للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خواطر في الدعوة

[الثقة بالنفس]

محمد العبدة

إن من أخطر الأشياء على الإنسان أن يفقد الثقة بنفسه، فلا يرى أنه أهل

للقيام بالأعمال الكبيرة، أو أن عنده القدرة على التغيير، وبعض الناس قد يسير

خطوات صحيحة وقوية، ثم يتوقف فلا يتابع الطريق، خوفاً من النتائج أو خوفاً

من المستقبل، فهو يشعر أنه حُمّل أكثر مما يقدر على حمله، ويرى الطريق شاقاً

فينكص للوراء عائداً إلى موقعه الأول، آمناً في سربه، وفي الغالب، فإن هذا

الخوف وهم من الأوهام وليس حقيقة، كما قال الشاعر:

وما الخوف إلا ما تخوفه الفتى ... وما الأمن إلا مارآه الفتى أمنا

ومثل هذا إذا واجه صعوبات أو مشكلات فإنه يواجهها بعزيمة مسترخية وهمة

مستخذية، بل هو أقرب إلى أن يقول: [إن بيوتنا عورة] وقد قص علينا القرآن

قصة يوسف (عليه الصلاة والسلام) ، وكان بإمكانه أن يستريح بعد السجن من

العناء، ولكنه قال: [اجعلني على خزائن الأرض] ؛ لأنه يريد أن يقدم خدمة

للدعوة.

وهذه الحالة كما أنها تعتري الفرد، فإنها تعتري الهيئات أيضاً ففي حديثه عن

جمعية علماء المسلمين في الجزائر، قال المفكر الجزائري مالك بن نبي: لقد

وصلوا إلى القمة عام ١٩٣٦م، ولكنهم كانوا كمن ينظر في هذه القمة إلى أسفل

الوادي؛ فأصابهم (الدوار) ؛ ووقعوا في الفخ الذي نصبه لهم أهل السياسة عندما

شاركوهم في الانتخابات والمفاوضات. إنهم كما قيل ينهزمون وهم في قمة النصر!.

إن من أكبر أسباب هذا الخوف التربية التي يتلقاها الإنسان في طفولته ونشأته؛ تربية أدخلت في روعه القبول بالقليل والبعد عن الأخطاء، وحب الاطمئنان،

تربية لم تعلمه المغامرة المدروسة أو اقتحام الأهوال، وأدخلت في روعه أنه رجل

(النصف (فهو نصف متعلم، ونصف متحضر ونصف (حامل رسالة (وهو دائماً

معلّق، يقدم رجلاً ويؤخر أخرى، قد تكون هذه التربية من والديه، أو من المدرسة، وبشكل عام فهي من البيئة التي غذته بهذا الشعور، ولم يتلق أبداً تربية تضع

أمامه (المثال (والقدوة والنظر إلى زعماء التجديد والإصلاح، وأن أعظم مهمة يقوم

بها المسلم هي دعوة الخلق إلى الله، وإرجاع المجتمع إلى حظيرة الإسلام، ولا

أعتقد أنه من السهل إصلاح مثل هؤلاء (المترددين (فالأمل فيهم ضعيف، لأن

المهام العظيمة تحتاج إلى رجال (الفطرة (وليس إلى رجال (القلة) (والذي اعتاد أن

يشعر في مضمار العمل بالخوف والتهيب، والذي يصعب عليه جداً الإقدام على

أمر عظيم، ذاك إنسان قد تعود أسوأ العادات، وقيد بأردأ القيود التي تحول بينه

وبين الاستفادة مما وهبه الله من قوى وطاقات) [١] .


(١) د محمد أمين المصري: المسؤولية ص ٣٠.