خواطر في الدعوة
[طبيعة الإسلام]
محمد العبدة
إن طبيعة الإسلام تأبى أن يقوى عوده، ويعلو شأنه، عن طريق المؤتمرات
التي تعقد في الفنادق الفخمة، وفي الصالات والردهات التي تنفق عليها عشرات
الألوف إن لم نقل مئات الألوف من الدولارات. ويبدو هذا الأمر واضحاً للدعاة
الذين تمرسوا بالدعوة، وعاشوا همومها، وتدراسوا السيرة النبوية وعاشوا مراحلها
من حراء إلى حصار الشعب، ومن الدعوة في الطائف والاتصال بالقبائل إلى
الهجرة والجهاد، ثم بناء الدولة.
إن القرآن الكريم قد ذمّ الترف والمترفين، ونهى المسلمين عن الركون إلى
ذلك، ودعا إلى القصد وعدم الإسراف في شؤون الحياة. كما نهى عن إنفاق
الأموال الكثيرة في سبيل الكماليات ورغد العيش، وهذا أمر مطلوب إذ كان الإسلام
هو الحكم المنتصر، الضّاربُ بجُرّانه في الأرض، فكيف إذا كان في غربة وأهله
مستضعفون متخطفون في الأرض، يحاربهم القريب قبل البعيد؟ !
إن الإسلام لا يقوى إلا بالجهد والتعب، ولا يقوى إلا بالإيواء الذي يوفر
للمسلم الأمن النفسي والاجتماعي، ولا يقوى إلا بالنصرة التي تأخذ للمظلوم من
الظالم، وتحقيق معاني المؤاخاة والموالاة على أرض الواقع وليس في طيات الكتاب
المؤلفة عن (الأخوة الإسلامية) ، [إنَّ الَذِينَ آمَنُوا وهَاجَرُوا وجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ
وأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ والَّذِينَ آوَوا ونَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ] [الأنفال
٧٢] .
منذ أن نشأت ظاهرة المؤتمرات في الفنادق لم نجد لها أثراً كبيراً في تقوية
جبهة الإسلام، وإن ما ينفق عليها يمكن أن يؤسس مدرسة بل كلية في بلاد
المسلمين الفقيرة، كي يتخرج منها مئات الطلبة الذين يتربون على منهج سليم،
وأخلاق عالية، لأن أولئك هم الذين يمكن أن يحدثوا أثراً فعالاً في بلادهم.
كيف نقدم أموالنا للغربيين (أصحاب الفنادق) ثم نقول: إن ما نقوم به هو
خطوة كبرى في سبيل تقدم الإسلام، وإذا كان أمر المؤتمرات بهذه الأهمية فلماذا لا
تكون للمسلمين أماكن مُعدّة لهذا الغرض، وتكون ملكاً لهم حتى لا تذهب أموالهم
سدى.