منتدى القراء
[هم يفصلون ونحن نلبس]
باسل علوظي
التبعية الفكرية عند الكثير من المثقفين لا تعدو أن تكون تأثراً بالنظريات،
وانبهاراً بالأفكار الغربية وإذا جئت تطبق النظرية على الواقع وجدت الأمر معقداً
وظهرت أمامك علامات استفهام، ولأضرب لك مثالاً من تجربتي:
من القوانين التي درستها في علم الفيزياء قانون الغاز المثالي
ح. ض = ن. ك. ت. باللاتيني P. V = N. R. T
ونعيش مع هذا القانون حصصاً طويلة وعليه تبنى صناعات عديدة ويحفظه
ملايين الناس في رؤوسهم، وإذا جئنا إلى الواقع (والطبيعة) وجدنا هذا القانون غير
صحيح على إطلاقه، ومن الخطأ تعميمه لأنه خاص بالغاز المثالي، وهذه المعلومة
بعينها لم أذكر أني سمعتها في بلادنا من مدرسينا - إلا مرة من مدرس أتى من
الخارج - في حين أن هذه المعلومة يعرفها تقريباً كل كبير وصغير هنا في ألمانيا -
حيث أدرس -.
فالقوانين النظرية هي تبسيط وتشريح لأجزاء من الواقع إذا ضمت إلى
بعضها أصبحت معقدة بحيث لا يكاد يستوعبها عقل، فلذلك لابد من النظرة الشاملة
لمن يغوص في تفاصيل أي فكرة أو تجربة والا لكفت قوانين نيوتن لمكوكات
الفضاء، ولكن نظريات أينشتين النسبية كانت أنسب وأشمل حيث أخذت المتغيرات
بعين الاعتبار، أما ما كان لدى نيوتن فقد كان ثوابت (بدهيات) .
وفي الوقت الذى يعتبر فيه الغرب حرِّية الإنسان أساساً لابد من الحفاظ عليه
(نظرياً) نجدهم يمنعون بعض الأحزاب التي تشكل خطراً على مجتمعاتهم، ففى
ألمانيا لا يعترفون بالإسلام باعتباره ديناً رسمياً، ويعترفون باليهودية، مع العلم أن
عدد المسلمين في ألمانيا يقرب من مليونين في حين لا يتجاوز عدد اليهود بضعة
آلاف.
فكيف نفهم هذا التناقض إذا نظرنا إلى الديموقراطية والحرية من خلال
مفهومهما الفلسفي النظري، هذا يُرد إلى مُرَّكب معتمد في أرض الواقع تلعب فيه
مفاهيم أخرى أدواراً متفاوتة من حين لأخر؛ منها -بل وأهمها كما يبدو لي- انتماء
الشعوب الغربية الأوروبية إلى دين آبائهم وأجدادهم، فاذا أحسَّوا بأن غيرهم يحمل
فكراً قد يجعلهم تبعاً له قالوا: [بَلْ نَتَّبِعُ مَا وجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا] وقد صرح بذلك
الوزير دوجلاس في بيان مشترك مع مجموعة الشعوب البريطانية (الكومون ويلث)
قدمه إلى البرلمان البريطاني في مسألة موقفهم من قضية البوسنة والهرسك بخاصة
والوجود الإسلامي في أوروبا بعامة.
فإلى من ينادي بالديموقراطية في الدول الإسلامية: هكذا يفهم أصحاب فكرتك
طريقهم فينطلقون من أرض واقعهم، فإذا فَصَّلوا وأردتَ أن تلبس فخذ مقاساً
يناسبك - وقد لا تجد - ففصل أنت من واقع أرضك وتاريخك لمستقبلك.
إن نبي الله داود (عليه السلام) كان يأكل من عمل يده، ورسولنا -صلى الله
عليه وسلم- كان يخصف نعله بنفسه، وشيخ الإسلام ابن تيمية أثَّم المسلمين عامة
إذا احتاجوا لصناعة ولم يجدوا منهم من يصنعها لهم فيغنيهم عن الحاجة والتبعية
والذل لغيرهم.