للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأدب الذي نطمح إليه

عبد الله بن محمد العسكر

لا أخال أحداً يجهل قيمة الأدب في الحياة، ومدى تأثيره على حياة الأمم

والشعوب. ومن تتبع التاريخ عرف مصداقية هذه العبارة. وهذا الأدب يكون في

الغالب متمشياً مع مستوى أخلاق الأمة وما يعيشه أفرادها من وعي وإدراك،

فبقدرهما يرتفع مستوى الأدب أو ينخفض. فالأدب ما هو إلا نتاج لتلك البيئة وذلك

الجو الذي يعيش فيه الأديب.

وما أحوج أمتنا الإسلامية - في هذا العصر خاصة - إلى أدب يسمو بأفرادها

ويرتفع عن مستوى الانحطاط والدونية. إن للكلمة السامية والشعر الصادق الرفيع

أبلغ الأثر في الرقي بالفرد المسلم وشحذ همته وعزيمته ليخدم دينه ومعتقده. ألا

وإن على الأديب المسلم مهمة عظيمة ورسالة سامية يحملها ليقدمها لأبناء جيله

خصوصاً في هذا العصر الذي تعصف فيه الرياح بأمتنا من كل جانب، ويريد

الأعداء أن ينهشوا لحمها ويمزقوا جسدها.

إن باستطاعة الأديب الذي يحمل هم الإسلام بين جوانحه أن يفعل ما لا

يستطيع أن يفعله غيره، فهو الذي حباه الله شحنات مضاعفة من رهافة الحس

وعمق الشعور بالمسئولية والمبالغة في رؤية الجراح، وفي هذا الطريق ما لا يخفى

من معاناة ومكابدة ومشقة خاصة وأن هذا الأديب يعيش في عصر نرى فيه الشعوب

قد أنهكها العطش وبلغ منها الجهد مبلغه، فأقامت تحت شجرة الصبر تنتظر المطر

أن ينزل من السماء دون أن تكلف نفسها عناء حفر بئر في الأرض. مهمة الأديب

المسلم اليوم بعث الحياة في حياة الأموات وحمل المشاعل لتنير الدروب المظلمة

التي تتخبط فيها فئام كثيرة من الناس الذين يبحثون عن نور يخرجهم من تلك

الظلمات الحالكة؛ فتأتي حروف ذلك الأديب لتشرق عليهم وتنير لهم الطريق.

واجب الأديب المسلم أن يجاهد بسلاحه ما دام سلاحه ليده، وما دام قلمه يحيا

بأنات الشعوب فعليه أن يبذل كل ما يستطيعه من غال ونفيس.

كلمات الأديب المسلم وقصائده صرخات بالحق في زمن انسحب فيه الناس من

ساحات الجهاد واشتغلوا بجمع القناطير المقنطرة من الذهب والفضة.

خواطره.. منشورُ علنيّ يوزعه تارة بلسانه وأخرى بقلمه ليُظهر حقاً مرّا

سكت عنه الآخرون..

خواطره.. انفصال من حياة رتيبة هادئة ومستكينة، وانطلاقة من الراحة

والهدوء النفسي، واستعلاء وسمو عن حاجات القطيع وتفكير القطيع.

إن على الأديب المسلم أن يؤدي زكاة قلمه وما من الله عليه من نعمة البلاغة

والبيان. تلك الزكاة التي تعني إظهار المشاعر في صورة كلمة طيبة، تعود بالخير

والنفع على من يسمعها وهذه الكلمة لا بد أن تكون نابعة من القلب، مصدقة لما

يؤمن به الفؤاد ويعتقده. فجذورها راسخة فيه، ضاربة في سويدائه، ثابتة في

مستودعه، متمكنة من رحابه، ثم هي واضحة ظاهرة بعيدة عن الالتواء والغموض. إنها كالشجرة الطيبة المثمرة الثابتة بجذورها في مغرسها، الصاعدة بفروعها إلى

السماء [أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وفَرْعُهَا

فِي السَّمَاءِ] .

إننا نريد من الأديب أدباً رفيعاً متنزهاً عن كل معاني السفالة والانحطاط.

نريد أدباً يرقى بالأمة، لا أقول لتكون في مصاف الأمم بل لتكون سيدة على الأمم

جمعاء.

نريد قصائد تحيا بالأمة وتعيد لها كرامتها، وتساعد في إرجاع عزتها ومجدها، ولا نريد قصائد تهوي بالأمة إلى حمأة الشهوة والرذيلة، وشتان شتان بين كلا

النوعين من القصائد:

وقصائدٍ مثل العرائسِ، مهرُها ... غالٍ، وأخرى ليس فيها مطمعُ

فوق النجوم تعيش بعضُ قصائدٍ ... والبعض في عفنِ القمامة يقبعُ

وأجلهنَّ قصيدة عربيةٌ ... فيها من الإسلام شمس تسطع

تأبى على أهل الغرور غرورَهم ... وتشدُّ من أزر الضعيف وتمنعُ

وتثورُ في وجه الطغاة وتنبري ... للظالمين، تؤزُّهم وتزعزعُ

وإذا أصاب المسلمين مصيبةٌ ... فهي التي من أجلهم تتوجعُ

وهي التي تأسو الجراح بليلهم ... والفجر من جرح القصيدة يطلعُ

وهي التي تنهل في صحرائهم ... مطراً، وتحفر في الصخور وتزرع

حسبُ القصائد أنها لا تنحني ... إلا لجبار السماء وتركعُ