للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الورقة الأخيرة

[قد بدت البغضاء من أفواههم]

حسن عبد الغني

بعد أزمة الخليج بأشهر، زار المنطقة المستشرق الأمريكي /فرانك فوجل/

رئيس قسم الدراسات الإسلامية في جامعة هارفارد ودعي لمحاضرة في المركز

الثقافي لمدينة الشارقة، وكان عنوانها (السياسة الشرعية في الإسلام) وكان جل

الحضور من الشباب المسلم لرغبتهم في السماع لعالم يتكلم عن الإسلام ولا يدين به.

بدأ الرجل حديثه بلغة عربية متمكنة، وبلهجة واثقة متأنية، وقدم له أحد

الوعاظ في مدينة الشارقة. تكلم عن سيرته الذاتية وعن دراسته للإسلام، وعن

إقامته في السعودية مدة خمس سنوات يجمع فيها معلوماته النظرية والتطبيقات

العملية في المحاكم الشرعية. وعن إقامته فى مصر لمدة سنتين ولنفس الغرض.

حتى كوّن لديه ذخيرة لا بأس بها عن هذا الدين.

تحدث بشكل مستفيض عن أن الإسلام دين ودولة، واستشهد لأقواله بكلام

السلف وبكتاب ابن تيمية «السياسة الشرعية» وأكد على تفرد هذا الدين بهذا العلم. ثم انتقل للحديث عن النظام الغربي وكيف توصلوا إلى قانون يحكمهم وسمّاه / قانون

الشعب/ يحصل في ظله كل فرد على حقوقه دون تمييز، وبأن هذا القانون مطبق

بشكل واسع في كثير من الدول المتقدمة. وبأنهم يحاولون جاهدين لتطبيقه في العالم

الثالث الذي تحكمه الدكتاتوريات، وبأن الغرب مشفق على شعوبهم.

وعقد مقارنة بين النظام الغربي والنظام الإسلامي وقرر فيه ما مجمله بأن

الزمن قد تجاوز الشريعة الإسلامية التي لم تطبق إلا في فترة محدودة، ليحل محلها

(قانون العالم الحر) وبأن العالم في النهاية سيدين له.

وطبعاً أدخل في ثنايا حديثه قضية المرأة التي أعطيت كامل حقوقها في ظل

قانونهم واستأذنت في المداخلة. ومما قلته له بأن الإسلام عندما طُبِّق في عالم الواقع

استطاع ذمي قبطي أن يقطع مئات الأميال من مصر إلى المدينة المنورة حيث

الفاروق ابن الخطاب - رضي الله عنه - ليشكو إليه ابن أمير مصر عمرو بن

العاص الذي ضربه بالسوط. وما كان من عمر إلا أن أحضر عمرو بن العاص

حاكم مصر وابنه ليقول له كلمته العظيمة: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم

أمهاتهم أحراراً» قم يا هذا واضرب ابن الأكرمين.

ولا أظن بأن هذه الحادثة أو أدنى منها قد حصلت أو تحصل في بلادكم وتحت

سيادة قانونكم، وأنت تقول بأن الغرب يحاول أن يعطي العالم الثالث جرعات من

الديمقراطية ليصل في النهاية إلى ما أنتم عليه، وهذا غير صحيح وفيه مغالطة

كبيرة، لأنه لو قام أفراد أو جماعة في عالمنا الإسلامي يطالبون بحقهم في التعبير،

وبحقهم في المشاركة، وبحقهم في الحرية والإنسانية، لسحلوا بالمدرعات وبتشجيع

من حكوماتكم ومن ساستكم. دعونا نطبق ديمقراطيتكم ولو مرة واحدة لتروا بأن

الشعوب ستختار الإسلام وعندها يطبق في واقع الحياة وترونه بأم أعينكم، وعندها

سيدخل من شاء منكم في دين الله، ويدعو له بين أظهركم.

ولا ندري لماذا تحقدون على الإسلام وتخافون منه، وربما أخطأت بالتعميم

ولكن هذا ما نراه من خلال سياستكم المعلنة والمبطنة. ويبدو أنه مصداق قول ربنا: [ولَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ ولا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ] ، وقاطعني بكلامه

بأنه سوف ينقل هذه الرسالة إلى المسؤولين في بلاده، وقال: إنما جئت للمحاورة.

وطبعاً كان هذا اللقاء قبل انتخابات الجزائر وما تمخضت عنه من فضح لهم وتعرية

لأدوارهم في عالمنا الإسلامي. وفي نهاية المحاضرة توجه نحوي باحترام وأدب

مصطنع وقال: أوافقك على كل ما قلت، وأقولها بصراحة، نحن نعيش وأنتم زمن

الحقبة الأمريكية.