للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المنتدى]

الباز والرحيل المُرُّ

فارس المحمد البراك

إن من أعظم المصائب وأشدها وقعاً فقْدَ العلماء المصلحين؛ فقد قال -

تعالى -: [وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون] [يونس: ٤٦] ، [أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب] [الرعد: ٤١] قال ابن عباس:

خرابها بموت علمائها وفقهائها وأهل الخير منها، وكذا قال مجاهد أيضاً: هو موت

العلماء، وفي هذا المعنى روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة أحمد بن عبد العزيز

أبي القاسم المصري الواعظ: حدثنا أبو محمد طلحة بن أسد المرئي بدمشق، أنشدنا

أبو بكر الآجري بمكة قال: أنشدنا أحمد بن غزال لنفسه:

الأرض تحيا إذا ما عاش عالمها ... متى يمت عالم منها يمت طرف

كالأرض تحيا إذا ما الغيث حل بها ... وإن أبى عاد في أكنافها التلف

فلقد رُزئت الأمة الإسلامية في جميع أقطار العالم بفقد فذٍ من أفذاذها ورجل

من رجالها ومنارة من منارات العلم، وإمام أهل السنة والجماعة في هذا العصر،

المجاهد في سبيل الحق ونشر الدين، ألا وهو سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله

بن باز - رحمه الله -.

لعمرك ما الرزية فقد مالٍ ... ولا شاة تموت ولا بعير

ولكن الرزية فقد فذٍ ... يموت بموته خلق كثير

إلاَّ أن ما يعزينا فيه أن العلماء وإن غابت شخوصهم فآثارهم موجودة؛ فحياة

العلماء حياة للأمة؛ فهم ورثة الأنبياء. كان - رحمه الله - تقياً ورِعاً زاهداً كريماً، وكان محباً للمساكين وَقاضياً للحوائج، وأحسبه ممن وُضِع له القبول في الأرض.

انظر يا أخي الحبيب! إنه منظر عظيم حين توالَى الناس، واكتظت الشوارع

بالأنفاس، وشهدت بكةُ مشهداً عظيماً من أجل الصلاة عليه، إنه مشهد سطَّر له

التاريخ ودخل بأوسع أبوابه، فلم يأت ذلك إلا بعلمه ومكارم أخلاقه ومن ثم وضع

له القبول في الأرض؛ فلا تجد عاميّاً ولا متعلماً إلا يعرفه، ولا صغيراً ولا كبيراً

إلا ويبكي لفراقه، ولكنْ إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما

يرضي ربَّنا، وإنا لفراقك لمحزونون.

ختاماً أردد شعر فضيلة الشيخ سعود الشريم:

ربّ العباد ألا فاجعل منازله ... علو الجنان له قصر به نهر

واجعل مقاعده تروي مراقده ... ومدّ ملحده فيما حوى البصر

إنَّ العزاء لبيت الباز في علمٍ ... عُوضتموا خلفاً والله فاصطبروا

فرحم الله شيخنا رحمة واسعة، وأسأل الله أن يكتبه في عليين.