[الكيان الصهيوني من الداخل]
ملامح وصور الانهيار الاجتماعي
د. يوسف إبراهيم
- انهيار الأخلاق:
إسرائيل الدولة ذات البريق الذي وهج وسطع، وأرادت أن تهيمن على الأمة العربية والإسلامية لم تعد كما تصورها بعضهم، وبدأت تنهار داخلياً من الناحية الاجتماعية، وهذا ما ركزت عليه الصحافة العبرية، ومنه ما أشارت إليه صحيفة (يديعوت أحرونوت) في عددها الصادر يوم ١١/١٢/٢٠٠٣م.
وركزت على أنه خلال الأسابيع الأخيرة من ذلك التاريخ علت إلى السطح حوادث عنف كثيرة في أوساط الفتيان وأبناء الشبيبة من الجنسين، مثل: التحرش الجنسي، تلميذات يتحرشن بزميلاتهن، إشهار سكاكين في المدارس، مدرسين يهاجمون من قِبَل الطلاب، وأيضا وقوع إصابات وقتل؛ ففي خلال السنة الحالية جرى فتح ٣٣ ألف ملف عنف لأبناء الشبيبة، منهم ٦٠% كانوا طرفاً في العنف، أو وقعوا ضحايا لهذه الحوادث و١٥% من التلاميذ يأتون إلى المدارس وهم يحملون سلاحاً حاداً أو نارياً، و٦٠% من تلاميذ المرحلة الثانوية أبلغوا عن وصول تهديدات لهم و ١٩% من التلميذات في المراحل الأساسية يبلِّغن عن تعرضهن لتحرشات جنسية.
أشارت دراسة علمية صهيونية إلى أن نحو ٣٠ ألف صهيونية يتعاطين الهيروين، وهناك عدد مضاعف (نحو ٦٠ ألف شخص) مدمنون على النقطة المريرة ويُعرفون كمدمني كحول.
- تفاقم الخمر والمخدرات:
أشارت معطيات جديدة نشرت في تل أبيب إلى تفاقم ظاهرتي معاقرة الخمر وتعاطي المخدرات بين صفوف تلاميذ المدارس «الإسرائيليين» . وذكرت صحيفة معاريف (٥/٦/٢٠٠٠م) أن استطلاعاً خاصّاً أجرته وزارة العمل والرفاهية الاجتماعية «الإسرائيلية» لحسابها مؤخراً أظهر أن ٣٧% من تلاميذ صفوف العاشر في المدارس «الإسرائيلية» معتادون على تناول الخمر، وأن ٨% من التلاميذ المعتادين على «الشرب» أبلغوا أنهم يستهلكون مراراً في المساء الواحد ست كؤوس من الخمر.
من جهة أخرى يتضح من معطيات صادرة عن (مجلس سلامة الطفل في إسرائيل) أن ارتفاعاً بنسبة ٣٠% قد سجل خلال عام ١٩٩٩م على عدد الشبان «الإسرائيليين» القاصرين الذين وجهت إليهم تهمة الاتجار بالمخدرات؛ حيث قدم في عام ١٩٩٨م ما مجموعه ٤١٧ لائحة اتهام ضد شبان ضُبطوا يمارسون تجارة المخدرات وحيازتها لغير أغراض الاستهلاك الذاتي، وقد ارتفع عدد لوائح الاتهام المماثلة الموجهة في عام ١٩٩٩م إلى ٥٥٦ لائحة اتهام» (١) .
ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية عن البروفيسور (ريتشارد يسرائيلوفيتش) من دائرة العمل الاجتماعي في جامعة بن غوريون قوله: إن مشكلة تعاطي الهيروين تؤثّر على جملة من مجالات الحياة، وهي تساهم في نقل الأمراض وزيادة الجريمة العنيفة ومظاهر قاسية أخرى تتطلّب موقفاً مناسباً.
وأوضحت «شيرا إيتان» التي شاركت في إعداد هذه الدراسة أن ٢٠% فقط من الـ ٣٠ ألف مدمنٍ على الهيروين يتلقّون عناية مهنية في محاولة لإشفائهم من الإدمان على المخدرات، و٢٠% منهم فقط ينتهي العلاج ببعض النجاح.
وأضافت الصحيفة أن أكثر من ٥٠% من تلاميذ الصفوف من السادس إلى العاشر كانوا مشتركين في العنف بصورة ما. وأكثر من ٦٠% من التلاميذ اشتركوا في أعمال بلطجة تجاه زملاء لهم أو كانوا ضحايا لأعمال عنف. واشترك حوالي ١٥% ـ ٢٠% في مستويات أكثر خطورة من العنف، وأصيب حوالي ١٤% خلال مشاجرات وكانوا في حاجة إلى علاج طبي.
وفي محاولة تفسير ظاهرة العنف نشر مقال في جريدة هاتسوفيه (٧/٤/٢٠٠٠م) بعنوان: «فناء مدرسة أم ساحة قتال؟» يبين أن العنف بين الشباب لم يأتِ من فراغ، بل إنه تغذى من العنف ذي المستوى المرتفع في مجتمع البالغين، وبصفة خاصة من اللامبالاة تجاه مظاهر العنف في السلوك «الإسرائيلي» (١) .
وقالت شيرا إنه يتبين من فحص لخصائص المدمنين أن الإدمان ينتشر في أوساط كلّ أنواع السكان: مهاجرين جدداً وقدامى، أشكناز وسليلي الطوائف الشرقية، والقاسم المشترك بين معظمهم هو حقيقة أنهم يأتون من خلفية اجتماعية ـ اقتصادية منخفضة.
وأشارت الباحثة إلى أن نحو ٢٠% من المدمنين هم نساء، ورغم ذلك لا توجد شبكة علاج خاصة للنساء، وهو الأمر الذي يمسّ شديد المساس آمالهن في الدخول في شبكة العناية، وإعادة الترميم والإشفاء.
وحسب إيتان فإن النساء المدمنات على الهيروين يصلن بشكلٍ عام إلى المخدرات في ظلّ استغلالٍ مّا لأجسادهن من مزوّدي المخدرات الذين قد يكونون رجالاً غرباء أو أزواجهن. وبيّنت نتائج البحث أن أغلب النساء كن في صباهن ضحايا استغلال جنسي.
ويبيّن البحث أن قليلاً جداً من الفتيان يدمنون على الهيروين، والمشكلة الأساس عندهم هي التبغ والكحول المسموح بتعاطيها، ولكنها مسؤولة عن معظم المشاكل التي يكون للفتيان ضلع فيها (٢) .
وقد أشارت الصحيفة إلى أن البروفيسور (عوزي ألموج) الباحث الاجتماعي في جامعة حيفا أرجع ذلك إلى أن العقوبات التي يتم فرضها هي متسامحة؛ حيث التسامح في البيت والمدرسة والمحكمة، وقد كثرت الدراسات والأبحاث التي أثبتت أن هناك صلة بين الكشف عن العنف والتصرف العنيف، هناك من لا يعرفون بعدُ الفرق بين الفيلم والواقع، حين تعرض الأفلام مشاهد عنيفة، وتبث دعايات عنيفة مصحوبة بالضحك،، هذه الرسائل تصور الجريمة وكأنها لعبة مسلية.
كما أشارت (سوزي بن باروخ) رئيسة قسم الشبيبة في شرطة إسرائيل، إلى تأثير الإعلام القوي جداً على جوانب الانهيار الاجتماعي؛ حيث قالت: نحن نشهد حوادث عنف متطرفة أكثر، والشبيبة تتأثر بذلك، قبل فترة حدثت حالة اغتصاب في الكرمل، وجرى الحادث عقب مشاهدة فيلم إباحي وشرب مشروبات روحية.
كما تطرق البروفيسور (ألموج) إلى أن حوادث العنف تنبع أيضاً من الفجوات الاجتماعية والاقتصادية، مما يخلق نوعاً من الغيرة، ومن ثم الشعور بحب الانتقام، وأحياناً تكون الجريمة طريقاً للحصول على وسائل وأشياء «كما حدث مع المتهمين بسرقة الهاتف المحمول من الفتى (ماؤور حنوش) وتسببوا بإصابات خطيرة» . نحن مجتمع مهاجر، والفجوات الثقافية الناتجة عن ذلك تتسبب في توترات داخلية.
- معدلات عالية من العنف:
والتآكل الأسري عادة ما يؤدي إلى تزايد معدلات العنف بين الأطفال والشباب. وبالفعل ذكرت جريدة يديعوت أحرونوت (٢٤/٥/١٩٩٩م) أن الإحصاءات تشير إلى معدلات عالية من العنف في كل المجالات وجميع المراحل السنّية وكل شرائح السكان. وكشف كثير من التلاميذ عن تعرضهم للعنف اللفظي والبدني. ويعتبر العنف البدني هو الأكثر ذيوعاً بين تلاميذ المدارس الابتدائية، بينما يقل معدله مع اقترابهم لسن البلوغ. واكتشف الباحثون أن الاعتداءات البدنية البسيطة هي الأكثر انتشاراً، وإن كان معدل السلوك المتطرف ليس هيناً.
وأشارت (سوزي بن باروخ) إلى أن الفتى الذي يشعر بضائقة اقتصادية خانقة سيمد يديه إلى كل مكان ليملأها، بما في ذلك السطو، وخطف الحقائب، والسرقة وحسب أقوال (ألموج) ؛ فإن للاحتلال دوراً في هذه الظاهرة العنيفة؛ لأنه ينتج نماذج ترى أن الحل يأتي من خلال وسائل قوية، والاحتلال يجعل الأشخاص يتحولون إلى أفراد شرطة ويستخدمون وسائل عنيفة، هذا الوضع (العنف) لا يبقى هناك في المناطق فقط؛ لأن الإنسان ليس أداة آلية. إن الجندي يعود بهذه الحالة العنيفة إلى البيت، حتى بدون أن يعلم ذلك، هذا الوضع الأمني يخلق حالة من الضغط، مما ينتج النزاعات الداخلية، كما أن الوضع الأمني الاجتماعي معقد جداً. وتقول (بن باروخ) : «هذا يجعلنا نعيش في أجواء توتر، وذوي نَفَس قصير، وهذا يجد تعبيره في العنف على الطرقات والشوارع، وفي داخل العائلة، هناك ارتفاع عامٌّ في حوادث العنف على مستوى العالم، وهذا يصل إلينا. الخدمة العسكرية ـ حسب رأيي ـ تتسبب بصورة رئيسية في هذه الحوادث؛ لأن فتح ملف لواحد من هؤلاء الشبيبة في الشرطة ممن يتسببون في حوادث العنف، لا بد ان تمنعهم من التجند في صفوف الوحدات القتالية في الجيش» .
- تآكل الحياة العائلية:
والحياة العائلية في التجمع الصهيوني في حالة تآكل؛ فقد ذكرت جريدة معاريف (٢٥/١/٢٠٠٠م) أن من بين كل ٣ حالات زواج يكون مصير حالة منها الطلاق. وقد طرأت زيادة بنسبة ١٥% في عدد حالات الطلاق بإسرائيل منذ عام ١٩٩٠م، واستمرت هذه الزيادة أيضاً خلال السنة الميلادية الماضية؛ حيث سجلت زيادة بنسبة ١% في عدد حالات الطلاق (نحو ٨٦٠٤ حالات) . وتتصدر منطقة تل أبيب «قائمة الطلاق» حيث وقعت بها ٣٠١٦ حالة طلاق عام ١٩٩٩م بزيادة قدرها ٢١% مقابل عام ١٩٩٨م.
وقد ذكر ملحق هآرتس ٩/٥/٢٠٠٠م أن عدد السيدات اللاتي أنجبن خارج إطار الزواج ارتفع من واحد لكل مائة حالة إنجاب في السبعينيات إلى ١.٨ لكل مائة حالة إنجاب في عام ١٩٩٤م، وفي نفس الشهر أشارت جريدة (يديعوت أحرونوت) إلى أنه قد طرأت زيادة بنسبة ٥٠% في عدد حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال داخل الأسرة، كما طرأت زيادة بنسبة ٢٥% في عدد حالات الجرائم الجنسية التي يتعرض لها الصغار خارج نطاق الأسرة في عام ١٩٩٩م (١) .
- ملامح وصور الانهيار الاجتماعي:
- هجرة العقول في إسرائيل: شبان، ناجحون، محترفون، مطلوبون، ويفضلون الإقامة في الخارج:
ركز الكثير من وسائل الإعلام في السنوات الأخيرة على الإشارة إلى نتائج الوضع الأمني المتردي في إسرائيل نتيجة لاستمرار انتفاضة الأقصى وأفادت مصادر أمنية غربية أن تردي الأوضاع الأمنية في الأراضي الفلسطينية وداخل إسرائيل إثر اندلاع انتفاضة الأقصى، وتوالي ضربات المقاومة دفع أعداداً كبيرة من الإسرائيليين إلى السعي إلى الهجرة من إسرائيل إلى الدول الأوروبية وأمريكا الشمالية، وأوردت صحيفة «أوبزيرفر» اللندنية أن انتفاضة الأقصى المتواصلة أدت إلى موجة هجرة من إسرائيل ومن مناطق السلطة الفلسطينية. من ناحية أخرى كشفت تقارير إسرائيلية رسمية أن بين ٧٠٠ ألف إلى مليون يهودي غادروا إسرائيل نهائياً «هجرة عكسية» بسبب عدم إحساسهم بالأمن بعد انتفاضة الأقصى والعمليات الاستشهادية التي تقوم بها المقاومة الفلسطينية، في حين أعلن رسمياً أن أعداد المهاجرين اليهود إلى إسرائيل في تناقص حاد وخطير، ويرجع عزوف عدد كبير من يهود العالم عن الهجرة إلى فلسطين إلى الخوف من الموت، ولم تعد أرض إسرائيل بالنسبة لليهود أرض العسل واللبن، ولم تعد أرض الآباء والأجداد التي يجب التمسك والتشبث بها والموت من أجلها. العديد من المعطيات المقلقة أشار إليها (شمعون بيريس) في اجتماع عقد خلال الأسبوع الأول لأعضاء حزب العمل في الكنيست، بقوله: إن شعاع الأمل انخفض في البلاد، هناك مواطنون يعيشون نصف حياتهم في إسرائيل، والنصف الآخر في أمريكا. مقربو بيريس قالوا إنه كان يقصد بكلامه تلك الظاهرة التي تسمى (هروب القمة) . وذكرت التقارير الإسرائيلية نقلاً عن المعهد المركزي للإحصاء أن عدد سكان إسرائيل يبلغ ٦.٦ مليون نسمة، وأن النمو السكاني بلغ خلال عام ٢٠٠٢م ما يقرب من ١٢٧ ألف شخص، أي ١.٩% وهي النسبة الادنى منذ عام ١٩٩٠م بحسب المعطيات الرسمية.
ويستدل من التقارير أن عام ٢٠٠٢م شهد تراجعاً في عدد المهاجرين إلى إسرائيل؛ حيث وصل العدد الإجمالي إلى ٣٤ ألف شخص فقط (بينهم حوالي تسعة آلاف من غير اليهود) مقابل ٤٤ ألفاً من المستجلبين في ٢٠٠١م، علما ان عام ٢٠٠١م كان قد شهد أيضاً انخفاضاً في عدد المهاجرين بسبب استمرار «انتفاضة الأقصى» والتراجع الحاصل على المستويين الاقتصادي والأمني في إسرائيل.
وذكرت المعطيات أن غالبية اليهود المستجلبين في عام ٢٠٠٢م (نحو ٥٤ في المائة) أي ما يزيد على ١٨ ألف شخص، قدموا من جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقاً، كما قدم نحو ستة آلاف آخرين من الأرجنتين.
وفي غضون ذلك أقرت الحكومة الإسرائيلية تمديد فترة منح المهاجرين اليهود إلى إسرائيل من أمريكا الجنوبية وفرنسا «سلة الاستيعاب الموسعة» (منح مالية تقدر بنحو عشرة آلاف دولار) بسنة أخرى، بهدف تشجيع الهجرة اليهودية من هذه الدول. وذكرت وزارة الاستيعاب الإسرائيلية أن الدولة المرشحة لقدوم أعلى نسبة من المهاجرين منها في السنوات القادمة هي الأرجنتين، وأن مركز الثقل فيما يتعلق بنشاط الوزارة سيحوّل في الأعوام القادمة إلى أمريكا الجنوبية وغرب أوروبا، ولا سيما فرنسا.
ويتبين من المعطيات أن ارتفاعاً ملحوظاً قد طرأ عام ٢٠٠٢م على نسبة اليهود المستجلبين الذين يقبعون في السجون العسكرية. كما ذُكر أن ٢٥% من المهاجرين اليهود يؤدون خدمتهم العسكرية في وحدات قتالية في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وأن ثلث أفراد ميليشيا «حرس الحدود» هم من المهاجرين. كذلك، فإن لواء المظليين قد تحول في عام ٢٠٠٢م إلى مكان الخدمة المفضل في أوساط المهاجرين؛ حيث تجند ٢٤% من مجموع المهاجرين الذين يخدمون في جيش الاحتلال الإسرائيلي لهذا اللواء العسكري.
وتتوقع بعض الجهات الإسرائيلية أن يصل ما يقرب من مليون مهاجر يهودي إلى إسرائيل خلال السنوات العشر القادمة، وأعلن (أفراييم لابيد) الناطق بلسان الوكالة اليهودية المكلفة بشؤون هجرة اليهود والجالية اليهودية في العالم أن إسرائيل ستعطي الأولوية هذه السنة لهجرة يهود من بلدان غربية (١) .
وقد كشفت صحيفة (يديعوت أحرونوت) الصادرة بتاريخ ١١/١٢/٢٠٠٣م ملامح هروب النخبة أو ما عرفت بـ (هروب القمة) .
- خبراء التكنولوجيا: كلهم يطلبون السفر!
أشارت الصحيفة إلى أن آلاف العاملين في مجال التكنولوجيا والإلكترونيات من الشبان أعمارهم بين ٢٢ ـ ٣٠ عاماً، تركوا البلاد في العامين الماضيين، كما تشير التقديرات؛ فكل ١ من كل ٢ من وحدة الحاسوب العليا الخاصة بالجيش يعيش في الخارج، وكل ١ من كل ٥ من العاملين في مجال التكنولوجيا يعيش حالياً في الخارج، أو يخطط للوصول إلى هناك، هذه المعطيات تعكس أن الأفراد المهمين، يتم استنزافهم من البلاد بصورة متلاحقة.
د. شوكي جليتمان، كبير الخبراء في وزارة الصناعة سابقاً، والذي يشغل رئيس أحد فروع الصناعات التكنولوجية يقول: إذا بقي الوضع في البلاد بدون تغير، وأقصد تغيراً حقيقياً، سوف نشهد فقداناً لجيل كامل من الشبان، الجيل الأفضل من الشبان، وهم مطلوبون وعمليون، والعالم كله مفتوح أمامهم. ويضيف أن المشكلة الكبرى ماثلة أمامنا، لقد أصبحنا منفصلين عن العالم: العالم الذي أصبح مكاناً أفضل، سعيداً أكثر، وغنياً أكثر، وفرصه نادرة، بينما إسرائيل ما زالت تعيش أوضاعها الصعبة.
رئيس شركة التكنولوجيا الأقدم في إسرائيل (يانكي مرجليت) يروي قائلاً: في الفترة الأخيرة توجه إليَّ موظفو شركتي، وسألوني بصورة مباشرة جداً هل أستطيع أن أنقلهم من إسرائيل إلى الولايات المتحدة مع عائلاتهم؟ خلال العام الأخير ساعدت عدداً من هؤلاء في الوصول إلى ألمانيا والولايات المتحدة، سواء لمدة قصيرة أو لمدد طويلة.
لماذا يريدون الهجرة؟ لدى الكثير منهم شعور بالاختناق، انعدام الأفق السياسي، وانعدام الأمل.
- من هم طالبو الهجرة من إسرائيل؟
والخطورة الكامنة في ظاهرة الهجرة تكمن في الفئة العمرية التي تتقدم بالطلب؛ فالمؤشرات تشير الى ان فئة الجيل الشاب الذين تتراوح أعمارهم بين ٢٤ ـ ٣٠ عاماً هي أكثر الفئات العمرية طلباً للهجرة، وهذا ما حصل في العامين الماضيين، والطلب ما زال يزداد ويتنامى هذا العام، واليوم لا يخجل أناس من القول إنهم يريدون الهجرة من إسرائيل، والانتقال للعيش في دولة أخرى. والفئة الأخرى هم أبناء الـ٣٠ عاماً وما فوق، ممن هم آباء لأطفال صغار، ويريدون الهجرة من البلاد لمدة طويلة، يسافرون إلى كل مكان، إلى أستراليا وحتى البرازيل، وما زال المكان الأكثر تفضيلاً هو الولايات المتحدة، ثم بريطانيا، والعواصم الأوروبية، ثم الشرق الأقصى، وأمريكا اللاتينية.
- الهروب ليس من الشبان فقط وإنما من رجال الأعمال ورؤساء الشركات:
لم تقتصر ظاهرة الهجرة العكسية على الشبان الذين قد يخشون على حياتهم، أو يريدون أن يستمتعوا في أيامهم، فلم تتح لهم الظروف الأمنية المتردية ان يجدوا ما يريدون، فانتشرت ظاهرة الهجرة العكسية بين المئات من الشركات العاملة في مجال البناء، فترك إسرائيل خلال السنوات الثلاث الأخيرة غالبية شركات المقاولات للعمل في مشاريع خارج حدود البحر المتوسط، وهم لا يخجلون من القول إنه في إسرائيل وحدها لا يمكن العمل.
كل واحدة من هذه الشركات ترسل أفضل عناصرها وقواها البشرية، للإقامة في الخارج وإدارة الأعمال إلى هناك، الأمكنة المفضلة اليوم هي: تورنتو، نيويورك، لندن، بودابست، وارسو؛ فهذا رجل أعمال شاب يبلغ ٣٢ عاماً، ترك إسرائيل مع ابنيه، يقول: إن العالم تحول إلى قرية كونية صغيرة، ومن الممكن حقيقة إدارة جميع الأعمال من بعيد، ولكن الأجواء في البلاد اليوم لا تغري بالبقاء ومن الأمثلة في الشهادة على ذلك رئيس بلدية كريات أونو، درور بيرنباوم ٤٢ عاماً، الذي يدير اليوم شركة مقاولات وبناء خاصة به، في شرق أوروبا، ويقيم في بودابست، وكذلك رجل الأعمال الشهير جيل بلوترايخ ٣٧ عاماً، صاحب شركة سكاي لاين، حيث يمتلك اليوم عدداً من الشركات، في إسرائيل وكندا، ووصل إلى هناك قبل أربعة أعوام، بهدف توسيع أعماله، والحد من المخاطر المتوقعة في السوق الإسرائيلية وحدها.
هذه هي ارض السمن والعسل، أرض الآباء والأجداد، يتركها أبناؤها وقادتها باحثين عن لذة أو منفعة اقتصادية؛ فكيف لو استمرت انتفاضة الأقصى لثلاثة أو أربعة أعوام أخرى، تلك الانتفاضة التي توقع كبار المسؤولين أن تنتهي في غضون مئة يوم.
- ملامح وصور الانهيار الاجتماعي (رفض الخدمة في جيش الدفاع) :
كل يوم تفيد المؤشرات والاستطلاعات أن شباب المقاومة في زيادة وازدياد، على الرغم من كل الهجمات والتصفيات التي قامت بها إسرائيل وما زالت تقوم بها إلا أن المقاومة لم تنحصر ولم تخبُ بل زاد أعداد الشباب المنظم إلى لجان المقاومة، على عكس ذلك في المجتمع الإسرائيلي؛ فقد ظهرت مظاهر الانهيار والانحسار في صفوف المنتسبين لجيش الدفاع على الرغم من كل ما يتمتع به رجل الأمن الإسرائيلي من مميزات وتوفر كل احتياجاته، مما دفع الصحافة إلى التركيز على ظاهرة الانهيار الاجتماعي المتمثلة في رفض الخدمة بداية من رجال سلاح الجو الإسرائيلي وانتهاء بعناصر النخبة من جيش الدفاع من عناصر الوحدة الخاصة المختارة التي تقدمت برفضها الخدمة في مناطق السلطة الوطنية، وهذا الذي دفع (زئيف شيف) الخبير الاستراتيجي للتصريح بأن حركة رفض الخدمة من اليسار واليمين تتغذى بعضها من بعض رغم ان جذورها متعارضة (هآرتس ٢٤/١٢/٢٠٠٣م) ويشير إلى أن هناك حركتي رفض نابعتين من طرفي الطيف السياسي تهددان اليوم وحدة المجتمع الإسرائيلي وجيش الدفاع. حركات الرفض من اليسار ومن اليمين تتشبث بعضها ببعض، ولا مجال للاعتقاد بأن كل واحدة منهما موجودة من تلقاء نفسها فقط؛ لأن العداء يسود بينها، إلا أن الخطر واحد، وكِلا الحركتين تتجاوزان بخطوتهما الرفضوية الخطوط الحمراء؛ فمن يقول إن جيش الدفاع لا يواجه مشكلة هنا أو أن حلها يمكن أن يتأتى من خلال الأوامر الانضباطية العسكرية فهو مخطئ، أما مجموعة الرافضين السابقة من ملاحي الجو في الاحتياط أو المجموعة الثانية من وحدة هيئة الأركان؛ فقد تأطرت كتظاهرة سياسية جماعية. رافضو اليسار يحظون بعناوين أكثر تعاطفاً معهم خصوصاً في الخارج قياساً مع رافضي اليمين الذين يقف من ورائهم عشرات الحاخامات.
ولفهم أهمية ظاهرة رفض الخدمة العسكرية تجدر الإشارة إلى أن الدولة الصهيونية عندها جيش نظامي صغير؛ لأن الاحتفاظ بجيش نظامي كبير أمر مستحيل نظراً لصغر حجم الكتلة السكانية وحاجة الدولة الصهيونية للأيدي العاملة، وهي تعوِّض هذا النقص من خلال نظام الاحتياط. ولذا يتعين على جميع المستوطنين الصهاينة تأدية الخدمة العسكرية؛ حيث يمضي الذكور ثلاث سنوات من الخدمة النظامية، بينما تمضي الإناث ٢١ شهراً في هذه الخدمة. وبعد انقضاء هذه الفترة، يتعين على الرجال، وحتى سن التاسعة والأربعين، قضاء فترة من الخدمة الاحتياطية قد تتجاوز شهراً في السنة (لا توجد في إسرائيل خدمة مدنية بديلة للخدمة العسكرية) . فالجنود الاحتياط ليسوا مجرد قوة إضافية أو هامشية، وإنما هم مكوِّن أساسي جوهري في قوة القمع الصهيونية. وكما قال أحد المعلقين: «كل الشعوب عندها جيش، إلا الشعب الإسرائيلي فهو جيش يمتلك شعباً» .
ويمكننا الآن أن نطرح السؤال التالي: ما هي الأسباب التي أدَّت إلى ظاهرة رفض الخدمة العسكرية: هل هو استيقاظ ضمير المجندين؟ أم خوفهم من الهلاك؟ أم أن السبب هو أزمة بنيوية حاقت بالتجمع الصهيوني؟ إذا تمعنَّا في الأمر فسنجد أن الدافع وراء هذه الظاهرة ليس عنصراً واحداً، وإنما هو مركب من كل هذه الأسباب، ومن أهمها تصاعد معدلات العلمنة والأمركة والتوجه نحو اللذة، وهي اتجاهات تنامت في إسرائيل بعد عام ١٩٦٧م وأدت إلى تحوُّل التجمُّع الصهيوني إلى مجتمع الثلاثة (V الفيديو والفولفو والفيلا) ، وإلى ظهور «الروش قطان» أي المستوطن المتوجه نحو اللذة ذي الرأس الصغير والمعدة الكبيرة، الذي يجيد الاستهلاك ولا يؤمن بأية مثاليات أو أيديولوجيات، بما في ذلك الأيديولوجية الصهيونية. مثل هذا المواطن لا يعرف كيف يضحي من أجل وطنه وكرامته، فهو ملتف حول ذاته، يريد أن يزيد من معدلات استهلاكه ورفاهيته، وهو من ثَمَّ ينصرف عن الخدمة العسكرية ويفر منه (١) .
ومن أهم أسباب رفض الخدمة العسكرية إدراك الجنود لمدى وحشية القمع الصهيوني للفلسطينيين. وقد ذكرنا من قبل أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية نجحت في إقناع المجندين بأنهم يدافعون عن وجودهم الفردي والقومي، وأنهم يدخلون في حروب دفاعية متتالية بسبب لا عقلانية العرب وشراستهم. والرؤى الأيديولوجية عادةً ما تكتسب استقلالاً عمن يصوغها بحيث يصبح لها منطقها الخاص، وتؤدي إلى نتائج غير مقصودة. وهذا ما حدث في هذه الحالة؛ فجنود الاحتياط الذين غُسلت أمخاخهم بهذه الاعتذاريات الصهيونية الأخلاقية المصقولة، استقوا منها معايير للحكم على ما حولهم، وحينما أرسلوا إلى الضفة الغربية قاموا بالحكم على أفعالهم وعلى قياداتهم بهذه المعايير.
وكما قال أحدهم: «نحن نقوم بحماية حفنة من المستوطنين الموتورين الذين يستخدمون الجيش لأغراضهم الذاتية في الربح المالي أو الديني، ونحن علينا أن نساندهم ونرضيهم، ومن أجلهم نسلب حقوق الشعب الفلسطيني ونصبح جيش احتلال بشعاً بدلاً من أن نكون جيش دفاع» (الشرق الأوسط ١٣/١/٢٠٠٢م) . ولكن ـ على حد قول أحد الرافضين ـ: «إن كنت محتلاً، فلا يمكن أن تتسم بالرحمة؛ فالقسوة هي الشيمة الحتمية للمحتل» (الإندبندنت ٤/٢/٢٠٠٢م) . وقال آخر: «تربينا على أن نكون ضباطاً أنقياء كالبللور، وحولونا إلى غزاة فاشيين يريقون الدماء ويرتكبون جرائم الحرب» (هآرتس ١٣/١/٢٠٠٢م) . وقال ثالث: «لا أسمح لنفسي بأن أقمع جمهوراً من الجوعى، لقد دربوني في الجيش على القتال، ولست مستعداً لأن أواجه أطفالاً ونساءً وشيوخاً بالسلاح» (الشرق الأوسط ٣١/١/٢٠٠٢م) .
ومن المعروف أن شارون طرح برنامج الحد الأقصى الصهيوني الذي يلتزم بعدم التنازل عن غور الأردن أو إزالة المستوطنات أو تقسيم القدس أو عودة اللاجئين (معاريف ١٤/١١/٢٠٠١م) أي أن خريطته مختلفة تماماً عن الخريطة الفلسطينية. ثم بدأ شارون بعد ذلك يتحدث عن بعث الروح القديمة: روح التقشف وتحمل المشقات التي تسم الرواد الصهاينة. وقال إنه سيقود الإسرائيليين في حرب؛ بحيث يمكنهم دخول معركة تمتد لعدة سنين وربما عشرات السنين يردون فيها الصاع صاعين للفلسطينيين (١) .
ولكن شارون (كما يلاحظ جاكسون دايل في الواشنطن بوست في ٤/٩/٢٠٠١م) من القادة الإسرائيليين الذين أخفقوا في إدراك أن عقلية (الكيبوتس) القديمة قد ولَّت وذهبت، وأنه حل محلها مجتمع علماني مترف، مجتمع «الهاي تك» الذي لن يقبل سنوات طويلة من الهجمات الانتحارية دون وجود أمل في تسوية دائمة. (نقلاً عن باري روبين الجيروساليم بوست ١٦/٩/٢٠٠١م) .
وهذا ما لاحظه أيضاً إتيان هابر، فهو يشير في مقال له (يديعوت أحرونوت ١١/٢/٢٠٠١م) إلى أن جيش الحفاة في فيتنام الشمالية قد هزم الأمريكيين المسلحين بأحدث الوسائل القتالية.. ويكمن السر في أن الروح هي التي دفعت المقاتلين وقادتهم إلى الانتصار.. الروح تعني المعنويات والتصميم والوعي بعدالة النهج والإحساس بعدم وجود خيار آخر.
ومن أهم آثار الانتفاضة انتشار ظاهرة رفض الخدمة العسكرية والفرار منها، وهي ظاهرة جديدة/ قديمة في المجتمع الإسرائيلي، قديمة من حيث إن التجمُّع الصهيوني عرفها من قبل عدة مرات، كان آخرها أثناء احتلال جنوب لبنان. وهي جديدة من حيث إنها ظهرت مرةً أخرى استجابةً لتصاعُد المقاومة الفلسطينية في الانتفاضة الحالية. وظاهرة رفض الخدمة العسكرية مرتبطة بظواهر أخرى مثل الانصراف عن الخدمة العسكرية والفرار منها.
وأحدث تجليات هذه الظاهرة وأكثرها حدة حركة (الشجاعة في الرفض) التي بدأت بأن أصدرت مجموعة من ٥٠ ضابطاً وجندياً من جنود الاحتياط، وبعض ضباط في تشكيلات المظلات وغيرها من الوحدات الخاصة، بياناً تعلن فيه عن عدم استعداد الموقعين على البيان للخدمة في الضفة الغربية. وقد بدأ البيان بتأكيد أنهم (صهاينة مخلصون) ، وأنهم كانوا من الأوائل في الدفاع عن إسرائيل، إلا أن الأوامر التي يتلقونها الآن لا تمت لأمن الدولة بأية صلة، أي إنهم يرفضون التصور الصهيوني للأمن الإسرائيلي الذي يمتد من النهر إلى البحر، والذي يضم كامل تراب فلسطين. ومن ثَمَّ فالجيش الإسرائيلي في الضفة، بالنسبة لهم، هو جيش احتلال؛ لأن (الضفة الغربية ليست إسرائيل) ؛ ولذا فهم يعلنون أنهم لن (يشتركوا فيما يسمونه حرب سلامة المستوطنات) ، وأنهم لن يواصلوا (القتل خلف الخط الأخضر، بهدف السيطرة والطرد والهدم والإغلاق والتصفية والتجويع والإهانة لشعب بأكمله) (يديعوت أحرونوت ٣٠/١/٢٠٠٢م) .
وحركة رفض الخدمة العسكرية، في وقت تعاظمت فيه المقاومة، تشكل خطراً حقيقياً على القدرة العسكرية الإسرائيلية؛ فهي تسمم الجيش الإسرائيلي من الداخل، وتؤدي إلى خفض المساهمة الكمية في الجهد العسكري (ناحوم يرنباع، يديعوت أحرونوت ٢٨/١/٢٠٠٢م) (١) .
ويشير زئيف شيف أنه قبل خطوة الطيارين الرفضوية أُقيل ضابط مظلات تخدم كتيبته في المناطق من منصبه. جيش الدفاع رفض تمديد خدمته النظامية رغم كونه ضابطاً ممتازاً. كتيبته كلفت بتفكيك موقع استيطاني في المناطق، وكان قائدها يعرف حساسية هذا الضابط، ولذلك أمره أن يخدم في حاجز عسكري، وأن لا ينضم للقوة المكلفة بالإخلاء، إلا أن الضابط رفض ذلك أيضا (لأنه يدخل في إطار خطوة التفكيك) ولذلك أُقيل من منصبه.
محكمة العدل العليا لدولة إسرائيل قررت أنه لا يمكن قبول الرفض الانتقائي (مثل الطيارين) . الجندي النظامي أو الاحتياط لا يستطيع أن يحدد المنطقة الجغرافية التي سيخدم فيها. وفي نفس الموضوع قال (نير برعام) في صحيفة معاريف بتاريخ ٢٤/١٢/٢٠٠٣ في مقال بعنوان (الرافضون هم الأبطال) : «الرفض السياسي شرعي ومطلوب. في الفترة الأخيرة نحن نشهد موجات من الجنود وصلوا إلى الاستنتاجات التالية: الاحتلال ليس دفاعاً عن النفس، الاحتلال العنيد طويل المدى هو جريمة بحسب كل معيار دولي في عصرنا، حقيقة أن الأعوام الـ ٣٦ يزداد فيها فقط تقوي الزعم أنه هنا من أجل البقاء. إن الظلم الذي تجريه دولة إسرائيل في مناطق الاحتلال، هو جرائم، من الواجب رفضها كما طلبنا ونطالب من جنود في دول أخرى أن يرفضوا وقت الحاجة.
الجنود الذين يتوصلون إلى الاستنتاج بأنه في هذه الظروف، وفي واقع مجنون ومريض كهذا لا يستطيعون أن يخدموا التجمع القومي أكثر يستحقون الاحترام الكبير، وسيكونون في الذاكرة الإسرائيلية أبطال هذا الزمن القبيح.
وتتميَّز حركة رفض الخدمة، بأنها ليست مجرد فعل فردي أو حتى اتجاه تلقائي عام، وإنما عملية جماعية منظمة وضعت هدفاً واضحاً لها: الضغط على الحكومة الإسرائيلية للانسحاب من الأراضي المحتلة بعد عام ١٩٦٧م. وقد قال أحد الرافضين: إنه إن وصل عدد الموقعين إلى ٥٠٠ فسيكون على المؤسسة أن تختار بين الاحتلال وجيش الدفاع (هآرتس ٣١/١/٢٠٠٢م) . وقد لاحظت صحيفة الإندبندنت البريطانية (١/ ٢/ ٢٠٠٢م) أن الحركة (ثورة متنامية) ، كما أكد أحد الكُتَّاب في يديعوت أحرونوت (٣/١/٢٠٠٢م) أن (العصيان الكبير سيأتي) . أما يوئيل ماركوس (هآرتس ٢٩/٢/٢٠٠٢م) فقد قال: إن هذا التمرُّد قد يكون بسيطاً في بدايته، ولكنه يمكن أن يصبح عصياناً مدنياً وبداية الفوضى.
ويبدو أن هذه التوقعات آخذة في التحقُّق التدريجي؛ فقد ازداد عدد الموقعين حتى وصل إلى حوالي ٤٢٠ (حتى الأسبوع الثاني من نيسان (أبريل) ٢٠٠٢م) . ولكن يجب أن نضيف لهم ما يسمَّى (الرفض الرمادي) ، وهذا يضم أعداداً كبيرة من جنود الاحتياط الذين يلجؤون إلى تأجيل الخدمة العسكرية لأسباب صحية، أي أنهم يتمارضون. كما أعلن ٤٠٠ جندي احتياط أنهم سيرفضون الخدمة إن تمَّ استدعاؤهم. ولا شك في أن تجربة جنوب لبنان (عام ٢٠٠٠م) لا تزال عالقة في أذهان الجميع؛ فحينما تصاعدت المقاومة ضد جيش الاحتلال تزايد عدد رافضي الاشتراك في العمليات العسكرية في لبنان، وعدد الرافضين لاحتلال الجيش الإسرائيلي جنوب لبنان، مما اضطر المؤسسة العسكرية والسياسية الحاكمة إلى الإذعان في نهاية الأمر وقررت الانسحاب من طرف واحد، ولا يوجد ما يمنع من تكرار هذا النمط (٢) .
هكذا هي دولة الكيان الصهيوني كما ينظر لها بعض من مثقفيها، فها هي تنهار من الداخل الذي بدأ بانهيار الأخلاق، وهجرة أبنائها الشباب ورجال الأعمال بها، ووصولاً إلى التمرد وعدم الانصياع لقيادة هذه الدولة التي يصر قادتها على احتلال أراضي غيرهم.
(١) د. عبد الوهاب المسيري، موقع إسلام أون لاين على الإنترنت.
(١) المرجع السابق.
(٢) http://www.palestine-info.info/arabic/index.shtml.
(١) عبد الوهاب المسيري، مرجع سابق.
(١) موقع عرب ٤٨ الإلكتروني.
(١) http://www.palestine-info.info/arabic/books/entefada/tahrer ٩.htm
(١) http://www.palestine-info.info/arabic/books/entefada/tahrer٩.htm
(١) عبد الوهاب المسيري، من الانتفاضة إلى حرب التحرير الفلسطينية.
(٢) عبد الوهاب المسيري، مرجع سابق.