للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

[قادة المقاومة يرسمون خارطة الطريق.. الفلسطينية]

نائل نخلة - أحمد فهمي

يصح لنا أن نطلق على الواقع الفلسطيني اسم «مصنع الوعي» ؛ فهو بحق

واقع ثري وخصب، ومعلم في ذات الوقت، ويظهر هذا الوعي والنضج كسمة

عامة لقادة العمل الإسلامي الفلسطيني، فبينما يُعَدُّ واقعهم في مقدمة الميادين الناسفة

لثوابت الأمة، نجدهم في مقدمة العاملين الذي يعضون على تلك الثوابت بالنواجذ؛

وهذا ليس كلاماً ارتجالياً عاطفياً، ولكنه حقيقة لا جدال فيها، ويمكن تلمسها بسهولة

من خلال هذا الاستطلاع لنخبة من هؤلاء الرموز والقادة، والذي يمكن أن نعتبره

بمثابة خارطة طريق فلطسينية مضادة.

وقد وجهنا إلى المشاركين ستة أسئلة تتضمن أهم المحاور التي تميزت بها

القضية الفلسطينية في مرحلتها الحرجة الحالية، وينتمي أغلب المشاركين بطبيعة

الحال إلى حركتي حماس والجهاد الإسلاميتين، بالإضافة إلى مشاركة من عضوين

في المجلس التشريعي الفلسطيني من المعارضين لحكومة أبو مازن.

وهذه أسماء المشاركين في هذا الاستطلاع حسب الترتيب الأبجدي:

- الشيخ أحمد ياسين: مؤسس حركة المقاومة الإسلامية حماس والزعيم

الروحي للحركة.

- الشيخ جمال الطويل: أحد قيادات حماس في سجون الاحتلال.

- الشيخ حامد البيتاوي: رئيس رابطة علماء فلسطين، ورئيس المحكمة

الشرعية في الضفة الغربية.

- الأستاذ حسن خريشة: عضو في المجلس التشريعي الفلسطيني.

- الأستاذ خالد البطش: أحد قيادات الجهاد الإسلامي في فلسطين.

- الأستاذ طلال الباز: أبو المعتصم ممثل حماس في قلقيلية، والمعتقل في

سجن عسقلان الاحتلالي.

- الأستاذ عبد الجواد صالح: عضو المجلس التشريعي.

- الأستاذ عبد الحكيم حنيني: أحد قادة حماس في السجون، ويقضي حكما

بالسجن ١٨ عاماً.

- الدكتور عبد الستار قاسم: أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح

الوطنية في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية.

- الدكتور عبد العزيز الرنتيسي: أحد أبرز قادة حماس في فلسطين.

- الشيخ عبد الله الشامي: أحد قادة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة.

- الأستاذ عدنان عصفور: عضو القيادة السياسية لحركة حماس في شمال

الضفة الغربية.

- الأستاذ محمد أبو طير: «أبو مصعب» أحد أبرز قادة حماس في سجون

الاحتلال.

- الدكتور محمد الهندي: القيادي البارز في الجهاد إسلامي.

- الدكتور محمود الزهار: قيادي بارز في الحركة ومتحدث باسمها.

- الشيخ نافذ عزام: القيادي البارز في حركة الجهاد الإسلامي.

* مادة الاستطلاع:

س ١: رغم المجهودات الخارقة والتضحيات التي بذلت في الانتفاضة

الأخيرة، إلا أنها حتى الآن، وكما يقول البعض عجزت عن تحقيق أي من

أهدافها الاستراتيجية، ويقول بعض المحللين إن الكيان اليهودي أظهر قدرة غير

متوقعة على تحمل تبعات الانتفاضة، ومن ناحية أخرى فإن الاتجاه العام

للانتفاضة حالياً يبدو وكأنه ينحصر في مجرد الحفاظ على استمراريتها دون دفعها

في اتجاه واضح لتحقيق هدف ملموس؛ فهل نستطيع القول إن الانتفاضة قد

انتهت كسلاح استراتيجي؟

- هذا السؤال ثلاثي التكوين، فأما شقه الأول، والمتعلق بالزعم بأن

الانتفاضة عجزت عن تحقيق أهدافها الاستراتيجية؛ فهذا لم يوافق عليه أحد من

المشاركين، وتنوعت الإجابات بين الإشارة إلى المبالغة في تحديد أهداف

للانتفاضة، وبين التنبيه إلى أهمية التأثير التراكمي للعمل الجهادي، وبين ذكر

لأهداف وإيجابيات عظيمة حققتها الانتفاضة، وبين اعتراف بقصورها عن تحقيق

المراد ولكن لأسباب خارجة.

يقول الدكتور عبد الستار قاسم: «إذا كان هناك من يقف أمام شاشات التلفاز

ويقول إن الانتفاضة تهدف إلى إقامة الدولة الفلسطينية بجوار دولة» إسرائيل «

فتلك كانت مسؤوليته، ومسؤولية من خلفه من رجال السلطة» ، ويؤيده الأستاذ

عدنان عصفور بالقول: «لم يكن متوقعاً أو منتظراً من انتفاضة شعبية بلغت من

العمر ٣٠ شهراً رغم تضحياتها الجسام وإبداعاتها الرائعة، أن تحسم صراعا عمره

مائة عام امتاز بتعقيداته وتشابكاته وتأثيراته العالمية» ، وينبه الدكتور الرنتيسي

إلى نقطة هامة بقوله: «لم تحدد أي من الفصائل الفلسطينية المشاركة في

الانتفاضة عمراً افتراضياً لها، حتى يقال إنها عجزت عن تحقيق أهدافها» ،

ويمزج الدكتور محمود الزهار بين الاعتراف بقصور الانتفاضة ونجاحها بحنكة

فيقول: «استناداً على المحللين قصار النظر أصحاب فكر الهزيمة، يمكن القول

بأن أهداف الانتفاضة الاستراتيجية قد انحصرت، فأهداف الحركة الإسلامية

الاستراتيجية هي تحرير فلسطين» ، وينكر الدكتور محمد الهندي على أصحاب

هذا الفكر: «الحديث عن التضحيات الفلسطينية كمدخل لنشر اليأس وأن شعبنا

بذل هذه التضحيات الخارقة دون أن يحقق شيئاً؛ فهذا بالضبط ما يريده شارون أن

تنكسر إرادة الشعب الفلسطيني ويستسلم» ، لكن الشيخ عبد الله الشامي يقر في

المقابل أن الانتفاضة «لم تساهم في طرد الاحتلال من حدود الضفة الغربية وقطاع

غزة كما حددت لنفسها، ولكنها في الطريق إلى ذلك» .

ويذكِّر الشيخ أحمد ياسين بحقيقة ميزان القوى قبل أن توجه الانتقادات

للانتفاضة، فيقول: «الانتفاضة سلاح استراتيجي بعيد المدى، نحن لا نقاتل

جيشاً لجيش حتى نحسم المعركة في أيام أو شهور أو بضع سنين؛ نحن نقاتل

وجيشاً دولة تملك القوة وكل الإمكانات المادية، لذلك لا بد أن تبقى مقاومتنا

مستمرة» .

وعن تأثير العامل التراكمي، يقول الشيخ عبد الله الشامي: «عامل الزمن

مهم جداً في تراكم الخسائر البشرية والمادية للعدو الصهيوني، بما يجعل تكاليف

بقاء الاحتلال باهظة وغير محتملة» ويوافقه على ذلك الدكتور محمد الهندي بقوله:

«نحتاج إلى وقت لكي نراكم في هذا الصراع نقاط قوة أو نقاط ضعف، وفي

هذه الانتفاضة كما في الانتفاضة الأولى نحن نراكم نقاط قوة، وندفع المشروع

الصهيوني في فلسطين للخلف» ، ويقول الأستاذ خالد البطش: «الاحتلال لا

يرحل دفعة واحدة، بل بتراكم هذه العمليات واستمرار الانتفاضة» .

أما إيجابيات الانتفاضة والتي تحققت حتى الآن، فلديهم منها الكثير. يقول

الاستاذ عدنان عصفور: «انتفاضة الأقصى حققت الكثير من أهدافها والمتمثلة في:

- إعادة الصراع إلى أصوله: صراع بين مشروعين: إسلامي وصهيوني إمبريالي

- استنهاض الأمة وتجديد روح الجهاد - زعزعة أمن واستقرار الكيان الغاصب

واستنزافه - دحض هشاشة وسرابية مشاريع التسوية السلمية للقضية، وبهذا تكون

الانتفاضة قد قرّبت ساعة الحسم ومهدت لمعركة الفصل» .

ويتحدث الشيخ نافذ عزام عن مسوِّغات الانتفاضة باعتبار ذلك من إيجابياتها:

«كان لا بد من تحرك شعبي يعلن رفض الاستسلام، ويؤكد التمسك بالثوابت،

وكان لا بد من الانتفاضة لتسقط وهم التعايش مع العدو، وإخفاق محاولات التطبيع

معه» . ويضيف الأستاذ حسن خريشة إلى ما سبق: «نجحت الانتفاضة في

توحيد الشعب الفلسطيني، وأعادت للذاكرة العربية الجماعية مركزية القضية

الفلسطينية، وزادت الأنظمة الرسمية العربية إحراجاً فوق عجزها السابق؛ بحيث

ظهرت قضية الشعب الفلسطيني كطائر الفينيق؛ حيث كلما اعتقدوا أنهم تخلصوا

من القضية عادت إلى المركز مجدداً وبأشكال أخرى» ، ويقول الشيخ جمال

الطويل: «الانتفاضة واستمراريتها فضحت الهزيمة الرسمية عام ٤٨ وعام ٦٧

وجزء من ٧٣ وما تلا ذلك، كان بودنا أن تتعلم العواصم أنها لا يجوز أن تسقط

وفي قادتها وشعوبها عرق ينبض» . ويقول الشيخ حامد البيتاوي: «الدول

العربية بأكملها لم تكبد العدو ما كبده شعبنا في انتفاضة الأقصى» . ويختم المجاهد

محمد أبو طير هذه النقطة بقوله: «المجهودات لا ضياع لها ولها أجرها عند من

لا تضيع عنده أعمال.. الله سبحانه وتعالى، من هو الذي يقول إن الانتفاضة

عجزت عن تحقيق أي من أهدافها الاستراتيجية أين هو وما هو حظه في

الانتفاضة؟» .

أما الأسباب التي عوقت الانتفاضة عن تحقيق أهدافها الأخرى، فيذكر الشيخ

عزام أن «منها ما يتعلق بعجز الحكومات العربية عن استثمار حالة المقاومة التي

خلقتها الانتفاضة، وعدم رغبتها في الضغط على أمريكا و» إسرائيل «، ومنها

ما يتعلق بالدعم الأمريكي اللامحدود لـ» إسرائيل «سياسياً وعسكرياً واقتصادياً،

وعدم وجود موقف أوروبي جاد، كل تلك الأسباب جعلت الأمور أكثر تعقيداً،

وأظهرت الفلسطينيين وكأنهم وحدهم في هذه المعركة» . ويحلل الدكتور الرنتيسي

الموقف استناداً على تجربة الانتفاضة الأولى فيقول: «أشعل الشعب الفلسطيني

انتفاضته الأولى عام ١٩٨٧م، وقد شكل بذلك ضغطاً هائلاً على الكيان الصهيوني،

اضطره إلى البحث عمن يوفر له الأمن في أوسلو أي أن العدو الصهيوني تمكن

من اختراق الصف الفلسطيني، ومن ثم تمكن من الإفلات من قبضة الانتفاضة،

واعتمد الصهاينة نفس الأسلوب عبر ما يسمى بخارطة الطريق، فوجدوا مرة ثانية

من ينقذهم من الضغط الهائل» .

أما الشق الثاني من السؤال: والذي يتناول قدرة العدو اليهودي على تحمل

ضغط الانتفاضة، فقد رفض الجميع هذه الفكرة، واعتبروا أن اليهود تكبدوا من

الخسائر ما لم يتعرضوا له من قبل. ويقول الدكتور قاسم: «استطاع العدو أن

يمتص الضربات، ولكن بثمن باهظ حتى الآن، ولم يعتد عليه في السابق، لقد

انتقلت المعركة إلى داخل تجمعاته السكانية» . ويقول الدكتور الهندي: «أما أن

الكيان العبري أظهر قدرة على تحمل تبعات الانتفاضة فهذه مسألة مشكوك فيها،

الكيان العبري ضرب في مفاصله» . ويستشهد الشيخ أحمد ياسين بأكاديمي يهودي

فيقول: «كتب بروفيسور إسرائيلي قبل أيام يقول إن إسرائيل ستنهار خلال عشر

سنوات، إذا ما استمرت الانتفاضة» . ويقول الشيخ جمال الطويل: «هل

يستطيع أحد أن ينكر ضعف إن لم يكن وقف الهجرة إلى فلسطين، وبدلاً منها

الهجرة المعاكسة إلى الخارج، أم أن الأعين تتعامى عن رؤية الفراغ في

المستوطنات الذي خلفته هجرة سكانها إلى داخل الخط الأخضر» . ويقول الشيخ

البيتاوي: «أكبر خسارة أوقعها شعبنا في العدو هو الرعب والخوف الذي ملأ

قلوب الصهاينة جميعا من عسكريين ومدنيين ومستوطنين» . ويقدم المجاهد عبد

الحكيم حنيني نظرة تحليلية متعمقة للأمر، فيقول: «بالنسبة للكيان وقدرته على

تحمل أعباء الانتفاضة؛ فرغم ما يعانيه من فقدان للأمن وانهيار الاقتصاد، إلا أنهم

ينظرون إلى المسألة على أنها صراع وجود؛ لذلك يدافع عن وجوده بكل ما يملك

من قوة، مبدياً نوعاً من الصلابة» .

أما الشق الثالث من السؤال: عن تراجع الانتفاضة كسلاح استراتيجي، فهو

طرح مرفوض، لكن مع التوضيح، يقول الدكتور قاسم: «الانتفاضة الفلسطينية

كأعمال احتجاجية قد انتهت منذ زمن بعيد وحل محلها المقاومة الفلسطينية» .

ويقول الدكتور محمد الهندي: «إذا تعاملنا مع الانتفاضة على أنها مشروع مقاومة

يمكن أن يتطور ونبني عليه، فإن الانتفاضة لن تنتهي؛ لأننا نملك اليوم بناءً حقيقياً

وفاعلاً وديناميكياً، أما إذا تعاملنا معها كعامل لتحسين شروط التفاوض، فإنها تنتهي

بالعودة إلى التفاوض» . ولذلك يقول الأستاذ البطش: «الشعب الفلسطيني لا

يملك في الوقت الحاضر أي سلاح استراتيجي آخر أفضل من الانتفاضة» . ويؤكد

الشيخ الشامي على ذلك بقوله: «ستبقى الانتفاضة والمقاومة سلاحاً استراتيجياً

للشعب الفلسطيني في ظل قلة العتاد وقلة النصير» . ويبين الدكتور الرنتيسي أن

قصور الانتفاضة ليس من داخلها «لو أن الانتفاضة أعطيت فرصتها بعيداً عن

المحاولات المحمومة من البعض لتقديم المبادرات أو القبول بالخطط، لاختصرنا

الوقت نحو الهدف» .

س٢: حقبة أبو مازن القادمة، هل هي مقصودة لذاتها من قِبَل

«الإسرائيليين» والأمريكيين؟ أم أنها مرحلة انتقالية لما بعدها؟ ولمن بعده؟

- أضاف المشاركون أبعاداً جديدة للسؤال لم تطرح، ومن أهمها: لماذا جاء

أبو مازن؟ وللإجابة على ذلك يقول الشيخ عزام: «الحصار المفروض على

الرئيس الفلسطيني أمريكياً وإسرائيلياً يهدف إلى معاقبته على تجرئه على رفض

الاستجابة للضغوط؛ لذلك أصرت أمريكا على استحداث منصب جديد يتيح لها

إجراء مفاوضات مع الفلسطينيين» . ويقول الشيخ الشامي: «تعودنا دائماً حين

يخفق العدو الصهيوني في مواجهة انتفاضة الشعب الفلسطيني ومقاومته أن يلجأ إلى

بديل فلسطيني يقوم بخداعه ليقوم بتمرير مشاريع الاحتلال» . ويزيد الشيخ ياسين

الأمر وضوحاً بقوله: «العدو الأمريكي الإسرائيلي دائماً يفتش عن رجل المرحلة

الذي يخدم أهدافهم وسياساتهم، كان في المرحلة السابقة أبو عمار، لكنه لم يعطهم

كل ما يريدون، فتخلوا عنه لصالح أبو مازن، عندما يعجز أبو مازن عن تنفيذ كل

ما يريدون، بالتأكيد فسيفتشون عمن بعده، ليناسب المرحلة» .

يتفق أغلب المشاركين على أن حقبة أبو مازن هي مجرد مرحلة لها ما بعدها،

ويحاول الدكتور محمد الهندي أن يبين الخلفية السياسية التي تحكم الأميركيين

والإسرائيليين في هذا المجال، فيقول: «إسرائيل وأمريكا تهتمان بما يحدث على

الأرض بغض النظر عن الأشخاص، عرفات وقعوا معه اتفاقات، واستقبلوه في

البيت الأبيض أكثر من ١٥ مرة؛ لكنهم الأن يريدون تجاوزه؛ المشكلة إذن مع

الحدود الدنيا التي قبلها المفاوض الفلسطيني ودخل مفاوضات أوسلو على أساسها» ،

ويضيف: «بناء على ذلك فإن إسرائيل تتعامل مع السلطة كوظيفة لتحقيق الأمن

للاحتلال؛ لذلك كل المراحل ستكون انتقالية، والفرق في التوقيت فقط» .

ويؤكد الدكتور الرنتيسي على كونها مرحلة انتقالية، مع بيان الغرض منها،

وهو: «خلق وقائع جديدة على الأرض - محاولة تفجير الوضع الفلسطيني من

الداخل - بناء المستوطنات - شق الطرق الالتفافية - تهويد المقدسات - نشر

اليأس» . ويضيف القيادي طلال الباز: «حكومة كهذه يراد منها جر الشعب

الفلسطيني إلى اقتتال داخلي، لفرض أجندة جديدة، وإنقاذ إسرائيل» .

أما لماذا أبو مازن بالذات، ومدى صلاحيته لهذه المهمة؟ فيقول الأستاذ حسن

خريشة إن: «وجود أبو مازن لم يكن مصادفة، فالرجل وباعترافه شخصياً قاد

حواراً فلسطينياً إسرائيلياً منذ سنوات السبعين في القرن الماضي، وهو صاحب

نظرية التهدئة» .

وإذا كان الحديث يدور حول أن أبو مازن مرحلة، وليس غاية؛ فمن يمكن

أن يخلفه؟ يجيب الشيخ عبد الله الشامي على ذلك قائلاً: «أبو مازن لا يشكل

فرس الرهان للعدو، لأنه ليس زعيماً، هو في نظرهم محطة انتقالية حتى ينضج

الشخص الذي يقومون ببنائه وإعداده للمرحلة المقبلة، وتنضج الظروف المناسبة

لتوليه، وهذا الشخص بات معروفاً حين أصر الأمريكيون والصهاينة على دخوله

حكومة أبو مازن في مواجهة رفض أبو عمار» . ومفهوم طبعاً أنه يشير إلى محمد

دحلان الوزير الأمني في الحكومة.

القيادي الوحيد الذي رفض كون هذه المرحلة انتقالية، هو الشيخ نافذ عزام،

ويفسر ذلك بالقول: «المطروح عبر خارطة الطريق: العمل على إيجاد حل

نهائي للقضايا العالقة (القدس - المستوطنات - اللاجئين) وإذا كانت المرحلة

انتقالية؛ فعلى أي شيء يراهن الأمريكيون والإسرائيليون» .

أما مصير هذه الحكومة، واحتمالات نجاحها، فاكتفى المشاركون بالإشارة

إلى ما يكتنفها من غموض وخطورة. يقول الأستاذ عبد الجواد صالح: «حقبة أبو

مازن حبلى بكثير من التطورات، ولا نستطيع أن نجزم بالفعل ما هو المولود القادم

لهذه الحكومة» ، ويضيف: «أبو عمار ضرب المقاومة وضرب حماس، ولكن

لم يعطوه شيئاً وبالعكس زادوا الغطرسة والاستعمار الاستيطاني» ، ويلفت طلال

الباز إلى أنه «تلقائياً هذه الحكومة ستنتهي كمطلب جماهيري و (إسرائيلي) نظراً

للآثار السلبية التي أحدثتها» ... أو ينتظر أن تحدثها.

س٣: موقف الشعب الفلسطيني من الانتفاضة، وعرفات، وأبو مازن،

وخارطة الطريق.. إلخ يبدو غامضا، خاصة في ظل انعدام أدوات ذات مصداقية

لقياس الرأي العام؛ فإلى أي مدى يمكن للشعب الفلسطيني أن يصمد في الصراع

القادم بين الانتفاضة وبين خارطة الطريق؟

- تنوع التقويم لموقف الشعب الفلسطيني من الانتفاضة، ويمكن ملاحظة

ثلاث اتجاهات في هذا المجال؛ فهناك من يعرب عن ثقته المطلقة في الشعب،

وآخرون يقولون إن الفلسطينيين ازدادت خبرتهم وتجربتهم، ولذلك يبدون صموداً

أكثر، وآخرون يعلقون الأمر على حركات المقاومة، وأن صمودها هو الذي سيدفع

الشعب للصمود، أو العكس.

ويعبر الأستاذ عدنان عصفور عن الاتجاه الأول بقوله: «الشعب الفلسطيني

شعب مسيّس إلى حد بعيد، وهو قادر على التمييز بين ما هو لصالحه وما هو ضده،

وهو قد قرر (بنسبة ٦٧%) أن خيار المقاومة هو الخيار الامثل» ، ويقول

الشيخ جمال الطويل: «نحن نثق بشعبنا الفلسطيني وحسه الواعي، شعبنا ينحاز

إلى الانتفاضة باعتبارها خياراً لا رجعة عنه، ويرفض خارطة الطريق؛ لأنه

يرفض أن يعود إلى متاهات التفاوض، وفي أحد استطلاعات الرأي أعطى شعبنا

٢% فقط لأبو مازن» .

ويضيف الشيخ عبد الله الشامي بُعداً هاماً لرصد التغير في موقف الشعب

الفلسطيني؛ حيث يقول: «الشعب الفلسطيني لديه من طاقة الصمود أضعاف

أضعاف ما ظهر منها حتى الآن، خصوصاً في ظل التحول الواضح باتجاه الإسلام،

بعدما كان العنوان النضالي لمراحل طويلة علمانياً ماركسياً، وتعرفون أية طاقة

وأي إرادة يعبئها الإسلام للشعوب المقاومة والمضحية» .

ويدلل الدكتور محمد الهندي على الموقف الفلسطيني المؤيد للمقاومة بأمرين:

أولهما: «بعد نشر خارطة الطريق أصدرت لجنة المتابعة التي تمثل جميع

الفصائل الفلسطينية، والتي تقود النشاط السياسي للانتفاضة، بياناً أكدت فيه على

استمرار الانتفاضة والمقاومة طالما استمر الاحتلال والعدوان» .

أما الثاني فهو: «آخر استطلاع للرأي نشرته مؤسسة رسمية تابعة للسلطة

الفلسطينية قبل عشرة أيام، أظن أن حوالي ٧٦% من المستطلعة آراؤهم مع

استمرار الانتفاضة بشكلها الحالي» .

ويضيف القيادي محمد أبو طير مؤشراً آخر، حيث يقول: «اسألوا أطفالنا

هم نبض الشارع الفلسطيني» ، أما الشيخ ياسين فيلفت إلى مؤشر واضح للعيان

وهو «المسيرات الضخمة التي تخرج من وقت لآخر بعشرات الآلاف بل بمئات

الآلاف في الشوراع، تعلن وقوفها إلى جانب خيار المقاومة، وتكذب كل

استطلاعات الرأي التي تزيف الحقائق» .

أما الاتجاه الذي يتحدث عن زيادة خبرة وتجربة الفلسطينيين، فهو يوحي بأن

المواقف القديمة لم تكن على مستوى كبير من الوعي والنضج. ويقول الدكتور

الرنتيسي: «صمود الشعب الفلسطيني في وجه خارطة الطريق سيكون أسهل

بكثير من صموده في وجه أوسلو، الشعب أصبح صاحب تجربة غنية في المواجهة،

وبعد أن تبين أن طريق المفاوضات لا يعني إلا تآكل الوطن تدريجياً فإنه اليوم

أقدر على مواجهة الخطط الأمنية التآمرية» . ويتحدث الشيخ أحمد ياسين بصراحة

أكثر، فيقول: «عليكم أن تتذكروا أن الشعب الفلسطيني من عام ٩٦ وقف متفرجاً،

والحركة تضرب، وأبناؤها تُمزق عظامهم ولحومهم تحت التعذيب في الزنازين،

لأنه ظن أن الاحتلال سيرحل، وأن الدولة الفلسطينية في متناول اليد، حتى وصل

الحال في بعض الناس أن يلقوا أغصان الزيتون على جنود العدو الإسرائيلي، أما

اليوم فقد تغير الحال وأدرك الشعب الفلسطيني أن لا خيار أمامه غير المقاومة» ،

ويضيف الأستاذ حسن خريشة نوعاً آخر من التجربة «القسرية» والتي يعتبر أن

لها تأثيراً في تأييد الفلسطينيين للانتفاضة، فيقول: «قدرة الشعب الفلسطيني على

الصمود أكبر مقارنة مع المجتمع الصهيوني، على اعتبار أن تطور المجتمع

اقتصادياً يعني قدرة أقل على الصمود في الصراعات الطويلة، بالإضافة أن الشعب

الفلسطيني ظهره الآن للحائط وليس لديه ما يخسره» .

الاتجاه الثالث في تقويم موقف الشعب الفلسطيني، يعتبر أن حركة هذا

الشعب سلباً وإيجاباً ترتبط إلى حد كبير بحركة فصائل المقاومة، ويتبنى الدكتور

قاسم هذا الاتجاه، فيقول: «استطلاعات الرأي التي تجرى في فلسطين غير

محايدة ولا يمكن الاعتماد عليها، ولكن ما يسمعه المرء في الشارع الفلسطيني هو

تعليقات إما غير مكترثة أو ساخرة؛ وكأن الأمر يجري في نيبال أو ملاوي،

وبالنسبة لخريطة الطريق، أغلب الشعب الفلسطيني لا يعلم على ماذا تنص، وإنما

الانطباع العام أنها لا تحمل خيراً؛ لذلك يبقى الأمر بيد فصائل المقاومة التي تقرر

مسألة استمرار المقاومة» . ويشير القيادي طلال الباز إلى قريب من ذلك بتأكيده

على أن هذا الشعب «بحاجة لدعم صموده واستمراريته، وهذا منوط بمن يوفر له

المال والطعام والسلاح، والسؤال هل تسطيع حركة حماس أن تلعب هذا الدور،

وإلا فسوف يكسر هذا الشعب» . وفي نفس الوقت يحذر طلال من أنه لا يزال

«قسم لا بأس به ينظر لعرفات كرمز مقاومة خالدة، وقيادة تاريخية له لا

يمكن تجاهله» .

وأخيراً، يؤكد عدد من المشاركين على أهمية اعتبار البعد الرباني في تحول

مواقف الجماهير، وتحليها بالصبر والثبات؛ حيث يقول الشيخ أحمد ياسين:

«الله وعد الصابرين بالنصر في النهاية؛ فلماذا لا نصبر حتى يهزم هذا العدو

وينهار: [وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ] (يوسف: ٢١) ؟

ويقول الأستاذ خالد البطش:» نحن كمسلمين لا نغفل العامل الغيبي، وهو قدرة الله

تعالى؛ لذلك فإن الانتفاضة على شعبنا، والنصر من عند الله «.

س٤: ما هي التنازلات المؤلمة التي تحدث شارون عن استعداده لتقديمها

في حال نفّذ الفلسطينيون شروطه، وهل يمكن أن تسمح الدولة اليهودية حقيقة

بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، ولو بعد حين، وما هي مواصفات هذه الدولة؟

- يتطلب هذا السؤال أيضاً الإجابة على ثلاث نقاط:

نبدأ بأولها: وهي حقيقة ما يدعيه شارون من تقديم تنازلات مؤلمة لتسويق

خارطة الطريق، وفي مقابل التنازلات الفلسطينية القاتلة وليس المؤلمة، والذي

يتضح من إجابات المشاركين أن الخبرة بشارون وأساليبه ووعوده شارون لا

يستهان بها. ويقول الأستاذ عدنان إن هذه التصريحات» تضليل وخداع

للفلسطينيين ليسارعوا في تنفيذ استحقاقاتهم التي ستؤدي إلى حرب أهلية فلسطينية،

الأمر الذي سيعفيه شارون من تنفيذ التزاماته «. ويتساءل الشيخ عزام:» نحن لا

نعرف ما هي هذه التنازلات المؤلمة، ولا نظن أن أحداً يعرف تلك التنازلات «.

ويؤكد الشيخ ياسين:» شارون لا يريد التنازل للفلسطينيين عن أي شيء، عقيدته

عقيدة ترانسفير، ويحاول البعض تحديد واستنتاج ما يقصده شارون حقيقة بهذه

التنازلات، فيقول الدكتور قاسم إنها: «إخلاء خمس مستوطنات لا يتجاوز عدد

سكانها الألفي نسمة، وتكلفهم مبالغ طائلة من الناحية الأمنية، ومن المحتمل أن

يعني إعادة فتح بارات إسرائيل أمام روادها من كبار رجالات السلطة» . ويقول

الدكتور الزهار: «التنازلات المؤلمة هي أن يرفع بيوت متنقلة وضعها يوم السبت

ليرفعها يوم الأحد» . ويسخر الدكتور الهندي من تنازلات شارون، فيقول إنه

«كبادرة حسن نية، قام بتفكيك بؤرة استيطانية عشوائية، هي عبارة عن كرفان

غير مسكون، موضوعة عشوائياً على قارعة طريق ما، ويتم تسويق ذلك أنه

تنازل مؤلم» ، ويضيف بنفس اللهجة: «هناك حوالي ٧٠ بؤرة بهذا الشكل

جاهزة للتنازل المؤلم، بينما النشاط الاستيطاني يستمر بالمدن تحت ذريعة حاجة

النمو الطبيعي للمستوطنات» ، ويذكر الأستاذ خالد البطش بعض التنازلات عديمة

القيمة الاستراتيجية المحتملة: «حرية الحركة للمسوؤلين في السلطة، وسحب

الدبابات والجنود الإسرائيليين إلى مواقعها التي كانت بها قبل ٢٨/٩/٢٠٠١م،

وتسهيل الحركة التجارية بين الضفة وغزة، ووقف استهداف المراكز الأمنية

الفلسطينية» . ويبلور القيادي الأسير طلال الباز المأساة بقوله: «الذي يؤلم

شارون هو تفكيك بعض المستوطنات والتنازل عن البعض الآخر؛ بينما نحن نتألم

لضياع ثلاثة أرباع فلسطين، وحسبنا الله ونعم الوكيل» .

النقطة الثانية في السؤال، تتعلق بتوفر نية حقيقية لدى اليهود لإقامة دولة

فلسطينية. والإجابة في العموم هي استبعاد ذلك تماما، وفرّق أغلب المشاركين بين

أن يوافق اليهود على إقامة دولة حقيقية، وبين أن يوافقوا على إطلاق مسمى الدولة

على كيان هلامي، يقول الدكتور الزهار: «إن الحديث عن دولة فلسطينية هو من

قبيل» العلاقات العامة ليس إلا «. ويقول الشيخ جمال الطويل حاسما القضية:

» لا التوجه الأيديولوجي، ولا التركيبة الحالية لحكومة الاحتلال تسمح بإقامة

دولة فلسطينية متواصلة الأطراف، فضلاً عن أن تكون مستقلة لها سيادتها «.

ويقول الشيخ عزام بنفس الثقة:» لن تسمح إسرائيل سواء الآن، أو غداً، أو بعد

مائة عام، بقيام دولة فلسطينية بسيادة كاملة وبحدود واضحة وبجيش حقيقي «.

ويذكّر الشيخ عبد الله الشامي بأن» العدو الصهيوني يعتبر قيام أي دولة فلسطينية

أول مسمار في نعش دولة إسرائيل فلذلك هو يريدها وفق مقاييسه «. ويقول

الدكتور الرنتيسي:» من اعتقد أن الصهاينة يمكن أن يوافقوا على قيام دولة

فلسطينية ولو على مساحة قرية واحدة من قرى فلسطين المغتصبة فهو مخطئ «،

ويذكر بموقف لهيلاري كلينتون زوجة الرئيس الأميركي السابق، وعضوة

الكونجرس عن ولاية نيويورك، فيقول:» اضطرت هيلاري كلينتون إلى

الاعتذار عشرات المرات عندما تحدثت يوماً عن حق الشعب الفلسطيني في إنشاء

دولة «. ويشير الأستاذ عبد الجواد صالح إلى معنى جديد، فيقول:» من شبه

المستحيل أن يقوم شارون بتنازلات حقيقة؛ لأنه من أصحاب المبادئ التي تقول

إن فلسطين في الضفة الشرقية وليس غربي نهر الأردن «.

ويشير القيادي الأسير عبد الحكيم حنيني إلى حقيقة سياسية:» الدولة

الفلسطينية حسب مقاييس شارون، تم رفضها بنسبة ٩٠% في مركز حزب الليكود،

وعلى هذا لا يمكن، بل من المستحيل إجراء أي تنازل مهما كان صغيرا، أما في

حال سقوط الحكومة وإنضمام حزب العمل + حزب التغير + جزء من حزب الليكود،

فيمكن أن تقدم إسرائيل بعض التنازلات، وطبعا هذه التشكيلة من المستحيل أن

تتكون في المرحلة الحالية «.

إذن ما هي مواصفات الدولة حسب الرؤية اليهودية؟ وهذا هو الجزء الثالث

من السؤال، ويبادر الدكتور محمد الهندي بتوضيح جيد، فيقول:» ليس هناك

مشكلة في العقلية التلمودية من إقامة دولة أو إمبراطورية فلسطينية إذا كانت عبارة

عن معازل محاطة بـ إسرائيل من كل مكان وليس لها جيش أو سيادة حقيقية، ولها

وظيفة واحدة هي حماية أمن إسرائيل وسمها بعد ذلك ما تشاء «. ويقول الشيخ

عزام:» قد تقبل إسرائيل بوجود كيان فلسطيني، وإطلاق اسم دولة على ذلك

الكيان، لكن لا يمكن على الإطلاق أن تزيل إسرائيل المستوطنات الكبيرة «.

ويصف الشيخ الشامي هذه الدولة» المسخ «بأنها» دولة منزوعة السلاح،

تسيطر إسرائيل على معابرها وأجوائها، تؤدي وظيفة أمنية للاحتلال مع بقاء بؤر

الاستيطان الصهيوني في قلبها «. ويؤكد الدكتور الرنتيسي:» حتى أكبر

المتفائلين بسماح الصهاينة بقيام دولة فلسطينية كانوا يتحدثون عن سلطة حكم ذاتي

منقوص يسمى زورا وبهتاناً دولة «، ويقدم لنا الأستاذ عدنان عصفور الوصفة

الحقيقية لإقامة الدولة، ومواصفاتها، فيقول:» الدولة لا توهب، وإنما تبنى

وتنشأ بالدماء والتضحيات، والدولة التي ننشدها هي فلسطين المستقلة ذات السيادة

الكاملة، مركزها يبدأ من المناطق التي يتم تحريرها بالمقاومة والتضحية مرحلياً

وتمتد لتكتمل حدودها من البحر الى النهر «، ولمن ينتابهم شك في هذا الكلام،

يدعوهم الشيخ أحمد ياسين أن يذهبوا إلى» المجتمع الفلسطيني في داخل أرض

٤٨، وينظروا إلى التمييز العنصري في كل شيء، عندها ستصلون إلى الحقيقة «.

س٥: تميزت الحركة الإسلامية في الفترة قبل الانتفاضة بسياسة ضبط

النفس في مواجهة استفزازات السلطة، وحتى لا تشتعل حرب أهلية بين

الفلسطينيين، فما مدى استعداد الحركة لممارسة نفس السياسة في الفترة المقبلة

والتي يقود المواجهة فيها دحلان وأبو مازن، وحيث ينص برنامج الحكومة

الجديدة على نزع السلاح غير المرخص من الفصائل الفلسطينية وهو ما يعني

تجريم الانتفاضة بل والمقاومة المسلحة؟

- جاءت الإجابات على هذا السؤال، كما هو متوقع؛ حيث أقر الجميع

بأهمية الالتزام بسياسة ضبط النفس، ولكن كانت هناك نبرة تهديد في ثنايا الكلام،

توحي بأن الأمور لن تكون بالسهولة التي كانت عليها قبل ذلك، حينما كانت السلطة

تعتمد على حرص فصائل المقاومة، وخاصة حماس على تجنب القتال الداخلي في

مواجهة استفزازت السلطة. هذه المرة هناك إصرار على عدم التخلي من ناحية،

وهناك شبه إجماع من كافة الفصائل حتى فتح على الرفض التام لسياسة نزع

السلاح الفلسطيني من ناحية أخرى.

يقول الأستاذ عدنان:» البندقية في عهد الاحتلال هي شرف وكرامة، لا

أتصور أن هناك فلسطينياً حراً يهدر شرفه طوعاً أو غصباً ويترك نفسه عارياً أمام

عدو دموي «. ويقول الشيخ عزام:» جَمْعُ سلاح الفلسطينيين لم يحصل في أي

مرحلة من مراحل الصراع، والآن وفي ظل استمرار العدوان، وتصاعد القمع فلا

يعقل أبداً أن يسعى طرف فلسطيني لنزع سلاح المقاومة؛ إنه مطلب غير واقعي

وغير منطقي «. ويقول الشيخ محمد أبو طير:» حماس تدرك أن الدم الفلسطيني

غالٍ، ولكنها في المقابل لن تتنازل عن حقها في المقاومة ولن تسمح أن ينزع

سلاحها «، ويشهد الأستاذ عبد الجواد صالح، وهو ليس من حماس، بأن الحركة:

» تحملت الكثير من الأوضاع بشكل منطقي ولم تخرج عن الصف، وقامت

السلطة بضربها عدة مرات ولكن لم ترد على هذه الاستفزازات من خلال وعيها

بضرورة تجنب حرب أهلية، وأنا باعتقادي أنه من الصعب أن تقاد حماس نحو

حرب أهلية، أبو مازن ليس لديه الإمكانيات للقضاء على الحركة «. ولكن

الدكتور محمود الزهار يقول مشيراً إلى تغير الأوضاع:» سياسة ضبط النفس

مستمرة، ولكن لا نعني بذلك أن نسلم سلاحنا، وأن ندخل السجن، لمجرد أننا

نقاوم الاحتلال، وإذا اضطررنا للدفاع عن النفس فسنفعل، سلاحنا مرخص؛ لأنه

السلاح المشروع المقاوم والنظيف، أما الأسلحة التي تأتي للدفاع عن العدو فهي

السلاح غير المشروع وغير المرخص «. ويضيف الأستاذ حسن خريشة مستخدماً

نفس التفريق بين السلاح المقاوم وغيره:» الشارع الفلسطيني، وأنا واحد منهم،

أرى أن السلاح الشرعي هو السلاح المقاوم، هذا سلاح طاهر يجب عدم المساس

به، أما السلاح الآخر وغير الشرعي، فالسلاح الذي لم يرفع في وجه الاحتلال،

وهذا ما يجب جمع ما بقي منه «.

وحول موقف حركة فتح المتغير عن الأوضاع السابقة عقب أوسلو مباشرة،

يقول الدكتور قاسم:» هذه المرة ستكون مختلفة؛ لأن أغلب مسلحي حركة فتح

أخذوا يدركون الحقيقة، ولا أظن أنهم سيقفون مع أبو مازن ودحلان ضد المقاومة،

أي أن خطر الحرب الأهلية وارد، ولكن ليس بقوة بسبب سهولة إلحاق الهزيمة في

السلطة على المستويين الشعبي والعسكري «. ويؤكد الأستاذ خريشة نفس المعنى

بقوله:» هذا أمر لن تسلِّم به الفصائل بما فيها فتح، ولن يسلِّم به الشعب

الفلسطيني، الموضوع ليس القوى الإسلامية، وإنما كل الساحة الفلسطينية التي

سترفض مثل هذه الإجراءات «. وهو نفس ما كانت تطالب به حماس؛ حيث

تقول الحركة على لسان قياديها البارز الدكتور الرنتيسي:» صيانة الوحدة الوطنية

يجب أن تكون هدفاً وهمّاً للجميع، فلا يمكن لحماس أن تحافظ على الوحدة الوطنية

وحدها «. ويشير الشيخ أحمد ياسين إلى عنصر آخر فاعل في هذه القضية، وهو

الشعب الفلسطيني نفسه الذي سيتحمل مسؤوليته في الدفاع عن المقاومة» فهو اليوم

قادر على حماية سلاح المقاومة والمقاومين من بطش السلطة «. ويقول الدكتور

محمد الهندي:» بعد أكثر من ٦ سنوات من المفاوضات العقيمة أصبح لدى الشعب

الفلسطيني وعي كبير بأهمية الحفاظ على مكامن قوته «.

والغريب أن قياديي حماس المعتقلين في السجون اليهودية، والمشاركين في

هذا الاستطلاع، كانت دعوتهم إلى عدم التخلي عن سلاح المقاومة أقوى وأشد،

فيقول الشيخ جمال الطويل:» إن رجال شعبنا المتواجدون في الأسر، ليتوجهون

إلى الحركة الإسلامية ويناشدونها أن لا تغمد سلاحها، طالما أن ملفات حقوق شعبنا

مفتوحة، ومنها ملف المعتقلين الذين لم تأت خارطة الطريق على ذكرهم «.

ويقول القيادي طلال الباز:» الظروف اليوم ليست مثل الظروف السابقة، فيجب

أن يفسر الدم الفلسطيني كخط أحمر لنا، فإذا حاولت السلطة المساس به، فعندها

يجب أن نضحي بشيء من دمهم حتى نفهمهم مدى قدسية الدم الفلسطيني «.

ويضيف:» أعتقد أن المواجهة المحدودة أفضل لنا إذا حُشرنا في الزاوية من أجل

ضمان حقوقنا وكسب ثقة الجماهير بنا عندما يخفق أبو مازن وحكومته في إنجاز ما

وعد به «.

ويقدم قيادي آخر معتقل هو عبد الحكيم جنيني نظرة تحليلية ترتبط بالمكان،

فيقول:» أظن أن وضع الضفة الغربية يمكن أن يتحمل ذلك لقلة المسلحين وقلة

السلاح بين المقاومين والمجاهدين، وأظن أن السلطة يسهل عليها ضبط الوضع في

المدن الرئيسية في الضفة «، ويضيف:» المشكلة الكبرى لها هي القطاع حيث

إنه يوجد آلاف المقاتلين وآلاف قطع السلاح والمليشيات المسلحة «.

ويؤكد الدكتور عبد الستار قاسم على نقطة أخرى هامة، وهي قدرة أبو مازن

ودحلان الحقيقية على تفعيل مواجهة ميدانية ضد فصائل المقاومة، فيقول:» أبو

مازن والدحلان يتحدثان عن المحرمات التي سبق وأن انتهكها عرفات، ولكنهما

على عكس عرفات، لا يملكان القوة لعمل ما عمله عرفات من اعتقالات وملاحقة

الأعمال العسكرية للتنظيمات «. ويكشف الدكتور الهندي بعض أسباب ذلك بقوله:

» السلطة الفلسطينية غير موجودة اليوم؛ فهناك من رجال السلطة من هو مطارد،

ومن هو معتقل، ومن هو مطلوب للاحتلال، والمقاومة أصبحت أكثر تجربة

وخبرة وقوة، وإسرائيل أصبحت أكثر يمينية وتطرفاً «.

س ٦: الواقع العربي حالياً في أغلب مفرداته مؤهل لتقديم تنازلات كبرى

في القضية الفلسطينية، والجميع يعتبرون خارطة الطريق مغنماً كبيراً، فما هي

رؤيتكم للواقع الفلسطيني على ضوء هذه المستجدات؟

- تفاوت المشاركون في الاستطلاع في نظرتهم للدور العربي الرسمي

والشعبي، وتأثيره المستقبلي على القضية الفلسطينية، ما بين متفائل بتغير ملموس،

أو موجه لنداء بالنصرة، أو نافض يده من أي تأييد عربي.

وبداية، يعترض الشيخ أحمد ياسين على تسمية خارطة الطريق مغنماً،

فيقول:» خارطة الطريق لا تلبي حتى الآن حتى أقل ما يطلبه الشعب الفلسطيني؛

فكيف تكون مغنماً، الشعب الفلسطيني يريد كل وطنه ولا مانع أن يتم ذلك على

عدة مراحل «، ويضيف قائلاً لمن يتمسكون بها باعتبارها الخيار الأفضل

للفلسطينيين في زعمهم:» الذي لا يستطيع تحرير أرضه ووطنه لا يتنازل للعدو

ولا يسلمه، وليترك للأجيال القادمة خيار التحرير والنصر إن شاء الله «.

ويوجه الأستاذ عدنان خطاباً هادئاً ناصحاً للنظام العربي، فيقول:» النظام

العربي الرسمي مفترض أنه أدرك وسائل وأهداف المشروع الصهيو الأميركي،

آمل أن يكونوا كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: لا يلدغ المؤمن من جحر

واحد مرتين «، ويوجه الشيخ جمال الطويل نداء حاراً بطلب النصرة وعدم

الخذلان:» فيا إخواننا العرب لا تطعنونا من الخلف! ولا تخذلونا! بل شاركونا

في معركة القدس والتحرير، ولا عذر لكم إذا رفعتم الغطاء السياسي عن مقاومتنا،

وجففتم منابع تمويل الجهاد وإفرازاته من أسر الشهداء والمعتقلين والمهدومة بيوتهم،

والمجرفة مزارعهم ومصادر رزقهم «.

ويفرق الدكتور قاسم بين الأنظمة العربية، وبين الشعوب، فيقول عن الأولى:

» استناداً إلى السيرة التاريخية للقضية الفلسطينية سيصمد الفلسطينيون بدون

العرب كما صمدوا بدونهم، قد تبدو هذه الجملة قاسية، ولكن الحقيقة تبقى أن

الأنظمة العربية قد قدمت المال للفلسطينيين، ولكنهم لم يبخلوا في التآمر سراً من

أجل تصفية القضية الفلسطينية «، ويقول عن الشعوب:» هناك أمل بأن يكون

للشعوب العربية دورا أفضل مما كان لهم في السابق نحو دعم القوة الفلسطينية «.

وفي مقابل ذلك يتحدث قياديون آخرون عن عدم ربط المقاومة الفلسطينية

بالواقع العربي؛ لأنه متدهور كما يقولون، ولا فائدة من الاتكال عليه. يقول الشيخ

عبد الله الشامي:» وكما كان الشعب الفلسطيني وحيداً في مواجهة العديد من

المشاريع التصفوية السابقة، سيكون كذلك في مواجهة المشروع الحالي، متسلحاً

بكامل حقه وباستعداده للتضحية في سبيله، ومتوكلاً على الله عز وجل في علاه

صاحب القوة المطلقة «. ويطالب الدكتور الرنتيسي الشعب الفلسطيني أن

» يحافظ على وطنه في ظل الانهيار العربي، وألا يشارك العرب انهيارهم؛ لأنه

إن فعل فسيجد نفسه بلا وطن، ولا يكون الحفاظ على الوطن إلا بالتمسك

بخيار المقاومة «. ويعبر الدكتور محمد الهندي عن مصدر الخوف لدى فصائل

المقاومة، فيقول:» نحن لا نخشى على الانتفاضة في ساحات المواجهة، بل

نخشى من حملات التضليل، وعلى كل الأحوال فنحن شعب مقاوم عركتنا المحن،

وليس مطلوباً منا أن نضبط جهادنا ومقاومتنا على إيقاع المؤامرات الأمريكية

الصهيونية المسماة خارطة الطريق، مهما كان الموقف العربي الرسمي ضاغطاً «.

ويبث الشيخ عزام الأمل في النفوس، حتى مع احتمال غلبة الباطل، فيقول:

» حتى لو أملت موازين القوى الظالمة حلاً ما في مرحلة من المراحل في

فلسطين؛ فهذا طارئ ومؤقت ولا يعني نهاية للصراع، قد تكون الظروف بعد

غزو العراق أكثر تعقيداً، لكن ذلك لا يعني أن يستسلم الفلسطينيون «.