المنتدى
وقل اعملوا!
علي حسن العتيق
شكلت الحضارة الإسلامية قفزة في السلوكيات والمبادئ وأسلوب الحياة
وأسلوب المعيشة التي تعيشها متفردة عن الأمم الأخرى تميزاً وغنى..
كانت بحق حضارة متميزة قبل أن تعرف البشرية حضارات العالم الجديد التي
تحيط بنا الآن فارضة نفسها إلى درجة المحاولة الجادة بلا هوادة أن تطمس في
تيارها الجارف كل ملمح لغيرها وبالذات الهوية الإسلامية التي كانت قروناً خلت
هوية العالم!
إنه لغني عن القول أنه ما من سبب للقوة التي كانت تحياها الأمة سوى السير
على منهج الله القويم الذي يصنع الشخصية المتكاملة الرصينة؛ فلقد عدّت إظهار
الكبرياء أمام العدو مطلباً مهماً، في حين أنها أي الكبرياء محرمة بين المسلمين؛
فالله تعالى يريد فينا القوة؛ وما كان الضعف ولا الضعيف مهاباً أبداً ولن يكون،
ويعلمنا أن الضعف علة وداء تأتي من أحد سببين: الرزق، والأجل.
فأما الرزق فالقرآن يقرر أنه بيد الله وحده ولا يملك أحد سواه أن يمنعه أو
يزيده أو ينقصه قال تعالى: [وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (٢٢) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ
وَالأَرْضِ إنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ] [الذاريات: ٢٢، ٢٣]
وكذا الأجل: [وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إلاَّ بِإذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُّؤَجَّلاً]
[آل عمران: ١٤٥] .
والرزق مكتوب ومحدد قد جفت صحفه، وكذا الأجل لا يطيله جبن ولا
ينقصه جهاد، والحياة حلوة، والنفس تواقة إلى الخلود، ولذا نجد الإسلام يربي فينا
التطلع إلى أعظم خلود وأدوم نعيم.. إلى الشهادة التي لا يعد فيها المسلم ميتاً إلى
حين يبعث فقد قال تعالى: [وَلا تَحْسَبَنَّ الَذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ
عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ] . [آل عمران: ١٦٩]
إنه منطق القوة الحقة.. ولذلك أمرهم بإعداد القوة وأسبابها: [وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا
اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ] [الأنفال: ٦٠]
لقد فهم المسلمون الأولون القرآن الكريم الفهم المطلوب؛ ذلك الفهم الذي
منحهم القوة في كل وقت وعلى أي حال، ذلك الفهم جعل بعض الصحابة رضوان
الله عليهم وهم قلة مستضعفون لا يملكون اللجوء إلى المدينة؛ وفق شروط (صلح
الحديبية) . إنهم أسارى في مكة تحت القهر والعنت، لا يستطيعون الفرار ولا
القرار براحة، جعلتهم هذه التربية القرآنية أقوياء؛ فـ (أبو بصير) وحده يفعل
الأفاعيل بقريش. فلماذا تعجز أمتنا بما لديها من قدرات وثروات عن اقتلاع العدو
الجاثم على صدرها؟