للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الافتتاحية

[الغمرات.. ثم ينجلين]

هل طول الغمة يُطمع في انقضائها؟ ، وهل كثرة المصائب وتكالب الأعداء

واشتداد الأزمة يوحي بانفراجها؟ جاء في السيرة النبوية أنه عندما تكالب الأحزاب

على المسلمين ونقضت يهود قريظة العهد وتألبت مع من تألب، واشتد الأمر على

المسلمين وزلزلوا زلزالاً شديداً قال -صلى الله عليه وسلم- «أبشروا يا معشر

المسلمين» [زاد المعاد ٣/٢٧٢] .

لقد طال ليل الغمة على المسلمين، ومفاجآت المنطقة العربية لا تنتهي فبعد

أزمة الخليج وخروج الأمة مثخنة بالجراح، جاءت مشكلة الأكراد لتضيف مأساة

أخرى كمأساة فلسطين، ويغرق العرب بوعود أمريكا لحل مشكلة فلسطين بعد

الحرب ثم يبدأ التنصل والمراوغة، وكانت الشعوب تأمل من الحكومات أن تستفيد

من أحداث الخليج ومن التغيرات العالمية وتخفف من قيودها على الناس ولكن ما

من مجيب ويبقى السؤال الملح بعد حالة الذهول وعدم التوازن، ما المخرج؟

هل فكرنا كيف قوي هذا الغرب، حتى وصل إلى ما وصل إليه الآن، لقد بدأ

التفكير بالتغيير عند الأوروبيين عندما اصطدموا بالحضارة الإسلامية بعد الحروب

الصليبية فهل هذه الصدمات المتوالية تجعلنا نفكر بعمق كيف يبدأ التغيير؟ لابد أن

نرجع قليلاً إلى الوراء لنرى المحاولات والتجارب التي جرت على جسد أمتنا

المنهكة من تحديث محمد علي باشا ورفاعة الطهطاوي إلى الدول القطرية التي

كرست التبعية للغرب والشرق، إلى العسكرتاريا التي حطمت شخصية الفرد المسلم، بل شخصية الإنسان كإنسان إلى التيارات العصرانية والعلمانية التي لاتزال تنفخ

في قربة مقطوعة، مما يؤدي دائماً إلى تعطيل الدورة التاريخية للاجتماع الإسلامي.

في مثل هذه الأجواء القاتمة لابد من عمل قوي يعيد للمسلم الثقة، لابد من

مراجعة النفس ونقد الذات والاعتراف بالخطأ، لابد من اجتماع الدعاة والعلماء

الصادقين، وترك الإحن والحزبية التي أفسدت علينا ديننا ودنيانا، لقد عاش

المسلمون حالة تفاؤل لما يجري في أطراف العالم الإسلامي وقالوا: لعل الفرج يأتي

من هناك، ولكن داء التفرق والمواقف غير المنضبطة أضعفت هذه الآمال، فهل

يتوحد المسلمون لنرى يوماً من أيام الله..

وأما هذا الغرب وعلى رأسه أمريكا، فإن مطالعة سنن التاريخ تعلمنا أن

الدول عندما تصاب بداء الغطرسة فإن ذلك بداية أفولها، وإصابة أمريكا بهذا الداء

عبر عنه عضو مجلس الشيوخ الأمريكي (ألبرت بيفردج) عندما قال: «إن

الأمريكيين جنس فاتح ولابد أن نطيع دماءنا، ونحتل أسواقاً وأرضاً جديدة إذا لزم

الأمر، ولابد أن تختفي الحضارات الوضيعة، والأجناس المتعفنة أمام الحضارات

السامية للإنسان الأقوى والأعظم نبلاً» [١] ، كما عبر عنه الرئيس روزفلت في

عام ١٩٤٣ إثر اجتماعه برئيس الوزراء البريطاني تشرشل في الدار البيضاء، قال: «إن الحلفاء سوف يقاتلون حتى يستسلم أعداؤهم دون أي شروط» يعلق الكاتب

(ولبرايت) على هذه العبارة: «إنها طفرت من أعماق روح التعصب، ومبدأ

الاستسلام غير المشروط مبدأ غير حكيم..» [٢] .

وهذا لا يعني أن الغرب سينهار بسرعة، ولكنها دعوة إلى معرفته ومعرفة

الأسباب العميقة لضعفنا، ودعوة إلى التفاؤل وتغيير أساليب تفكيرنا.


(١) د أحمد صدقي الدجاني / التغلب على غواية غطرسة القوة، مقال بمجلة الهلال عدد أبريل ١٩٩١م.
(٢) المصدر السابق.