للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دكاكين جديدة]

يمتد الشارع الإسلامي الثقافي السياسي وعلى جانبيه تفتح الدكاكين أبوابها،

تعرض بضاعتها وتقدمها للزائرين.. كان هذا الشارع مجهولاً، وكان زواره

ومرتادوه قلة قليلة، فيما كانت الشوارع الأخرى تلقى رواداً وزواراً، وتلقى

بضاعتهم رواجاً، كالشارع القومي، والشارع الشيوعي والذي يتفرع منه الشارع

الاشتراكي، وأزقته التقدمية والثورية والناصرية.. الخ، وهناك أيضاً الشارع

الليبرالي التحرري..، أما الآن فقد قلَّ الزوار والمرتادون، وأغلقت بعض

الدكاكين وارتحل روادها، والبعض ظل في دكانه القديم ولكنه فتح فرعاً له في

الشارع الإسلامي الذي يشهد افتتاح أعداداً كبيرة من الدكاكين، وارتفعت لوحات

الإعانات الكبيرة المضاءة.. واشتدت المنافسة بين الجميع، لا على مستوى

الدكاكين فقط بل مستوى بعض المؤسسات والشركات الأهلية، وقبل ذلك على

مستوى الدوائر الحكومية كالبلدية ووزارة الأوقاف الخ

فالبلدية على استعداد لرصف الشارع والقيام بأعمال النظافة، والنظافة من

الإيمان، فالبلدية إذن مشهود لها بالإيمان؟ !

أما وزارة الأوقاف فهي على استعداد لإقامةالسرادقات الطويلة للاحتفال بالمولد

النبوي، مقابل الاحتفال بمولد الزعيم والثورة؟ ! أما وزارة الخارجية فهي على

استعداد لإقامة مؤتمرات على حسابها الخاص، ولكن على أصحاب الشارع تأييد

مواقف الوزارة وتمجيدها، ووزارة الزراعة ستقوم بتشجير الشارع، وستكتب على

كل جذع شجرة اسم الحاكم واسم الوزارة! ! ، وهكذا.

أما عن الشركات والمؤسسات الأهلية: فقد أقامت المشاريع التجارية في

الشارع الإسلامي تحت شعار: (إسلامي) ، فهناك دور أزياء للمحجبات فقط،

وتسريحات شعر إسلامية، وهناك شركات تأمين إسلامية، وهناك موسيقى وغناء

إسلامي.

أما الدكاكين: فبضاعتها متنوعة ومتعددة المصادر، كلها تحت لافتة

(إسلامي) ، وتحت هذه اللافتة تروج تلك البضائع والسلع الكاسدة، كسلعة (القومية)

و (العلمانية) ، وربما (الباطنية) ، على أن أكثر السلع رواجاً في السوق هي سلعة

(الديمقراطية) ، وهناك سلعة (الإنسانية) وسلعة (العقلانية) .

وقد قرر بعضهم إقامة سوق مركزي (سوبر ماركت) مفتوح، يعرض فيه

جميع أنواع البضائع والسلع رغم اختلافها وتباينها، وسيحمل السوق اسم (حوار

الثقافات) .

وهناك مشروع وهو إيجاد قاعة للمؤتمرات.. تضم طاولة مستديرة وكراسي.. يناقش فريق الشارع الإسلامي مع الضيوف الكرام القادمين من إحدى الشوارع

(الصديقة) ، وسيكون اسم القاعة (الحوار والرأي الآخر) ، حيث الاستماع إلى

الآراء والأطروحات من كلا الطرفين، وحول الطاولة المستديرة وعلى الكراسي

الوثيرة مناقشات حول تطبيق الشريعة وإمكانية ذلك.. وحكم الإسلام في

الديمقراطية.. والضيوف الكرام يمطرون الفريق المضيف بوابل من التهم والأسئلة

الحرجة، ليقع الفريق المضيف في الفخ.. ليقدم التنازلات.. تلو التنازلات.. تلو

التنازلات، يتراجع الفريق المضيف خطوة، ويتقدم الفريق الآخر خطوة ونصف

الخطوة، وفي آخر الشارع هناك دكان منزوٍ بعيداً عن الكثير من الجمهور.. حيث

تجارته مع الله لا يريد جزاءً ولا شكوراً من الناس. يقدم ما لديه، يريد سلعة الله

الغالية، على نهج سليم وصراط مستقيم.. إنها طائفة الظاهرين على الحق، لا

يضرهم من خذلهم. وبين هذا الدكان وتلك الدكاكين يوم الجنائز! !