للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

الإسلام والمسلمون في تنزانيا

(١ من٢)

بقلم: سعيد عبيد الله

تنزانيا دولة اتحادية تتكون من جزئين: «تنجانيقا، وزنجبار» ، استقلت

تنجانيقا عام ١٩٦١م عن الاستعمار البريطاني، أما زنجبار فكانت سلطنة (محمية

بريطانية) ، وسلطانها «عبد الله خليفة» ، وكان بجانبه معتمد بريطاني بمثابة

الحاكم الرسمي، وكانت أصول الأسرة الحاكمة من عُمان، ولما توفي السلطان عبد

الله خلفه ابنه «جلمشيد» ، واستقلت السلطنة في ٣/٨/١٣٨٣هـ الموافق ١٩/١/

١٩٦٣م، ثم وقع انقلاب في زنجبار في ٢٧/٨/١٣٨٣هـ، أزيح بموجبه السلطان، وأُعلنت الجمهورية بزعامة المدعو: «عبيد كرومي» ، وقتل في الانقلاب

(٧٠٠٠٠) مسلم، ووقّع الانقلابيون الوحدة مع تنجانيقا، فقامت دولة تنزانيا عام

١٩٦٤م لأول مرة [١] .

القبائل في تنزانيا:

يوجد في تنزانيا أكثر من (١٣٠) قبيلة، لكن مع كثرة هذه القبائل: فإن

تنزانيا تتميز بعدم وجود العصبيات القبلية، كما أنه أيضا لا توجد قبيلة تشكل

الأكثرية في السكان، وتجدر الإشارة إلى أن بعض القبائل في عهد الاستعمار

حظيت بفرص التعليم أكثر من غيرها، وهذه القبائل هي:

١ - واتشاغا (في محافظة كليمانجارو) .

٢ - واهايا (في محافظة بوكابا) .

٣ - وانياكيوسا (في محافظة مبيبا) .

اللغات: إن اللغة السائدة في تنزانيا هي اللغة السواحيلية التي انتشرت في

جميع أطراف تنزانيا، وهي اللغة الأولى الرسمية للدولة، تليها اللغة الإنجليزية،

وهناك لهجات ولغات أخرى محلية من فصيلة البانتو.

الحكم: تنزانيا دولة علمانية، وعاشت لفترة طويلة تحت نظام الحزب الواحد، وهو الحزب الثوري الحاكم (س. س. أم ... ) ، وهي تعيش الآن منذ آخر عام

١٩٩١م تحت نظام تعدد الأحزاب السياسية، ودستور الدولة مع تصريحه بتعدد

الأحزاب إلا أنه ما زال ينص على علمانية الدولة، وعليه: فإنه يحظر أي حزب

ينتمي إلى الدين.

وتنزانيا مقسمة إلى (٢٥) محافظة، خمس منها في زنجبار (تنزانيا البحر) ،

وعشرين في تنجانيقا (تنزانيا البر) ، وكل محافظة من هذه المحافظات لها والٍ يتم

اختياره من قبل رئيس الدولة، كما أن كل محافظة أيضا مقسمة إلى ولايات، وكل

ولاية لها والٍ يتم اختياره أيضاً من قِبَل رئيس الدولة.

دخول الإسلام إلى تنزانيا:

دخل الإسلام تنزانيا عن طريق التجار العرب، وكان دخوله قبل النصرانية

بمدة طويلة، وهو الدين الذي يشكل نسبة كبيرة من السكان، إذا قيس المسلمون

بالطوائف الدينية الأخرى، فأقدم الإحصاءات التي أجريت في عام ١٩٥٨م تشير

إلى أن الدين الإسلامي يشكل نسبة ٥٥% قياساً بالديانات الأخرى، أما الإحصاءات

التي أجريت في أعوام ١٩٦٨م، ١٩٨٧م، ١٩٨٨م: فلم تتعرض للانتماءات

الدينية.

هذا ونشير إلى أن نسبة ٥٥% (للمسلمين) التي أشارت إليها إحصاءات عام

١٩٥٧م، يعتقد أنها غير سليمة؛ حيث إن كثيراً من المتابعين يرى أن النسبة

الحقيقية للمسلمين في تنزانيا هي ما بين ٦٥% إلى ٧٥%.

أوضاع المسلمين هناك:

١ - تعليميّاً: إن الحالة التعليمية للمسلمين في تنزانيا مع تشكيلهم النسبة العليا

من السكان سيئة جدّاً؛ حيث إنهم محارَبون في هذا المجال بجماعات التنصير التي

بدأت بناء وتعميم المدارس العصرية في تنزانيا، وكانت سياستها بالتعاون مع

الاستعمار قائمة على إتاحة فرص التعليم لأبناء النصارى فقط، اللهم إلا من كان

لديه الاستعداد لتنصير أبنائه؛ ليحصل على فرص أكثر للتعليم، وهذه السياسة هي

التي جعلت المسلمين يمتنعون من إرسال أولادهم إلى المدارس التنصيرية، كما

جعلتهم أيضاً يكرهون الاستعمار، ومن ثم: القيام بتأسيس الأحزاب السياسية

للمطالبة بالاستقلال، ولهذا: نجد الكثير من مؤسسي الأحزاب السياسية في عهد

الاستعمار من المسلمين (في حين أن معظم مؤسسي الأحزاب السياسية الآن بعد

وجود نظام تعدد الأحزاب السياسية عام ١٩٩٢م من النصارى) ، ومن نتائج

المدارس التنصيرية: أن نجد اليوم بعض من كانوا مسلمين وهم الآن شخصيات

بارزة يحملون أسماء مثل: جون رمضان، جورج مبارك، جوسف محمد (وهم من

زعماء الأساقفة) ، موسيس ننائوي نائب الأمين العام للحزب الثوري الحاكم (وكان

اسمه: موسى علي ننائوي) .

واستمرت الحرب في حرمان المسلمين من فرص التعليم حتى بعد الاستقلال

الذي كان المسلمون أول من طالب به من أجل التعليم والحفاظ على عقيدتهم.

فبعد أن تولى «يوليوس نيريري» منصب رئيس الجمهورية وضع خطة

مدروسة لإضعاف قوة المسلمين وحرمانهم من التعليم، ذلك الجانب الحيوي المهم

في حياة الأمة، ففي فترة رئاسته التي دامت نحو ثلاثين عاماً لم يضع أي مسؤول

مسلم في وزارة التربية والتعليم وهي وزارة لها وزنها في أي دولة، بل لم يكن

المسؤولون فيها نصارى فقط، وإنما كانوا أيضاً من رجال الكنيسة، كما أن

المسؤولين في المجلس الوطني للامتحانات كانوا أيضاً من رجال الكنيسة.

وكان من نتيجة هذه الخطة الخبيثة: أن نجد النسبة العليا من الطلاب في

المدارس الابتدائية من المسلمين، حيث تصل نسبتهم إلى ٨٠% لكن هذه النسبة

للأسف نجدها تقل كلما اتجهت إلى التعليم الثانوي، لتصل إلى١٠% في التعليم

العالي (المعاهد العليا والجامعات) .

ولم يتوقف «نيريري» عند ذلك، بل ألغى أيضا (جمعية مسلمي شرق

إفريقيا) التي كانت لها حركة إسلامية قوية في البلاد، خاصة في مجال التعليم،

حيث كانت تبني وتدير المدارس الابتدائية والثانوية العصرية الإسلامية، فقد ألغى

هذه الجمعية وأسس باكواتا (المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في تنزانيا) ، وسلّم

جميع ممتلكات هذه الجمعية بما في ذلك المدارس إلى باكواتا، وهذه المدارس التي

بناها المسلمون بأموالهم من أجل أولادهم المحرومين من فرص التعليم يدرس فيها

الآن أولاد المسلمين وغير المسلمين للأسف الشديد، في حين أنه لم يكن يدرس فيها

تحت ملكية (جمعية مسلمي شرق إفريقيا) إلا أولاد المسلمين فقط.

ولقد حاول المسلمون في عهد «نيريري» افتتاح المدارس العصرية

الإسلامية، إلا أنهم كانوا كلما وصلوا وزارة التعليم وجدوا العراقيل، في حين أن

الكنيسة كانت يوماً بعد يوم تفتتح المدارس التي لا يدرس فيها إلا أولاد النصارى.

ولم يتمكن المسلمون من افتتاح المدارس العصرية الإسلامية المسجلة رسميّاً

إلا بعد استقالة «يوليس نيريري» ، وتولي منصب رئيس الجمهورية «علي

حسن مويني» ، وكان أول تغيير أجراه هو إسناد منصب وزير التعليم لأول مرة

إلى مسلم، هو الأستاذ الدكتور «كيغوما علي ماليما» ، فلقد اكتشف هذا الوزير

المسلم خطة الكنيسة في حرمان المسلمين من فرص التعليم، وقام بعمل تعديلات في

الوزارة، كان من نتائجها:

١ - حصول انتعاش في ارتفاع نسبة الطلبة المسلمين في المراحل التعليمية

المختلفة.

٢ - افتتاح المسلمين قليلاً من المدارس الابتدائية والثانوية العصرية ... الإسلامية.

ولكن لم تسكت الكنيسة عن هذه التحولات، بل كتبت عدة مذكرات سرية إلى

الرئيس «علي حسن مويني» وضغطت عليه كثيراً؛ مما اضطر الرئيس أخيرا

إلى نقل ذلك الوزير المسلم من وزارة التعليم إلى وزارة المالية، لكن مع ذلك جعل

الرئيسُ الأمينَ العام لوزارة التعليم مسلماً، وهو السيد «كينيا حسن» ، كما جعل

أيضا الأمين العام في وزارة التعليم العالي والعلوم والتكنولوجيا وهي وزارة جديدة

الدكتور «محمد بلال» .

ومع هذا كله: فإن الأمر ما زال صعباً على المسلمين في هذا المجال؛ فلقد

أعلنت الحكومة إلغاء التعليم المجاني الذي أعلنته منذ أكثر من عشرين عاماً،

وقررت من جديد أن يساهم أولياء الأمور بتكاليف التعليم، وعليه: أعادت الرسوم

الدراسية التي هي عالية جدّاً في التعليم الثانوي والتعليم العالي، الأمر الذي يعجز

عنه الكثير من أولياء الأمور المسلمين؛ نتيجة ضعف المستوى الاقتصادي ... للمسلمين.

وأما من ناحية التعليم الديني في تنزانيا: فهو أيضاً دون المستوى المطلوب،

فمع وجود النسبة العليا من المسلمين فإن هناك ثلاث مدارس فقط على مستوى

الإعدادية، فلا يوجد معهد ثانوي ولا جامعة، ولكن توجد في تنزانيا بعض

المدارس القرآنية، إلا أن هذه المدارس ليس لها منهج دراسي معتمد، كما أن

مستوياتها غير محددة، ومنهج التدريس والتربية فيها ما زال تقليديّاً قديماً وصوفيّاً.

أما المدارس القرآنية المعروفة بـ (الكتاتيب، أو الخلوات) فهي كثيرة جدّاً،

غير أن معظمها عبارة عن غرف ملصقة ببيوت أشخاص، وليست مدارس مستقلة، فبيئتها غير تعليمية، كما أن أكثر المعلمين، فيها تقليديين، والتدريس فيها متأخر

جدّاً.

٢ - اقتصاديّاً: إن المستوى الاقتصادي للمسلمين في تنزانيا ضعيف، وهذا

الضعف يأتي بسبب اعتماد اقتصاد تنزانيا أساساً على الزراعة، التي يزاولها أكثر

المسلمين في المناطق الساحلية، ويمكن أن يتحسن الوضع الاقتصادي من خلال

تطوير الزراعة من حيث نوعية المحاصيل والأساليب الرزاعية، ولكن الحكومة لا

ترغب في ذلك.

والمجال الوحيد الذي يمكن القول بأن للمسلمين قوة نسبية فيه هو التجارة،

لكن مع هذا: فإن معظم البارزين في هذا المجال هم الإخوة من العرب والهنود،

وكما يلاحظ: فإن نسبتهم قليلة في عدد السكان، أما الأصليون (الأفارقة) فليس لهم

ذكر في مجال التجارة.

ومن الملاحظ: أن كبار التجار هم من الهنود الرافضة الاثني عشرية.

٣ - سياسيّاً: بعد أن تولى «جوليوس نيريري» رئاسة الجمهورية ألغى

نظام تعدد الأحزاب السياسية، ثم بدأ بإبعاد الشخصيات الإسلامية الملتزمة عن

حزبه الحاكم، كما قام أيضاً بحرمان المسلمين من المناصب السياسية، فلم يكن في

فترة رئاسته إلا القليل من المسلمين، ومعظمهم كانوا من الذين خلعوا شخصياتهم

وانتماءاتهم الإسلامية، وكان معظم أركان الدولة من النصارى.

وبعد أن رشح لرئاسة الجمهورية السيد «علي حسن مويني» فإن الكنيسة لم

تسكت على ترشيحه ليرأس الجمهورية، غير أن «نيريري» أصر على موقفه.

ومنذ بداية فترة رئاسة السيد «علي حسن مويني» فإنه إلى يومنا هذا يحاول

أن يوجِد التوازن في المناصب السياسية بين المسلمين والنصارى، لكن الكنيسة

تبذل قصارى جهدها في الضغط على الرئيس للتراجع عن هذه السياسة، فعندما بدأ

الرئيس «علي حسن» بضم الوجوه الإسلامية والتي لم تكن تبلغ نصف المجلس

إلى مجلس الوزراء أقامت الكنيسة الدنيا وأقعدتها، ونشرت عبر الصحف

والمجلات المحلية والأجنبية أن الرئيس «علي حسن» يريد أن يجعل تنزانيا دولة

إسلامية، كما أن الكنيسة أثارت ضجة أيضاً عندما ولى الرئيس «علي حسن

مويني» وزارة التربية والتعليم لمسلم هو الدكتور «كيجوما على ماليما»

وضغطت عليه حتى نُقل كما مر سابقاً إلى وزارة المالية.

٤ - الخدمات الصحية: إن الخدمات الصحية في تنزانيا هي من أسوء

الخدمات الاجتماعية، فالشعب التنزاني عموماً والمسلمون خصوصاً يعانون الكثير

من الأمراض، وأحد أسباب هذا الأمر هو ضعف الخدمات الصحية، والحكومة

التنزانية عجزت عن توفير الخدمات الصحية الجيدة لشعبها.

إن نسبة كبيرة من السكان في تنزانيا يعيشون في القرى، حيث لا توجد فيها

المستشفيات أو المراكز الصحية أو المستوصفات، والجهة الوحيدة التي يمكن القول

بأنها حاولت إلى حدٍّ ما الاقتراب من توصيل الخدمات الصحية إلى المناطق القروية

هي الكنيسة، التي تملك الكثير من المستشفيات والمراكز الصحية والمستوصفات

في القرى، لكن يلاحظ أن هذه الخدمات موجودة في المحافظات والمناطق التي فيها

أغلبية السكان من النصارى، وتقل فيها نسبة المسلمين.

أما الخدمات الصحية في المدن: فمع وجود المستشفى العام في كل محافظة

من محافظات تنزانيا، ومع وجود مستشفى في كل ولاية من ولايات المحافظات،

إلا أن المشكلة في هذه المستشفيات الحكومية هي عدم توفر الأدوية والأجهزة الطبية، ويمكن القول: إن عمل الأطباء في هذه المستشفيات الحكومية هو مجرد فحص

المريض وكتابة وصفة، أما الأدوية: فالمريض يقوم بنفسه بالبحث عنها في

الصيدليات الخاصة، والأدوية في الصيدليات الخاصة غالية جدّاً.

هذا: وهناك مستشفيات خاصة على مستوى المستشفيات الحكومية، تملكها

الشركات والمؤسسات الدينية التي معظمها كنسية وهندوسية، غير أن الخدمات فيها، وإن كانت جيدة إلى حد كبير، إلا أنها تعتبر من مراكز تنصير المسلمين.

وللحديث بقية،،،


(١) التاريخ الإسلامي، محمود شاكر، ج ١٦ ص ١٦٥، وما بعدها، بتصرف.