للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ملفات

التغيير القادم

[النظام العربي إلى أين؟!]

رجب الباسل

أثار البعض مؤخراً اصطلاح (نهاية النظام العربي) تعقيباً على الفشل

العربي في التعاطي إيجابياً مع الأزمة العراقية، واتخاذ موقف واضح ومحدد

ورافض للعدوان الأمريكي البريطاني على العراق، ثم احتلاله أو حتى عقد قمة

عربية طارئة تعلن رفض العدوان والوقوف بجانب العراق الذي تعرض لعدوان

جائر دون أي سند شرعي دولي ترتب عليه فقدان العراق لاستقلاله، وليصبح أول

دولة عربية يتم احتلالها في القرن الجديد؛ بل الأغرب أن هناك دولاً عربية وقفت

مع العدوان صراحة، والبعض كما قال الأمين العام للجامعة أيد في صمت،

والبعض الآخر قدم تسهيلات علنية أو سرية للعدوان.

* نشأة ضعيفة:

تعد الجامعة العربية من أقدم المنظمات الإقليمية والعالمية نشأة؛ فقد أنشئت

رسمياً قبل منظمة الأمم المتحدة بحوالي ستة أشهر، حيث تم توقيع ميثاق الجامعة

في مارس ١٩٤٥م، بينما تم توقيع ميثاق المنظمة في سبتمبر من نفس العام.

وهناك آراء كثيرة حول أسباب نشأة الجامعة العربية وأهدافها؛ فهناك من

ربطها بالدور البريطاني حينئذ في تشجيع إنشاء الجامعة، سواء لمواجهة المد

الإسلامي ونداءات عودة الخلافة الإسلامية، أو حتى لتعطيل الوحدة العربية ذاتها،

بحصرها في كيان ضعيف لا ينص ميثاقه على الوحدة العربية التامة كهدف للإنشاء،

إلا أنه بعيداً عن الاتهامات أو التأييدات التي وجهت للجامعة، إلا أن هناك العديد

من المؤشرات التي تؤكد النشأة الضعيفة لها، والتي لم تكن يراد للجامعة أن تنشأ

قوية تحقق طموحات الشعوب العربية، ومنها:

١ - إن أول أمين عام للجامعة العربية رغم مكانته كان بدرجة وزير مفوض

للشؤون العربية بوزارة الخارجية المصرية، مما يعني عدم الاهتمام حينئذ باختيار

شخصية ذات مكانة رسمية عالية لتولي هذا المنصب رئيس وزراء سابق أو رئيس

دولة مثلاً.

٢ - إن ميثاق الجامعة الذي وقعت عليه سبع دول عربية في البداية استجاب

في تحديده لأهداف الجامعة، وطبيعة الدول الموقعة عليه لمطالب أضعف الدول،

أو الحكومات العربية انتماء في ذلك الوقت للعروبة، وهي الحكومة اللبنانية

المسيحية المارونية حينئذ، والتي تعارض الاندماج في العالم العربي؛ ففي حين

طالبت العراق بأن تكون سلطات الجامعة أعلى من الدول المنظمة بحيث يكون من

الممكن لها أن تتحول إلى مؤسسة إدارة الدولة العربية الموحدة في المستقبل، إلا أنه

تم الأخذ بالاقتراح المصري - اللبناني الذي حافظ للدول الأعضاء على سيادتها،

فجعل منها منظمة تقليدية ترتبط قراراتها بشكل كامل بإرادة الدول الأعضاء ذات

السيادة، والتي لم تقبل بالتخلي عن أي جزء من سيادتها لهذه المنظمة الإقليمية.

وطبقاً لميثاق الجامعة فهي تتألف من الدولة العربية المستقلة (مادة ١) ،

والغرض من إنشائها توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها، وتنسيق خططها

السياسية تحقيقاً للتعاون بينها، وصيانة استقلالها وسيادتها (مادة ٢) .

والمادة الوحيدة الوحدوية كانت اختيارية وليست على المستوي العربي

الشامل، بل الثنائي أو التعددي؛ فالمادة التاسعة تنص على أنه لدول الجامعة

العربية الراغبة فيما بينها في تعاون أوثق، وروابط أقوى مما نص عليه الميثاق

أن تعقد بينها من الاتفاقات ما تشاء لتحقيق هذه الأغراض (مادة ٩) .

٣ - ضعف مؤسسات الجامعة وآلياتها: فمجلس الجامعة في البدء كان على

مستوى وزراء الخارجية (التطور الأخير أصبح على مستوى الرؤساء والملوك

والأمراء العرب) ، والذي يجتمع مرتين في العام في دورتين عاديتين (مارس -

سبتمبر) ، وله عند الاقتضاء أن يجتمع في دورة غير عادية، وفق أحكام الميثاق،

وقد يعقد على مستوى الرؤساء والملوك (قمة) ، ولكن الآن أصبحت القمة دورية

بقرار قمة القاهرة الطارئة أكتوبر ٢٠٠٠م، وعقدت أول قمة عادية في عمان

مارس ٢٠٠١م.

أي أن الجامعة تمتلك على المستوى الفعلي جهاز الجمعية العمومية فقط (على

مستوى المندوبين أو وزراء الخارجية) ، ولكل دولة صوت واحد. بينما لا تمتلك

الجامعة فعلياً جهازاً أمنياً، ورغم توقيع معاهدة الدفاع المشترك بعد ذلك في ١٣/٥/

١٩٥٠م، والذي نصت مادته السادسة على تأسيس مجلس للدفاع المشترك تحت

إشراف مجلس الجامعة، ويختص بجميع الشؤون المتعلقة بالاعتداءات المسلحة التي

تقع على أية دولة عربية، والتشاور في الأمور المتعلقة بأمن البلاد، ودعم الدول

العربية لمقوماتها العسكرية، وتعزيزها، والمشاركة في تهيئة وسائلها الدفاعية

الخاصة والجماعية لمقاومة أي اعتداء مسلح. كما لم ينص الميثاق على إنشاء

مجلس اقتصادي واجتماعي، ولكن تم إنشاؤه بناء على المادة الثامنة من معاهدة

الدفاع المشترك، والتعاون الاقتصادي.

وتفتقد الجامعة فعلياً كذلك لمحكمة عدل عربية لفض المنازعات بين الدول

الأعضاء بالطرق القانونية رغم أن الميثاق في مادته التاسعة عشرة قد نص على

إنشائها، ولم يتم تنفيذها حتى الآن.

كما أن هناك ١٨ منظمة متخصصة تابعة للجامعة العربية كالمنظمة العربية

للتربية والثقافة والعلوم، واتحاد إذاعات الدول العربية، وغيرها من المنظمات،

إضافة للمجالس الوزارية المتخصصة، كمجلس وزراء الإعلام العرب، والداخلية،

والنقل ... إلخ، لم تنجح هذه المنظمات، والمجالس حتى الآن في تفعيل التعاون

العربي المشترك للوصول إلى التنسيق والتعاون الكامل بينها في المجالات المتعددة.

* أهداف غير واضحة:

ورغم أن أية منظمة إقليمية أو دولية تحدد الأسباب الدافعة لنشأتها، وأهدافها

المرحلية والاستراتيجية إلا أن الجامعة لم تحدد في ميثاقها أهداف إنشائها صراحة،

ولكن من خلال نصوص الميثاق يمكن استكشاف هذه الأهداف، وهي تدور في

مجملها حول التعاون والتنسيق والتكامل في شتي المجالات ...

* إنجازات وإخفاقات:

وكما أن الأهداف لم تكن واضحة لم تحدد آليات وخطط لتنفيذها، إلا أن هناك

مجالين أساسيين يمكن تحليل مدى إنجاز وإخفاق الجامعة فيهما وهما:

- المجال الأمني.

- المجال الاقتصادي.

أولاً: المجال الأمني:

فالجامعة حددت مفهوم الأمن القومي العربي في المقام الأول بمقومات الوجود

العربي، وفي مقدمتها الأرض والهوية، وتطوير هذه المقومات، وصولاً إلى

تحقيق الغايات القومية الكبرى، وذلك في مواجهة الأخطار الخارجية والداخلية

القائمة والمحتملة.

وقد حددت دراسة أعدتها الأمانة العامة للجامعة في عام ١٩٩٣م ثلاثة أنواع

من التحديات التي تواجه الأمن القومي العربي، وهي تحديات داخلية وإقليمية

ودولية. وأبرمت الدول العربية في هذا الشأن معاهدة الدفاع المشترك، والتعاون

الاقتصادي التي صادق عليها مجلس الجامعة في ١٣/٤/١٩٥٠م.

وكان للجامعة دور في عدد من التهديدات التي تعرض لها الأمن القومي

العربي، كالعدوان الثلاثي ١٩٥٦م (القمة العربية ببيروت ١٣ - ١٤/١١/

١٩٥٦م) ، ومخططات إسرائيل لتحويل مياه نهر الأردن (مؤتمر القمة العربي

١٩٦٤م) ، والذي اعتبر وجود إسرائيل خطراً يهدد الأمة، كما اعتبر قيامها

بتحويل مياه نهر الأردن يضاعف من خطرها على الوجود العربي. وهزيمة يونيو

١٩٦٧م (مؤتمر القمة بالخرطوم) ، وحرب العاشر من رمضان أكتوبر ١٩٧٣م؛

حيث قرر وزراء البترول العربي في ١٧/١٠/١٩٧٣م، استخدام سلاح البترول

لمساندة الحق العربي، وغيرها من مؤتمرات القمة التي عقدت لمواجهة أزمات تهدد

الأمن القومي العربي، إلا أن هناك قضايا محددة أظهرت ضعف الجامعة في

هذا المجال ومنها:

١ - قضية الغزو العراقي للكويت عام ١٩٩٠م وحل الأزمة في إطار دولي،

وبقيادة أمريكية غربية وليست عربية مما جعل أمريكا حينئذ تفرض أجندتها الخاصة

بالمنطقة والتي تقوم بالأساس على حماية مصالحها في الشرق الأوسط وأهمها النفط،

وحفظ أمن الكيان الصهيوني.

٢ - قضية الصراع العربي الإسرائيلي التي تأثرت كثيراً بالواقع الدولي

والعربي؛ فالجامعة التي بدأت بإرسال المتطوعين إلى فلسطين في حرب ١٩٤٨م،

ثم إنشاء جيش فلسطين في الدول العربية، وقرارات القمة العربية في الخرطوم

١٩٦٧م بعد هزيمة يونيو، والتي رفعت بالإجماع اللاءات الأربعة: لا تفاوض، لا

صلح، ولا اعتراف بإسرائيل، ولا تصرف بالقضية الفلسطينية بغير موافقة الشعب

الفلسطيني.

سرعان ما تأثرت تلك القرارات الصادرة من الجامعة بدءاً من عام ١٩٨٢م

بالدعوة إلى الاعتراف بإسرائيل، وحل قضية فلسطين على أساس قراري ٢٤٢

و٣٣٨، بدءاً من قمة فاس ١٩٨٢م، ثم قرار مجلس الجامعة العربية في دورة

انعقاده العادية السادسة والتسعين في سبتمبر ١٩٩١م (تمهيداً لمؤتمر مدريد أكتوبر

١٩٩١م) ، وقرارها رقم ٥٠٩٢ الذي يرحب بالمساعي الرامية لإقامة سلام عادل

وشامل في الشرق الأوسط على أساس قراري مجلس الأمن رقمي ٢٤٢ و٣٣٨،

ومبادلة الأرض بالسلام.

ولم يكن للجامعة موقف ثابت مميز عن باقي أعضائها، ولكن وضح من هذه

القرارات تأثرها بمواقف أعضائها، خاصة الأطراف القوية فيها؛ فقمة بغداد

١٩٧٨م التي فرضت المقاطعة العربية على مصر بسبب توقيعها معاهدة كامب ديفيد

(تأثراً بالأطراف المتشددة حينئذ خاصة العراق) ، تبعها قمة فاس والدار البيضاء،

واجتماعات مجلس الجامعة المؤيدة لمفاوضات السلام.

٣ - مصادر التهديد المباشر للأمن القومي العربي: فرغم أن أخطرها على

الإطلاق هو الكيان الصهيوني طبقاً لدراسات الجامعة والخبرة التاريخية، وآراء

المتخصصين، إلا أن الواقع العربي يشهد نزوعاً، خاصة في عقد التسعينيات من

القرن العشرين نحو التعاون مع الكيان الصهيوني؛ فهناك ثلاث دول عربية تقيم

علاقات سياسية ودبلوماسية كاملة مع الكيان، وهي بالترتيب: (مصر - الأردن -

موريتانيا) ، إضافة للتعاون التجاري (مكاتب التمثيل التجاري المتبادلة مع تونس

وقطر وعُمان) ، والعلاقات التاريخية المغربية مع الكيان، إضافة لبوادر علاقات

جزائرية صهيونية، ولم يعطل تطور تلك العلاقات الصهيونية العربية، إلا

انتفاضة الأقصى، والضغوط الشعبية الداخلية الرافضة لتطبيع العلاقات مع الكيان

الصهيوني، إلا أنه رغم ذلك فهناك دلائل على التباطؤ الرسمي في مواجهة الكيان

الصهيوني منها:

١ - التخاذل في دعم انتفاضة الأقصى حتى على المستوى المالي.

٢ - إخفاق اجتماع لجان المقاطعة التابعة للجامعة العربية، وأول مرة يجتمع

العدد اللازم لانعقادها على مستوى الخبراء في دمشق يوليو ٢٠٠١م، وليس

المندوبين الممثلين رسمياً لدولهم بحضور ١٣ دولة وغياب دول أخرى كلها ترتبط

بعلاقات مباشرة أو غير مباشرة بالكيان الصهيوني.

٣ - توقيع ١٢ دولة عربية على معاهدة حظر انتشار الأسلحة الكيماوية،

والتصديق عليها عدا: الأردن، الجزائر، البحرين، الكويت، موريتانيا،

والمغرب، وعمان، وقطر، والسعودية، وتونس، والإمارات، واليمن، رغم

عدم توقيع إسرائيل حتى الآن على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية التي وقعت

عليها الدول العربية، وهو الأمر الذي يوضح الفجوة بين تعريف الجامعة للأمن

العربي من ناحية، والاهتمامات الفعلية للدول العربية من ناحية ثانية.

٤ - حتى المناورات العسكرية العربية المشتركة تكون محدودة العدد والعتاد،

وأكبرها دائماً تكون بمشاركة أجنبية خاصة الأمريكية، كمناورات النجم الساطع

بمشاركة: (مصر، والإمارات، والكويت، والأردن) ، إضافة للولايات المتحدة،

ومناورات مرجان: (مصر، والسعودية) ، وفيصل (مصر، والسعودية) ،

وكلها حديثة العهد ومحدودة الأسلحة.

ثانياً: المجال الاقتصادي:

رغم أن الجامعة العربية قد تكون أولى المنظمات الإقليمية التي وقعت على

معاهدة للتعاون الاقتصادي (معاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي

١٩٥٠م) ، إلا أن الواقع العربي الآن يؤكد أن أضعف الروابط الاقتصادية الإقليمية

هي المنطقة العربية.

وقد تشكلت العديد من الهيئات التابعة للجامعة، وتم التوقيع على كثير من

المعاهدات الخاصة بهذا الشأن، ومنها اتفاقية الوحدة الاقتصادية ٣/٦/١٩٥٧م،

والتي نصت في مادتها الأولى على أن «تقوم بين دول الجامعة العربية وحدة

اقتصادية كاملة تضمن بصورة خاصة لتلك الدول ولرعاياها على قدم المساواة حرية

انتقال الأموال والأشخاص، وتبادل البضائع والمنتجات، وحرية الإقامة، والعمل،

والنقل، والتملك، والوصية، والميراث» .

وفي ١٣/٨/١٩٦٤م وافق مجلس الوحدة الاقتصادية على قيام السوق العربية

المشتركة التي وقعت على اتفاقيتها ٤ دول: الأردن، وسورية، والعراق،

ومصر، ثم انضمت إليها: ليبيا وموريتانيا واليمن بإجمالي ١٢٠ مليون نسمة في

الدول السبع عام ١٩٩٥، وتم وضع جدول أو خطة لتخفيض الرسوم الجمركية بين

دول الاتفاقية، وبعد خمس سنوات تبدأ عام ١٩٧٠م تنتهي بتوحيد الرسوم الجمركية

تجاه الدول الأعضاء على خمس مراحل.

ومع عدم تنفيذ اتفاقية السوق ولمحدودية عدد الدول المنضمة إليها، وقرارات

عدد من القمم العربية وأهمها قمة عمان ١٩٨٠ التي وضعت استراتيجية للعمل

الاقتصادي العربي المشترك؛ إلا أنها تعثرت في التطبيق كذلك، وتم التوصل عام

١٩٩٧ الاتفاق على إقامة منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى على أن يبدأ تنفيذها

من يناير ١٩٩٨م لمواجهة تطورات التجارة العالمية في ظل اتفاقية الجات، إضافة

لتزامن ذلك الإعلان مع تطبيق معظم الدول العربية لبرامج الإصلاح الاقتصادية

والهيكلية باتجاه تحرير هياكل الأسعار، والعمل بآلية السوق، وفي ضوء ذلك

أصدرت القمة العربية بالقاهرة ١٩٩٦م تكليفاً للمجلس الاجتماعي والاقتصادي

بالإسراع في إقامة منطقة التجارة الحرة العربية خلال عشر سنوات يتم خلالها

خفض الجمارك البينية بنسبة ١٠% كل عام للوصول لمنطقة التجارة العربية الحرة

الكبرى عام ٢٠٠٧م، إلا أنه ومع مرور ٤ أعوام على بدء تنفيذ الإعلان، واجهتها

معوقات بطء إجراءات التنفيذ والبيروقراطية، والسياسات الاقتصادية التي تحكمها

النظرة المالية الجزئية، وسلسلة الحواجز الجمركية، وغير الجمركية التي ما زالت

يحتمي خلفها عديد من القطاعات الاقتصادية، إضافة إلى انخفاض مستوى الخدمات

المصاحبة للتجارة العربية البينية كالنقل البري، والجوي، والبحري، والخدمات

المالية، والمصرفية، والاتصالات، والمعلومات، وتعقيدات الإجراءات الحدودية،

والجمركية والترانزيت. ومن ثم فلم يصل الخفض في الجمارك إلى ٤٠% خلال

عام ٢٠٠٠م، كما هو مفترض، وذلك بسبب القيود السابقة السالف ذكرها.

* هل يمكن التطوير؟

تم طرح العديد من الأفكار في الماضي لتطوير عمل الجامعة العربية قد يكون

أبرزها اتفاقية الدفاع المشترك، والتعاون الاقتصادي الموقعة عام ١٩٥٠م، والتي

اعتبرها البعض بمثابة تعديل أو تطوير لميثاق الجامعة، إلا أن كل جهود الجامعة

لتطوير وتفعيل دورها في العمل العربي المشترك سواء السياسي، أو الاقتصادي،

أو الأمني يتوقف على عوامل ثلاثة:

العامل الأول: ميثاق الجامعة ذاته:

حيث يقيد الميثاق قدرات الجامعة على التحرك، ويصر على استقلالية الدول

المنضمة، واتخاذ القرارات بالإجماع قبل قمة القاهرة ٢٠٠٠م التي عدلت الميثاق

لاتخاذ القرارات بالتوافق العام، وهي حد من قدرة الأمين العام على الحركة

والتدخل دون طلب مسبق في الأزمات العربية - العربية المشتركة، والتي يقتصر

دوره غالباً على الوساطة.

العامل الثاني: هو الواقع العربي ذاته:

فكلما سيطرت الطبيعة التعاونية على الواقع والنظام العربي خاصة في ظل

وجود تهديد خارجي قوي تكون قدرة الجامعة أكبر على التحرك، واتخاذ القرارات

التي تنطق، وأهمها حرب ١٩٧٣م، والتي نفذت معظم قرارات الجامعة بشأنها

ومنها: استخدام سلاح البترول ضد الدول المؤيدة للكيان الصهيوني، كذلك في قمة

بغداد ١٩٧٧م بتجميد عضوية مصر لدخولها مفاوضات سلام، وتوقيع اتفاقية سلام

مشتركة مع الكيان الصهيوني.

كما أنه عندما يغلب الطابع الصراعي على العمل العربي المشترك يتم شل

حركة الجامعة، ومحاولة التأثير على قراراتها لصالح أحد أطراف النزاع أو

مجموعة دول معينة. وبدأ ذلك مع الغزو العراقي للكويت عام ١٩٩٠م، ثم مؤتمر

مدريد ١٩٩١م، والذي أنهى رسمياً فكرة الحرب في الصراع العربي - الصهيوني،

وتم إجراء كل مفاوضات التسوية المتعددة أو الثنائية خارج إطار الجامعة. إلا أنه

مع اندلاع انتفاضة الأقصي، وتزايد الخطر الصهيوني مرة أخرى على الأمن

العربي، خاصة مع قدوم أرييل شارون - رئيساً للحكومة الصهيونية - في مارس

٢٠٠١م بدأ التعافي يعود للجامعة مرة أخرى مع قرارات قمة القاهرة أكتوبر

٢٠٠٠، التي أقرت آلية انعقاد القمة العربية سنوياً، وقمة عمان مارس ٢٠٠١م،

التي فوضت الأمين العام في وضع خطة التطوير للجامعة ثم قمة بيروت مارس

٢٠٠٢م، ثم قمة شرم الشيخ مارس ٢٠٠٣م.

العامل الثالث: طبيعة شخصية الأمين العام:

والتي غالباً لا تخرج عن أحد طابعين: فإما أن يعمل في إطار الميثاق، أو

يعمل في إطار أقل منه، ويغلب عليه الخمول في العمل، خاصة إذا كان المحيط

العربي مثبطاً (أكبر مثال الفترة من ١٩٩١ - ٢٠٠١م) ، أما الطبيعة الثانية فهي

الطبيعة الحركية، والتي تعمل على تفعيل الميثاق والحركة خارجه، ومحاولة

تطويره ليزيد من قدرة الأمين العام، بل الحركة خاصة إذا كان المحيط العربي

مشجعاً؛ وأبرز مثال على ذلك هما:

الأمين العام الأول للجامعة العربية عبد الرحمن عزام (١٩٤٥ - ١٩٥٢م) ،

الذي كان على درجة وزير مفوض، إلا أن جهوده امتدت حتى الدول الإسلامية

ذاتها؛ وذلك بقرار الجامعة الشهير حينئذ بتبني قضية حرية واستقلال إندونيسيا،

ودعا إلى استقلالها، وطرح هذا الأمر أمام الجامعة التي كانت أول منظمة دولية

تعترف باستقلال إندونيسيا، فضلاً عن تولي عزام لهذه القضية أمام الأمم المتحدة.

أما النموذج الثاني فهو الأمين العام الحالي السيد عمرو موسى الذي تولى

الأمانة العامة في ١٦/٥/٢٠٠١م في ظل ظروف عربية مواتية لدور أكبر للجامعة،

إضافة لطبيعته الحركية والدؤوبة، والذي وضع خطة للنهوض بالجامعة، وتفعيل

دورها استناداً لتفويض قمة عمان له في ذلك.

* واقع جديد:

إلا أن التطورات العربية الأخيرة والتي تمثلت في الاحتلال الأمريكي

البريطاني للعراق، وانتقاد بعض الدول العربية لأداء الجامعة العربية وأمينها العام

أثناء الأزمة؛ حيث اتهمها البعض ممثلة في شخص أمينها العام بالانحياز للعراق

(الموقف الكويتي خاصة) بينما اتهمها البعض الآخر بالشلل أمام الأزمات العربية

الكبرى (بعض المراقبين إضافة لدول مثل ليبيا) طرحت مرة أخرى قضية تطوير

الجامعة العربية على المستوى العربي مرة أخرى، وهنا تم إثارة عدد من مشاريع

التطوير منها مشروع الأمين العام عمرو موسي الذي طرحه منذ تولى الأمانة العامة

للجامعة، ومشروع مصري في إطار البلورة، إضافة لأطروحات سعودية وسودانية

وقطرية وليبية للتطوير لم تحدد معالمها بعد.

* رؤية مستقبلية:

التطورات المتلاحقة أخيراً في العراق والواقع العربي عامة طرحت بقوة

مستقبل الجامعة العربية والنظام العربي بصفة عامة والتي تتمثل في عدد من

الاحتمالات أهمها:

١ - بقاء الوضع على ما هو عليه باستمرار الجامعة على وضعها الحالي

وطبقاً للميثاق الذي يحكم عملها ومرور (الزوبعة) الحالية عن مستقبل الجامعة مثل

سابقاتها منذ حرب الخليج الثانية عام ١٩٩١م.

٢ - احتمال إيجابي بأن يتم الشروع في تنفيذ أي من مشاريع التطوير

المطروحة سواء المصرية أو تلك التي طرحها موسى وشرع في تنفيذها منذ توليه

الأمانة العامة منذ عامين، مع أهمية الإقرار بأن مشروعات التطوير نفسها تعمل في

ظل أطر ومسلَّمات هي من صلب ميثاق الجامعة وتمثل في حد ذاتها عائقاً لا يمكن

تجاوزه لتحقيق مستوى إيجابي من التعاون العربي، أضف إلى ذلك المعطيات

الواقعية والتي لن تجعل لمشاريع التطوير أثراً حقيقياً.

٣ - استمرار الوضع الحالي للجامعة مع نشأة بدائل إقليمية جديدة تحقق

المطالب الأمريكية على وجه الخصوص.

وهنا تبرز أزمة شرعية النظام العراقي الجديد تحت الاحتلال ومدى إمكانية

تمثيله في الجامعة مما يضع الجامعة في مأزق إذا قبلت الحكومة الجديدة أو رفضتها؛

ففي حالة القبول سيتم تأصيل مبدأ عربي جديد بقبول الأنظمة غير الشرعية

والمفروضة من قوى أجنبية، أما إذا تم الرفض فسيكون المأزق في مواجهة القوى

الدولية الكبرى خاصة الولايات المتحدة، ويزيد الوضع سوءاً إذا اعترفت الأمم

المتحدة بالنظام الجديد. وهو الأمر الذي جعل موسى يؤكد في رده على سؤال أحد

الصحفيين أثناء وجوده في الدوحة هذا الشهر حول مستقبل النظام العربي قائلاً:

«النظام العربي مهدد بالفعل بشكل كبير، وعلينا أن نفعل كل ما نستطيع لإنقاذه،

وفي الوقت نفسه العمل على تطويره» .

ويمكن أن يكون الوضع المتوقع بمحاولة أمريكية لتطبيق النموذج الأوروبي

على المنطقة العربية؛ وذلك بالسماح للدول العربية بتطوير علاقاتها الاقتصادية؛

لأن ذلك يخدم المصالح الأمريكية؛ مع انفراد الولايات المتحدة بوضع الخريطة

الأمنية للمنطقة بما يحقق مصالحها الأمنية في المنطقة وهي بالأساس:

- استمرار احتلالها للعراق.

- استمرار وجودها العسكري في الخليج قريباً من منابع النفط.

- حماية أمن الكيان الصهيوني وردع أي دولة تهدده بالوجود القوي والقريب

للقوات الأمريكية في المنطقة العربية.

ويمكن تطوير ذلك بإنشاء حلف عسكري (أمريكي - صهيوني - تركي -

عراقي) في المنطقة يتم فيه ضم الدول الصديقة، واستبعاد وتهديد الدول

والمنظمات المعادية للوجود الامريكي - الصهيوني في المنطقة على غرار حلف

بغداد في خمسينيات القرن العشرين الميلادي أو نموذج الاتحاد الأوروبي

(اقتصادياً) وهيمنة أمريكية (عسكرية) على أوروبا في الوقت ذاته من خلال

حلف شمال الأطلنطي.

٤ - الاحتمال الرابع والأكثر تشاؤماً وهو إلغاء الجامعة العربية مقابل مزيد

من التفتيت للنظام العربي أو للدول العربية، وتطبيق خطة سايكس - بيكو أمريكية

جديدة للمنطقة العربية تقوم على مزيد من التفتيت والإضعاف مقابل مزيد من

الهيمنة والقوة والسيطرة الأمريكية الصهيونية عليها؛ خاصة في ظل توقف وتهديد

بعض الدول عن دفع حصتها المالية في ميزانية الجامعة، وتهديد البعض الآخر

بالانسحاب من العضوية بين الفينة والأخرى (أهمها ليبيا) ، وخلافات بعض الدول

المتزايدة مع الجامعة بالخلط المقصود أو غير المقصود بين الخلاف مع أمين عام

الجامعة عمرو موسى وبين الجامعة كمؤسسة أو منظمة كمسوغ للتهديد بالانسحاب

أو تجميد العضوية أو وقف دفع الحصة المالية في ميزانية الجامعة إضافة لتزايد

مشاكل عضوية بعض الدول لمشاكل واضطرابات داخلية (جزر القمر - الصومال)

أو لفرض حكومات أو إدارات غير شرعية من قِبَل الاحتلال المباشر الأمريكي -

في العراق - والصهيوني - في فلسطين -.

* دلالات هامة:

ما يتعرض له النظام العربي حالياً الذي هو جزء من نظام إسلامي أكبر من

محاولات أمريكية دؤوبة مباشرة أو بالوكالة لتفتيته وإضعافه تثير عدداً من الدلالات

الهامة منها:

١ - أننا في إطار حديثنا عن النشأة الضعيفة والأهداف التاريخية التي وصفها

البعض بالمشبوهة لإنشاء الجامعة العربية يجب التفرقة بين القومية كمبدأ علماني

مرفوض والانتماء والتعاون العربي المنشود كجزء من انتماء وهدف منشود أكبر

وهو الوحدة الإسلامية.

٢ - إن هذا الفشل المتوالي والمتراكم بإرادتنا أو بالضغط علينا للنظام العربي

تؤكد إخفاق القومية كأساس للانتماء مقابل أهمية الإسلام كأساس للانتماء والتعاون

والتعاضد؛ خاصة في مقابل حرب مفروضة علينا تحت شعارات ورؤى دينية

نصرانية أو يهودية، وهذا يؤكد على أن كل الأطروحات القائمة على منطلقات

قومية علمانية لن تقدم للأمة سوى مزيد من الخذلان والتراجع، ويكفي أن التيار

الغالب في الإدارة الأميركية الحالية يدفع بالمنطلقات الدينية إلى الواجهة، وبدون

مواربة.