[التكامل في التربية بين مفهومين]
محمد بن عبد الله الدويش
كثيراً ما نتحدث عن التكامل في التربية باعتباره خاصية وسمة تربوية مهمة، بل إن هذا الأمر أصبح بديهة مستقرة في أذهان معظم المهتمين بالشأن التربوي.
وحين نتجاوز الحديث عن أهمية التكامل والحاجة إليه، وننطلق للحديث في تحديد مفهومه أو عناصره نرى أن الغالبية يحددونه بأنه تحقيق البناء الإيماني، والعلمي (يُقصد به العلم الشرعي) والسلوكي، والدعوي.
لكن هذا المفهوم للتكامل بحاجة إلى تساؤل مهم هو: ما مدى شمول هذا المفهوم واستيعابه لخاصية التكامل التربوي؟
إن من يتأمل في هذا المفهوم يرى أنه يكاد ينحصر في جانب التدين في شخصية المرء وما يتصل بها، ويتجاهل الجوانب الأخرى في الشخصية.
ومن هنا؛ فالحديث عن بناء القدرات العقلية ومهارات التفكير لدى الفرد، والمهارات الاجتماعية، والصحة النفسية ... إلخ ـ الحديث عن هذه الجوانب في التربية الدعوية لا زال نادراً؛ فضلاً عن الاعتناء بذلك في التطبيق والممارسة.
ولعل هذا الفهم المجزوء لقضية التكامل يمكن تفسيره باعتبارات عدة أهمها:
` طبيعة المهمة الدعوية، وأنها تُعنَى بتحقيق عبودية الفرد لله عز وجل، ويعنيها بناء التدين في شخص المتربي.
` ضخامة المتطلبات التربوية في بناء شخصية الإنسان، واعتبار هذه القضايا محدودة وثانوية في مقابل جانب التدين.
` اتساع دائرة المهتمين بالتربية الدعوية بصورة لايتلاءم معها الاتساع في الاهتمام بالتخصص والاعتناء به، بل يصاحبه في أحيان كثيرة التزهيد بهذا العلم باعتباره نتاجاً غربياً وافداً، وافتعال الثنائية بين التربية الشرعية أو التربية على منهج الكتاب والسنة، وبين الأخذ بالاتجاهات التربوية الحديثة، وهذه الثنائية إن لم تكن في التنظير فهي في التطبيق والممارسة.
` قصور مفهوم التربية لدى فئة من المهتمين بالعمل الدعوي، فهو يعني جوانب السلوك والآداب والرقائق، ولعل ما نسمعه كثيراً من مصطلح «قضايا تربوية» . «موضوعات تربوية» . «الجانب التربوي» ... إلخ. يعطي شاهداً على ذلك.
إن هذا المفهوم القاصر للتكامل بحاجة إلى مراجعة، والتربية الدعوية بحاجة إلى الاعتناء بشخصية الإنسان بكافة خصائصها ومكوناتها؛ فالإنسان كائن متكامل تؤثر جوانب شخصيته وتتأثر بعضها ببعض، وحين نجتزئ شخصيته ونتعامل مع جانب دون آخر ننتج كائناً مشوهاً.
والمهمة التي تنتظرها التربية الدعوية من منتجها تتجاوز مجرد الاكتفاء بالتدين الشخصي إلى الدعوة والإصلاح والتغيير في المجتمعات، وهذه المهمة تتطلب تحقق مواصفات وعناصر مهمة في شخصية المتربي، وهذه المواصفات والعناصر غائبة عن التربية المتكاملة بالمفهوم القاصر.
إن طائفة من جوانب الإخفاق والفشل الدعوي لدى شباب الصحوة وفتياتها يمكن إحالتها إلى ضعف الهمة وقلة الشعور بالمسؤولية الدعوية وضعف الإيمان، لكن هناك طائفة أخرى من الإخفاقات مصدرها القصور في بناء شخصية هؤلاء، وفقدان جوانب جوهرية في تكوينهم.
وتجاوز هذه المظاهر من الخلل والقصور لن يتم بمجرد إعداد قائمة بمظاهر الخلل والأسباب والحلول، إنه بحاجة إلى مراجعة تربيتنا التي أخرجت هذا المنتج، ومن أهم جوانب الخلل فيها غياب التكامل الحقيقي في رعاية شخصية الإنسان.
وحتى نحقق هذا المطلب لا بد أن نفصل بين منزلة الإنسان عند الله التي معيارها التقوى والطاعة، وبين طبيعة المهمة التي نعد الشخص لها، وأن نعلم أن الشاب التقي الصالح الذي يفقد الشخصية الناضجة المتكاملة قد لا ينجح في المهمة التي تنتظر منه؛ فالذي يعد للمهمة الدعوية يحتاج مع الصلاح والتقوى إلى ما يهيئه لهذه المهمة ويعده لها.
إننا بحاجة لحديث أعمق وتحليل لمفهوم التكامل التربوي، وإلى تجاوز اختزال شخصية المتربين في جوانب محدودة.