نص شعري
[يا من غادر السفينة!]
صالح علي العمري
كان بالأمس على الشط ينتشل الغرقى فكيف أصبح اليوم بينهم يصارع الأمواج؟!
رضيتَ بالدونِ؟! أم أسلمتَ للنكدِ؟! أمْ السراب ابتلى عينيك بالرَّمدِ؟!
أم هل بلغتَ المُنى.. والشمسُ ما وقفت والعمرُ متصلٌ والدرب في مددِ؟!
أم هزّك البغيُ، والأيامُ دائرةٌ والحق يعلو على الأعداد والعُددِ؟ !
لا تحسبنَّ الهوى ينجيك من كبدٍ فإنما خلق الإنسان في كبدِ! !
وجنة الخلد تُنسي كلَّ مسغبةٍ أنعم بذاك النعيم الناضر الأبدي
هل بات يُلْهيك ما يُلْهيك من مُتعٍ؟! فاذكر بربك ما تلقاه بعد غد
أم هل تغشاك قطاع الطريق ضحىً وحبلهم يا أخي في الله من مسد
أم هل غُررتَ بكُثْر الساقطين هنا فالحق لا يُبتغى من كَثْرة العدد
دنيا تربَّتْ على التنغيص فالتصقت بطبها.. كالتصاق الروح بالجسد
محبوبة قُوتُها وجدان عاشقها أعوذ بالله من نفَّاثة العقد
تزينتْ لاصطياد القوم وابتسمتْ والسمُّ في ثغرها فوق اللهاة ندي
يا أنت: أين المنى اللاتي شمختَ بها فأعظم الغبن إزهاق المنى بيدي
غشاوة الدرب في عينيك شاهدةٌ أن السقام اجتوى جنبيك من أمد
والنفس كالموج تستهوي الرياح به والذئب يغريه قاصي البهم بالرصد
والفقر بعد الغنى ذلٌ ومسكنةٌ والغيُّ بعد الهُدى عارٌ إلى الأبد
وكلُّ نفسٍ أُهينت بعد عزَّتِها فليتها قبلُ لم تُعْزَزْ ولم تَسُدِ
قد كان لي فيك آياتٌ وموعظةٌ تزفُّ وبل الرضا بَرْداً على كبدي
قد كنت عند حدود الله ذا وجلٍ فما لك اليوم لا تلوي على أحد؟!
أين التلاوةُ والعبْرات مسبلةٌ؟! أين الأحاديث ذات المتن والسند؟!
أين العلومُ التي أسدتك رونقها؟! وذقت ما ذقتهُ من عيشها الرَّغِدِ؟!
ما لي أراك حسير الطرف منهزماً وكنت بالأمس ترياقاً لكل صدي!!
ماذا أسّطِّرُ والآياتُ بيِّنةٌ وأنت تعلمُ ما يلتاع في خلدي
لكن تناجيك أشجاني، ومعذرتي أني محبٌ رماه الحُزْن بالفَنَدِ
إن لم يكن في الفؤاد الحرّ من قبسٍ فليس يجديك ما أعددتُ من عُدد..
فخشية الله أطواق النجاة، وما يُغْني النفوسَ بهاءُ المال والولد
لمَّا سقطت أمامي.. وانجلى بصري عزّيت نفسي وثار الخوف في أودي
واحلولكت كلمات البشر في شفتي وأظلم الكون في عيني على عَمَدِ
ومهجتي وترت.. فالنفس بائسةٌ كأنها قبل لم تَبْسم ولم تزِدِ..
أأنت من يشتري الدنيا بباقيةٍ ويصطفي الزيف والبهتان بالرشد
قد كنتَ بالأمس في درب التقى علماً فلا تك اليوم تمثالاً لكل ردي..
عُرى العقيدة جلّت عن مساومةٍ ما قيمتي في الملا من غير معتقدي؟!
قد كنت أبقيك للخطب الجليل فمن لغيهب الغمِّ والبأساء والكمد؟!
إبليس يغرينِ والأهواء عارمةٌ إني أعوذ بوجه الواحد الصمد
يا مالك الملك! يا من عزّ عابده كما رفعت زواياها بلا عمد..
ثبت فؤادي وكفّر كل معصيةٍ ما لي سوى ملجئي بالواحد الأحد
يا صفو نفسٍ: دروب الشك شائكةٌ بلا رَكوبٍ ولا زادٍ ولا مددِ
إن اللآلئ تبقى وهي غاليةٌ وإنما تعصف الأمواج بالزبد!!