للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

وقفة مع:

المد الإسلامي في أفريقيا

محمد لانج صار

تعتبر إفريقيا إحدى مناطق الصراع العقائدي في القرن العشرين، فقد شهدت

هذه القارة خلال هذا القرن صراعاً عقائدياً مريراً لم تشهده في سابق تاريخها،

ويدور هذا الصراع بين الإسلام الذي يحرص على ترسيخ دعائمه في ربوع القارة،

والنصرانية التي تسعى للتغلغل فيها على حساب الإسلام واليهودية التي يقل وجودها

في القارة بالنسبة لغيرها، ولكنها تعمل كادحة لفك العزلة التاريخية التي طال أمدها

بينها وبين شعوب المنطقة، إلى جانب مذاهب فكرية ونحل باطلة تبث سمومها

الفتاكة بين كل ذي عقيدة ودين.

وتوجد عوامل عدة وراء هذا الصراع العقائدي الذي تشهده الساحة الإفريقية،

تتلخص فيما يلي:

١- الاتصالات المتبادلة بين شعوب القارة الإفريقية والشعوب الأخرى:

حيث تؤكد الدراسات السكانية أن هناك ارتفاعاً مطرداً في الهجرة السكانية من

وإلى القارة الإفريقية، ولا شك أن الاحتكاك بين الشعوب ينتج عنه نوع من الغزو

الفكري والثقافي والعقائدي، إذ لابد من التأثير أو التأثر أو كليهما معا، فإذا كان

الإسلام قد دخل إلى إفريقيا، وانتشر فيها عن طريق الاحتكاك بين الأفارقة وغيرهم

وبخاصة التجار العرب فكذلك النحل والعقائد والمذاهب الفكرية الأخرى الدخيلة التي

لم يكن لها وجود في القارة إنما جاءت عن طريق الوافدين للقارة وعلى رأسهم

المستعمرون الغربيون.

٢- تنازع الدول الاستعمارية في مصالحها داخل القارة الإفريقية:

فالاستعمار الغربي لإفريقيا قد صاحبته محاربة شديدة للإسلام من جانب،

والترويج للنصرانية والعقائد والمذاهب الفكرية الباطلة من جانب آخر ومازال

الغربيون يمارسون هذه السياسة؛ لتصورهم بأن الإسلام قنبلة موجهة ضد الغرب،

واعتقادهم بأن في انتشار الإسلام في إفريقيا تهديداً لمصالحهم وأطماعهم الاستعمارية، ومن هنا ندرك الأسباب التي تدفع الغرب إلى مساعدة الكنيسة العالمية بشتى

مذاهبها، ودعم مؤسساتها التعليمية والاجتماعية والمالية في القارة الإفريقية، حيث

أصبحت الكنيسة بعد إفلاسها في الغرب مجرد سلاح غربي لمحاربة الإسلام.

٣- إفلاس الكنيسة أمام الحضارة الغربية:

فبعد إفلاس الكنيسة في الغرب، وفشلها في تكوين الإنسان الغربي تكويناً

روحياً يتمشى مع حضارته المادية، تنكر الإنسان الغربي للكنيسة وانصرف عنها

باعتبارها عائقاً كبيراً في طريق التطور والتقدم الحضاري وبخاصة بعد فضائح

رجال الكنيسة في القرون الوسطى، وظهور استغلالهم للدين، ومن هنا جرّت

الكنيسة ذيل الهزيمة في أوروبا متجهة إلى إفريقيا حيث توجد ظروف وعوامل عدة

كالفقر والأمية والوثنية يمكن أن تستغلها لنشر مبادئها والتغلغل فيها على حساب

الإسلام، ويؤكد ذلك الاهتمام البالغ الذي توليه الكنيسة للقارة الإفريقية في هذا القرن، والزيارات البابوية المتعددة إلى دول إفريقيا، وما يسود الآن من فكرة أفرقة

القساوسة لتولي المناصب في الكنيسة الكاثوليكية، والاقتراح المقدم إلى الفاتيكان

بأن يتولى أحد الأفارقة السود منصب البابوية في المستقبل.

٤- تزايد الوعي الإسلامي لدى مسلمي القارة الإفريقية:

فبفضل الله وبما من به من الوعي الإسلامي المتزايد لدى مسلمي إفريقيا

وانفتاحهم نحو الرؤية الشمولية للإسلام، أصبح كثير منهم يقاومون أشكال التنصير

التي لم يكن المسلم الإفريقي يفطن وينتبه لها، وقد نشأت في مختلف أنحاء القارة

الإفريقية حركات إسلامية تتزعم هذه المقاومة.

مظاهر الصحوة الإسلامية في إفريقيا:

هناك، وفي وسط الصراع العقائدي المرير تشهد القارة الإفريقية صحوة

إسلامية عارمة، حيث يتزايد المد الإسلامي فيها باطراد رغم كل المخططات

الصليبية الرامية إلى تنصيرها والحيلولة دون انتشار الإسلام فيها، وهذه الصحوة

تتخذ مظاهر عدة منها:

(أ) انتشار المدارس الإسلامية في ربوع القارة:

فما من شك في أن المعاهد الإسلامية والعربية التي يزداد عددها يوماً بعد يوم

في مختلف الدول الإفريقية تساهم مساهمة فعالة في نشر الإسلام وتوعية المسلمين،

وهي تزود الصحوة الإسلامية في القارة الإفريقية بالثقافة اللازمة لنضجها

واستمراريتها، ولاسيما بعد أن انخرط في السلك التعليمي لهذه المدارس أصحاب

الاتجاه الإسلامي من الشباب المسلم المتخرج من الجامعات الإسلامية.

(ب) ظاهرة التزايد المستمر في عدد الكتاتيب ومراكز تحفيظ القرآن الكريم:

ويلاحظ أن هناك عودة إلى نظام الكتاتيب ومراكز وخلاوي تحفيظ القرآن

الكريم في عديد من الدول الإفريقية، فقد انتعشت الخلاوي القديمة التي كانت قد

توقفت لفترة عن أداء رسالتها، وبخاصة إبان الحقبة الاستعمارية التي حاربت

وبشدة كل ما له صلة بالإسلام، كما نشأت كتاتيب كثيرة أخرى في المدن والقرى

والأرياف، وقد زاد الأفارقة من عنايتهم بمراكز تحفيظ القرآن الكريم متهمين الثقافة

الغربية ومؤسساتها التعليمية بالعمل على تدمير القيم والأخلاق في المجتمعات

الإسلامية وبخاصة بين الشباب.

(جـ) كثرة الجمعيات الإسلامية:

فقد نشأت جمعيات إسلامية في مختلف الدول الإفريقية، وهذه الجمعيات مما

لا شك فيه هي دعائم ترتكز عليها الصحوة الإسلامية، وبخاصة أن معظم هذه

الجمعيات تضم في صفوفها عدداً كبيراً من الكوادر والمثقفين بالثقافة الإسلامية

الناضجة ممن تخرجوا من الجامعات الإسلامية والعربية، ولذا نستغرب ما نسمعه

من الهجوم الشرس على تعدد الجمعيات الإسلامية في إفريقيا، واعتبار هذا التعدد

ظاهرة سلبية وسيئة للعمل الإسلامي، إذ لا ينبغي النظر إلى هذا التعدد من الناحية

السلبية فقط؛ لأن الإسلام ينتفع من هذه الجمعيات المتعددة أكثر مما يتضرر بها،

وإن كننا نؤمن بضرورة التنسيق فيما بينها في حقل العمل الإسلامي؛ لأن ذلك هو

السبيل لنجاحها في أداء المهمات المطلوبة منها.

(د) قيام اتحادات للطلبة المسلمين في مختلف الجامعات الإفريقية:

فقد تشكلت عدة اتحادات للطلبة المسلمين في مختلف الجامعات الإفريقية

وتعتبر هذه الاتحادات توجهات إسلامية داخل هذه الجامعات العلمانية؛ ولذا ينبغي

الاهتمام بها، ودعمها مادياً ومعنوياً؛ كي تعطي ثمارها المرجوة في تحويل هذه

الجامعات من التبعية للغرب إلى مواقع استراتيجية للإسلام مستقبلاً بإذن الله.

وتجدر الإشارة إلى أن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض قد

بدأت في تنظيم دورة شرعية للتوعية في جامعة دكار بالتنسيق مع اتحاد الطلبة

المسلمين في هذه الجامعة.

(هـ) التغيير التدريجي في النمط الصوفي القديم:

يلاحظ أن هناك تراجعاً تدريجياً للزعامات الصوفية في إفريقيا ذات النمط

الصوفي الذي كان يتسم بالسلبية والجمود الفكري، وبدأ الاتجاه نحو المنهج

الإسلامي الصحيح بعدما تخرج عدد كبير من الشباب المسلم من الجامعات الإسلامية.

(و) ظهور تدريجي للزي الإسلامي:

فقد بدأ الزي الإسلامي يظهر تدريجياً في أوساط النساء المسلمات في إفريقيا،

وكان ذلك ثمرة طيبة من ثمار الصحوة الإسلامية المتزايدة في القارة ولم يعد من

المستغرب أو النادر أن ترى امرأة مسلمة متحجبة، وأنت تمشي في شوارع بعض

الدول الإفريقية كالسنغال أو كينيا أو مالي.

تلك تأملاتنا في المد الإسلامي المتزايد في إفريقيا، الذي يتطلب منا بذل مزيد

من الجهد والاهتمام بالعمل الإسلامي وتطويره للوصول إلى أهدافنا السامية، وما

ذلك على الله بعزيز.