[يا أدعياء التسامح والديمقراطية من يكره من]
التحرير
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن العداء القائم ضد الإسلام والمسلمين وخاصة في كثير من الدول الغربية هو نتيجة طبيعية للصورة النمطية التي رسمها كثير من الكتاب والباحثين والمستشرقين والمنصّرين والتي تقوم على رسم المسلمين على أنهم عنصريون وأغبياء ومتخلفون وقتلة، وأنهم لا يستحقون الحياة، ومن ثم تتم الإساءة لدينهم ونبيهم عليه الصلاة والسلام، وهذا ما يسوّدون به كتاباتهم منذ قرون.
ولم يكن ذلك وليد ما حصل مؤخراً مما أثارته صحيفة دانماركية بنشرها عدداً من الكاريكاتيرات وما أحدثته تلك الهجمة من ردود أفعال كبرى من المسلمين نصرة لنبيهم عليه الصلاة والسلام، ورفضاً لكل ما يسيء له؛ فإن ديمقراطيتهم المزعومة التي ينشرونها ويطالبون بتطبيقها وتتولى كثير من دولهم المقاتَلة على إقرارها مما هو معروف للجميع، وسنوضح كذبها وعدوانيتها وكراهيتها للإسلام ووصم ثقافته بأنها تقوم على الكراهية كما يزعمون!!
ونحن نتساءل بكل صراحة: هل من الديمقراطية والحرية الإساءة للآخرين والسخرية من أديانهم؟ وهل من الديمقراطية والحرية إهانة أنبياء الله المرسلين؟ أو حتى الإساءة والإهانة ولو لإنسان واحد بدون وجه حق؟
ثم أين ما يزعمون من حقوق في حرية الدين؟ وأين ما يدَّعونه من دعاوى حقوق الإنسان؟ وأين احترامهم لما في دساتيرهم من احترام للقيم الدينية والإنسانية؟ ولماذا يقتصر الاحترام لأمور بعينها تخصهم؟ حتى إنهم يجرِّمون من يتجرأ على مجرد ذكرها والتشكيك فيها كما في «مسألة الهولوكست» إلى حد أنه يمكن أن يعاقب ويسجن كل من ناقشها ولو ببحث علمي بحت كما حصل في حق «جارودي» حيما ألف كتابه الشهير «الدولة الصهيونية والأساطير المؤسسية» حيث شُهِّر به وعوقب وهو في أرذل العمر.
وأخيراً وليس آخراً نشرت وكالات الأنباء العالمية إدانة محكمة نمساوية في ٢١/٢/٢٠٠٦ المؤرخَ البريطاني (ديفيد ارفنج) لإنكاره (الهولوكست) وحكمت عليه بالسجن ٣ سنوات وكان معتقلاً منذ نوفمبر ٢٠٠٥، والويل لمن يجرؤ على الكلام بالنيل من الصهاينة حتى ولو كان ذلك بالحقائق!!
بينما الإساءة للإسلام والمسلمين قائمة في وسائل إعلامهم المرئية والمكتوبة والمسموعة؛ حيث تؤثر تأثيراً سلبياً وسيئاً في حق دين سماوي، ومن ثم التنفير من أن الإسلام مع أنه هو الدين الذي احترم الأديان الأخرى ولا يصح إسلام مسلم ما لم يؤمن بالإله ـ جل وعلا ـ وملائكته وكتبه ورسله، ولا يفرق بين أحد منهم، وأشاد بالأنبياء كلهم وساق قصصهم، وصحح كثيراً من الأخطاء التي نُسبت لهم مما يدفع كل قارئ منصف لأن يُعجَب بهذا الدين ويعلن إسلامه؛ ولذلك يعلن كثير من الغربيين إسلامهم ولسان كل واحد منهم: (لقد كسبت محمداً (-صلى الله عليه وسلم-) ولم أخسر المسيح) وهذا ما جعل متطرفيهم يعلنون العداء والعنصرية البغيضة ومحاربة ديننا الحنيف بدون وجه حق؛ خوفاً من أن ينتشر هذا الدين بينهم لما يتميز به من قيم أخلاقية ومبادئ إنسانية، وكما قيل: الإنسان عدو ما جهل. هذه مواقفهم غير الموضوعية؛ فمن يكره من؟
إن المتابع المنصف يلمس عداء القوم للإسلام والمسلمين في صور شتى معروفة كثيراً ما يسيئون بها لديننا، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
١ ـ الإساءة والإهانة لنبي الإسلام من خلال تلك الرسوم الكاريكاتورية المهينة، وهو ما أحدث ردود فعل كبرى لدى المسلمين في شتى ديار الإسلام، وحينما طالب المسلمون الدانماركيون بالاعتذار عن تلك الخطيئة رفضت الصحيفة في شخص رئيس تحريرها الاعتذار، وحينما رُفِعَ الأمر للقضاء رفض القضاء عندهم الشكوى بدعوى أن ذلك حرية رأي لا يملكون حيالها رداً، وزاد طغيانهم وعنصريتهم وحقدهم يوم قامت المقاطعة الشعبية لمنتجات المستهزئين بنا والتي لم يتوقعوها، وأحدثت في أيام محدودات أضراراً كبرى على اقتصادهم مما جعل رئيس وزرائهم بعد عدة أشهر يطالب بتهدئة الأمور؛ فهو تارة يعتذر، وتارة يصرّ على عدم الاعتذار؛ فمن يكره من؟
٢ ـ إعادة العديد من الصحف والمجلات الأوروبية في فرنسا وإيطاليا والسويد والنرويج لتلك الرسومات المهينة نفسها مع ما فيها من إساءة وإهانة للمسلمين؛ فمن يكره من؟
٣ ـ ارتكب حزب عصبة الشمال الإيطالي حماقة جديدة وخرجت صحيفة (لابدانيا) برسوم كاريكاتورية جديدة مسيئة للرسول -صلى الله عليه وسلم-، وطالب رئيس تحرير الصحيفة المذكورة في افتتاحيتها باتباع خطى الحكومة الدانماركية في رفض الاعتذار للمسلمين قائلاً: (أيها الرسامون اتحدوا من أجل معركتنا في مواجهتهم حتى لا يضعونا تحت أقدامهم ... ) ، مع دعوته لبابا الفاتيكان الحالي لشن حرب صليبية ضد المسلمين وأنه سيحشد الشباب الكاثوليك ضد ما أسماه بالتغلغل الإسلامي، واتصل بالسفارة الدانماركية مؤيداً موقفهم من عدم الاعتذار للمسلمين، وهذا ما نشرته كثير من الصحف العربية (١) ؛ فمن يكره من؟
٤ ـ اليمين المتطرف في دولة السويد رفع سقف الإساءة لرسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم- بإعلانه في صحيفة حاقدة عن مسابقة كاريكاتورية جديدة لرسم النبي -صلى الله عليه وسلم- في مارس المقبل، وقالت الصحيفة على لسان رئيس تحريرها: إن حرية التعبير تتجاوز المنع بشأن محمد؛ لافتاً إلى ضرورة دعم الصحيفة الدانماركية، وداعياً للتقدم برسوماتهم!! هكذا وبكل وقاحة! فمن يكره من؟
٥ ـ أن القوانين الوطنية في كل الدول الغربية تحترم حقوق الإنسان ومنها حقه في التدين؛ ومن ثم تجريم الإساءة لمعتقدات المتدينين؛ فأين القوم من هذا التجييش الحاقد؟ وهذا العمل يجرمونه هم، وهو ما يسمونه بـ (التجديف) وهو ممنوع نظاماً لديهم؛ فكيف يتناسى أولئك العنصريون هذه الأمور بدعوى أنها حقوقهم في الحرية المزعومة؟ فمن يكره من؟
٦ ـ معاناة المسلمين المهاجرين في جُل دول الغرب؛ فما زالوا يعانون الأَمَرَّين من المضايقات والسخرية وخاصة بحجاب الفتيات اللاتي يُمنعن من ارتدائه بدعوى أنه رمز ديني، بينما لباس المتدينات النصرانيات أقرب ما يكون للحجاب الإسلامي ولا يُمنع، فلماذا؟ لا شك أن ذلك يذكِّرهم بالإسلام؛ والتزام أهله به يسوؤهم، وخاصة أن قبولهم المهاجرين المسلمين كان متوقعاً منه في مخططاتهم دمجهم في مجتمعاتهم الغربية وإذابتهم فيها تماماً، لكنهم فوجئوا بالتزام الأجيال الجديدة بإسلامه واعتزازهم به، ورفضهم الذوبان في المجتمعات الغربية، وما لمسه الغرب من انتشار الإسلام بين الغربيين أنفسهم حتى صار الإسلام الديانة الثانية في أوروبا، وتناقصت أعداد الغربيين حتى صرخ أحد رموزهم محذراً من تلاشي قومه في كتابه «موت الغرب» (١) . هذه فلسفتهم ورؤيتهم التي تقوم على الخوف من الإسلام مع أنه دين يحترم دينهم وله أخلاقياته المحترمة وقيمه الإنسانية الرفيعة، ومع ذلك يكرهونه ويحذرون منه؛ فمن يكره من؟
لقد أصبحت كراهية الإسلام ظاهرة مَرَضية يعانون منها كثيراً حتى سموها «الإسلام فوبيا» وقد ضرب على وتره العنصريون وذوو الاتجاهات اليمينية المتطرفة.
وللحق والحقيقة؛ فإن هناك أفراداً واتجاهات موضوعية في الغرب ترفض ذلك النهج العدواني وتحذر منه، ومن ذلك المستعرب (الألماني) الشهير (فريتس شيبات) في كتابه القيم «الإسلام شريكاً» ، الذي تحدث فيه عن المفاهيم والأفكار الخاطئة التي يُروَّج لها في الغرب ضد الإسلام؛ داعياً قومه إلى تصحيحها، وأمرهم بتعديل مواقفهم الخاطئة من الاتجاهات الإسلامية، ومحاولة فهمها بشكل موضوعي بعيداً عن التعصب والنظرات الشوفينية (٢) .
ونحن نعتقد أن الشرق والغرب لم يكونوا برؤية الشاعر الإنجليزي (كبلنج) حينما قال: «الشرق شرق، والغرب غرب؛ ولن يلتقيا» بل سيلتقيان وإن اختلفت الأديان بعدما أصبح العالم قرية كونية، وذلك بإشاعة العلم والمعرفة والدعوة، وبتفعيل وسائل الاتصال، وبعد إزالة الشبهات المغرضة وكشف الاتجاهات العنصرية وفضحها؛ وخاصة بعدما صدر عام ٢٠٠٤م من قرارات أممية تجرِّم التطرف العنصري وتدين الربط بينه وبين الإسلام أو ربط الإسلام بالإرهاب، وكذلك رفض الممارسات والتمييز العنصري؛ وهذا يزيل العوائق التي يستشهد بها أعداء الإسلام في محاولاتهم البائسة في الإساءة للإسلام بهدف وضع العراقيل ضد انتشاره بينهم.
ونعتقد جازمين أنه لو فُتح المجال لدعاة الإسلام وبشتى الأساليب الإعلامية المختلفة لأمكن للغربيين أن يدخلوا في دين الله أفواجاً، وخصوصاً بعدما لمسناه مؤخراً من إدانة صريحة لتلك الموجة العارمة ضد الإسلام ونبيه من بعض رجال الدين النصارى وعلى رأسهم بابا الكاثوليك، ورؤساء بعض الكنائس الغربية في بريطانيا، وغيرهم.
ولقد تناولنا في هذا العدد ملفاً علمياً موضوعياً عن كشف منطلقات الإساءة للنبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، نصرةً له ـ عليه السلام ـ وكشفاً للاتجاهات المعادية لديننا الحنيف، آملين أن يجد فيه القارئ ما يشفي ويكفي، كما تطرقنا في ملف آخر عن انتصار حركة حماس الإسلامية في الانتخابات النيابية الأخيرة في فلسطين، وفيه يتضح مدى كراهية كثير من الغربيين للإسلام من زاويتين:
١ ـ الحقد الدفين المتمثل في الإعلان منذ وقت مبكر وقبل ظهور نتائج الانتخابات الفلسطينية من عدم تعاون الغرب مع حماس إن فازت، بل إنهم سيقطعون الإعانات الإنسانية عن الشعب الفلسطيني إن رشَّحَ حماس.
٢ ـ سكوت الغرب حيال استفزاز الصهاينة للشعب الفلسطيني بالقتل والغارات العدوانية بعد فوز حماس، ولا نكاد نسمع أي اعتراض غربي على هذه الهجمات الهمجية، ولسان حالهم يقول للصهاينة: اعملوا ما تريدون، ولعل المقصود هو إفشال مشروع حماس في الإعداد القائم للحكومة المنتظرة، مع معاناتها من رفض التعاون معها حتى من رفاق السلاح والمقاومة؛ فهل يليق أن يكونوا مع العدو ضد (حماس) ؟ سبحان الله العظيم!
ويبقى السؤال قائماً ومشروعاً: من يكره من؟
وهل ثقافة الكراهية المنسوبة زوراً للمسلمين صحيحة أم لا؟ أم هي ثقافة الآخر المعادي لنا ولديننا ولنبينا -صلى الله عليه وسلم-، والمخالفة لكل القيم والنظم الإنسانية؟
ندع الإجابة للقارئ الكريم؛ فقد اتضح لذي عينين أين تكمن ثقافة الكراهية وعند من.
ومما يبشر بالخير أن تلك الموجة العدوانية ضد الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الدانمارك جعلت الكثير من عامة الناس يبحثون عن حقيقة الإسلام، ومن هو هذا النبي الذي هوجم وسُخِرَ منه فثار له أتباعه والمؤمنون الذين يدافعون عنه؟ ونؤكد على أن الاحتجاج يجب أن يكون بعيداً عن العنف والتدمير؛ إذ لا مبرر له، بل إنه يضر أكثر مما ينفع.
لقد جعلت هذه الهجمة الظالمة على النبي -صلى الله عليه وسلم- كثيراً من هؤلاء بعد الاطلاع على سيرته -صلى الله عليه وسلم- وتعاليم دينه يعلنون إسلامهم؛ فلله الحمد من قبلُ ومن بعدُ.