تأملات دعوية
[نعم للحاسب ولكن!]
محمد بن عبد الله الدويش
انتشر اليوم استخدام الحاسب الآلي في أنحاء العالم. والعالم الإسلامي جزء
من هذا العالم الواسع، حتى أصبحت مقولة: الأمية ألاّ تعرف الحاسب مقولة قابلة
للنقاش على الأقل في عصرنا.
ورافق القفزات الهائلة في هذا العالم الحاسوبي انتشار طائفة من البرامج
العلمية والشرعية، وانتشار مواقع دعوية على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) .
وما من شك في أن لهذا الجهاز أهميته وفوائده حين يحسن استخدامه.
فالبرامج العلمية والموسوعات تتيح قدرات وإمكانات هائلة في البحث
والمراجعة، وتوفر إمكانات النسخ واللصق وقتاً لأولئك الذين يستخدمون الحاسب
في تحرير أبحاثهم وتدوينها، كما تخدم برامج تحرير النصوص وقواعد البيانات
طائفة ممن يسعون لضبط أعمالهم وإدارتها؛ فهي تهيئ للباحث إمكانات وقدرات لا
تهيئها له غيرها من الوسائل والأدوات، وتوفر له قدراً من الوقت والجهد.
والحاسب اليوم أصبح يتخطى حواجز كثيرة، ويخاطب فئات لا يمكن
مخاطبتها بالوسائل العادية، ويوفر قدراً من الأموال والجهود التي تصرف في غيره
من وسائل الخطاب.
ويخدم الحاسب اليوم في التعلم الذاتي، فيستفيد منه طائفة ممن لا تتيسر لهم
أسباب التعلم.
إلا أن التعامل مع هذا الجهاز ينبغي أن يكون باعتدال؛ فمع التأكيد على
أهمية الاستفادة منه واستثمار إمكاناته إلا أن هناك جوانب عدة يجب أن توضع في
الاعتبار:
الأول: لا بد من الحذر من أن تطغى مساحة الاهتمام والتعامل مع هذا الجهاز
على المساحة المتاحة للكتاب والقراءة؛ فلا غنى لطالب العلم عن القراءة والجَلَد
فيها والمكابدة، والحاسب بما يوفره من متعة وسهولة في التعامل ربما كان أكثر
إغراءً في إغفال أهمية القراءة.
الثاني: يخدم الحاسب في سرعة الوصول إلى المعلومة، بل ربما لا يمكن
الحصول عليها من غير طريقه، لكن لا بد من الحذر من الاعتماد عليه وحده في
البحث؛ إذ إن ذلك يعني ألا تكون للباحث صلة بالكتاب، وألاّ يعرف طريقة
المؤلف في ترتيبه وتبويبه.
الثالث: نظراً لأن الحاسب يعمل بطريقة آلية صرفة؛ فكثيراً ما ينفي الباحث
وجود معلومة في الكتاب؛ والسبب في ذلك أنه أخطأ في إدخال الكلمة، أو استخدم
كلمة مرادفة لما في الأصل، أو أن مُدخل النص وقع في تصحيف أو تحريف؛ وما
أكثر ذلك.
الرابع: كان السلف يحذرون كثيراً من التصحيف والتحريف في الكتب، ولذا
كان الوقوع في آفتي التصحيف والتحريف من مؤيدات مقولة: من كان أستاذه كتابه
كان خطؤه أكثر من صوابه، ولئن كانت الكتب المطبوعة تعاني من هذه الآفات،
فالبرامج الحاسوبية اليوم لها النصيب الأكبر ما بين سقط، وخطأ في إحالة، وخطأ
في تخريج، وتصحيف وتحريف؛ خاصة أن كثيراً من أعمال الحاسب يتم إدخالها
على أيدي فنيين ونساخ غير مختصين، إضافة إلى أن حمى المنافسة تدفع للتسرع
في إخراجها قبل نضجها.
ولعل من الأخطاء الطريفة في هذا الباب ما وقع في أحد برامج الحديث
الشريف في كتاب صحيح مسلم باب جواز إرداف المرأة الإنجليزية والصواب
الأجنبية.
الخامس: الجرأة على استخدام البرامج غير الأصلية، والاعتداء على حقوق
المؤلفين، وقد أفتت مجامع عدة بتحريم ذلك ومنعه، فلا أقل من الورع، خاصة
في استخدام البرامج الشرعية.
السادس: الحاسب يستهلك وقتاً هائلاً من بعض من يتعامل معه، فلا بد من
الحذر من استهلاك الوقت وضياع ساعات العمر.