الدور الإيراني في القضية الأفغانية
عبد الرحمن نموس
إن هدف إيران أن تبسط تأثيرها حيث استطاعت، وخصوصاً بين المسلمين، وإذا هي وجدت صعوبة في التمدد غرباً، فإن ذلك لن يثنيها أن تصر على تنفيذ
أهدافهاً شرقاً، خاصة وأن جارتها أفغانستان ذات الأغلبية السنية الساحقة تعيش
محنة يمكن أن تستغل.
وعلى هذا الأساس يمكن أن نفهم تحسين علاقتها بالسوفييت الذين كانت تنعتهم
بنعوت لا تقل عن نعوتها لأمريكا.
هذا التحسن الذي بدأ قبل موت الخميني، وتوج بزيارة رفسنجاني لموسكو،
انعكست آثاره على الجهاد الأفغاني بشكل مباشر.
من هذه الآثار:
عندما تفاوض نائب وزير الخارجية السوفييتى (فورنتسوف) مع قيادات
المجاهدين في إسلام آباد، ووصلت المفاوضات إلى طريق مسدود نتيجة التعنت
السوفييتي؛ نصح رئيس دولة إيران خامنئي قيادات المجاهدين بالاستمرار في
المفاوضات وعدم قطع الحوار مع موسكو.
وازداد هذا الوضوح في الموقف الإيراني عندما تم الإعلان عن حكومة
المجاهدين الموقتة (الأولى) برئاسة أحمد شاه أحمد زي في فبراير (شباط) ١٩٨٨
فلم يعلن الإيرانيون مجدداً تأييدهم لهذه الحكومة فضلاً عن أن يعترفوا بها كحكومة
إسلامية. وبدلاً من أن يتم الدعم والتأييد لهذه الحكومة بدأت العراقيل توضع في
طريقها من قبل الموالين لإيران، فقد ذكر المهندس أحمد شاه أحمد زي رئيس
الحكومة الموقتة للمجاهدين في ذلك الوقت أن وزير الصحة الشيعي لم يحضر أي
اجتماع من اجتماعات الحكومة بعد تشكيلها وتبين أنه سافر إلى استراليا سراً لأنه
(حسب بعض المصادر المطلعة) تلقى تهديدات بالاغتيال إذا مارس أي نشاط في الحكومة المذكورة لأنهم يريدون مقاطعتها حتى يتمكنوا من فرض الشروط التي يريدونها.
أما بعد حل حكومة المجاهدين الموقتة الأولى وانعقاد مجلس الشورى في مدينة
الحجاج بإسلام آباد فقد كان للإيرانيين شأن آخر في التعامل، فقد رفضت المنظمات
الشيعية المتمركزة في إيران الاشتراك بأقل من ١٢٠ عضواً في المجلس، أي بعدد
يوازي عدد المشتركين من منظمتين جهاديتين من منظمات الاتحاد السباعي حيث
تم تخصيص ستين مقعداً لكل منظمة كما طالبوا بخمس وزارات في الحكومة التي
ستنبثق عن المجلس، ولما كانت هذه النسبة عالية جداً بالنسبة إلى تعداد الشيعة في
أفغانستان فقد رفض المجاهدون هذا الطرح بإصرار باعتبار أنه لا يستند إلى أي
أساس من الواقع، فلا على أساس أنهم طائفة دينية مستقلة يستحقون هذه النسبة،
ولا على أساس أنهم أقلية عرقية يستحقونها، ولا على أساس تواجدهم الجهادي على
الأرض، وأصر هؤلاء على مواقفهم حتى أنهم قاطعوا جلسات المجلس، وبدأت
تظهر بالأفق ملامح أشياء أكثر من عدم التأييد للمجاهدين، وأكثر من مجرد إرضاء
الاتحاد السوفييتي إعلامياً، فقد نقلت وكالة أنباء البنيان أن السفير الإيراني في
إسلام آباد طلب من المتحدث الرسمي باسم المجاهدين في حينه " الأستاذ سياف "
حضور جلسات المجلس وعندما رفض سياف الطلب قال السفير: إذا لم تعطوا
الشيعة مائة وعشرين مقعداً فلن نعترف بحكومتكم.. . كما هدد بالقيام بأعمال عنف
داخل أفغانستان تستهدف المجاهدين، كما طلب السفير طلباً مشابهاً من المهندس
حكمتيار مما دعى حكمتيار للرد عليه بالقول: إننا مستعدون لنقل الجهاد إلى خارج
حدود أفغانستان.
وعندما اعترفت حكومة البحرين بحكومة المجاهدين الجديدة نقل راديو
طهران نبأ الاعتراف قائلاً: اعترفت البحرين بالحكومة السنية التي شكلها الائتلاف
السباعي في بيشاور.
ثم ختم الإيرانيون هذه المواقف بزيارة هاشمي رفسنجاني لموسكو بعد موت
الخميني، والعمل على تطوير العلاقات بين البلدين على حساب المجاهدين، ففي
البيان المشترك الذي أذاعته إذاعة موسكو في نهاية زيارة رفسنجانى: أن وجهتي
نظر موسكو وطهران متطابقتان حول القضية الأفغانية.
المصلحة فوق المبادئ:
عندما لم تتحقق مصالح الإيرانيين ومن خلفهم مصالح الائتلاف الثماني
الشيعي في تحقيق المطالب التي يريدون؟ لم يجد بعض قادة تلك المنظمات حرجاً
في الاتصال بنظام كابل ومحاولة الاتفاق معه على نقاط تحقق مكاسب أفضل مما
يمكن تحقيقه عن طريق التفاوض مع المجاهدين، فقد زار وفد من الائتلاف الثماني
كابل لإجراء مفاوضات بهذا الخصوص وقد أكد هذه الزيارة قادة ميدانيون في
الجبهات التي حول كابل منهم القائد عبد الحق قائد جبهات كابل التابعة للحزب
الإسلامي جناح مولوي يونس خالص، حيث أصدر بياناً يشجب فيه هذه الزيارة
ويندد بالأعمال التي تقوم بها قيادات الشيعة وتشكل طعناً للجهاد، كما أن المهندس
حكمتيار أمير الحزب الإسلامي لم ينف هذه الأخبار عندما سألته عنها في مؤتمر
صحفي عقده في بيشاور في أواخر أبريل الماضي، إنما قال: " وصلتنا تقارير
بذلك ولكن لم تصلنا معلومات عن طبيعة المفاوضات ".
وحتى لا يستمر هؤلاء في خططهم في هذه المرحلة الحساسة من عمر الجهاد
فقد زار وفد من المجاهدين برئاسة الأستاذ رباني أمير الجمعية الإسلامية طهران
للتفاوض مع هؤلاء، والوصول إلى نتيجة لكنه لم يفلح ولم يغلق باب المفاوضات
إنما كانت هنالك جولات أخرى في بيشاور ترأس وفد الشيعة فيها كريم خليلي،
ولكنها أيضاً لم تفلح حيث أصر الشيعة على مطالبهم بأكثر من ١٠٠ مقعد في
مجلس الشورى، أي نسبة ٢٠% من المجلس ونسبة موازية في مجلس القيادة
الأعلى وفي الحكومة.
لماذا هذا الإصرار على حق مزعوم لا يستند إلى أساس من الواقع! ربما
كانت مبررات هذا الإصرار هي:
١ - فكرة تصدير الثورة، واستغلال ظروف أفغانستان الحالية من أجل ذلك،
بعد فشل الفكرة في الحدود الغربية.
٢ - الاستفادة من الثغرات الحاضرة من خلال ضعف حكومة نظام كابل،
ومن خلال عدم استقرار حكومة المجاهدين، واستغلال ذلك الضعف من أجل إملاء
الشروط، وتقوية الجناح الشيعي في أفغانستان.
٣ - التركيز على زيادة نسبة الشيعة في ظل غياب الإحصائيات الرسمية
كعامل دعم لتحقيق البندين السابقين، وقد نقل الكاتب أمير طاهري في جريدة
الشرق الأوسط:
أن إيران منحت ٢ ر١ مليون أفغاني الجنسية الإيرانية وتريد لهم البقاء على
ثنائية القومية، وتصر على أن الشيعة يزيدون على ربع سكان أفغانستان، وإذا
تحقق هذا فسيكون من حقهم التمسك بربع المناصب الحكومية والوزارات.
٤-العمل على عدم قيام أي حكومة إسلامية مستقلة في أفغانستان خارج إطار
الاحتضان الشيعي ولو أدى ذلك إلى التعاون مع أي جهة كانت، وهذا واضح من
التفاوض مع نظام كابل وإمكانية قبول بعض المناصب الحكومية عنده، بدلاً من
الوقوف مع حكومة المجاهدين ودعمها.
فقد نشرت أخبار قوية في بيشاور مفادها أن الائتلاف الثماني الشيعي وبعض
المنظمات الصغيرة المنشقة عن منظمات المجاهدين الأصلية شكلوا نواة لحكومة
إسلامية أفغانية في طهران والمنظمات الصغيرة هي: حركت انقلاب إسلامي/جناح
رفيع الله مؤذن، حركت انقلاب إسلامي/جناح نصر الله منصور، مجموعة محمد
أمين وقاد، حزب شوراي اتفاق، إضافة إلى الائتلاف الثماني الشيعي.
ولما سئل الأستاذ رباني القادم من إيران بعد العيد الأضحى قال: إن ما تم
تشكيله ليس حكومة أخرى لكنه لجنة مشرفة على أمور الجهاد، ولم يعط رباني
تفصيلات أكثر.
وأياً كانت هذه اللجنة فإن عملها يعتبر تكتلاً انشقاقياً عن صف الجهاد العام في
وقت هو بحاجة إلى الوحدة وتماسك الصف والتضامن وقد توج الشيعة محاولاتهم
الرامية إلى تحقيق مكاسبهم الخاصة بتركيز قواتهم المسلحة (حسب تقارير عسكرية
من الداخل) حول كابل ليكون لهم شرف مشاركة فعالة تتناسب وطموحاتهم عند سقوط العاصمة.
وأمام هذه المحاولات الموغلة في النزعة الأنانية يتحتم على المجاهدين أن
يتخذوا مواقف أكثر صلابة وأكثر ثباتاً تجاه أي أقلية تحاول استغلال الظروف
والثغرات لتحقيق أهداف ومكاسب ليست من حقها أو تحاول اللعب على أكثر من
حبل وفق أسس مصلحية لا مبدئية.
كما يترتب على المجاهدين مد الأيدي وبناء العلاقات الأفضل مع بقية
الأحزاب الجهادية من أهل السنة والتي تنتظم خارج الائتلاف السباعي، فمثل
هؤلاء كان ومازال لهم دور مشرف في الجهاد وكانوا وما يزالون أحزاباً جهادية
إسلامية من أهل السنة والجماعة، وكل ما في الأمر أنهم لم ينصهروا تحت الاتحاد
السباعي لأمور سياسية.
والخلاصة أن المطلوب من المجاهدين الفعليين رص الصفوف، وإزالة
الخلافات الجانبية، والتنبه إلى ما يحاك لهم في الخفاء، ولاعذر لهم بادعاء الجهل
بذلك، لأن القاضي والداني والعالم والجاهل أصبح على بأن الروس الذين عجزوا
عن تنفيذ مآربهم بالقوة العسكرية المباشرة لمن يتخلوا عن استغلال نقاط ضعف
محيطة بالمجاهدين إن لم تكن قادرة على هزيمتهم فهي لاشك ستجعل تحقيقهم
لأهدافهم المشروعة صعباً، ولن يفشل هذه الخطة ويهزمها سوى الوعي والتعالي
على الخلافات والعصبيات وإخلاص النية لله الذي يُعادَون من أجل التمسك بدينه لا
لشيء آخر.