للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مفارقات

[المواعيد]

د. خالد الموسى

سبحان الله لقد أصبح مثلاً أن يتخاطب شخصان عن موعد بينهما بتساؤلات

غريبة:

هل هذا الموعد عربيٌ أم افرنجي؟

ذلك لأن الموعد العربي (حسب زعمهم) متصف دوماً بالتأخير واللامبالاة

والاستهتار، بل والإخلاف بالوعد على نقيض الموعد الإفرنجي أو الانكليزي

بالتحديد الذي يعني دوماً وللأسف دقة الموعد وضبطه.. حتى صار مجالاً للمدح

والإطراء..

إنه لمؤسف جداً أن يتسم أعداء الإسلام ببعض صفات الخلق الاجتماعي

كالوفاء بالوعد والالتزام بالاتفاق وأقول للحق إن هذا الأمر فيما يخص المواعيد

واللقاءات وتحديد الزمن فيها موجود عند غالبيتهم العظمى..

ومقارنة لهذا النظام السائد بينهم وبين غيرهم نجد العكس تماماً فغالبية شعوبنا

لا قيمة للوقت عندهم.. سواء تأخر الشخص ساعة أو ساعات أحياناً أو يهمل

الموعد وينساه أو يتناساه، وما أكثر ذلك.. وسيان عنده الأمر إن حضر للموعد

والتزم بالوقت أو تأخر أو غاب عنه وتخلف.. ويقول لك: ماذا يعني هل خربت

الدنيا واندثر العالم بهذه المخالفة وهذا التأخير.. فيأبى في أعماق نفسه حتى عن

الاعتذار وإظهار الأسف عن التأخر أمام الآخرين مراعاة لشعورهم وأحاسيسهم

وتحرجهم وإحراجهم من هذا التأخير وهذا الارتباط بالموعد..

نسي الكثيرون أن الوقت ليس ملكهم خاصة.. وأن المواعيد ملك للمتعلقين

بهذا الوعد.. وقد يترتب عليها مفسدة بل مفاسد وأضرار تضر بالمصالح العامة أو

الشخصية.. قد تلغي أو تؤجل اجتماعات.. وقد يترتب عليها خسارات مادية

واعتبارات شخصية.. وخلل اجتماعي ... ويكفي أن يتصف هذا الشخص أو ذاك

بأنه كذاب وأنه يخلف الوعود.. وهذه صفة من صفات المنافقين.. يقول -عليه

الصلاة والسلام-: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا

اؤتمن خان» .

وللإنصاف نقول من جهة أخرى: ما زال البعض وخاصة من حملة الرسالة

وحملة الدعوة الصادقين الملتزمين يحترمون هذه الأوقات ويلتزمون المواعيد

والارتباطات ويحثون الناس على احترام المواعيد والمواثيق. وتجدهم أسوة حسنة

ومرآة ناصعة أمام الجميع.

إنها لمفارقة عظيمة أن نستمر في هذه الفوضى وأن نعيش بعيداً عن معتقداتنا

ومنهجيتنا وسلوكنا القويم وتربيتنا الصحيحة السليمة. إنها لمفارقة أن نعترف

لأعدائنا بأنهم يتسمون بالنظام وضبط المواعيد ولأنفسنا بالفوضى واللامبالاة

والتخلف عن الموا عيد..

مفارقة أن لا نحاول ترك الكذب والمراوغة في حياتنا وسلوكنا اليومي وأن

ندع الآفات الاجتماعية برمتها تتراكم متثاقلة فوق أجسادنا وترسخ بكامل وزنها

وثقلها فوق عاتقنا حتى توصلنا إلى مرحلة اليأس من التغيير، والإذعان للأمر

الواقع.

إنه لجديرٌ بنا ونحن أمة القرآن وأمة الإسلام أن نسترد عزيمتنا ونقوم سلوكنا

ونربي أنفسنا ونغير منهجنا لما لا يرضي الله عز وجل ووفق منهج الحق،

والصلاح والاستقامة وأن ننشئ الجيل القادم على الفضيلة والصدق والوفاء وأن

نتمثل ذلك فينا لنكون قدوة حسنة وأسوة طيبة.

إنه لحريٌ بكل منا أن يغير ويبدأ الإصلاح بنفسه ويعاهد الله بالالتزام

بالمواعيد والتقيد بها بدقة أن تجاهد نفسه على تنظيم أوقاته، وارتباطه مع الآخرين، ووالله سيجد لذة ومتعة حينما يجد نفسه التزم مع الآخرين والتزم الآخرون معه،

وعرف قيمة الوقت وتنظيم الساعات.. وهذا لا يكلف الكثير.. مرات ومرات من

المحاولة والاعتياد. فيجد نفسه سار في درب النظام وتعود على دقة المواعيد

وأصبحت جزءاً من حياته اليومية وأصبح قدوة لغيره.

قال تعالى: [إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ] .