المسلمون والعالم
[مشاهد سياسية في خريف القلق]
عبد العزيز كامل
تتزاحم الأحداث، وتتوالى التطورات بما يجعل المراقب للشأن الإسلامي في
حيرة من أمره.. فأي قضية يتابع، وعن أي موضوع يتحدث إذا أراد للحديث أن
يكون جديداً ومفيداً؟!
الحقيقة أن مراوغة الأحداث للأحاديث تجعل المرء يردد كلما أراد أن يكتب
قول الشاعر:
تكاثرت الظباء على خِراش ... فما يدري خِراش ما يصيد
ولهذا السبب؛ فعلى (خراش) أن يطارد سمان الأخبار وكبارها؛ تاركاً
صغارها حتى تكبر أو تتوارى عن الأنظار، وهنا لا بد من متابعة أو ملاحقة
للأحداث الساخنة والساكنة على حد سواء؛ فقد يبرد الساخن بالموت، وقد يتحرك
الساكن بالزلازل، ونحن في حاجة إلى استشراف مخبوءات الأيام حتى لا تفجأنا
بمعطيات جديدة قد لا نكون مستعدين لها، ولو من الناحية النفسية والمعنوية:
* العراق: بدأ الاحتلال
- بمجرد وصول لجنة الأمم المتحدة للتفتيش عن أسلحة الدمار الشامل، مع
وفد الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى بغداد؛ يكون العراق قد وقع تحت الاحتلال،
وسلبت منه السيادة والاستقلال؛ فقد نجحت ولايات الشر الأمريكية في جر العالم
الحر وغير الحر إلى إصدار أكبر مهزلة من الظلم الدولي الذي اتفقت عليه الدول
(بالإجماع) !!
قرار مجلس الأمن ١٤٤١ يخير العراق بين استباحة أرضه وانتهاك استقلاله
سلماً أو حرباً، فالعراقيون مخيرون بين أن ينتحروا بأيديهم، أو ينحروا أنفسهم
بأيدي أعدائهم؛ في مشهد أقرب ما يمثل له أن يُلجأ إنسان إلى حافة هاوية سحيقة،
ثم يخيره من ألجؤوه بين أحد الأمرين قائلين: إما أن تلقي بنفسك أو نلقي بك
نحن..؟! هذا هو تماماً ما يؤول إليه أمر قرار العار الذي حظي بالإجماع!
القيادة في العراق عُزلت حكماً عن السلطة بمجرد قبولها لهذا القرار، والذي
ما كان بوسعها أو في مستطاعها أن ترفضه، فالحكومة العراقية فقدت السلطة
بالفعل؛ لأن (سلطات الاحتلال) الجديدة؛ ممثلة في لجنتي التفتيش والطاقة الذرية
قد أُعطيت كل السلطات السيادية، فيما نزعت تلك السلطات من الحكومة العراقية؛
بموجب المادة الخامسة من قرار (الفرصة الأخيرة) الصادر في (٣/٩/١٤٢٣هـ)
الموافق (٨/١١/٢٠٠٢م) ، لقد وفر مجلس الأمن للجنة الأمم المتحدة للمراقبة
والتحقق والتفتيش، والوكالة الدولية للطاقة الذرية إمكانية الوصول «على الفور»
و «دون عقبات أو شروط أو قيود» إلى جميع المناطق والمنشآت والمباني
والمعدات والسجلات، وسمح القرار لأفراد اللجنتين «دون قيود أو معوقات» بأن
يقابلوا على انفراد جميع المسؤولين، وغيرهم من الأشخاص الذين يريدون مقابلتهم
في المكان والزمان الذي يختارونه؛ داخل العراق أو خارجه، وأعطى القرار فريق
الجواسيس صلاحية إصدار القرارات بتسفير أي شخص مرغوب في مقابلته أو
التحقيق معه هو وأسرته إلى خارج العراق؛ دون حضور مندوبين أو مراقبين من
الحكومة العراقية، ويلزم القرار لجنة الأمم المتحدة ووكالة الطاقة بإنهاء مهمتها
خلال مدة لا تتجاوز ٤٥ يوماً من تبني القرار، وإبلاغ المجلس بنتائج عمله خلال
ستين يوماً.
أعطى قرار مجلس الأمن المجمع عليه سلطات الاحتلال الجديدة تسعة
«حقوق» ، أو تسع آليات لممارسة سلطتها المطلقة لأداء مهامها الجاسوسية؛
تتلخص فيما يلي:
١ - تقوم باختيار الأفراد العاملين في فرقها من أكثر الخبراء كفاءة وتأهيلاً؛
دون أن يحق للعراقيين المشاركة في اختيار جنسيات المفتشين.
٢ - يحق لكل موظفيها التمتع بالحصانة والامتيازات الممنوحة للأمم المتحدة
في المعاهدات والاتفاقات الدولية.
٣ - يحق لأفراد اللجنتين الدخول إلى العراق والخروج منه، والتنقل فيه
بحرية تامة بين مواقع التفتيش، مع حقهم في تفتيش أي مبنى؛ بما في ذلك المواقع
الرئاسية.
٤ - من حق اللجنة والوكالة أن تطالبا الحكومة العراقية بأسماء جميع الأفراد
المرتبطين سابقاً أو لاحقاً ببرامج العراق الخاصة بالأسلحة الكيماوية والبيولوجية
والنووية، وكذلك من لهم صلة ببرامج إنتاج الصواريخ ذاتية الدفع، ومنشآت
البحوث والتطوير المتصلة بهذه البرامج.
٥ - يضمن العراق سلامة منشآت اللجنة والوكالة؛ عن طريق السماح بقوات
أمنية تابعة للأمم المتحدة للقيام بتلك المهمة.
٦ - تمتلك اللجنة والوكالة الحق في إعلان أي موقع مشتبه به منطقة
محظورة؛ بما في ذلك الطرق المؤدية إليه، والسماء التي فوقه؛ لضمان عدم تغيير
أي شيء أو نقله من الموقع الذي يجري تفتيشه.
٧ - من حق اللجنة والوكالة استخدام الطائرات ذات الأجنحة الثابتة
والمتحركة؛ بما في ذلك طائرات الاستطلاع التي تعمل بطيار أو بدون طيار، مع
حق طياريها في الهبوط في أي مطار من مطارات العراق.
٨ - من حق اللجنة والوكالة إتلاف أو إزالة أو تدمير أو مصادرة ما ترى
أهميته من الأسلحة والأنظمة والسجلات المتعلقة بها.
٩ - للجنة والوكالة الحق في الاستيراد أو التصدير أو الاستعمال لأي معدات
أو مواد تلزم لعمليات التفتيش؛ دون أن يكون للسلطات العراقية حق تفتيش أي من
موظفيها أو النظر في أمتعته الشخصية أو الرسمية!
إن هذه الصلاحيات التي منحتها الشرعية الدولية الأمريكية الجائرة سلطات
الاحتلال (المدنية) ؛ ستوطئ حتماً لسلطات الاحتلال (العسكرية) القادمة؛ حيث
ستزرع أرض العراق كلها بعشرات إن لم يكن مئات الأفخاخ، والتي سيعد سقوط
الحكومة العراقية في واحد منها ذريعة كافية لفريق بوش المسعور لبدء الحرب التي
يتلهف إليها للتنكيل بشعب العراق؛ بعد إذلال كرامته في شخص قيادته، كما يفعل
شارون في فلسطين.
لا نملك إلا أن نقول: لك الله يا شعب العراق!
* فلسطين: الغضبة الكبرى ... أم الكذبة الكبرى؟
- منذ أن أعلنت دولة اليهود من جانب واحد القدس بشطريها عاصمة أبدية
موحدة لدولة (إسرائيل) ترددت دول العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية
في نقل سفارتها إلى القدس، وكان السبب المعلن دائماً هو الخوف من «غضبة»
العالمين العربي والإسلامي، بل إن الكونجرس الأمريكي الذي أصدر قراراً في عام
١٩٩٥م يلزم الرئيس الأمريكي بنقل السفارة إلى القدس؛ ربط تنفيذ هذا الإجراء
بعدم التعارض مع مقتضيات «الأمن القومي الأمريكي» ؛ وهو ما يعني أن أمن
الأمريكيين القومي قد يتهدد من تلك الغضبة المتوقعة إذا ما أقدمت أمريكا على نقل
سفارتها للقدس.
وبالفعل؛ فإن ذلك القرار الملزم قد أجَّله الرئيس بيل كلينتون مرتين، وأجله
بوش مرة ثالثة في بداية رئاسته، ولكن الظاهر أن المحظور قد زال بأعين
الأمريكيين في المرة الرابعة؛ عندما أقدم الكونجرس الأمريكي على إصدار قرار
في ٢٨/٨/٢٠٠٢م يلزم الإدارة الأمريكية بتنفيذ القرار السابق عام ١٩٩٥م، ويبدو
أيضاً أن الرئيس الأمريكي قد تبدد خوفه من تلك (الغضبة) عندما صادق على ذلك
القرار في اليوم التالي لإصداره!
القرار وتصديقه مرَّ بالفعل دون رد فعل يذكر من جماهير العالمين العربي
والإسلامي، اللهم إلا من بعض مظاهرات عتم عليها داخل فلسطين؛ فما الذي
جرى؟! هل هانت القدس على المسلمين شعوباً وحكومات حتى مرَّروا تهويدها
دون تهديد أو تنديد، أو حتى مظاهرة كتلك التي نراها في أزمات الخبز أو مباريات
الكرة؟!
لقد قرر الكونجرس الأمريكي اعتبار القدس عاصمة لدولة اليهود؛ متجاوزاً
مهمة أمريكا في «رعاية» عملية السلام المغدورة، ومتجاوزاً ما كان مقرراً من
قبل بتأجيل البت في مصير القدس حتى تتم مفاوضات (الحل النهائي) ، ومتجاوزاً
ومستغلاً انشغال أو إشغال أصحاب الشأن من العرب والمسلمين والفلسطينيين،
وقرر الكونجرس في الوقت نفسه منع تحويل الأموال المخصصة للقنصلية
الأمريكية في القدس إلا إذا خضعت لمسؤولية السفير الأمريكي الذي سيأتي إلى
القدس؛ حيث جاء ذلك القرار ضمن المصادقة على الميزانية الخارجية للولايات
المتحدة. القرار خطير، بل إنه في رأيي أخطر من احتلال القدس نفسها؛ لأن
الاحتلال يمكن أن يزول في ظل معارضة العالم للاعتراف به، أما إذا جرَّت أمريكا
العالم وهذا هو المتوقع لمسايرتها في الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة اليهود؛ فإن
هذا سيضفي على ذلك الوضع المشين صفة المشروعية الدولية، وعندها ... لن
تنفع احتجاجات منظمة المؤتمر الإسلامي، ولا صرخات لجنة القدس، ولا
اعتراضات الجامعة العربية، ولن ينفع أيضاً ذلك القرار «المضاد» الذي أصدره
الرئيس ياسر عرفات باعتبار القدس عاصمة للدولة الفلسطينية رداً على قرار
الكونجرس.
تُرى.. من المسؤول عن تفريغ كوامن الغضب من صدور العالمين العربي
والإسلامي؛ حتى يمرر هذا القرار الخطير دون وقوع «الغضبة الكبرى» التي
كان الأعداء يخشونها؟! لنبحث لهذا السؤال عن إجابة سريعة قبل أن تحل المصيبة
التالية.. قبل أن يهدم الأقصى؛ فلا يجد من يغضب له أو يتحرك من أجله.
* أمريكا: الكونجرس الأمريكي ... و «أصحاب الفيل» [١] إلى أين؟!
- أظهرت انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي عن فوز ساحق
للحزب الجمهوري ذي الاتجاه اليميني، فقد تمكن ذلك الحزب من الاستحواذ على
غالبية مقاعد الكونجرس بشقيه: النواب والشيوخ، بينما انزوى الحزب الديمقراطي
إلى الزوايا الخلفية؛ فماذا يعني ذلك؟ إنه يعني أولاً وقوع الولايات المتحدة تحت
الحكم شبه المطلق للاتجاه اليميني المتطرف ذي النزعة الاستعلائية الساعية للهيمنة،
وهو يعني من جهة ثانية الإخلال بالتوازن التقليدي في الداخل الأمريكي الذي كان
يميز الحياة السياسية في أمريكا خلال الخمسين سنة الأخيرة؛ حيث هُمش الحزب
الديمقراطي لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة إلى الحد الأدنى. وصعود
الجمهوريين اليمينيين يعني من جهة ثالثة انفتاح الطريق أمام جورج بوش الابن؛
لكي يكمل ما بدأه بوش الأب على طريق فرض السيطرة على العالم.
كان جورج بوش (الأب) قد أعلن بعد انتهاء حرب الخليج الثانية، عن
توجه الولايات المتحدة الأمريكية نحو إنشاء (نظام عالمي جديد) ، وهو مشروع قد
تبناه الحزب الجمهوري بزعامته، ولكن عدم فوزه بفترة رئاسية ثانية جعل بريق
هذا المشروع يخف ثم يخفت ثم يختفي؛ لتظهر بدلاً من ذلك الدعاية إلى مشروع
(العولمة) في فترتي حكم الحزب الديمقراطي بزعامة بيل كلينتون، وجوهر
«العولمة» و «النظام العالمي» واحد، وهو تكريس الهيمنة الأمريكية على
العالم، إلا أن العولمة كانت تغلب عليها السمة الاقتصادية والثقافية، بينما تغلب
على مشروع النظام العالمي الجديد السمة السياسية والعسكرية، والفارق في الشبه
بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في طريقة فرض الهيمنة على العالم؛ تشبه
الفارق بين حزبي الليكود والعمل في دولة اليهود في فرض السيطرة على
العرب.
والعجيب أن حزب (أصحاب الفيل) ينوي التحرك نحو السيطرة على العالم
انطلاقاً من أرض العرب، ويستعمل اليهود أداة في ذلك؛ فهل تهلك جيوش
«أبرهة» العصر على تلك الأرض كما هلكت جيوش أبرهة الأول؟! اللهم
اجعل كيدهم في تضليل، وأرسل عليهم طيراً أبابيل.
* اليمن: نعم ... الحكمة يمانية!
- اعتبرت الحكومة الأمريكية على لسان مسؤول بارز فيها أن الضربة التي
وجهتها طائرة تابعة للاستخبارات الأمريكية على سيارة تقل ستة ممن (يشتبه) في
انتمائهم لتنظيم القاعدة؛ عملاً (قانونياً) و (ضرورياً) .
وقال منسق عمليات مكافحة «الإرهاب» بالخارجية الأمريكية (فرانيس
تايلور) في تصريح له في ٩/١١/٢٠٠٢م أن الولايات المتحدة سوف تستخدم أي
شيء «ضروري وقانوني» لمهاجمة أي تهديد «إرهابي» !!
إذن؛ الشيء يصبح قانونياً لمجرد أنه لصالح أمريكا، وغير قانوني لمجرد
أن يكون ضد مصالح أمريكا (!!) .
«والمشتبه به» يسقط حقه في المساءلة والمحاكمة، فيحكم عليه بالإعدام
رمياً بالصواريخ، وينفذ الحكم في الطرقات العامة إذا كان القاضي أمريكياً أو
القضية أمريكية!!
الطائرة التي انتهكت أجواء بلاد اليمن المستقلة كانت بلا طيار؛ لضمان هدر
دماء القتلى، وحفظ دماء القتلة، والاختراق الأخرق لم يجئ ارتجالاً أو اجتهاداً من
أحد مهاويس المخابرات الأمريكية، إنما جاء بحسب ما نشرته النيويورك تايمز في
٨/١١/٢٠٠٢م وفق سياسة جديدة اختطها بوش للعمليات الخارجية؛ عندما أعطى
وكالة المخابرات المركزية (A.I.C) سلطات موسعة لتخطيط وتنفيذ ما تراه
من عمليات في أي مكان من العالم!
العمليات إذن قابلة للتكرار في أماكن أخرى، لتوصل للعالم رسالة مفادها: ألاَّ
أحد في مأمن من ذراع الطيران الأمريكي الطويلة، وأن حدود الدول، وحرمة
سمائها وأرضها وبحارها؛ لا قيمة لها عندما يتعلق الأمر بمخططات أمريكا، إنها
مرحلة جديدة بكل المقاييس، وخطيرة بكل المعاني، وهي ليست خاصة باليمن فقط،
ولا أدل على ذلك مما نشرته صحيفة نيويورك تايمز في (٢٠/٩/٢٠٠٢م) من
أن الولايات المتحدة قد أرسلت في الشهر الماضي واحدة من أكثر السفن المتقدمة
تكنولوجياً إلى منطقة القرن الإفريقي؛ لتقوم بحسب ما أعلن عسكريون أمريكيون
بمهام مكافحة من تطلق عليهم الولايات المتحدة وصف الإرهابيين في كل من
الصومال والسودان وإرتيريا واليمن، بل إن المصادر نفسها صرحت بأن
السفينة التي تضم ١٥٠ من مشاة البحرية الأمريكية؛ يمكن أن تستخدم قاعدة
انطلاق لعمليات مشابهة لتلك التي حصلت في اليمن!
إن هذا التطور يحتاج إلى قدر عالٍ من الحكمة في التعامل، ولا نظن أن
الإسلاميين في اليمن وغيرها من البلدان المستهدفة سيفتقدون إلى تلك (الحكمة) في
التعامل مع مثل ذلك المُستجد الجسيم الذي دشنت به أمريكا مرحلة من الفوضى
الدولية عن طريق العولمة العسكرية! انتبهوا أيها الإسلاميون، ولا تفقدوا صوابكم،
فأعداؤكم أصابهم الجنون!
* أمريكا أيضاً: الازدهار أو الاستعمار أو الانتحار
- بالرغم من أن الانتخابات التي جاءت بجورج بوش الابن عام ٢٠٠١م
كانت (قيصرية) ولم تكن طبيعية؛ إلا أنه وبعد التربع على كرسي الرئاسة ظن
أن الطريق قد أصبح ممهداً لكي ينفذ برنامج من جاؤوا به كاملاً دون معوقات؛
معتمداً على متانة الاقتصاد الأمريكي المحصن من الأزمات، والذي يستند في
ازدهاره إلى الاستقرار الذي تتمتع به الولايات المتحدة المحاطة بالمحيطات من كل
جانب، إلا أن ذلك الاستقرار قد سقط مع سقوط برجي التجارة، ولا يعلم أحد من
الناس: هل سيعاد بناؤه معهما، أم سيظل الاستقرار والازدهار معهما من الذكريات
الماضية؟
مشكلة أمريكا مع الاستقرار (سر الازدهار) أصبحت مزمنة؛ بسبب كفر
تلك القرية بأنعم الله، وتسلطها على عباد الله، فلا تزال التقارير كل حين تأتي
بجديد عن تلك الأزمة التي بدؤوها بمظالمهم ولا يعلمون متى تنتهي.
فقد ذكر تقرير اقتصادي صدر في أمريكا في (رجب / سبتمبر) من هذا
العام؛ أن مجموع ما تكبدته الحكومة الأمريكية من جراء أحداث سبتمبر بلغ ٩٥
مليار دولار؛ تدخل فيها الخسائر، وعمليات إعادة البناء والتعويضات ونحو ذلك،
وهي تكلفة قابلة للزيادة على حسب ما ذكر التقرير الذي ذكر أيضاً أن ٨٣ ألفاً من
مدينة نيويورك وحدها فقدوا وظائفهم، وفقد ٦٣ ألفاً آخرون فرص للتوظيف كانوا
ينتظرونها.
وفي تقرير أحدث صدر في (رمضان / نوفمبر) من هذا العام؛ قال خبراء
اقتصاديون يتعاونون مع البنك المركزي الأمريكي: إن الخسائر المباشرة لهجمات
سبتمبر بلغت ٣٦ مليار دولار، وقُدر حجم الإنفاق المقرر على الأمن في مدينة
نيويورك وحدها لعام ٢٠٠٣م نحو ٧٢ مليار دولار في القطاعين العام والخاص،
وتوقع التقرير خسائر جديدة بمقدار ٢٦ مليار دولار لإعادة الأوضاع إلى ما كانت
عليه في مدينة نيويورك التي خسرت إدارتها نحو ٧.٨ مليارات دولار كأرباح
كانت متوقعة من نشاط برجي التجارة لعام ٢٠٠٢م لو لم يُدمرا. أما الخسائر
المتوقعة بسبب نقص الطاقة الإنتاجية للمدينة بسبب استمرار الصدمة العصبية
لسكانها؛ والتي أثرت في أدائهم الوظيفي، وتسببت في تفاقم ظاهرة السُّكر للهروب
من الواقع؛ فيقول التقرير إنه لا يمكن تقديرها! غير أن هناك خسائر أخرى
يكشف عنها التقرير بسبب (المجهول القادم) ؛ تتمثل في ٣٨ مليار دولار
خصصتها الحكومة الفيدرالية لأمن الحدود، والحماية من التهديدات البيولوجية
والكيماوية، وإجراءات الطوارئ المعدة للسنة المقبلة ٢٠٠٣م.
وبالرغم من آمال بوش العريضة بالفوز بفترة رئاسية ثانية، بعد الفوز الكبير
لحزبه الجمهوري في الانتخابات النصفية الأخيرة للكونجرس، إلا أن هاجس
السقوط كما حدث مع والده يظل يطارده، والذي نعتقده أنه إذا لم يجد فرصته في
إعادة الازدهار في الداخل، فقد يلجأ إلى إعادة سياسة الاستعمار في الخارج، كما
كان عهد أسلاف الأمريكيين من الساكسون الإنجليز وغيرهم، وبوش يعلم أن
استمرار رئاسته مرهون بتحقيق الازدهار للأمريكيين، أما إذا لم يفلح في إعادة
الازدهار بالاستقرار أو الاستعمار، وخاب أمله في الوصول للبيت الأبيض مرة
ثانية، فقد يبحث عن فرصته بدخول التاريخ عوضاً عن دخول البيت الأبيض.
وبما أن دخول التاريخ قد لا يحتاج إلى مميزات أرقى ولا مؤهلات أعلى من
مؤهلات جنكيز خان أو هولاكو أو نيرون أو هتلر أو شارون، فقد يحاول جورج
بؤس دخول التاريخ من بوابة العراق التي يريد أن يجعل منها ولاية أمريكية جديدة؛
تكون منطلقاً لفرض النظام (الدكتاقراطي) الأمريكي الجديد في المنطقة، أو من
بوابة أفغانستان التي سيحولها من مستعمرة إلى مقبرة للأمريكيين. أو من بوابة
أوروبا التي يستفزها ويخرج أضغانها إلى الحد الذي قد يلجئها للتوحد في وجه
الأمريكان، أو من بوابة الصين التي قد ينجح في إخراج تنينها النائم على العالم؛
بعد إزعاجه وتهييجه من الكوة الصغيرة المفتوحة على أفغانستان المحتلة.
وقد يذكر التاريخ جورج بوش كما يحب على أنه الرئيس الذي قاد أولى
حروب القرن في الألفية الثالثة، والموصلة في حال استمرار غطرسة الأمريكان
إلى الحرب العالمية الثالثة.
واحتمال آخر يستطيع جورج بوش أن يدخل به التاريخ من أوسع أبوابه،
وهو أن يكون الرئيس الذي بدأت في عهده بواكير تحول الولايات المتحدة الأمريكية
إلى الولايات «غير المتحدة» الأمريكية!!
* إندونيسيا: وتداعيات بالي
- مع أنها أكبر دولة إسلامية ٢١٠ ملايين نسمة، والمسلمون فيها يمثلون
٩٠% من السكان فإن إندونيسيا تُرى غائبة أو مغيبة، فغالب الحكام الذين حكموها
كانوا يستلهمون نموذج العلمانية الكمالية، ورغم ذلك يظل وفاء الشعب الإندونيسي
للإسلام ظاهراً لا تخطئه العين، وبالرغم من انتشار الجهل والخرافات فإن الناس
يحبون الإسلام، ولا أدل على ذلك من حجم أنصار الأحزاب الإسلامية هناك. أكبر
جماعة إسلامية في إندونيسيا وهي جماعة «نهضة علماء الإسلام» تأسست عام
١٩٢٦م، وتضم تحت مظلتها وليس عضويتها أنصاراً يقدرون بثلاثين مليوناً،
ولكن حظها العاثر جعل (عبد الرحمن وحيد) حفيد مؤسسها يتسلق إلى ذروة القيادة
فيها، وذلك عندما وصلت الجماعة إلى المستوى الذي أوصلها إلى الحكم، فقد تولى
رئاسة الجماعة في بداية التسعينيات، وانتخب رئيساً لإندونيسيا في أكتوبر ١٩٩٩م،
قبل أن يتم إسقاطه دستورياً بتهمة الفساد المالي والأخلاقي. وهكذا تم في
إندونيسيا كما تم في غيرها تشويه النموذج الإسلامي بشخص رجلٍ واحد وضع في
الواجهة ليمثل عشرات الملايين من المسلمين!
يجيء بعد جمعية نهضة العلماء «الجمعية المحمدية» ، وهي أكثر تنظيماً
وحركية من جمعية النهضة، وأقدم منها أيضاً؛ إذ تأسست عام ١٩٢٢م، ويقدر
المنضوون تحت مظلتها بخمسة وعشرين مليوناً، وهي تعتمد في انتشارها على
قطاع التعليم والمدارس، والأب الروحي لها هو «أمين الريس» ، ولكن العجيب
أن هذه الملايين من أنصار الجماعات الإسلامية تُصادر عاطفتهم للإسلام دائماً،
ويتم بانتظام إخضاعهم وإخضاع الشعب الإندونيسي الكبير للتحاكم لمذهب
(البانكاسيلا) العلماني الذي يشكل جوهر الدستور الإندونيسي، والجامع - مثل
ياسق جنكيز خان - بين مبادئ من الإسلام وغيره من الأديان (وحدانية - إنسانية
- وحدة وطنية - ديمقراطية - عدالة - اجتماعية) ، ولكن ذلك الدستور مع عدم
إسلاميته لا أثر لمبادئه أيضاً من الناحية الإيجابية على أوضاع الإسلام في إندونيسيا.
لهذا برزت اتجاهات إسلامية تنادي بالتحول الإسلامي بطرق أخرى غير طرق
البرلمانات والانتخابات التي استمرت ثلاثة أرباع القرن دون جدوى، فنشأت
الجماعة الإسلامية بزعامة أبي بكر باعشير (٦٥عاماً) وهو إندونيسي النشأة
حضرمي الأصل، وكان عضواً في الخمسينيات في حركة «دار الإسلام» الداعية
لإقامة دولة إسلامية في إندونيسيا، ولكن سوكارنو الرئيس الإندونيسي الأسبق ووالد
الرئيسة الحالية (ميجاواتي سوكارنو) قضى على الحركة، وهرب باعشير إلى
ماليزيا ولم يعد إلا بعد سقوط سوكارنو، وبعد عودته أسس جماعة باسم «مجلس
مجاهدي إندونيسيا» ، وأسس معهداً لتربية صفوف لهذه الجماعة أطلق عليه
(المعهد المؤمن) ؛ يضم بصفة دورية ٢٠٠٠ من الطلاب والطالبات الذين يتلقون
العلوم الشرعية.
العداء الذي يستهدف المسلمين في عقيدتهم وأموالهم وأنفسهم في إندونيسيا
وغيرها يدفع بعضهم في أحيان كثيرة إلى حافة الهاوية، وزيادة الضغوط
والتضييقات قد تدفع بهم للسقوط في تلك الهاوية، فعندما تعرض المسلمون لمذابح
رهيبة في إندونيسيا عام ١٩٩٩م؛ نشأت لأجل ذلك حركة عسكر الجهاد، أو
(لسكر جهاد) ، لتتولى دفع صولة الباغين من النصارى الذين وقفت الحكومة منهم
موقف المتفرج، وقد حاولت جماعة «عسكر الجهاد» الإندونيسية أن تدفع عن
المسلمين بالمستطاع، إلا أن زعيمها جعفر عمر طالب (٣٩) عاماً اعتقل هو
والعديد من أنصاره، واعتقل أيضاً باعشير زعيم جماعة «مجاهدي إندونيسيا»
بعد تفجيرات مدينة بالي التي راح ضحيتها أكثر من (١٨٠) قتيلاً غالبيتهم من
الأستراليين والبريطانيين.
ماذا تخبئ الأيام لشعب إندونيسيا المسالم الذي يُدفع إلى طريق المواجهة؟
الحكومة الإندونيسية من ناحيتها كانت تشعر بالعجز عن فعل كل ما تريد لمواجهة
الجماعات الإسلامية في السنوات الماضية، لعلمها بقدرة هذه الجماعات على حشد
الجماهير، ولكنها في الآونة الأخيرة تريد إرضاء أمريكا والغرب بمحاولة الظهور
بمظهر المتحمس للمشاركة في الحرب الأمريكية على «الإرهاب» .
ومن الواضح أن هناك متنفذين في داخل الحكومة يريدون الصيد في الماء
العكر؛ مستغلين أجواء الحرب الأمريكية، وأمريكا بدورها لا تفوِّت فرصةً
للابتزاز، فبعد أن فرضت حظراً على الجيش الإندونيسي بعد أحداث تيمور
الشرقية؛ تجيء اليوم لتساوم ذلك الجيش برفع الحظر عنه مقابل أن يتولى مهمة
(محاربة الإرهاب) في إندونيسيا، وتحاول أن تصنع من وزير الدفاع الإندونيسي
(أندريا سورتاريو) نسخة أخرى من (خالد نزار) الذي كان وزيراً للدفاع في
الجيش الجزائري، لقد عرضت الحكومة الأمريكية على الحكومة الإندونيسية أن
تساعدها في حملتها ضد الجماعات الإسلامية في مقابل مساعدتها في إعادة جدولة
ديونها! ويدور كل ذلك رغم التهاب المشاعر الإسلامية من جراء ما يفعل بالمسلمين
في كل مكان. لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله تعالى من غلبة الدين
وقهر الرجال، وعندما يقهر رجال الإسلام في بلدان الإسلام؛ فلا تسل عما يحدث
كيف يحدث، بل اسأل عن أسباب ما يحدث، لماذا يحدث؟
* ليبيا: الجامعة العربية و «لعب العيال»
- في خطاب ألقاه الرئيس الليبي معمر القذافي في ١/٩/٢٠٠٢م أمام المؤتمر
الشعبي العام (البرلمان) ؛ بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لثورة الفاتح من
سبتمبر، طالب الرئيس المؤتمر بدراسة خروج ليبيا من الجامعة العربية معللاً ذلك
بقوله نصاً: «الأمر أصبح لعب عيال» ! ولم يكد المؤتمر يكمل دراسته حتى
أعلنت ليبيا خروجها من جامعة الدول العربية؛ وسط دهشات وتوسلات الجامعة
التي أسست في الأصل لتجسيد القومية العربية التي كان الرئيس الليبي أحد رموزها.
ولم تجد هذه التوسلات استجابة من الحكومة الليبية، ولكن أمانة الجامعة أعلنت
بعد ذلك أن القصة لم تنته بعد وأن ليبيا قد تعود.
وخروج ليبيا من الجامعة العربية، سواء تم أو لم يتم؛ فإنه يمثل طعنة نجلاء
لتلك المنظمة الآيلة للسقوط، ويمثل تعجيلاً بغسل الأيدي منها، بعد أن أُريد لها
لأكثر من نصف قرن أن تُحل رابطة العروبة محل رابطة الإسلام، حتى انتهت
الجامعة والعروبة معها إلى طرق مسدودة.
محنة القومية العربية جاءت على أيدي كبار زعمائها، فقائدها الأول عبد
الناصر برهن على رهافة حسه القومي عندما زج بالجيش المصري لكي يحارب في
اليمن (العربية) ذاهلاً عن الاستعداد لمحاربة الدولة العبرية، حتى ألحقت به تلك
الدولة أكبر هزيمة مثلت أكبر نكسة للقومية والقوميين العرب.
أما قائد القومية الثاني صدام حسين؛ فقد نكب القومية التي نكسها عبد الناصر
بغزوه لدولة الكويت (العربية) قبل أن يحرك ساكناً لنصرة القضية الفلسطينية،
وجاء الرمز الثالث للقومية العربية لكي يقضي على ما تبقى من معالم في وجه
الصنم القومي، فذبح ذلك الصنم على أعتاب الحدود الإفريقية لليبيا؛ معلناً كفره
بالوحدة العربية وإيمانه بالوحدة الإفريقية.
أما القضية الكبرى التي زايد عليها القوميون العرب لأكثر من خمسين عاماً،
فآل أمرها على يد الثوريين القوميين العرب قبل الخروج من الجامعة إلى اقتراح
بتحويل فلسطين إلى دولة (عربية يهودية) اسمها (إسراطين) ؛ بعد التخلص من
مسؤولية مسجدها الأقصى الذي قيل عنه تحت قبة مؤتمر الجامعة العربية المنعقد
في عمان منذ عامين ... «خلُّوه يروح في ستين داهية» !
* (إسرائيل) : عودة النتن
- بعد سقوط بنيامين نتنياهو في الانتخابات أمام منافسه إيهود باراك عام
١٩٩٩م، وبعد أن عُزل سياسياً بتهمة الفساد المالي، أتيحت الفرصلة لباراك لكي
يتولى مهمة «الإجهاض السلمي» لقضية فلسطين عن طريق مفاوضات الحل
النهائي في كامب ديفيد الثانية، ولكن الأجواء تغيرت بمجيء شارون لتناسب عودة
نتنياهو مرة أخرى، فبعد أن دعا شارون إلى انتخابات مبكرة في الشهر الماضي،
خرج حزب العمل الذي أراد شارون أن يجمِّل بدمامته بعض قبح حزب الليكود،
ولكن شارون لم يعد في حاجة الآن لهذا التجمل فيما يبدو، فاستعان بمزيد من
الوجوه القبيحة استعداداً لمرحلة هي الأشد سواداً على الأرجح في تاريخه الكالح،
جاء بنتنياهو ليعطيه وزارة الخارجية، وبشاؤول موفاز ليسلمه حقيبة الدفاع؛
لتتحول الحكومة الإسرائيلية بعد ذلك لا إلى حكومة حرب فقط، بل إلى عصابة من
محترفي القتل الديمقراطي.
ماذا يريد نتنياهو بتلك العودة؟ بدا من تصريحاته الأولى أنه يزايد على
جرائم شارون، ويعتبره (مقصراً) في التصدي للعرب داخل وخارج فلسطين،
ووعد في حديث نشرته مؤخراً مجلة «تاج شبيجل» الألمانية بإلحاق هزيمة
بالدول العربية لاحظ! وليس فقط بالسلطة الفلسطينية. وقال: «يجب إلحاق
هزيمة عسكرية بالدول العربية كتلك التي هزم فيها الحلفاء كلاً من ألمانيا واليابان
عام ١٩٤٥م» ، وأضاف: «لقد انتهت الحرب العالمية الثانية بنصر عسكري
للحلفاء، وعمل الطرف المنتصر على تنصيب حكومة في ألمانيا ظلت منقوصة
السيادة إلى أن حدث التحول المطلوب في المجتمع الألماني» .
وفي سؤال آخر، قالت له الصحيفة: «إن ألمانيا كانت قد هزمت هزيمة
شاملة، واستسلمت قبل أن يفرض عليها الحلفاء شروطهم؛ فهل تريد فعل ذلك مع
الفلسطينيين؟» أجاب النتن: «نعم، هكذا تماماً يجب علينا أن نفعل مع الدول
العربية» !
يعود إذن نتنياهو إلى الساحة السياسية أكثر سعاراً، ويصب جام غضبه على
العرب والمسلمين، وخصوصاً الإسلاميين داخل فلسطين، لا في الأراضي المحتلة
بعد عام ١٩٦٧م فحسب، بل على الحركة الإسلامية في أراضي ١٩٤٨م أيضاً،
فقد وصفها في حديث أدلى به في (٢/١٠/٢٠٠٢م) بأنها كالورم السرطاني الذي
يمكن أن ينمو ويكبر مع الزمن، وطالب باعتبار تلك الحركة خارجة على القانون،
وطالب بتفكيكها واعتقال زعمائها، وجاء هذا الهجوم بسبب قيام نحو ٣٠ ألفاً من
عرب ١٩٤٨م بإحياء مهرجان بعنوان: (الأقصى في خطر) ! ولا ندري: ما
الذي يزعج النتن إلى هذا الحد؛ من أن يقال: الأقصى في خطر؟!
نتنياهو ينافس شارون اليوم على الإرهاب اليهودي، بل لا نبالغ إن قلنا إن
دوره في ذلك الإرهاب أخطر، من حيث التنظير لتوسيع دائرته، فهو عضو أصيل
في هندسة الاستراتيجية الأمريكية في (الحرب ضد الإرهاب) التي جرى الإعداد
لها طيلة عقد التسعينيات، وله كتاب في ذلك بعنوان (استئصال الإرهاب) ، ألفه
وقدمه نصيحة للولايات المتحدة عام ١٩٩٦م، يكاد من يطالعه أن يوقن بأن اليهود
من أمثال نتنياهو هم الذين هيؤوا لأجواء الحادي عشر من سبتمبر؛ كي يوصلوا
أمريكا والعالم إلى مثل الوضع القائم الآن.
فالكتاب مليء بالتحريض والتخويف والوشاية بالعرب المسلمين، قبل أن
تحدث أحداث سبتمبر بخمس سنوات، ومما جاء فيه:
- «إن هدفي الأول من هذا الكتاب هو توجيه اهتمام المواطنين في الغرب
عامة، وفي دولة إسرائيل خاصة إلى طبيعة التحدي الإرهابي الجديد الذي يواجه
الأنظمة الديمقراطية اليوم، نوجه نصيحة للرؤساء ولرؤساء الحكومات ولأعضاء
الكونجرس والبرلمانات بالمحافظة على أمنهم ومستقبلهم من خطر الإرهاب المدمر»
(ص ١٥٢) .
- «غريب أن أياً من الدول الغربية، ورغم التقدم الاقتصادي والعسكري
الهائل، وخصوصاً الولايات المتحدة؛ لا تستطيع أن تحصن نفسها ضد الإرهاب»
ص (٩) .
- «إن لم يتم قمع الإرهاب واستئصال شأفته، فقد يصبح تحديه غير سهل،
وإذا نجحت تجربة للإرهاب في دولة معينة ولا سيما إذا كانت أكبر دولة في العالم
فسيغري ذلك بالمحاكاة في دول أخرى» ص (١٣) .
- «إن إمكانية الولايات المتحدة التقنية، وخاصة وسائل التصنت والتصوير،
تفوق ما بحوزة دول أخرى؛ لهذا فإنها تستطيع تعقب الحركات الإرهابية» ص
(٢٤) .
- «صدقت المحكمة العليا أثناء الحرب العالمية الثانية على تقديم الأمريكيين
المشتبه في تعاونهم مع النازيين إلى المحاكم العسكرية، بل وإجراء حملات اعتقال
مخيفة للأمريكيين من أصول يابانية» ص (٢٦) .
- «كان الإرهاب إحدى الوسائل الأساسية للسياسة الشرق أوسطية عبر
مئات السنين» ص (٦١) .
- «كنت مقتنعاً بأن مفتاح إجهاض الإرهاب الدولي؛ هو قيادة الولايات
المتحدة لهذا الصراع، وبوقوفها على رأسه سوف تجذب القيادة الأمريكية باقي دول
العالم الحر إليها، كما يجذب الديزل عربات القطار» ص (٦٨) .
- «ساد اعتقاد خاطئ في الولايات المتحدة في نهاية السبعينيات وبداية
الثمانينيات بأن الإرهاب ليس سوى نتيجة للقمع السياسي والاجتماعي، وتستحيل
هزيمة الإرهاب دون تصفية الظروف التي خلقته» ص (٦٨) .
- ضربت إسرائيل مثلاً مشرقاً لمكافحة الإرهاب عسكرياً، ورفضت
الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة الخضوع لمطالب الإرهابيين «ص (٦٩) .
-» أكدت عندما كنت سفيراً لإسرائيل بالولايات المتحدة عام ١٩٨٣م أن
الغرب يستطيع القضاء على الإرهاب الدولي شريطة تبني مبدأين: الأول: رفض
الخضوع للإرهاب، والثاني: استعداد الغرب لمواجهة الأنظمة الراعية
للإرهاب «.
-» جذور العداء للغرب راسخة لمئات السنين في الثقافة السياسية العربية
الإسلامية المتطرفة، وهي تمثل القوة الدافعة لها، حتى قبل أن تخرج إسرائيل إلى
الوجود «.
-» القلة القليلة من رجال العرب هي التي على دراية وثيقة بالحقائق
الأساسية لتاريخ العلاقات بين الإسلام والغرب، وهذا التاريخ يشكل حجر الزاوية
للتعليم الإسلامي في جميع أنحاء العالم العربي الذي يحكي كيف استطاع محمد في
عام ٦٣٠ أن يجعل من العرب أمة ذات دين مقاتل «.
-» لولا دحر شارل مارتل العرب في موقعة بواتيه عام ٧٣٢، على مسافة
٢٩٠ كم فقط من جنوب باريس لكان من المحتمل أن تكون أوروبا قارة مسلمة «
ص (٨٦) .
-» زعم المتعصبون الإسلاميون أنه يجب العودة إلى الجذور الحقيقية لعظمة
العرب والمسلمين، ودعوا إلى توحيد جميع الممالك العربية تحت حكم إسلامي
خالص «ص (٨٩) .
-» تبين أن تيار القومية العربية لا يستطيع مواجهة الغرب، عندئذ ازدادت
الحاجة إلى ظهور قوة جديدة تعبر عن مصداقية العرب والمسلمين في مبدأ الرفض
التاريخي للغرب، وتمثلت هذه القوة في الإسلام المتطرف «ص (٨٩) .
-» الجماعات الإرهابية تتخفى تحت ستار المنظمات الخيرية؛ لتقوم بجمع
المال ونشر وسائل التحريض، كما تقوم بتجنيد المتطوعين وحشدهم وإعدادهم
للمهام الإرهابية؛ للإعداد للمعركة ضد الولايات المتحدة «ص (١٠٠) .
-» وقعت حكومة إسرائيل في كل الأخطاء التي يمكن لدولة أن تقع فيها في
حربها ضد الإرهاب؛ عندما منحت منظمة التحرير الفلسطينية مناطق تستقر بها،
فساعدت بذلك في اندلاع الإرهاب تحت مظلة منظمة التحرير «ص (١٢٠) .
وأخيراً اقترح نتنياهو خطوات عملية لاستئصال الإرهاب كما يراه، تتلخص
في:
١ - فرض عقوبات دبلوماسية واقتصادية وعسكرية على الدول الإرهابية.
٢ -» إبادة «بؤر الإرهاب التي لا تخضع لدول مستقلة، كالأراضي
التابعة لحزب الله، أو لحماس، وحزب العمال الكردي، ومناطق الإرهاب في
باكستان وأفغانستان وكشمير.
٣ - تجميد الممتلكات الخاصة بالدول والمنظمات الإرهابية الموجودة في
الغرب.
٤ - نشر الثقافة المضادة للإرهاب.
٥ - الدعوة إلى إدخال تعديلات في مناهج التعليم في بلاد المسلمين.
(١) الفيل هو شعار الحزب الجمهوري، بينما يتخذ الحزب الديمقراطي رمز الحمار! .