هل انتهت فترة الاستعمار الغربي؟ وهل تغيرت العقلية التي تتحكم في تصرفات القادة؟ لقد كان مجرد رسوّ سفينة أوروبية على ساحل أي منطقة ورفع العلم كافياً لتملُّكها أرضاً وشعباً وثروات، بل إن بداية تاريخ هذه البقعة يحددها تقرير قبطان السفينة.
ويقوم مشروع السيطرة والاستغلال الغربي على ثلاث ركائز أساسية، هي: القوة العسكرية؛ سواء كانت نظامية أو غير نظامية (قراصنة ومغامرين) ، والقوة الاقتصادية؛ مثل: شركة الهند الشرقية، والركيزة الثالثة والأخيرة هي القوة الفكرية، وكان يمثلها الكنيسة التي تولت صبغ المستعمرات بالصبغة النصرانية. ويلاحظ أن هذه القوى الثلاث يمهد بعضها لبعض، وكان وجود أحدها يعني بالضرورة قدوم البقية، فمثلاً: وصول بعثة للتنصير لأي منطقة يعقبه غالباً الغزو والاحتلال بدعوى حماية الأقلية النصرانية المضطهدة، وبالمثل فإن وجود مصالح اقتصادية غربية في أي مكان يقدِّم المبرر للتواجد العسكري من أجل حماية تلك المصالح من أي تهديد داخلي أو خارجي. ولا شك أنه مثلما تتغير الوسائل العسكرية مع الزمن فإن القوة الفكرية تتغير صورها وهيئاتها، فمثلاً: تراجع دور الكنيسة؛ فعلى الرغم من استمرار نشاطها وتوسعه فإنها لم تعد تحتكر هذا الدور خاصة مع انتشار المد الليبرالي في الغرب، ولم يعد التغيير الاجتماعي المطلوب لتقبُّل الاستعمار يعني: فرض النصرانية، بل تحول إلى صور كثيرة تؤدي كلها إلى تحقيق الهدف نفسه وهو رفع مستوى القابلية للاستعمار. وإذا حاولنا استقراء ما أهم ركائز التغيير الاجتماعي التي جنّد لها ويجنّد الغرب كل أدواته ووسائله المادية والمعنوية؛ نجد أنه المرأة، فهي العامل المشترك في كل الشعارات المرفوعة؛ من حرية (المرأة) وعمل (المرأة) وقيادة (المرأة) . وحتى نعرف المراد من وراء رفع قضية المرأة يكفي أن نستعرض القضايا المطروحة في مؤتمرات المرأة التي تقيمها الأمم المتحدة، إنها قضايا تدور حول حرية العلاقات الجنسية والإجهاض والمساواة في الأجور، وكلها تتفق على هدف واحد هو تحطيم الأسرة. ولنتخيل مجتمعاً تعمل فيه كل النساء ويصبح معنى العمل هو ممارسة أي عمل عند الغير بأجر قد لا يغطي قيمة المواصلات، فالمهم مغادرة السجن؛ أقصد: البيت، وأصبحت الأمومة من الكماليات، أما تربية الأولاد إن كان هناك أسرة وأولاد فللخادمات. ولا يمكن للفرد أن يحس بالخطر إلا إذا اطلَّع على حرص القوم على مشروع المرأة، فهم كما استخدموا اسم (محمد البرادعي) من أجل منع البرامج النووية في بلاد المسلمين وعرقلتها، فهم يستخدمون اسم (ثريا) في تسويق مشاريعهم حول المرأة، وهي قضية استراتيجية، فحسب بيان حقائق صادر عن وزارة الخارجية الأميركية في ٢٣ آب/أغسطس ٢٠٠٤م، فقد أطلق الرئيس بوش في كانون الأول/ديسمبر ٢٠٠٢م مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط، وذلك كجزء من التزام أميركي قوي تجاه الإصلاح في العالم العربي، وتعترف المبادرة بقضايا المرأة كونها إحدى الدعائم الأربع المتكاملة للإصلاح في المنطقة، إلى جانب ما يحرز من تقدُّم في الدعائم الثلاث الأخرى؛ التعليمية والسياسية والاقتصادية، وتقوم الولايات المتحدة بالمساعدة في إنشاء مدارس توفر التدريب القيادي والتنظيمي للنساء اللاتي يسعين إلى شغل مناصب يتم الاختيار لها بالانتخاب.
وقد نظم كل من المعهد الجمهوري الدولي والمعهد الديمقراطي القومي بدعم من المبادرة أُولى دورات التدريب على تلك المهارات السياسية، وضمَّ هذا التدريب أكثر من ٥٠ امرأة من البحرين والكويت وعمان وقطر والإمارات العربية المتحدة واليمن، وذلك في الدوحة في شباط/فبراير ٢٠٠٤م، ومن المقرر أن تتعاون منظمتان غير حكوميتين في الولايات المتحدة، هما:(أنيرا) الأميركية والاتحاد العام للجمعيات الطوعية الأردنية؛ لتحسين قدرات المنظمات النسائية الصغيرة والمتوسطة التي تتخذ من المجتمع قاعدة لها على المشاركة بفاعلية في الحوار السياسي والإصلاح الديمقراطي.
وسيطبِّق مركز التنمية والنشاط السكاني برنامجاً مشابهاً لتنظيمات نسائية على مستوى القاعدة في أربع محافظات مصرية، وسيعمل بالاشتراك مع المجلس القومي للمرأة ا. هـ. إنها وسائل جديدة لتهيئة المجتمعات واختراقها، ولم تعد مؤسسات الأمم المتحدة أو المؤسسات غير الحكومية الغربية ـ التي هي غالباً واجهات لجهات حكومية حساسة ـ كافية، بل تعدَّى الأمر إلى تدخُّل بعض الدوبلوماسيين بصورة مباشرة وعلنية ويركز عليها إعلامياً، مثل: الخبر التالي المنشور الذي أرفقه باختصار: (وقّعت الحكومة البريطانية على عقد التعاون المشترك الأول باسم مركز خبراء المستقبل للتدريب والتطوير بجدة بمبلغ ٧٠٠ ألف ريال سعودي. وقد قام القنصل البريطاني العام في جدة (جيرارد راسل) بتوقيع العقد مع المالكة والمدير العام للمركز السيدة (ريم بخيت) في احتفال أقيم بهذه المناسبة في مقر القنصلية.
وتتسع الخدمات التي يقدمها المركز، وتهدف خدماته إلى تنمية المجتمع، وتقدم هذه الخدمات حالياً إلى النساء والأطفال، وتمتد خدمات المركز إلى المجتمع كافة، وبلا حدود) .
إنها محاولات محمومة لجعل مجتمعاتنا تعيش مرحلة الانسلاخ، وهي مثل أي مرحلة انتقالية تعني الضعف المؤقت وعدم القدرة على المقاومة. وأنا أستغرب جداً مظاهر الاحتفال السائدة بهذه المرحلة وكأنها دعوة لكل طامع ومنتهب، ولنا في خلقه عبرة، فالثعابين تمر بمرحلة انسلاخ طبيعية إيجابية، ومع ذلك فإنها تحرص على التخفِّي خلال هذه المرحلة؛ حفظاً لنفسها من الأعداء، واللبيب بالإشارة يفهم.
(*) أستاذ مساعد في كلية الهندسة، جامعة الملك سعود، الرياض.