ لأن الكثير من حسابات اليهود المستقبلية
مبنية على استقرار الاحتلال في العراق، وعلى وأد روح الجهاد في فلسطين بقتلها
في الشعوب المجاورة، لكن متى رأت الطائفة المقاتلة على الحق في فلسطين إخواناً
لها يقاتلون على الحق في العراق؛ فإن ذلك جدير بأن يحيي الأمل في الشعبين، بل
في الشعوب الإسلامية كلها، التي تُستهدف كلها بتلك الحرب العالمية الصليبية
اليهودية ضد العالم الإسلامي، ولكل هذا نقول ونقصد ما نقول: إن مهمة
المجاهدين في العراق، لا إنقاذ العراق فحسب، بل إنقاذ العالم الإسلامي كله، فهل
تُصَدِّقون؟