للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البيان الأدبي

رسالتان إلى سعد [*]

الرسالة الثانية

شعر: أسامة جاسر

سعد طفل من البوسنة.. تبنته أسرة أمريكية بعد أن فقد عينيه إثر هجوم

صربي.

لماذا الحزن يا (سعد) ؟ ... كساك الخوف والسهدُ

قريب أنت من قلبي ... بعيدٌ والأسى بُعْدُ

وتبكي في صدى نفسي ... فهل لبكائكم ردّ؟

غريبٌ في ديار الكفر ... تشكو والنوى فقدُ

أترضى أن يقال غداً ... فتى الإسلام مرتدّ؟

ولكن ليس ذنبُكمُ ... بريءٌ أنت يا (سعدُ) !

أصدّق جرح نكبتكم ... إذا ما كذّب الرعدُ

أراك مقيّد العينَيْن ... هدّ مسيرك القيدُ

تُعاني فقد أحبابٍ ... وكم ذا يؤلم الفقدُ

وتسأل أمة الإسلام: ... أين العدل والرّشدُ؟

وأين سيوف (عكرمة) ؟ ... وأين بنوك يا (زيدُ) ؟

تقود أسود أمّتنا ... وخيل الله إذ تعدو

فنعم الركب إذ يمضي ... ونعم الخيل والأسدُ

فكم مَنْ وجهه نورٌ ... وكم مَنْ عزمه صلدُ

ونحو الرّوم وجهتهم ... إلى أن حُقّق الوعدُ

ودار الكون دورته ... وضاع العزم والعهدُ

وخيرٌ بعده شرّ ... كذاك الجزر والمدّ

فأين الجيش يحميني؟ ... وأين البأس يا جندُ؟

وأين سيوفكم؟ صدئت ... فعافت لونها الغمدُ

تُنادي جند (معتصم) ... بأرضي عربد الوغدُ

وجال الغدر في داري ... وصال المكر والحقدُ

بحقّ الله أخبرني ... تُرى! هل غادر الوفدُ؟ !

***

بقلبي أنت يا (سعدُ) ... لك التّحنان والودّ

فأنت الجرح مذعوراً ... بصدري فهو يمتدّ

فليس لنزفه حدّ ... وليس لحده صدّ

وأعيا من وصالكُمُ ... فبين وصالنا سدّ

عظيمٌ ما تعانيه ... أليمٌ ما له نِدّ

فحزنك في دُجى بُؤسٍ ... وطالع نجمنا سعدُ

ونشرب من كؤوس الشهد ... يشهدُ عيشنا زُهدُ!

وتشرب أنت كأس الموتِ ... يسكُبها لكم لُدّ

هنا أمنٌ وعافيةٌ ... هناك الخوف والبردُ

(سراييفو) ألا صبراً ... دعائي ما له حدّ

وصبراً يافتى الإسلام ... بُشرى نصرنا تبدو

فيوم النصر موعدنا ... لنا الإكرام والمجدّ

أزيِّنُ بالرّضى شِعري ... فيا ربي لك الحمدُ

وكن يا ربّنا عوناً ... فأنت الخالق الفردُ

***

أزاهر شعري المذبوح ... ضم رفاتها لحدُ

فهل شعري سيسعفكم ... إذا نفَسي به يشدو؟

وهل أزهار أشعاري ... وبيتٌ زانَهُ وردُ

تصدّ قذائف الأعداء ... فوق رؤوسكم تغدو؟

ولكن جهدُ مكلومٍ ... عسى أن يجدي الجهدُ

أداعب مقلةً ثكلى ... يحيط بدمعها الوجدُ

وتصنع نزفَ أعصابي ... جراحٌ ما لها عدّ

وترسم همّ أنفاسي ... دموعٌ ضمّها خدّ

لعلّ الدمع يشفع لي ... إذا ما حوسب العبدُ

فيوم الحشر نخشاه ... إذا ما الحرّ يشتدّ

ونسأل عنك يا (سعد) ... فهل لسؤالهم ردّ؟

صمتنا لا لمكرمةٍ ... ولكن ما لنا بُدّ؟


(*) وصلت القصيدتان إلى المجلة في وقت واحد، ومن بلدين مختلفين، واشتراك الشعور بين مرسليهما جعلنا نشركهما في الظهور في ملف واحد وهما سعدان مختلفان، عسى أن يكون لأولهما موقع قادم يمنع من تكرر مأساة الثاني.